ماذا تفعل البحرية الهندية في البحر الأحمر؟

319

مدارات عربية – الإثنين 8/4/2024 م …

 * تحاول الهند تبرير تزايد وجودها البحري ونشاطها في منطقة البحر الأحمر بمحاربة القرصنة، لكنها باستعراضها آخر عملية ملاحقة ناجحة لقراصنة صوماليين ترغب في إرسال إشارة دولية بأنها قوة يفترض احتسابها في ظل الصعود الصيني.

تبلور الحضور العسكري الأميركي بقوة في المحيط الهندي وجواره إبّان الحرب العالمية الثانية، “وعُزّز طيلة أمد الحرب الباردة، وأضحت مياهه مكوّناً مهماً في استراتيجية واشنطن” في تلك المنطقة.

أمّا نسج أقوى “علاقات الشراكة في عموم المحيط الهندي”، فقد كان من نصيب الهند مع الولايات المتحدة. وقد ارتفع مستوى “التعاون العسكري بين الطرفين إلى أعلى مستوياته عام 2022″، بحسب بيانات البنتاغون (دراسة “معهد كارنيغي”، 15 حزيران/يونيو 2023).

منذ تولّي ناريندا مودي رئاسة وزراء الهند عام 2014، شرع في تطبيق رؤيته لأولوية “القومية الهندوسية” في الداخل، والمطابقة لسياسة حزبه القومي “بهاراتيا جاناتا”، وإحداث تحوّلات استراتيجية في تحالفات الدولة التاريخية التي كانت تنشد سياسة الحياد وتوازن علاقاتها بين موسكو وواشنطن. وكان مودي أول رئيس وزراء في تاريخ الهند يزور “إسرائيل” عام 2017.

وفي السياق عينه، انحاز مودي إلى الموقف الصهيوني بدعمه بنيامين نتنياهو عقب عملية طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقال في بيان صادر عنه: “لقد صدمت بشدة من الهجمات الإرهابية في إسرائيل. نصلي وندعو للضحايا الأبرياء وعائلاتهم. نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة”، كما أوعز لمندوب بلاده الدائم لدى الأمم المتحدة بالامتناع عن التصويت لمصلحة مشروع قرار بوقف إطلاق النار في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

التطابق التدريجي بين سياسات الهند، إبّان رئاسة مودي، مع إيقاع السياسات الأميركية ليس فيه مبالغة أو تجنٍّ. وقد نالت نيودلهي تأييد واشنطن في عدد من الملفات الدولية، على الرغم من ضيق المساحة هنا لتناول دور الهند في محور “بريكس” ومعارضتها القوية لانضمام الجزائر إلى عضوية الحلف الدولي الناشئ.

على الرغم من “عدم مشاركة الهند في تحالف حارس الازدهار الأميركي في البحر الأحمر”، شرعت نيودلهي “في تعزيز وجودها في المنطقة الممتدّة من شمال ووسط بحر العرب إلى خليج عدن، وأرسلت 10 سفن حربية بدلاً من اثنتين تتمركزان عادة في المنطقة” (صحيفة “وول ستريت جورنال”، 17 شباط/فبراير 2024).

وأضافت الصحيفة: “الهند سعت من خلال موقفها ذلك لتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، ما يعني تطابق نظرتها إلى الصراع مع منظور الولايات المتحدة، التي اتخذت موقفاً مفاده أن هذا يتم بتحريض إيراني”.

وتجري القوات البحرية الأميركية ونظيرتها الهندية “مناورات عسكرية مشتركة، ويتم تبادُل المعلومات الاستخباراتية والانخراط المتزامن في التدريبات العسكرية والبرامج التعليمية” (دراسة “معهد كارنيغي”، 15 حزيران/يونيو 2023).

سياسة واشنطن الآسيوية النشطة منذ بداية ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما ركزت جهودها وتحالفاتها الإقليمية والدولية على مواجهة “عسكرية محتملة” مع الصين، وأضحت بوصلة توجهاتها مع القوى الأخرى، بما فيها الهند وما تمثله من قوة اقتصادية وسوق استهلاكي للمنتجات الأميركية.

لكن بعض مراكز الأبحاث والدراسات النافذة في صنع القرار السياسي الأميركي يحذّر باستمرار من مخاطر نشوب صراع مسلّح مع الصين في ظل التحولات الاستراتيجية الدولية في الدرجة الأولى، وبعضها يسلّط الأنظار على تآكل البنية الاستراتيجية بعد نهاية الحرب الباردة، وتداعيات هزائم واشنطن في حروبها منذ إطلالة الألفية الجديدة.

وأشار بعضها بقوة إلى ظواهر “تضاؤل تماسك الحكومة الأميركية (منذئذ)، وتفكّك نسيج المجتمع، وانتشار التهديدات” الداخلية والعالمية، وهي كلها “تؤشر إلى نهاية عصر القوى الكبرى الصناعية، وولوجها عصر القرون الوسطى”، واستطرد: “شهدنا لعدة سنوات بوادر على تآكل عصر الازدهار وتراخي متانة الأوضاع الداخلية. استنتاجات كل العلوم الاجتماعية تقريباً أشّرت إلى دلائل الانحسار والتقهقر” (دراسة “مؤسّة راند”، 19 آذار/مارس 2024).

يجمع الخبراء العسكريّون على أن من جملة أهداف الهند من تعاونها المتنامي مع الولايات المتحدة يتصدرها صراعها التاريخي مع الصين، إلى جانب طموحها لتصبح أحد الأقطاب الاقتصادية الدولية. نجد تجسيداً لذلك في صفقات المشتريات العسكرية الأميركية التي “تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار لشراء 31 طائرة من دون طيار من طراز “بريداتور”، نصفها مخصص لسلاح البحرية.

وأكّد وزير خارجية الهند، سوبرامانيام جيشينكار، حديثاً أن قدرة بلاده “المتنامية ومصالحها وسمعتها تستدعي مساعدتها في المواقف الصعبة”، وقابله القائد الأعلى للبحرية الشرقية الهندية، بيسواجيت داسغوبتا، قائلاً: “هناك تنسيق كافٍ مع الولايات المتحدة والدول الأخرى ذات التفكير المماثل في الجبهة البحرية”.

ولدى الهند حالياً “سفينتان حربيتان في خليج عدن، و12 سفينة حربية في شمال وغرب بحر العرب”، وحاملتا طائرات وتشغيل محطات للرادار ومراكز الرصد في مياه المحيط الهندي لمراقبة التحركات البحرية المختلفة، وطائرات استطلاع في منطقة بحر العرب.

وأنتجت البحرية الهندية خلال الأعوام العشرة الماضية أكثر من 12 سفينة حربية مسلّحة بالصواريخ والطوربيدات، يتم إنتاجها جميعاً محلياً لقوتها البحرية، ووصل إجمالي عدد السفن الحربية في أسطول الهند إلى 140 سفينة.

الصراعات التاريخية على الحدود المشتركة بين الصين والهند أنتجت تحالف الصين مع باكستان في إطار ذلك النزاع، فيما اتجهت نيودلهي نحو موسكو، ومن ثم إلى واشنطن. تمدد الصين عالمياً عبر استراتيجية “الحزام والطريق” استدعى تعزيز علاقاتها مع باكستان، وإنشاءها قاعدة عسكرية في جيبوتي قرب باب المندب والبحر الأحمر، وتحديثها ميناء جوادر الباكستاني وميناء هامبانتونا في سريلانكا، وآخر في ميانمار، فضلاً عن تطويرها جزيرة اصطناعية في جزر المالديف، وتوسيع قاعدة بحرية في كمبوديا، ما يعني تطويقها الهند في خليج البنغال.

في الطرف المقابل، تنشط الهند في تكثيف حضورها الاقتصادي في مياه ودول الخليج العربي، منها عُمان التي منحتها حق الرسو في موانئها، والمشاورات الثنائية بينهما لإنشاء خط أنبوب غاز طبيعي تحت المياه. كما لدى الهند علاقات وثيقة مع كل من السعودية والإمارات. وقد تشاركت الدول الثلاث في مناورات بحرية في عام 2021.

يلفت بعض الاقتصاديين الأنظار إلى أهمية العامل البشري الهندي في دول الخليج العربي كأحد عناصر السياسة الهندية المتّبعة، إذ يقدر حجم العنصر الهندي في دولة الإمارات بنحو 38% من مجوع السكان، بما فيهم “الوافدون”. وبذلك، فإنهم يشكلون أكبر مجموعة عرقية في الإمارات، وبنسبة 3 أضعاف المصريين في المرتبة الثانية، بنحو 10%.

تزايد استهلاك الهند للنفط ومشتقاته في الآونة الأخيرة ينذر بتعريض إمدادات الطاقة للخطر، إذ احتلت المرتبة الثالثة عالمياً باستهلاكها نحو 205 ملايين طن من المشتقات النفطية عام 2022. كما تعتبر الهند مستورداً رئيسياً للنفط الخام الروسي بعد إنزال واشنطن العقوبات بصادرات موسكو النفطية، وبلغ نحو 4 ملايين برميل من النفط الخام، كما تطمح نيودلهي إلى زيادة حجم مساهمتها في تصدير المنتجات النفطية، خصوصاً إلى أوروبا، عبر البحر الأحمر وقناة السويس.

اقتصاد الهند، بحسب صندوق البنك الدولي، يصنّف بأنه “اقتصاد سوقي نامٍ متوسط الدخل”، وهو نظام يستند إلى سياسات اقتصادية حمائية دعمتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، ويعتبر سادس أكبر سوق استهلاكي عالمياً. وقد بلغ حجم اليد العاملة في الهند نحو 500 مليون عامل لعام 2019.

يشكل قطاع الخدمات نصف الناتج المحلي. وقد ارتفع معدّل الدين العام إلى 86% من الناتج الإجمالي للعام نفسه، والهند من الدول الأولى عالميًّا من حيث عدد فاحشي الثراء من شريحة المليارديريين، وتعاني من تفاوت شديد في الدخل وتقلّص فرص العمل إلا تلك التي تحتاجها الأسواق الغربية، خصوصاً الأميركية، في صناعة الأدوية، لتدني كلفة إنتاجها ووفرة أرباحها.

تميّزت الهند في العقود القريبة الماضية بازدهار عمالتها التقنية في مجال تكنولوجيا المعلومات نظراً إلى تدني أجور العمّال، إذ بلغت نحو 3.7 مليون من إجمالي 500 مليون في السوق، لكنها أضحت مهددة بمنافسة التقنيات الجديدة لتحل محل الأيدي العاملة، مقرونة بتباطؤ كبير في توظيف عمالة جديدة. وتشير بيانات البنك الدولي إلى تعرّض نحو 69% من الوظائف للتهديد (تقرير شبكة “بي بي سي”، 25 أيار/مايو 2017).

على الرغم من مجمل الخطوات الاقتصادية لحزب ناريندا مودي، وتخبّط التطبيقات، واتساع الهوّة الفاصلة في توفر اليد العاملة، فإنَّ تلك السياسات أخفقت في توفير فرص عمل لطواقم الخريجين والمهارات التي انتقلت إلى العمل في الأسواق الغربية لتتسع الفجوة مرة أخرى، ويتم حرمان المناطق الريفية من الأطباء والاختصاصيين بسبب تلك السياسات.

تحاول الهند تبرير تزايد وجودها البحري ونشاطها في منطقة البحر الأحمر بمحاربة القرصنة، وخصوصاً بعد عودة نشاط القرصنة من الصومال، ولكنها باستعراضها آخر عملية ملاحقة ناجحة لقراصنة صوماليين ترغب في إرسال إشارة إقليمية ودولية بأنها قوة متنامية يفترض احتسابها في ظل الصعود الصيني اقتصادياً وعسكرياً.

لتاريخه، لم يتم استهداف سفنها من قبل أنصار الله في اليمن، ولكن إذا تبين أنها تنشط لدعم الكيان الصهيوني، فستكون عرضة لما يطال القوات البحرية الأميركية وكل من يساند جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.

التعليقات مغلقة.