الذكرى السنوية الأولى لرحيل رفيقة العمر – أم ثائر … الحلم على حافة المستحيل / د. سمير محمد ايوب

245

د. سمير محمد ايوب ( الأردن ) – الأربعاء 3/4/2024 م …

كانت الراحلةُ حُلُماً أقوى مِنْ واقِعِه، حاوَلَتْ وهي تَنتصبُ بِجانبي، هوِيَّةً ورايَةً مُضيئةً، العيشَ خارجَ الحُلُمْ، فأنْهكَ المرضُ جسدَها، حتى هزَمهُ في الساعة الثامنة من مساء الخامس من نيسان العام الماضي 2023.
منذُ تِلكَ الثامنة، لَمْ تَمتلِئ بيوتُنا، ولا باحاتُ مقبرة سحاب، ولا قاعاتُ العزاء، بنبلاءِ المُعزِّينَ الصادقين فقط ، فبعضٌ منهم كان قد جاء من خارج أطر الحب أو الوفاء أو الحُزْنِ الصادق، وجاء بعضهم مِنْ خِيَمِ الواجب، وبعضٌ كان قد جاء مِنْ ضبابِ المُجاملة، أو مِنْ مُلابساتِ مصلحةٍ عابرة، جاء يَقْتَنِصُها من عباءات الحَزَنْ.
كنتُ في ذاك اليومِ وما تَلاه بحيرةٍ وحتى الآن، أغوص في تأمُّلِ غموضِ الابتسامات، التي كان بعض مَن في طوابير الوافدين والمغادرين من المُعزِّين، يرتدونها فوق مساحات وجوههم، وعيونهم تشع بوميض غامض حائر.
مِمَّا كان يُخفِّفُ عني فراغَ ذاك الوقت وما يزال، هو مَعاني الفَقْدِ ومَوقِعُ الفقيدة الذي خلا وسيبقى، هو شُعوري بأنني لم أكن حينَها وَحْدي في حُزْني ، وإن كان إحساسي بالخسارة قد تجاوز كل الحاضرين والغائبين بالتأكيد، بمعزلٍ عن تفاوتِ مَعرفتي الشخصية بِهم، ومعرفتهم الشخصية بالفقيدة.
أنجزَتِ الفقيدةُ مُهمَّتَها قَدْرَ إمكاناتِها، وتَرَكَت الطريق واضحة أمام ولَدَينا: ثائر وحسام وباقةٌ مِنْ بَرَرَةِ الأحفاد. كانت نجمةَ الحَيارى لِمَن حَوْلَها، تَسامَت بالرحيل وظلَّت حافِزاً على النهوض، فَلَم يُضِعْ السَّبيل مِمَّنْ تَرَكَتْ، إلا مَنْ أعمى اللهُ قلبَه وخَتَمَ على عَقله.
هذه تحيةٌ، لِلمشوارِ الذي امتد في قلبِ الصعوبات، وعلى حوافِّ المُستحيل، مِنْ ليلةٍ كان القتالُ فيها مِنْ بيتٍ لِبيت في بورسعيد، المدينة المِصرية التي هزمَت غُزاةَ مِصر في العدوان الثلاثي يوم 29/10/1956، وحتى الثامنة مِنْ مساء يوم الاربعاء الخامس من نيسان 2023 .
لم تَكُن الرِّحلةُ مغامرةً طائشة، بل محاولة جادة إتكأتْ على طموحاتٍ مُتحمسةٍ بِصدقٍ، به واجهت الواقعَ بأسبابه، وبعزمٍ أسقطَتْ مصاعبَه، التي كانت ترغَبُ في حبسنا في دهاليزِ ماضٍ عاجز.
بِرحيلها عُدتُ مُجدَّداً وحيدا، إلى متاهاتِ الحياةِ البهيَّة، وبِبسالة أكملُ بكل ما تبقى لي، فصلا جديدا مُتمِّماً، وأقاتل أعداءَ الفطرة وحقوق الله على الأبناء. برحيلِها خسرتُ لَسْعَ أحلامٍ كثيرةٍ جميلةٍ، وعلى سياج الحدائق خسرتُ ليلا طويلا، ولكن الإنسان لا يكتمل إلا بأحلام يعيش في ثناياها، وتَتجاوزُهُ في بعض الاحيان.
عرفت الراحلة وكان أول أسمائها رقية نجيب السيد، ورحلت وهي ام ثائر، ونحن شريكان في ولدينا ثائر وحسام وباقة من بررة الاحفاد. اسأل الله لهم طول العمر والعافية، وللراحلة الغالية رحمة واسعة، وجنات المتقين مقرا ومستقرا.

التعليقات مغلقة.