الجغرافیا السیاسیة بعد الجاٸحة ومأزق النظام العالمي الیوم / محمد سعد عبد اللطيف

352

محمد سعد عبد اللطیف* ( مصر ) – الأحد 24 / أيار ( مايو ) / 2020 م …

لحظات مفصلیة بعد کل الأزمات الکبري التی یتعرض لها العالم من الحروب ، والأوبٸة ، والأزمات  الإقتصادیة فقد اعتاد العالم علی ذلك فی نشوء ۔نظام عالمي جدید ومرحلة مفصلیة ، من فرض تغییر فی خریطة الجغرافیه السیاسیة ، وظهور خریطة
سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة وثقافیة ۔ویرجع ذلك الی تأثیر طبیعة التغیرات الجذریة۔ وحجم الأزمة علی النظام العالمي ۔ففی أعقاب نهایة الحرب العالمیة الأولي والثانیة ۔اضطر العالم الی الجلوس ۔الی طاوله مفاوضات والجلوس والبحث عن حلول ۔فبعد إنهیار الإمبراطوریة العثمانیة ۔ظهرت دول علی الخریطة السیاسیة ۔وظهور أقلیات عرقیة ۔ومذهبیة ۔داخل حدود دول أخري وبعد الحرب العالمیة الثانیة ۔ظهر نظام جدید بعد زوال الامبراطوریة البریطانیه والفرنسیة التی کانت الشمس لا تغیب عن مستعمراتهما فی الشرق والغرب ۔ وظهور قوي جدیدة ۔بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة ۔والإتحاد السوفیتي ۔وتقسیم أوروبا ۔ودخول العالم فی نظام الحرب الباردة من صراعات ۔فهل نهایة  (جاٸحة کوفید 19 ) سیکون للعالم  نظام مراکز قوي جدیدة  ونظام یتشکل ۔بین الصین وأمریکا ۔هل العالم یعیش لحظات فارقة من أزمة فیروس کورونا ۔لن تقل بتأثیرها عن الأزمات الإقتصادیة التی حدثت عام 1930 م او وباء فیروس انفلونزا الاسبانیة عام 1918 م أو الحروب العالمیة السابقة  وإن أختلفت  التفاصیل  بعض الشیء مع إنتشار الفیروس بصورة أسرع مما
یتوقع ۔وتخطیة الحدود الجغرافیة وأن التداعيات  أصبحت أكثر تعقيداً وخطورة من حجم التوقعات. ولا سبيل أمام العالم في مكافحة الفيروس، إلا من خلال تنسيق دولي عالي المستوى، خصوصاً بعد أن تجاوزت الأزمة حدود الدولة الواحدة، لتشمل العالم بأسره دون استثناء. الأمر الذي وضع النظام الدولي برمته على المحك.وهو الإختبار الأول للنظام الأحادي ونظام العولمة ۔والقریة الصغیرة التی اصبحت  حبیسة داخل حواٸط اجدرة المنازال ۔إن فشل النظام العالمي وفشل التکتلات الاقتصادیة ۔فی أوروبا ۔ونجاحها فی دول مثل الصین وسنغافوره ۔والهند ۔یشکل مفترق طرق فی الخریطة السیاسیة بعد الجاٸحة ۔لقد ظهر نظام داخلي ومحلي داخل دول صغیره من الاعتماد علی مواردها المحدودة فی وقف الفیروس ۔من دول متقدمة والإعتماد علی مواردها البسیطة ۔وهذا یشکل نقطة إرتکاز لدول ۔تستطیع أن تخرج عن المنظومة الاحادیة والارتباط بها فی  نظامها السیاسي والاقتصادي ۔لقد فشل الأتحاد الأوروبي ۔فی مساعدة ایطالیا وأسبانیا ۔فی بدایة إنتشار الوباء وفی عدد حالات الوفاة ۔وظهرت الأنانیة ۔وإغلاق الحدود الجغرافیة ۔وحرکة الطیران والسیارات ۔وكان ارتفاع عدد المصابين، والضغط المتزايد على النظام الصحي، مروراً بافتقار مراكز البحث والمختبرات للحلول الناجعة دليلاً على حجم المأزق الذي تعيشه تلك الدول. ووجدت مظاهر العولمة نفسها، على حين غرة، في مواجهة حقيقية مع نفسها. واصطدمت مع مفاهيم وأدوات اللا حدود ۔ بشكل مباشر مع الوباء  يحمل في طياته وتداعياته كل مفاهيم وملامح «اللا حدود». فأصبحت القرية الكونية مهددة بوباء قادر على الانتقال من أقصاها إلى أقصاها في غضون ساعات، مستغلاً السيارات والطائرات والبواخر وحتى الهواء ، العالم یعیش مأزق نظام العولمة اليوم، ورمزيته لم يقف عند حد مواجهته لذاته، من خلال مواجهته لأزمة بحجم كورونا فحسب، بل إن المأزق قد تجاوز ذلك بأبعاد كثيرة، فتحولت ذات الأدوات المجسدة لنظام العولمة، إلى عوائق تحول دون مكافحة الفيروس. وأصبحت مفاهيم التبادل التجاري الحر وسهولة التنقل وسرعته، بحد ذاتها عوامل مساعدة على انتشار المرض لا حصره. الأمر الذي قلص خيارات الكثير من الدول في مكافحة المرض، بأن جعل الحل بحتمية تعطيل أبرز أدوات وركائز الربط والتدفق والاختلاط وحرية التجارة. وانتقل الحال على إثر ذلك من مرحلة اكتمال الحلم بعالم منفتح على بعضه البعض، يملك كل أدوات إذابة الحدود، وإلغاء مركزية الدول، إلى الارتداد نحو واقعية نقيضه، تؤكد بتفاصيلها على الضرورة المركزية ومحلية السلطة. وما بين ليلة وضحاها، عاد العالم إلى العمل وفقاً لخارطة الأقطار المتعددة، والكيانات المنفصلة عن بعضها البعض، بحدود سياسية وجغرافية لا بد من إغلاقها، وإيقاف الحركة فيما بينها. حيث لجأت كل دولة لتقنيات التجزئة، كإجراءات احترازية من أجل السيطرة على هذا الوباء والتخفيف من آثاره بعيداً عن الدول الأخرى. هل یجلس العالم بعد الجاٸحة علی طاولة مفاوضات ویتشکل عالم جدید ونظام جدید وخریطة سیاسیة جدیدة

*کاتب مصري وباحث فی الجغرافیا السیاسیة