الضفة في طوفانها الناري تكسر القيد من جديد / محمد العبد الله

0 284

محمد العبد الله * ( فلسطين ) – الجمعة 6/9/2024 م …

_ ” كتيبة جنين… هي كتيبة الحرية، كتيبة جنين الملحمة “.

القائد ” زياد نخالة ” الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين – من كلمة له في يوم عملية نفق الحرية 6 / 9 / 2021 في سجن جلبوع.

_ ” في نهاية المطاف فلسطين ستنتصر… هكذا قال لنا الشهداء، والشهداء قومٌ لا يكذبون “.

باسل الأعرج _ من كتاب ” وجدت أجوبتي…هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج ”

   مدخل

يعتبر يوم السادس من أيلول / سبتمبر 2021 انعطافه مهمة في تاريخ الصراع العربي – الفلسطيني / الصهيوني – الإمبريالي. فَتَحَ، محمود ومحمد وزكريا وأيهم ومناضل ويعقوب، بإرادتهم أولا، وبأظافرهم، وبما ملكت أياديهم من أدوات بدائية بسيطة، ثانيا، بابا للحرية من فوهة نفق في معتقل ” جلبوع ” دُرة السجون الصهيونية النازية.

تأتي أهمية عملية ” كسر القيد ” الاستثنائية أنها جاءت في مرحلة السكون القسري نتيجة الإجراءات / العمليات التي تناوب عليها – ومازالت للآن – الغزاة المحتلين وأجهزة أمن سلطة أوسلو في رام الله، مما أعاد تثوير الحالة الجماهيرية التي كانت وستبقى، الحاضنة الشعبية، والخزان الذي يغذي صفوف الفدائيين بالمزيد من المقاتلين الجدد.

ونحن نحتفي بهذه المناسبة، وقبل ساعات من كتابة المقال، ارتقى شهيدا، الفدائي محمد الزبيدي مع عدد من رفاقه أبطال الاشتباك اليومي، وهو ابن الأسير زكريا الزبيدي أحد أبطال عملية ” كسر القيد “، في عملية اغتيالٍ نفذتها طائرات جيش القتلة في محافظة طوباس.

ارتدادات طوفان الأقصى المجيد

تقفز الضفة الغربية المحتلة منذ أيام لتحتل المشهد الميداني، رغم الحضور الواقعي والموضوعي لما تمثله غزة العزة منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023. أحد عشر شهراعلى المذبحة / الإبادة التي يقوم بها كيان الغزاة الصهاينة، مدعوماً بالسلاح والمال والاستخبارات والإعلام من حكومات الاستعمار الغربيبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من دول التطبيع والتبعية في الإقليم، مازالت مستمرة من أجل تصفية المقاومة المسلحة، والاستمرار في ممارسة القتل الوحشي للمدنيين.

أكثر من 336 يوما والمقاومة الباسلة تواجه آلة التدمير والقتل ببطولات يعترف بها العدو قبل الصديق، باشتباكات يومية مع قواته البرية على امتداد مساحة القطاع، واستهداف مدرعاته بمختلف أنواع القذائف، وقصف بالصواريخ لمستعمرات العدو في المركز والأطراف، مترافقا معها، الصمود الأسطوري بالبقاء، والثبات داخل القطاع رغم موجات النزوح المتكررة، وانعدام شروط الحياة الإنسانية بسبب التدمير المنهجي لجيش العدو لكل البنية التحتية، وحرق الأرض الزراعية، وإغلاق البحر بالرصاص بوجه من يحاول الصيد. وقد أذهل حجم التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني، العالم، لأنه أثبت قدرته على التحمل بما يفوق قدرة البشر.

الضفة الغربية في عين العاصفة

لم تأت الموجة الحالية من العمليات الفدائية من العدم. فقد استفادت التشكيلات المقاتلة من التجارب التي راكمتها قوى النضال الوطني الفلسطيني عبر عدة عقود، ويسجل التاريخ لملحمة مخيم جنين في بداية شهر إبريل / نيسان 2002 التي قاتل فيها الفدائيون لأكثر من عشرة أيام جيش الغزاة البري المدعوم بالآليات والطيران في عدوان عسكري فاشي حمل اسم ” السور الواقي “، بتكتيكات مدروسة وخبرات عسكرية أذهلت قيادة العدو، وارتقى عدد كبير من الفدائيين الذين سطروا بدمائهم أسماءهم أبطالهم سجل التاريخ. ومازالت ذاكرة الشعب في جنين وخارجها تحتفظبأسماء ” محمود طوالبة ويوسف ريحان ونصر جرار وطارق زياد درويش “وغيرهم العشرات ممن لا يتسع المقال لذكرهم. وقد استشهد في تلك الملحمة البطولية 58 من أبناء المخيم وأكثر من مائة وخمسون جريحا، واعتقل المئات من أبنائه، في مجزرة استهدفت البشر والحجر وكل مظاهر الحياة والوجود. وبالمقابل قتل خلال هذه المعركة 50 جنديا وضابطا للعدو، كما تعرض العشرات لإصابات بالغة.

لم يهدأ مخيم جنين أو ” عش الدبابير” كما أسماه العدو، عن مقارعة المحتلين، في كل عام يتعرض المخيم والمدينة لعدوان جديد يهدف – كما يدعي العدو – ” تفكيك وتصفية أوكار الإرهاب”. لهذا فإن ما يعيشه المخيم منذ أكثر من أسبوع ما هو إلا النسخة الأحدث في عمليات القتل والتدمير التي تقودها حكومة الإبادة في كيان العدو. والتأكيدات التي تأتي على لسان المجرمين ” نتنياهو، سموتريش، بن غفير، والعشرات غيرهم من أعضاء الكنيست وميليشيات المستعمرين الإجرامية ، هي الأخطر من حيث المضمون والتوقيت، لكونها الوجه الآخر لما يحدث في غزة العزة من قتل وطرد / تهجير، وهذا ما يتكرر في مخيمات المدن التي تتعرض للعدوان ” طولكرم ، نابلس،وطوباس ” وفي بلدات عدد كبير من محافظات ” الخليل ، بيت لحم ، جنين ، والأغوار ” من تدمير لكل مقومات الحياة ؛ تجريف الشوارع، تخريب وتحطيم المنازل والمحلات، والبنية التحتية منشبكات المياهوالصرف الصحي وخطوط الكهرباء والقطاع الصحي والتعليمي، وجعل الإقامة في المخيمات وعدد من البلدات ، صعبا إن لم يكن مستحيلا. وقد ارتقى منذ يوم الأربعاء 27 / 8/ 2024 ، 39 شهيدا وأكثر من 145 جريحا في الضفة  ما يرفع العدد الإجمالي للشهداء منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 691 شهيدا وما يقارب 5700  جريحا. وتحوز محافظة جنين على العدد الأكبر من الشهداء منذ انطلاق المجزرة الجديدة قبل أسبوع ونيف”. كما جاء فيبيان وزارة الصحة يوم 5 / 9 /  2024.

يبدو أن ما كشفت عنه صحيفة ” إسرائيل هيوم ” بعددها الصادر يوم 3 / 9 الجاري بـ” أن الضفة الغربية تحولت من ” قنبلة موقوتة ” إلى ” قنبلة في طور الانفجار” مما دفع بالقيادة العسكرية والأمنية في كيان العدو إلى اعتبار ” الضفة الغربية ساحة قتال ثانية، مباشرة بعد غزة “، بعد أن كانت النظرة لها ” ساحة قتال ثانوية منذ بدء الحرب – الإبادة – في غزة ، يقرع جرس الخطر الداهم في الحالة السياسية والفصائلية والشعبية الفلسطينية والعربية، مما يستدعي من قوى المواجهة وإدامة الاشتباك العسكري الميداني، والسياسي ، على كافة المستويات أن تُقلع عن الرهان على ” رؤية بايدن لوقف المجزرة ” وعن تكرار الأسطوانة المشروخة، والعبارات المعروفة– بيان اجتماع ” العلمين ” لبعض الفصائل في العلمين / مصر، أواخر تموز / يوليو 2023 – التي نقرأها مرارا عن ”  ضرورة انعقاد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات “، و ” قيام دولة فلسطينية مستقلة ” والدعوة لـ ” عقد اجتماع الأمناء العامون ” و” الدعوة لانتخابات مجلس وطني جديد ” وأحيل القراء للقراءة والتدقيق في آخر طبعة مكررة لهذا ” المونولوج ” كما تضمنها ” إعلان بكين “.

    التهجير والطرد بالقتل والتدمير

انفجار الوضع في محافظة الخليل في الأيام القليلة الفائتة، كما حصل في مستعمرتي ” غوش عتصيون و كرمي تسور ” يوم الجمعة 30 / 8، و يوم الأحد في الفاتح من شهر أيلول / سبتمبر الجاري بالقرب من حاجز ” ترقوميا ” الاحتلالي، أدى إلى هزة قوية في صفوف جيش الغزاة وأجهزتهم الأمنية.ترافقت مع الإعلان الواضح عن المواقف الفاشية / العنصرية / الإجرامية كما جاءت على لسان وزراء وأعضاء كنيست زاروا موقع العمليات الفدائية في تلك المناطق. وقد أكد سير العمليات الفدائية المتصاعد أن إدارة الاشتباك بهذا الشكل لم تعد ” حالات فردية ” ، بل هي خطة عمل ميدانية تقف خلفها قوى سياسية ومسلحة، تعمل من خلال رؤية ” تكتيكية و استراتيجية ” على توسيع رقعة الاشتباك مع العدو، لإحباط مخططاته في ” الانفراد ” بالفدائيين في كل مخيم وبلدة ومدينة، وإسقاط برنامج حكومة المستعمرين في تفريغ الضفة من أصحابها الأصليين من أجل خلق واقع ” سكان أقل ، أرض أكثر ” يساعد في عملية  ضم الضفة لكيان الغزاة المحتلين، وهذا ماظهر في الخريطة التي شرح عليها ” نتنياهو ” رئيس حكومة الإبادة خطته الدموية خلال مؤتمره الصحفي يوم 2 / 9 ، من إلغاء حدود المناطق التي احتلت عام 1967، بما يعني ” ضم الضفة الغربية المحتلة إلى كيان العدو “. وتأتي تصريحات منقولة عن وزير الخارجية في حكومة المستعمرين ” يسرائيل كاتس ” (أن نحو مليون فلسطيني يمكنهم مغادرة الضفة الغربية ولديهم إقامة في مكان آخر … مليون شخص يُمكنهم المغادرة ولديهم وثائق للإقامة في مكان آخر بينهم 700,000 أردني). تأخذ هذه التصريحات مكانها في أجواء سياسية لافته ” أحاديث كبار المسؤولين في الحكومة عن الخطر الديموغرافي العربي، الخريطة في المؤتمر الصحفي، التوحش المتصاعد في ممارسات ميليشيات المستوطنين / المستعمرين من خلال هجماتهم على السكان وحرق ممتلكاتهم ومزروعاتهم وسرقة مواشيهم “، لتضيء جميعها مع ما يحدث على الأرض من تدمير وقتل، من البدء بتنفيذ خطة قديمة / جديدة لضم الضفة.

خاتمة

إن نقاشا حقيقيا يجب أن يبدأ عن كيفية تطوير المواجهة مع الغزاة في الضفة المحتلة والمستباحة على ضوء تسارع الأحداث فيها على ضوء المجازر الميدانية والسياسية لحكومة القتلة، والمواقف الميدانية للسلطة التي كشفت عما هو أبعد وأعمق من ” التنسيق الأمني “.

آن الأوان لأن يتم النقاش ومن ثم التوافق على برنامج عمل للتنفيذ، حول كيفية تحصين الحالة الشعبية ودعمها من أجل استمرار صمودها في وطنها، وهل من الممكن الذهاب لـ ” عصيان مدني “، وكيف ستتعامل ” سلطة التعاون الأمني” مع أي أشكال كفاحية في مواجهة مجازر العدو.

وأنهي مقالتي بفقرة من المقال الذي حمل عنوان ” نظرات في الهبة الشعبية ” المنشور في كتاب  ” وجدت أجوبتي … هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج ” (اليوم الأمور تتغير، اليوم يُخلق بشرٌ جديدون، اليوم يٌبعث أناسٌ لا يقبلون الدنية في دينهم ووطنهم، اليوم تُقلب الصّفوف ليصبح الآخِرون هم الأولون والأولون هم الآخِرون).

*  كاتب وسياسي فلسطيني

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

8 + 11 =