من اغتال احلام الديمقراطية فى تونس ؟ / أحمد الحباسى

0 268
أحمد الحباسى – الإثنين 14/10/2024 م …

 لعله أحد الأسئلة الخطيرة و المهمة التي يتداولها الإعلام و المتابعون للشأن السياسي في تونس بل لنقل أنه و نظرا لحالة الانقسام بين التونسيين فالكل يرمى بالسؤال إلى الجانب الآخر كأن  الحديث عن الديمقراطية و التساؤل على الجهة التي تنبذها و تسعى جهدها للتعتيم عليها و ضربها في الصميم هو جريمة  لا غفران فيها . منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن على  ليلة 14 جانفى 2011  صعد الإخوان الفاسدون للحكم  و جاؤوا  بمتشرد سياسي مشبوه  أسمه محمد المرزوقي كما صعد بقايا من كانوا يتدثرون نفاقا  بالإرث البورقيبى مثل الرئيس الراحل الباجى قائد السبسى  و حاليا أحد الممثلين  السياسيين الذي يقول عن نفسه أنه بلا حزب و لا  انتماء لأي جهة و لعل ما يجمع هذا الخليط العجيب  من أدعياء الثورة و النضال و التقوى و حب الوطن و الدفاع عن الشعب المنهوك  هو حديثهم بين الأمس و إلى اليوم عن الديمقراطية و ولعهم و شغفهم الغير المحدود بهذا الكيان الذي لا يعلمون عنه شيئا رغم مزاعمهم و ترهاتهم و تصاريحهم الكاذبة الخادعة .

 يدعى الشيخ راشد الغنوشى  مرشد حركة النهضة مثلا أنه من الثوار الأشاوس و من المطالبين بالحرية و الرافضين للاستبداد و المنادين بالانتخابات الحرة الشفافة و النزيهة و أنه من المدافعين عن أهم مطالب الشعوب و هي الديمقراطية  لكن الحقيقة أن رجلا  مثله تربى  طيلة حياته على مفهوم السمع و الطاعة و التقية و التمكين الذي يعتبر الدستور الوحيد لحركة الإخوان المسلمين لا يمكن أن يتحول بقوة قادر أو بمجرد نزوة مسقطة  إلى  فاعل في المشهد الديمقراطي و مؤمن أشد الإيمان بحرية التعبير و بالتداول النزيه على السلطة  و لعل تشبثه المتواصل بالبقاء على رأس حركته الظلامية الإرهابية طيلة أكثر من خمسين سنة  و ضربه لكل معارض أو مطالب بالتغيير أو الانتخاب النزيه لم يعد سرا و ما حصل لمن أمضوا وثيقة المائة الشهيرة للمطالبة بتنحيته حين رفض سماعهم و أجابهم تلك الإجابة بأن جلده كجلد التماسيح لا يأبه الهزات و لا المعارضات هو أقوى دليل على نفوره العنيف من مفردة اسمها الديمقراطية .

بطبيعة الحال هناك من  المواطنين و المثقفين و المناضلين  و من أصحاب الرأي من يطمح  لبزوغ شمس الديمقراطية الحقيقية في تونس و هؤلاء  يشعرون بأن حركة النهضة التي حكمت البلاد طيلة عشرية كاملة قد دمرت كل الطرق و الأنهج و المسارب  المؤدية  للديمقراطية  و اقترفت من الجرائم المرعبة و الفظيعة ضد حرية التعبير و الديمقراطية  ما يكفى ليرهب و يخيف التونسيين الذين عقدوا الأمل بأن عهد ما بعد الرئيس بن على سيكون بداية حقبة زاهرة يتم فيها ترسيخ  جذور و قواعد الديمقراطية.  إن اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى و من حصل بعدها من ارتدادات إضافة إلى عدم كشف الحقيقة حول هاتين العمليتين   القذرتين أدخل   المسار الديمقراطي الوليد إلى غرفة الموت السريرى  و حتى  صعود التيار البورقيبى المزور الذي مثله الراحل الباجى قائد السبسى قد كان مجرد حمل كاذب و حقبة  تضرر منها ما تبقى من الأحلام و الآمال بل أنه يمكن القول أن الرجل الذي نكث كل وعوده بمجرد صعوده للرئاسة قد كان أكثر خطرا على الديمقراطية الوليدة  من جماعة الإخوان لما مثله  من خيبة أمل لدى الأغلبية .

 ربما هناك من يظن أن الرئيس قيس سعيد لا يؤمن بالديمقراطية و هو يرى ككثير من الحكام العرب  أن هذا الشعب حتى يستقيم حاله  لا يستحق إلا شخصا كالحجاج بن يوسف الثقفي  و لذلك يميل سيدته دائما إلى استعمال نفس خطاب  الحجاج مسرفا في التهديد و الوعيد  مرفقا ذلك بعبوس الوجه و انعدام الابتسامة  .  صحيح أن ما ورثه الرئيس قيس سعيد إرث  كبير من التسيّب في القول و العمل  بحيث بات الحديث عن هيبة الدولة مجرد مزحة ثقيلة  و صحيح أن هناك  منظومة فساد و مافيا تجارة  في كل الممنوعات  و لوبيات عميلة و مخابرات متآمرة و مال فاسد و جمعيات مشبوهة و خزينة مفلسة إضافة إلى دولة مكبلة بالديون  و لكن من المؤكد أن المعالجة يجب أن لا تكون بنفس أسلوب الترهيب المفرط بل بإتباع  سياسة متوازنة تجمع بين المرونة و التجميع و بعث الأمل و المحاسبة و الابتعاد كليا عن تسييس القضاء و إنشاء المحكمة الدستورية و الحرص على حرية التعبير و القبول ببعض الانزلاق أحيانا  و تشجيع المناضلين الصادقين حتى لو كانوا في الأحزاب أو الهيئات الوطنية المعارضة . من الواضح أن رئيس الدولة مصر من خلال خطابه الأخير على معاكسة الوقائع و الواقع و رفض النصيحة مؤملا أن يستطيع تحقيق نتائج في فترته القادمة  لكن الطريقة الخاطئة لا تؤدى إلا للنتائج الخاطئة كما يقول أهل علم الحساب .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

1 × 3 =