لطالما كانت الولايات المتحدة تعتبر نفسها راعية للديمقراطية وحقوق الإنسان، والآن ستستخدم هذه الشعارات كورقة ضغط في مفاوضاتها وصفقاتها التجارية، دون مراعاة للمبادئ أو القيم التي كانت تروج لها.

سيحل اليوم، بدلاً من الدبلوماسيين المدربين، سياسيون يمارسون خطاب الاستفزاز بأسلوب علني، وكأن أميركا تريد أن تعود لتصبح “الشرطي” الذي يبتز العالم بوضوح ودون مواربة، وكان أول تصريحات الرئيس رقم 47: “لن يكون هناك مكان للمهرجين في الشرق الأوسط!”

بالطبع سيكون للمنطقة نصيب الأسد من هذا التحول، وستمارس أميركا سياستها بمنطق “إما معنا أو ضدنا” مع تجاهل تام لأي مواقف وسطية أو مصالح دولية أخرى. ومن يجرؤ على أن يغرد خارج الفريق الأميركي، سيكون في مواجهة الحملات العسكرية والضغوط الاقتصادية تحت ذريعة “تهديد الأمن القومي للولايات المتحدة”.

من الواضح أن المصالح الاقتصادية الأميركية هي في قمة هرم الاهتمام للرئيس الجديد، إذ ستكون العقوبات المالية هي اللغة الجديدة التي ستتحدث بها واشنطن مع دول الخليج العربي، وستعود “البقرة الحلوب” إلى الواجهة، ولكن هذه المرة ستكون بشكل مختلف، حيث ستمتد يد أميركا حتى إلى حلفائها الأوروبيين، الذين لن يسلموا من هذا المنطق الجديد الذي يرى العالم كسوق تجاري لا مكان فيه للضعفاء والمترددين.

تبعاً لذلك، يُتوقع ألا يحدث الاستقرار في المنطقة قبل أن نرى الرئيس دونالد ترامب يعقد صفقات تجارية مع الحكومات ذات السجل الحقوقي السيئ، وللزيادة في السخرية، ربما سنراه يعود في اليوم التالي ليندد بالدول الأخرى لأسباب حقوقية!

إنه عصر جديد، عصر تُسوّق فيه المبادئ دون الحاجة إلى الالتزام بها، فلقد قررت أميركا أن تسير على طريق يجعل الربح فوق كل اعتبار، سواء أكان ذلك من خلال الصفقات المباشرة أو من خلال الهيمنة العسكرية على حساب الاستقرار السياسي والدولي.

عودة ترامب إلى البيت الأبيض كرئيس للمرة الثانية يظهر أن واشنطن قررت التخلي عن لغة السياسة كما عهدها العالم في مرحلة الديمقراطيين، وبعد ثلاث سنوات من التوتر والتقلبات التي شهدتها السياسة الداخلية، يبدو أن شعار الإدارة الحالية هو (الربح أولاً، الكلام البذيء ثانياً، والابتزاز ثالثاً).

لقد تغيرت أميركا.. من صوت الديمقراطية والعدالة كما تدّعي، إلى قطب تجاري عسكري يتحدث بلغة الربح والموت، ولن تتوانى عن استخدام الصفاقة والقتل في سبيل فرض سيطرتها، ويبدو أن العالم سيكون مجبراً على التأقلم مع هذا التحول الغريب.