يوم القدس العالمي ومواجهة الأخطار المحدقة بالمدينة المقدسة / بثينة عليق

254

بثينة عليق ( لبنان ) – الأحد 7/4/2024 م …

* قرار السيطرة على القدس والاستيلاء على حاضرها وذاكرتها ومستقبلها ومعالمها ليس حكراً على اليمين المتطرف في “إسرائيل”. إنه محط إجماع لدى كل القوى والمكونات الإسرائيلية.

يتأكد، بعد مرور نحو 45 عاماً على إعلان الإمام الخميني آخر يوم من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس، أهمية هذا الإعلان ودوره في تحفيز الوعي تجاه المدينة المقدسة.

لقد كرس قائد الثورة الإسلامية، عبر مبادرته هذه، مركزية القضية الفلسطينية لدى المسلمين، ومركزية القدس ضمن هذه القضية، في ظل الأخطار الكبيرة التي تهدّدها، والتي أعلنتها “إسرائيل” من دون أي مواربة، وترجمتها منذ عقود، فقامت بمصادرة الأراضي والمنازل المقدسية، ونظّمت حملات تهويد لكل معالم المدينة المقدسة، وصولاً إلى التخطيط لتدمير المسجد الأقصى.

اللافت أن قرار السيطرة على القدس والاستيلاء على حاضرها وذاكرتها ومستقبلها ومعالمها ليس حكراً على اليمين المتطرف في “إسرائيل”. إنه محط إجماع لدى كل القوى والمكونات الإسرائيلية، كما أنه يحظى بدعم وتأييد كبيرين من الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً من الحركات والمنظمات المسيحية الصهيونية صاحبة النفوذ الكبير داخل أروقة الإدارة في واشنطن.

يتبين من خلال المتابعة أن هناك تناغماً كبيراً بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي فيما له علاقة بالقدس، وأن كل المحاولات لتدمير التراث الإسلامي للمدينة شكّل مجال تعاون مشترك وجدي بينهما.

إن مقولة بن غوريون: “لا إسرائيل من دون القدس، ولا قدس من دون هيكل، ولا هيكل مع وجود المسجد الاقصى”، تتلاقى مع ما قاله القسّ هول ليندسي، أحد منظري التيار المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية: “لم يبقَ سوى حدث واحد ليكتمل المسرح تماماً أمام دور “إسرائيل” في المشهد العظيم الأخير من مأساتها التاريخية، وهو إعادة بناء الهيكل القديم في موقعه القديم”، ويقصد بالطبع القدس.

هذه المقولات سرعان ما تحولت إلى محاولات حثيثة من جانب أطراف إسرائيلية متعددة، وبدعم وتمويل من منظمات أميركية لإيجاد طريق لها إلى أرض الواقع. المحاولة الفعلية الأولى كانت في آب/أغسطس 1967 بعد شهرين من احتلال القدس.

اقتحم الحرم الإبراهيمي خمسون مسلحاً يهودياً، يتقدمهم حاخام الجيش الإسرائيلي شلومو غورن، الذي أصبح فيما بعدُ حاخام “إسرائيل” الأكبر.

حاول المقتحمون يومها تدمير المسجد الأقصى. المحاولة تكررت بعد عامين في آب/أغسطس 1969 عندما تعرض المسجد الأقصى للحريق الشهير، الذي أتى على 1500 متر مربع من أصل 4400 متر مربع، هي مساحة المسجد الإجمالية. منفذ هذه العملية لم يكن يهودياً، وإنما من إحدى الحركات المسيحية الصهيونية، التي تَعُدّ قيام “إسرائيل” واحتلال القدس وبناء هيكل يهودي على أنقاض المسجد الأقصى من الشروط التي يجب أن تتحقق للعودة الثانية للمسيح.

كما هو معلوم، فإن تيار المسيحية الصهيونية متغلغل بقوة داخل الولايات المتحدة الأميركية، ويُعَدّ نفوذه من ضمن عدة أسباب تدفع واشنطن إلى الدعم غير المحدود لـ”إسرائيل”.

يؤمن هذا التيار بأن إرادة الله متمثلة بقيام “إسرائيل”، وأن الله يساعد من يساعد “إسرائيل” ويعادي من يعاديها، وأن قيام “إسرائيل” يُعَدّ من العلامات التي تنبئ بعودة المسيح الثانية. وبالتالي، فإن الدفاع عن “إسرائيل” هو عمل ديني يتعلق بثوابت إيمانية، وليس مجرد موقف سياسي يتأثر بالمتغيرات من الأحداث.

هذا التيار يتضمن آلاف المؤسسات ووسائل الإعلام والقساوسة الإنجيليين، الذين يَرون أن “إسرائيل” نعمة إلهية تؤدي إلى خلاص البشرية.

يتحرك هؤلاء لدعم “إسرائيل” في كل المحطات المفصلية، ويرون أن “إسرائيل” تتباين عن كل الكيانات السياسية الأخرى في العالم، وأن القوانين الدولية الوضعية لا يجب أن تطبق على “إسرائيل”. تعاظم تأثير هذا التيار داخل الإدارات الأميركية مع مرور الزمن.

ويذهب خبراء في الشأن الأميركي إلى الكلام على هيمنة هذه الحركة الدينية على المطبخ السياسي الأميركي، وخصوصاً فيما يتعلق بمنطقتنا وبالقضية الفلسطينية، وتحديداً القدس. وشكلت إدارة الرئيس ريغن فرصة في تعاظم هذا النفوذ في مواقع القرار الأميركي من خلال استشارة شخصيات دينية من هذه الحركة عند اتخاذ أي قرار يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.

في زمن ريغن، وتحديداً في عام 1984، تم الكشف عن مخططين وضعتهما جماعة غوش إيمونيم لتدمير المسجد الأقصى. يقضي المخطط الأول بتفجير المسجد. أما المخطط الثاني فهو إلقاء قنابل حارقة من طائرة، لكن المحاولتين تم التراجع عنهما خوفاً من أن يطال التفجيران ما يسميه اليهود حائط المبكى والمستوطنين اليهود في القدس القديمة.

هذه المخاوف لم توقف المخططات، وخصوصاً أن التمويل الأميركي كان يشكل حافزاً قوياً على عدم التراجع وعلى تجديد المحاولات، بصورة مستمرة. يلاحظ في هذا السياق أن اليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة الأميركية ينشط في جمع التبرعات بهدف تهويد مدينة القدس وبناء الهيكل.

ويعطي هذه الأعمال أبعاداً مقدسة. ليس ذلك فقط. تنظم المنظمات الصهيونية المسيحية عملية اختيار حجارة البناء وصقلها وتجميعها في موقع خاص إلى حين تدمير المسجد الأقصى والمباشرة بعد ذلك في بناء الهيكل المزعوم.

في مقابل هذه الأجواء على مستوى المنظمات والجمعيات الأميركية، لم تكن الأجواء الرسمية في واشنطن أقل تطرفاً. دعمت الإدارات الاميركية المتعاقبة الموقف الإسرائيلي الرافض أي إجراءات “تسووية” بشأن القدس، وامتنع الأميركيون عن ممارسة أي ضغط جدي على “إسرائيل” يُلزمها بتحديد وضع القدس، وخصوصاً الأماكن المقدسة فيها.

إلا أن المماطلة الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، ادت إلى تفجير المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مع اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/سبتمبر 2000 بعد دخول شارون المسجد الأقصى، متجاهلاً كل المواثيق والأعراف الدولية. خطوة شارون الاستفزازية حظيت بالدعم الكبير من جورج بوش الابن، الذي وقع في عام 2002، استجابة لمطالب اليمين الإنجيلي، قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مع أنه لم ينفذ القرار.

حتى بعد شارون، ومع وصول أولمرت ثم نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لم تسفر المفاوضات، سواء تحت عنوان خريطة الطريق أو مؤتمر أنابوليس، عن أي نتيجة في ملف القدس، بل على العكس استمرت “إسرائيل” في نشاطها الاستيطاني مع توالي المواقف المؤكدة أن القدس ستبقى عاصمة “إسرائيل”، ليصل التأييد الأميركي إلى ذروته مع قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس في عام 2017. ومرة جديدة، كان للتيار المسيحي الصهيوني دور في هذه الخطوة. لقد تبيّن أن ترامب تأثر بالقس المتعصب روبرت جيفرس، الذي تولى مباركة القرار.

في مواجهة كل هذا المسار، كانت الخطوات العربية والإسلامية لا ترقى إلى المستوى المطلوب. قرار تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي لجنة خاصة لوضع استراتيجية مشتركة لتحرير القدس في عام 1979 لم يجد طريقه إلى التنفيذ، وضاع في متاهات الأنظمة العربية والإسلامي.

ونتيجته “لاشيء”. وحده قرار الإمام الخميني إعلان يوم القدس العالمي، والذي صدر في العام نفسه، شكّل خطوة نوعية ارتقت وتطورت خلال العقود الأربعة الماضية، بدءاً بقرار إبدال السفارة الإسرائيلية بالسفارة الفلسطينية في طهران، مروراً بتقديم كل أشكال الدعم إلى المقاومة الفلسطينية، وصولاً إلى المشروع المتكامل لمحور المقاومة، حيث للقدس مركزية كبيرة.

التعليقات مغلقة.