ربح البيع.. إسماعيل هنية! / سيد أمين

267

سيد أمين ( مصر ) – الأحد 14/4/2024 م …

يا له من نجاح في الابتلاء، ذلك الإيمان العميق النادر الذي يتحلى به قادة المقاومة الإسلامية العربية عموما والفلسطينية خصوصا، بدءًا من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وانتهاء بأنصار الله في مواجهة عدو متغطرس وأخ متخاذل.

ففي أول أيام عيد الفطر المبارك، كانت هناك منحة تنتظر رمزا من رموز المقاومة لكنها أتت له في شكل محنة، حينما استهدف طيران الكيان الصهيوني سيارة تقل أولاد وأحفاد المجاهد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فاستشهد ثلاثة من أولاده وحفيدان له وأحد أقاربه، وهم جميعا مدنيون ولم يكونوا يقومون بأعمال المقاومة، وذلك بعد أشهر من استشهاد 14 شخصا من عائلته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بينهم شقيقه، وبعد أيام من اعتقال شقيقته في بلدة تل السبع في النقب.

بالطبع لن يتذمر حكام الغرب من استهداف أبناء وأحفاد عضو بارز في حركة حماس حتى لو كانوا أطفالا أو مدنيين؛ لأنهم ببساطة هم من ساعدوا القاتل بالمال والسلاح والدعم السياسي من قبل على قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ولم يقرروا تشغيل زر إنسانيتهم قبل إعطاء القاتل الفرصة الكاملة في تنفيذ عملية الإبادة.

أما المجاهد هنية -مثله مثل الكثير من نماذج أهل غزة الذين ضربوا لنا أمثالا نادرة في الجلد والصبر على البلاء وأعادونا إلى عصر صدر الإسلام- فقد نعى أولاده وقال إنهم قد كُرّموا بهذا الاستشهاد مثلهم مثل 33 ألف شهيد ارتقوا في غزة، يعتبرهم جميعا أبناءً له وإخوة.

منحة من قلب المحنة

المنحة في الأمر -فضلًا عن أن الارتقاء جرى في يوم من أهم أيام المسلمين لم يراع العدو حرمته- أن الواقعة أخرست بشكل عملي أهم نقاط الارتكاز الدعائية التي كان يعمل عليها الذباب الإلكتروني الصهيوني الناطق بالعربية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أن قادة المقاومة يرسلون أبناءهم إلى الخارج ومعهم ثرواتهم، في حين يعرضون حياة أبناء القطاع لخطر الموت جراء الحرب التي أشعلوها.

وإسماعيل هنية من أهم الشخصيات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تناولتها الشائعات التي يطلقها الذباب بشكل واسع، وبينهم إعلاميون عرب كثر في العديد من العواصم العربية ذات العلاقات الدافئة مع إسرائيل، ليس الآن فحسب ولكن حتى أثناء حروب أقل ضراوة من تلك الحرب.

وكأن هنية ضحى بأولاده وأحفاده ليخرس ألسنة الطابور الخامس، في حين أن من حق قادة أي حركة مجاهدة ضد عدو همجي يملك تقنيات متطورة وفي منطقة جغرافية محدودة كغزة أن يرسلوا أبناءهم إلى الخارج لكي يتفرغوا هم لأعمال المقاومة، ويعرضوا أنفسهم هم للخطر نيابة عن الأمة، وإذا قتل العدو مدنيين أو نساء وأطفالا فالجرم هنا يقع أصلا على العدو الذي يستهدف أهدافا لا يحق أبدا لجيش مسلح بأسلحة وأجهزة رصد متطورة أن يستهدفها.

لذلك فمن يستحق اللوم على الصمت على هذه الجرائم هو المجتمع الدولي ومؤسساته، والعار كل العار على شعوب هذا الوطن العربي الذي كنا نظنه كبيرا وحرا ونابضا بالعزة والكرامة، ثم وجدناه يشارك المغتصبين الصهاينة اغتصاب أرضه وعرضه وبني جنسه ودينه.

مشاريع شهادة

كل قادة حماس والمقاومة الفلسطينية عموما يعرفون أنهم مشاريع شهادة، وليس خافيا على أحد أن جميع مناصب القيادة في مثل هذه الحركة المجاهدة تتعقبها بلا شك العديد من أجهزة الاستخبارات الدولية الكبرى بهدف تصفيتها، وبالتالي فإن شغلها مناصبها قطعا سيكون غرما على شاغليها طبقا لحسابات الانتفاع الدنيوي، ولكنه لدى الشاغلين تقرُّبٌ إلى الله في الجهاد، خاصة أن جميع عناصر الحركة تربوا تربية إسلامية صحيحة تعتبر أن الموت ليس نهاية المطاف، ولكنه مجرد مرحلة من المراحل التي سيمر بها الإنسان، ثم ينتقل بعدها من دار الفناء إلى دار الخلود، في الجنة أو النار.

ويؤمنون أيضا بأن مسألة الموت مبكرا أو متأخرا هي مسألة تتعلق بتقديرات الله وقضائه، فإذا تأخر العمر فهو لحكمة ربانية وقد يكون عقوبة لصاحبه في صورة مرض أو افتتان، وإذا قصر فهو أيضا لحكمة قد يكون نعمة لصاحبة وخلاصا من الشرور، وبأن الشهادة هي جائزة للمتقين ممن اصطفاهم الله من بين خلقه، وأنها تكريم رباني يجب على المؤمنين المسارعة للظفر به.

وهذه التربية هي التي أكسبت الأبطال البسالة ومكنتهم من رسم تلك البطولة التي توثق الكاميرات كل يوم فصولها في غزة، وكيف أن مجموعات من الشباب مسلحة بأسلحة شبه بدائية استطاعت توقيف عدة جيوش واستخبارات مدججة بأحدث آلات الفتك والقتل وتسجيل انتصارات هائلة عليها، وما ذلك إلا لأن قوما يحبون الشهادة يقاتلون أقواما تحب الحياة.

عموما ما لم تدركه إسرائيل هو أن اغتيال من غايته الشهادة، هي منحة لا محنة.

ربح البيع.