الرد الإيراني / محمد عبد الشكور

226

في ليلة الرد الإيراني على إسرائيل التي جعلت العالم كله في توجّس وترقّب بضع ساعات؛ كتب أحدهم وهو يمسك بهاتفه المحمول “التمثيلية الإيرانية كشفت عن أن بيننا شيعة.. تم حظر بعضهم، وجارٍ البحث عن الآخرين”.

هكذا اختزل بعضهم الردّ الإيراني المحسوب بدقة؛ حتى لا تتطور الأحداث في قضية السنّة والشيعة، واعتبرها بعضهم تمثيلية، وبعض الآخر وصفها بأنها مسرحية، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي ليلتها تستقبل تغريدات ومنشورات المرجفين في المدينة التي تتهكّم على الرد الإيراني الذي عرف به القاصي والداني قبل حدوثه.

تناسى من وصفوا الرد الإيراني بأنه مسرحية أو تمثيلية متفق عليها، أن الجانب الإيراني ليست له حدود مباشرة مع الكيان الصهيوني، ويبعد عنه آلاف الكيلومترات، ورغم ذلك جعل الصهاينة يعيشون ليلة كلها رعب ذكّرتهم بالسابع من أكتوبر وطوفان الأقصى، بل إن المحور الإيراني هو الوحيد منذ بداية حرب الإبادة على أهلنا في غزة الذي يشتبك بالصهاينة من عدة جبهات.

نعم، قد تكون هذه الاشتباكات شبه اليومية من خلال حزب الله في لبنان، والمقاومة في العراق، والحوثيين في اليمن، لم تصل إلى معارك كبيرة، ولكنها تكلف العدو أرواحا وسلاحا وأموالا كثيرة يتكبّدها يوميا، فضلا عن شغل عشرات الآلاف من الجيش الإسرائيلي في الدفاع عن الشمال، ونزوح جميع مواطنيه، وترك مستوطناتهم للعيش في فنادق على حساب الدولة، وهو ما يكلفها أموالا باهظة.

موقف طائفي

لقد كان موقف بعض الساخرين من الهجوم الإيراني -الذي يعتبر الأول من نوعه ضد الكيان منذ نشأته- ينطلق من موقف طائفي، وتناسوا أن المنطق يحتم عليك وضع يدك في يد أي شخص يقف معك ضد الكيان، والتحالف معه؛ لكي توقف العدوّ عند حدّه، أو تسدد له لكمة، أو ضربة موجعة.

فلو كنت تحب المقاومة، وتقف معها، فعليك أن تدعو الله أن يكثر من حلفائها، بغضّ النظر عن مذهبك، ولا تجعل اختلاف المذاهب يمنعك من الاعتراف بالفضل لكل مَن يقف معها، سواء كان يتفق مع عقيدتك، أو يختلف معك في المذهب الديني، وإذا كنت تراها مسرحية فلن يُحدِث اعتقادك شيئا فيما يجري حولك من أحداث.

قد يرى بعض الناس أن الرد الإيراني غير رادع، ولكنه حمل رسائل كثيرة، أهمها تغيير ميزان القوى بالشرق الأوسط، وجعل العدو يقضي ليلته في المخابئ مع استعدادات كبيرة، فقد قدّرت بعض المواقع العبرية تكاليف التصدي للهجوم الإيراني بما يفوق مليارا و300 مليون دولار، فضلا عن أن الليلة التي مرت على الكيان جعلته يشعر لأول مرة بغربته فعلا عن المنطقة.

مسرحية أم تمثيلية؟

ويغيب المنطق عن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي بفعل الذباب الإلكتروني عندما يصوّرون الأمر على أنه مسرحية متفق عليها، فهل ضمن هذه المسرحية كان قصف السفارة الإيرانية في دمشق، وقتل مَن فيها، ومنهم قيادات في الحرس الثوري الإيراني؟

لقد غرّد بعض ساكني قطاع غزة، وقالوا “لقد بتنا ليلة لم نسمع فيها أصوات الطائرات والقصف”، وإذا كان هذا هو المكسب الوحيد من الرد الإيراني على إسرائيل فهذا لمن يعانون من القصف يوميا يكفي، وإذا كان من ضمن تداعيات هذا الرد كشف حقيقة الكيان المحتل، وضعفه في انتظار مصيره وهو ينتظر الصواريخ والمسيّرات؛ فهذا يكفي.

قد يتناسى بعضهم -عن عمد- أن إيران لم تعلن الحرب على إسرائيل؛ ولكنها أعلنت الرد فقط، وبطريقة محسوبة ومدروسة، -كما قالت- لأن إيران تعلم تماما أن الكيان المحتل لا يقف وحده، وإنما معه أمريكا والدول الغربية كلها بالسلاح، والعتاد، والجنود، وكلهم بلا استثناء يضعون إيران هدفا نصب أعينهم، سواء هدفا حاليا، أو هدفا مستقبليا.

وهذا ما حدث بالضبط، فمجرد أن أعلنت إيران ردها سارعت أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بالوقوف بجانب إسرائيل، وتصدوا معها للصواريخ والمسيّرات الإيرانية، ولولا وقوفهم مع الكيان ربما كانت نتيجة الرد الإيراني ستكون أقوى مما حدث؛ ولكن مسارعة الدول الغربية وأمريكا لنجدة إسرائيل خففت من قوة الرد.

ووفقا لما أعلنته وسائل إعلام غربية؛ فإن هذه القوات تصدت لحوالي 99% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي لم تكلف إيران كثيرا، فهي تنتجها ولا تستوردها؛ ولكن صدّ الهجمات كلف إسرائيل وتابعيها مليارات الدولارات، فضلا عن الفزع والرعب اللذيْن أصابا الكيان الصهيوني في ليلة لم تمر عليهم من قَبل.

حرب مباشرة

ولأول مرة، تتحول الحرب بين إيران وإسرائيل من حرب بالوكالة إلى حرب مباشرة، ويتحول الصراع المستتر بينهما إلى معارك مكشوفة، وتفرض إيران سيطرتها لليلة كاملة على سماء الشرق الأوسط، وسماء الكيان المحتل، لتؤكد لنا وللجميع أن الكيان أوهن من بيت العنكبوت، ولولا الحماية الأمريكية والغربية لما بقي ساعة واحدة.

والشيء بالشيء يذكر؛ فإن بعض كارهي الرئيس الراحل محمد أنور السادات قالوا عن انتصار مصر في حرب أكتوبر “إنه مسرحية بين السادات وإسرائيل؛ لإنقاذه من الحرج، ويُمنح على إثرها بعض المكاسب، فيما تتلقّى إسرائيل مكاسب كبرى”، ومِن مثل هؤلاء مَن يردد أن الرد الإيراني مسرحية متفق عليها بين إسرائيل وإيران.

فإذا كان ما حدث مسرحية أو تمثيلية فدعونا نر من الساخرين الواقع، ونرى مسرحيات وتمثيليات كثيرة من الدول العربية التي تحيط بإسرائيل من جميع الجبهات، وربما كانت مسرحياتهم أكثر واقعية.