شهر آذار شاهد وشهيد / فيحاء عبد الهادي

233


 فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – السبت 30/3/2024 م …

أطلّ علينا شهر آذار هذا العام ليكون شاهداً وشهيداً،
أطلّ شاهداً على المذابح المتواصلة، التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني، وأطلَّ نهراً من دماء آلاف الشهيدات والشهداء في غزة.
أطلَّ ليصفعنا على وجوهنا؛ فلسطينيين وعرب ومناضلات ومناضلين من أجل الحرية عبر العالم.
غابت التهنئات والتحيّات التي طالما تبادلناها يوم 8 آذار سنوياً، بمناسبة يوم المرأة العالمي، ويوم 21 آذار، بمناسبة عيد الأم، وافترش الحزن والألم والغضب قلوبنا، إثر العدوان الوحشي الذي شنّه الجيش الإسرائيلي، ضد قطاع غزة؛ حيث قتل الجيش الإسرائيلي – وفقاً لإحصائيات الهلال الأحمر الفلسطيني، ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى يوم 21 آذار2024 –  تسعة آلاف واثنتين وعشرين امرأة، ويقتل يومياً سبعٌ وثلاثون أماً، ضمن مخطط الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي المتواصل في القطاع، تحت سمع العالم وبصره.
أطلّ آذار لا ليصفعنا فحسب؛ بل ليذكِّرنا بوجهه النضالي الذي تناسته بعض الدول، والتي ساندت المحتلّ في عدوانه، وبرّرت جريمة الإبادة الجماعية لشعب بأكمله، رغم توقيعها على المعاهدات الدولية التي توجب حماية المدنيين وقت الحروب، وخاصة اتفاقية جنيف لعام 1949، وبروتوكولها الإضافي لعام 1977، وتلك الدول التي ساوت بين الجلاد والضحية/ بين المحتلّ ومن يعيش تحت الاحتلال، متناسية انتهاك دولة الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي، الذي ينصّ على أن الاحتلال يكون مؤقتاً، ويوجب على دولة الاحتلال أن تنهي احتلالها في أقرب وقت ممكن، وأن تتصرّف بحسن نيّة، وبما فيه مصلحة السكان.
*****
هل اختلف موقف نساء العالم وتميّز، تجاه ما يحدث في غزة من عنف وحشي لم يميِّز بين امرأة ورجل، وبين طفل أو شيخ، مما لم يشهد مثله التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية؟
فاجأتنا بعض المنظمات النسوية التي طالما ناضلت ضد العنف والعسكرة والتمييز والاستعمار والطغيان؛ بموقف لا يساوي بين الجلاد والضحية فحسب، بل يدين المعتدي والمعتدى عليه بنفس القدر، في تجاهل تام لمبادئها، ومواثيقها، وبنود الاتفاقيات الدولية التي ناضلت وتناضل لإقرارها، وتطبيقها.
وفي الوقت الذي يشهد العالم فيه جرائم مروّعة، وانتهاكاً صارخاً لحقوق النساء الفلسطينيات بشكل عام، وحقوق النساء الغزاويات بشكل خاص؛ نتساءل عن تلك الأصوات المنظمات النسوية التي نادت طويلاً بأهمية حماية النساء والفتيات في مناطق الصراع، من خلال توفير ترتيبات مؤسّسيّة فعّالة، استناداً إلى قرار 1325؛ حيث توقّعنا أن ترفع صوتها عالياً لتطالب بحماية النساء الفلسطينيات في غزة.
ونتساءل عن مصداقية هذه المنظمات، التي طالما نادت بضرورة إنهاء سياسة الإفلات من العقاب، ومعاقبة المسؤولين عن كل أشكال العنف، استناداً إلى القرارين: 1325، و1889، تلك المنظمات النسوية، التي تعلن إيمانها بمبدأ المساواة، والكرامة الإنسانية، وتحارب التمييز ضد النساء، على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس؛ وتحارب الفقر، والاستغلال، وتدعو إلى استئصال الاستعمار، والعنف، والاحتلال الأجنبي، وتؤكِّد حق النساء جميعاً في التنمية، والتعليم، والرعاية الصحية، استناداً إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1977، وبروتوكولها لعام 1999.
*****
حين نستمع إلى شهادات نساء غزة، منذ أكتوبر 2023؛ نلمس ارتجاف قلوبهن، وحدّة نظراتهن، ونار غضبهن الحارقة؛ ربات بيوت، وعاملات، وطبيبات، وممرّضات، وأكاديميات، ومهندسات، وحقوقيات، وكاتبات، وصحافيات، وفنانات.
نساء غزة اللواتي ترتجف قلوبهن من هول ما يعانين، على المستوى العام والخاص؛ إذ يشهدن ويتعرَّضن هن وعائلاتهن لجرائم قتل مركَّبة، ومجازر وحشية يندى لها جبين الإنسانية؛ صليات رصاصات في الرأس، أو في القلب، أو القدمين، أو اليدين، وحرق بأنابيب الغاز، وهدم بيوت وأبراج سكنية على الرؤوس، وقصف صواريخ، وأحزمة نارية، على البيوت الآهلة بالسكان، والمدارس، والجامعات، ودور العبادة، والمنشآت الحكومية، والخاصة، والمؤسّسات، والمكتبات، وقصف كل ما هو متحرِّك، حتى سيارات الإسعاف، واستهداف المستشفيات، وحصارها، وترك الجرحى ينزفون حتى الموت، ومنع دفن الشهداء، وترك جثثهم في الشوارع نهباً للكلاب والقطط، والتجويع، وقطع مصادر المياه والكهرباء، ومنع المساعدات الإنسانية، ومنع الدواء والعلاج، بالإضافة إلى تشريد وتهجير مئات آلاف العائلات، حتى العاجزين منهم، مرة واثنتين وثلاثاً.
أما على المستوى الخاص؛ فالنساء يتعرّضن لانتهاكات جسدية واجتماعية ونفسية بالغة؛ في البيت، وفي المعتقل، وأثناء رحلة التهجير المرّة، وفي البلد التي هجِّرن إليها.
من النساء من فقدت الزوج، أو الابنة أو الابن، أو الأب، أو الأم، أو الأخ، أو أفراد عائلتها كافة، أما الحوامل منهن؛ فمعاناتهن تتضاعف؛ حيث لا رعاية صحية، ولا غذاء، ولا دعماً نفسياً.
ومن النساء من تعرَّضت لتجريد من ملابسها، أو غطاء رأسها، أو للتحرّش، أو للتعرية والتصوير، أو للتعذيب، أو للاغتصاب، أو الإعدام، من ضباط إسرائيليين، وفق تقرير وصفه “صندوق الأمم المتحدة للسكان”، بأنه مفزع، ونشره يوم 19 شباط  2024، ووفق تصريح ريم السالم “المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء”، في حديث لوكالة الأناضول، يوم 03 آذار 2024.
*****
تضم النساء الفلسطينيات أصواتهن إلى أصوات الخبيرات الحقوقيات الأمميات، اللواتي طالبن يوم 19 شباط 2024؛ بإجراء “تحقيق مستقلّ في الانتهاكات الإسرائيلية التي ارتكبت بحق نساء وفتيات فلسطينيات، بما في ذلك القتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي، في غزة والضفة الغربية”، ويطالبن بإرسال لجان تحقيق مستقلة في جرائم حرب الإبادة، والمجازر، التي يواصل اقترافها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، ضد شعب فلسطين بأكمله، لمساءلة ومحاسبة دولة الاحتلال على جريمة الإبادة الجماعية، وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 11 كانون الأول، 1946؛ الذي نصّ على أن “الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها”.
آن الأوان كي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، غير القابلة للتصرّف، وإنهاء أطول احتلال استعماري استيطاني صهيوني عنصري، لأرض فلسطين؛ كي يستطيع الشعب الفلسطيني – الذي يصمد ويقاوم هذا الاحتلال ببسالة نادرة – أن يستعيد حقوقه الوطنية كاملة، وأن يعيش بكرامة وأمان يستحقها، على أرض وطن حرّ.

التعليقات مغلقة.