متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والخمسون / الطاهر المعز

352

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 3/2/2024 م …

يتضمن العدد السابع والخمسون فقرات عن الإقتصاد العالمي، في ظل حرب أوكرانيا والعدوان الصهيوني على فلسطينِيِّي غزة، ومنها فقرة عن مكانة البحر الأحمر في الإقتصاد الأوروبي وفقرة عن شركات السلاح المستفيدة من الحرب، وفقرة بشأن بعض القراءات لمنشورات حديثة عن الإقتصاد السياسي، وفقرات عن اقتصاد إفريقيا (غينيا والنيجر) وفقرة عن نموذج من الرشاوى التي تُقدّمها الشركات العابرة للقارات للسياسيين الأمريكيين، وفقرة عن طلب أصحاب شركات السيارات الكهربائية وضع حواجز جمركية لعجز هذه الشركات عن منافسة السيارات الكهربائية الصّينية، وفقرات عن أهمية الصناعات الحربية في اقتصاد الدّول الإمبريالية وفي تصميم استراتيجيتها للهيمنة على العالم

 

مكانة البحر الأحمر في الإقتصاد الأوروبي

23 أدّت عمليات المقاومة اليمنية في البحر الأحمر إلى تعطيل الملاحة في قناة السويس، أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا، والتي تنقل ما بين 12% و 15% من حجم التجارة البحرية العالمية، وقد تُؤَدِّي عرقلة حركة التّجارة لفترة طويلة بهذا الشريان المُهم إلى تَضَرُّر الاقتصاد الأوروبي المُهَدَّدِ بالرُّكُودِ، في الوقت الذي يحاول فيه التخلص من التضخم المرتفع، في حين لا يزال أداء الاقتصاد العالمي أقل من المعدل، أي مُهَدّد بالتباطؤ أو بالرّكُود، ما خفض الطلب على بعض السلع والمواد الأولية، مثل النفط الذي لا تزال إمداداته مرتفعة في ظل تباطؤ الطّلب، ولذلك لا يظهر – حاليا – تأثير انخفاض الشحنات التجارية التي تعبر البحر الأحمر وقناة السّويس، وفقا لتصريح المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، غير إن اضطرار العديد من شركات الشحن تغيير طريقها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح رَفَعَ الأسعار، وبشكل عام، كلما طال أمد الاضطراب، زاد تأثيره على الإقتصاد وعلى الشركات ومن بينها شركات صناعة السيارات والتكنولوجيا التي تتزود بقطع الغيار المصنوعة في آسيا،

قَدّرَ صندوق النقد الدولي و”أكسفورد إيكونوميكس”، يوم الرابع من كانون الثاني/يناير 2024، ارتفاع تكاليف السلع بنحو 06%، بفعل ارتفاع تكاليف الشّحن، لأن الشركات العابرة للقارات نقلت المصانع ( لبعض القطاعات المُلَوِّثَة والتي تتطلب عمالة كثيفة) إلى البلدان الفقيرة بحثًا عن خفض التكاليف وزيادة الأرباح، ولا تريد تحمُّل تبعات ذلك، بل تريد تحميلها للمستهلكين…

 

المستفيدون من العدوان الأمريكي

أعلنت شركة جنرال دايناميكس لصناعة المُعدّات العسكرية يوم 24 كانون الثاني/يناير 2024، إن إيراداتها للرُّبع الرابع من سنة 2023 تجاوزت التوقعات وارتفعت الإيرادات الفصلية بنسبة 7,5% إلى 11,7 مليار دولارا، لتبلغ الإيرادات السنوية حوالي 47 مليار دولارا، بأرباح قدرها 14,5 مليار دولارا، بفضل “التّوتّر العالمي” حيث ارتفع الطلب على معداتها العسكرية، رغم ارتفاع تكاليف الشحن بسبب تًبِعات العدوان على فلسطينيي غزة، كما أدّت حدّة التوتر في آسيا، بين الصين والفلبين، فضلا عن الحرب في أوكرانيا والعدوان الصهيوني الأخير إلى تعزيز طلبيات شركات صناعة الأسلحة الأمريكية مثل جنرال دايناميكس ولوكهيد مارتن و فرع رايثيون ( RTX ) وحققت “وحدة الأنظمة القتالية” التابعة لشركة جنرال ديناميكس، والتي تصنع الدبابات، زيادة في إيراداتها السنوية بنسبة 14,8% مقارنة بالعام 2022، رغم انخفاض هوامش الربح ( بفعل ارتفاع نفقات الشحن) من 10,7% سنة 2022 إلى 10% سنة 2023، وفق وكالة رويترز التي أوردت كذلك خبر ارتفاع الطلب على طائرات شركة تكسترون (المتخصصة في صناعة طائرات رجال الأعمال ) من قِبَل الجيش الأمريكي الذي يستبدل مروحيات “بلاك هوك” بطائرات من نوع “بيل” التي تصنعها الشركة، وقد يطلب الجيش الأمريكي أكثر من أَلْفَيْن من هذه الطائرة المروحية، وبعد إعلان خبر احتمال ارتفاع عائدات وأرباح الشركة خلال سنة 2024، رغم الأوضاع الإقتصادية السيئة، ارتفعت أسهم شركة تكسترون بنسبة 4% يوم 24/01/2024، وكان الجيش الكندي قد تعاقد مع نفس الشركة لشراء طائرات مروحية بقيمة 2,28 دولارا كنديا.

البحر الأحمر

استخدمت الولايات المتحدة قناة السويس والبحر الأحمر لعبور الأسلحة والمعدّات المُتّجهة نحو المجموعات الإرهابية الموالية للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا والعراق، حيث كانت جل الهجمات الإرهابية تنطلق من مواقع مُحاذية للقواعد العسكرية الأمريكية وكانت الطائرات المروحية الأمريكية تحلق في أجواء المواقع التي تستهدفها المجموعات الإرهابية، وأهمها “داعش”، وأُصيبت إحدى السفن المُحَمّلة بهذه الأسلحة يوم 16 كانون الثاني/يناير 2024، ما جعل الولايات المتحدة وبريطانيا تسارع في العدوان على المقاومة اليمنية تحت يافطة “تحالف دولي” للدّفاع عن حُرية الملاحة والتّجارة بالبحر الأحمر، كما استخدمت الولايات المتحدة ودول أوروبا “حُرّيّة الملاحة” لتفريغ عدد هائل من حمولات الأسلحة الأمريكية والألمانية والسّوَيْدِيّة في ميناء أم الرشراش، ومن بينها أنظمة دفاع جوي ألمانية وسويدية الصّنع وأنظمة صواريخ مثبتة ورشاشات ثقيلة ووحدات “تشويش”، سبق اختبارها في أوكرانيا في إطار الحرب الإلكترونية على روسيا وتبقى بعض الأسلحة في فلسطين المحتلة فيما تتوجه أخرى بَرًّا إلى الأردن وإلى سوريا حيث مراكز تدريب المجموعات الإرهابية، بإشراف القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم)، وتمويل السعودية والإمارات وقَطَر، وسبق أن أعلنت إيران إن الولايات المتحدة تستخدم إقليم كردستان العراق لزعزعة استقرار إيران التي قصفت مَقَرّ الإستخبارات الصهيونية في أربيل (أهم مدينة في إقليم كردستان العراق، وهي تحت سيطرة عشيرة آل برازاني)

 

قراءات وملخصات

رَوّجَ مُنظِّرو الإقتصاد الرأسمالي نظريات هم أول من يُدْرِكُ خطأها، وما رَوَّجُوها سوى لمُخادعة الشعوب ومنها إن الأسعار يحددها العرض والطلب، وفي واقع الأمر يُحَدّد الرأسماليون الأسعار، ليس وفق تكلفة الإنتاج – كما يُدّعَى – وإنما وفق ميزان القوى الذي يميل لصالح رأس المال منذ انتصار الثورات البرجوازية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، وكان العُمّال والأُجَراء وصغار المنتجين (وقوة العمل) هم أول الخاسرين، ويدّعي هؤلاء الإقتصاديون إن المنافسة تُفيد المُستهلك، غير إن سيادة الإحتكارات قَضَتْ على المنافسة، وإن وُجد مُتنافسون فإنهم يتّفقون على صيغة تضمن عدم تجاوز الفوارق نسبة مُعينة (نسبة 5% أو 10% على سبيل المثال) وأن يبقى هامش الرّبح مرتفعًا، ويضُرُّ هذا الإتفاق بين الكواسر (الإحتكارات) الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخلافًا لما يدّعي خُبراء الرأسمالية من قدرة السوق على تنظيم نفسها دون الحاجة إلى تدخّل الدّولة، فإن جهاز الدّولة يتدخل عند الأزمات – التي تكاثرت – لضخ المال العام، دون استشارة المواطنين، وإنقاذ المصارف والشركات الإحتكارية التي تستغل وتضطهد العاملين والمُعطّلين وأغلبية أفراد الشّعوب، ومنها الشعوب العربية التي تسكن بلدانًا غير مُصنّعة، ومٌرتبطة اقتصاديا بالإحتكارات التي تتحكم بالنفط والفوسفات والموارد الطبيعية ونصّبت حُكّامًا عُملاء يُمثلون مصالح الشركات الإحتكارية الأجنبية، وأصبحت الأنظمة العربية من العوامل المُعَرْقلة للتنمية ولإطلاق الإقتصاد الإنتاجي

وردت عدة بيانات في تقرير التنمية الإنسانية في الوطن العربي، يمكن تلخيص بعضها كما يلي:

ارتفع عدد الأميين العرب من 58 مليوناً سنة 1982 إلى 61 مليوناً سنة 1990، وإلى حوالي 70 مليون سنة 2000 أو ما يفوق 40% من جملة القادرين على العمل (بين 16 و64 سنة) ما يُؤَدِّي إلى انخفاض مستوى الخبرات والمهارات التي تُساعد على زيادة وتحسين جودة الإنتاج، فضلا عن انخفاض الإستثمار وبالتالي انخفاض مستوى التعليم الجامعي والبحث العلمي والإبتكار التّقني

يضم الوطن العربي (كَمنْطَقة) أعلى نسبة من الشباب في العالم، ويُقدَّرُ الوافدون الجُدُد على “سوق العمل” بالوطن العربي بنحو 3,5 مليون شخص سنويا، فيما لا يُوفر الإقصاد العربي سوى أقل من مليون فرصة عمل، بقطع النظر عن نوعية العمل، ووجب توفير حوالي 2,5 مليون فرصة عمل أخرى سنوياً، وتؤدّي البطالة إلى تعميق الفجوة الطبقية وزيادة حجم الفقر وزيادة الحاجة إلى السّكن والرعاية الصحية، حيث لا يستطيع المُعَطَّلُون ولا العاملون بالإقتصاد المُوازي تلبية الإحتياجات الأساسية للإنسان، كالغذاء الصّحّي والدّواء والسّكن، وهي الحقوق الدُّنيا الأساسية للإنسان.

 

غينيا:

اغتنمت الشركات “الأنغلو- سَكْسُونِية” التراجع الفرنسي في إفريقيا الغربية والوُسطى للتقدّم بعروض لاستغلال المناجم في النيجر وغينيا، وتمكنت شركة “ريو تينتو” الأنغلو-أسترالية العملاقة ( التي بدأت العمل في غينيا سنة 1997) من التحالف مع شركات صينية لاستكشاف واستغلال منجم خام الحديد بجبال سيماندو جنوب شرقي البلاد، بالإشتراك مع حكومة غينيا، وشق طرقات وإنشاء سكة حديدية لنقل المعادن إلى الميناء، باستثمارات قد تتجاوز عشرين مليار دولار وهو واحد من أكبر مشاريع التّعدين في العالم، ويتضمن منجمين للحديد، وتطوير شبكة سكك حديدية بطول 600 كيلومتر، وميناء للمياه العميقة بالقرب من كوناكري عاصمة غينيا ( 13 مليون نسمة) هذا البلد الغني بالمعادن ( الحديد والبوكسيت والذهب والألماس…) غير المُستَغَلَّة بسبب الإفتقار إلى الموارد لإنجاز البنية التّحتية ويُتوقّع أن يبدأ الإنتاج سنة 2025 عندما يصبح “سيماندو” أكبر منجم في العالم لخام الحديد، المادة الخام الرئيسية المستخدمة في صناعة الفولاذ، ويحتوي الموقع كذلك على أكبر مخزون غير مستغل في العالم باحتياطيات تتجاوز ملياري طن، وتُخَطّط شركة “ريو تينتو” لإنتاج الألمنيوم باستثمارات قدرها 6,2 مليارات دولارا، بالشراكة مع شركات صينية ومن المقرر أن يتم بناء منجم ثان تحت اسم “وينينغ كونسورتيوم سيماندو”، من قبل مجموعة “باوو” الصينية الرائدة في إنتاج الصلب عالميا، بالشراكة مع مجموعة “وينينغ” العالمية التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها، وتأمل شركة “ريو تينتو” في أن يمهّد هذا المشروع، الطريق أمام “حقبة جديدة” من التعدين لتوفير كميات كبيرة من المعادن اللازمة لبناء الاقتصاد الأخضر في المستقبل، فيما تأمل حكومة غينيا أن يصل إجمالي الإنتاج إلى 60 مليون طن سنويا بحلول سنة 2028، أو حوالي 5% من سوق خام الحديد العالمي المنقول بحرا، والمستخدم في قطاع البناء والصناعة…

 

النيجر

تحتل النيجر موقعا جغرافيا مركزيا في منطقة الساحل وكانت ولا تزال – رغم بُعْدها عن الممرات البحرية – مَعْبَرًا تجاريا بين جنوب الصحراء وشمالها، ومن المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا، وللنيجر حدود مع سبع بلدان: نيجيريا وبنين جنوبًا، وبوركينا فاسو ومالي غَرْبًا، وليبيا والجزائر شَمالاًا، وتشاد شَرْقًا، ورغم مناجم اليورانيوم الذتي تستغلها شركة أريفا الفرنسية، لا تزال النيجر واحدة من أكثر بلدان العالم فقرا وأقلها نموا، وأعلى بلدان العالم حرارة، وحاول الإستعمار الفرنسي خلق الفِتَن من خلال استبعاد أثنية “الهوسا” ( المتواجدة في نيجيريا كذلك) التي تشكل حوالي 55% من جهاز الحكم خلال فترة انهاء الإستعمار المباشر وانطلاق فترة الإستعمار الجديد، وفَضَّلت فرنسا مجموعة (قومية) “الزرما” التي حكمت خلال الفترة الأولى بعد الاستقلال، ونقلت فرنسا العاصمة من مدينة “زيندر” إلى “نيامي” العاصمة الحالية…

كانت النيجر بمثابة خَزّان اليورانيوم وثكنة لفرنسا التي كانت لها ثلاث قواعد عسكرية ومواقع تدريب ولوجيستيك، وللولايات المتحدة التي نصبت بالنيجر أكبر قاعدة عالمية للطائرات الآلية (بدون طيار أو درون)، وقواعد أمريكية أخرى في منطقتي أغاديس ونيامي، وجرت مناورة “فلينتوك” لحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة بالنيجر التي “استضافت” كذلك مناورات قوات العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا، وتوجد بالبلاد قاعدة ألمانية وأخرى إيطالية، وعقدت حكومة ما قبل الإنقلاب اتفاقية شراكة عسكرية مع الاتحاد الأوروبي سنة 2022 ل”دعم النيجر ضد الجماعات المسلحة”، وأنشأ الإتحاد الأوروبي مراكز تدريب للجيش النيجري، وكتيبة للاتصالات، وعمومًا استغلت أوروبا والولايات المتحدة المساحات الصحراوية الشاسعة بالبلاد لنشر قواتها وإجراء تدريبات عديدة بعيدًا عن الأعيُن… كما كانت البلاد حارسا لحدود أوروبا من خلال تجريم محاولات الهجرة عبر الصحراء، مُقابل بعض المساعدات الأوروبية، غير إن انقلابات النيجر ومالي وبوركينا فاسو غَيّرت المعطيات، وتحاول الحكومة العسكرية بالنيجر استغلال الثروات الهائلة والمعادن الإستراتيجية ( اليورانيوم والنفط وخام الحديد والفحم والقصدير والفوسفات والجبس والملح…) غير إن عدم قدرتها على الإستثمار جعلها تستنجد بروسيا والصين (وغيرهما) اللَّتَيْن تُنافسان الشركات “الغربية”…

 

تجارة القَتْل

تنتعش الصناعات الحربية عندما ترتفع درجة التّهديد لحياة البشر وتدمير أُسُس الحياة، وعادة ما تكون الشّعُوب والبلدان الفقيرة مُستَهْدَفَة، وأعلنت شركة شركة الدفاع والفضاء ( RTX ) المتخصصة في ” خدمات ما بعد البيع وخطوط أعمال الدفاع” (وفق موقعها الإلكتروني) إن انتعاش حركة التجارة الجوية وزيادة الإنفاق الدفاعي العالمي ساعداها على زيادة أرباحها خلال الربع الأخير من سنة 2023، وأدّى هذا الإعلان إلى زيادة أسعار أسهم الشركة التي يقع مقرها في أرلينغتون بولاية فيرجينيا بنسبة 4,45% يوم الثلاثاء 23 كانون الثاني/يناير 2024، واستفادت شركة ( RTX ) من صيانة الطائرات المدنية بفعل زيادة رحلات شركات الطيران لتلبية الطلب المتزايد على السفر، وسط نقص في الطائرات الجديدة، كما حققت إحدى الشركات التابعة لها ( شركة Pratt and Whitney ) زيادة في الأرباح التشغيلية بنسبة 25% خلال الربع الأخير من سنة 2023، بفعل زيادة عمليات الصيانة بعد حوادث طائرة بوينغ 737 أما في المجال العسكري الخالص، فقد أعلنت شركة Raytheonوهي ذراع الدفاع لشركة ( RTX)، زيادة الأرباح التشغيلية بنسبة 14% بفعل ارتفاع حجم مبيعات صواريخ “أمْرام” وأنظمة باتريوت لاستخدامها في حرب أوكرانيا التي مَكّنت شركات صناعة الأسلحة الأمريكية من زيادة حجم وقيمة عقود بيع السلاح، رغم تباطؤ نمو الإقتصاد وتعطيل حركة الشّحن…

عموما أدت الحروب القائمة، والتهديد بإطلاق حروب أخرى وارتفاع ميزانية الحرب الأمريكية إلى 886 مليار دولارا مُعْلَنَة، إلى ارتفاع حجم العقود الحكومية للتسلُّح وزيادة أرباح الشركات الكبرى مثل لوكهيد وجنرال ديناميكس ونورثروب غرومان وغيرها، وعلى سبيل المثال يُقَدّر مُتوسّط الإيرادات الصافية السنوية لشركة (RTX ) بحوالي ثمانين مليار دولارا… أما شركة لوكهيد مارتن – ومقرها بيثيسدا بولاية ماريلاند – فارتفعت أسهمها بقيمة 2% (يوم الثلاثاء 23 كانون الثاني/يناير 2024) رغم نَشْر توقعاتها بانخفاض طفيف في أرباحها سنة 2024، بفعل اضطراب سلاسل تورد قطع تصنيع طائرات F-35 مرتفعة الثمن، التي فرَضَتها الولايات المتحدة على أعضاء حلف شمال الأطلسي، وبفعل انخفاض إيرادات وحدة التحكم في الصواريخ والنيران، التي تصنع نظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS)، بنسبة 3,5% بسبب ارتفاع ثمنه وقِلّة جَدْواه في حرب أوكرانيا، رغم ادّعاءات وزارة الحرب الأمريكية التي أعلنت استخدامها إلى جانب منظمات صواريخ أخرى في مناورات المحيط الهادئ، تحسّبًا لحرب مع الصّين، وفق وكالة رويترز يوم الثلاثاء 23 كانون الثاني/يناير 2024

أمريكا، ديمقراطية رأس المال – نموذج شركات الأدوية

تُمَوِّل الشركات العابرة للقارات الحملات الإنتخابية لكافة المُترشّحين للمناصب السياسية بالولايات المتحدة، وأشارت صحيفة “كاليفورنيا غلوب”، خلال الأسبوع الثالث من كانون الثاني/يناير 2024، إلى تسديد شركة فايزر – أكبر شركة للأدوية على مستوى العالم – أكثر من 8,5 ملايين دولار كرشاوى للسياسيين المنتخبين في مختلف الولايات الأمريكية، بين سَنَتَيْ 2021 و2022، ومن بينها 162.400 دولار بولاية كاليفورنيا، وذكرت صحيفة “كاليفورنيا غلوب” أسماء سياسيين أميركيين مهمين استفادوا من سخاء شركة فايزر، بعضهم ديمقراطيين ( ومن بينهم رئيسة المجلس “نانسي بيلوسي” ) والبعض الآخر جمهوريين.

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في الخامس من يناير/كانون الثاني 2024 على برنامج يسمح للأفراد بشراء الأدوية من كندا، وهي أرخص ثمنًا من الولايات المتحدة، وهو وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز ( 05/01/2024)، “تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة،حيث يُسمح للأفراد بالشراء مباشرة من الصيدليات الكندية، بعد سنوات من السماح بشراء الأدوية بالجملة لبرامج Medicaid والعيادات الحكومية والسجون من تجار الجملة الكنديين”، ومن المتوقع أن يُؤَدِّي قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى خفض الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية، لكن اتّحدت شركات الأدوية الكبرى لمكافحة هذا القرار وعرقلة واردات الأدوية من كندا، ولاستمرارها ممارسة الإبتزاز بواسطة الأسعار المُشِطّة لمختلف أنواع الأدوية داخل الولايات المتحدة، مثل أدوية علاج السرطان والعلاج الكيميائي والأنسولين، حيث يُسدّد المصابون بمرض السكري مائة دولار لكل قارورة علاج لفترة 28 يومًا، وذلك لأن شركات الأدوية الكبرى تريد أرباحًا باهظة، ما جعل الكثير من مرضى السكر يتناولون جرعات صغيرة أقل حجما من المكية الضرورية لعلاجهم، وهو أمر مضر بصحتهم…

استفادت شركات المختبرات والعقاقير من المال العام لتطوير البحث العلمي وابتكار أدوية جديدة، وعلى سبيل المثال استفاد شركة موديرنا بمبلغ يصل إلى 10 مليارات دولار، لتطوير البحث وايتكار عقار كوفيد-19، ومع ذلك حدّدت شركة موديرنا، في ايلول/سبتمبر 2023، أسعار لقاحها بين 120 دولارًا و130 دولارًا للحقنة الواحدة، وحصلت العديد من شركات الأدوية ( من بينها فايزر وموديرنا وجونسون آند جونسون وميرك وبريستول مايرز سكويب… ) على المال العام لصناعة أدوية ضرورية، تبيعها بخمسة أضعاف أسعارها في كندا بسبب عدم خضوع شركات تصنيع الأدوية لأية قواعد تنظيمية تتعلق بالسعر، فيما لا تشترط الحكومة خفض أسعار الأدوية مقابل استثمار المال العام، و بدأت شركات الأدوية العام 2024 بإعلان ارتفاع أسعار ما لا يقل عن خمسمائة دواء,

يكلف علاج المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة بواسطة دواء ( SYMTUZA ) في بريطانيا حوالي عشرة آلاف دولارا سنويا ( وأقل من ذلك في ألمانيا) بينما يُكلف نفس العلاج بنفس الدّواء الذي تبيعه نفس الشركة 56 ألف دولارا سنويا في الولايات المتحدة، وهو دواء تم ابتكاره وتطويره بواسطة المال العام، وقامت شركات الأدوية، خلال عقد كامل بإنفاق 660 مليار دولارا على البحث والتطوير، ولكنها وزعت، خلال نفس الفترة، مبلغ 747 مليار دولارا على مالكي الأسهم، أي مبلغا يفوق الإستثمار في البحث والإبتكار والتطوير بنسبة 13% وفق تقرير حديث لمعهد التفكير الاقتصادي الجديد…

 

ليبرالية بقواعد متحولة

بُنِيت اللِّيبرالية الإقتصادية (الرأسمالية) على عدم تدخّل جهاز الدّولة في تحديد الأسعار والرقابة لأن “السّوق قادرة على تنظيم نفسها، بواسطة يدٍ خَفِيّة”، دون حاجة لتدخّل الدّولة، لكن الرأسماليين لا يرفضون تدخّل الدّولة لحماية الأسواق الدّاخلية من المنافسة الأجنبية، ولا يرفضون ضخّ المال العام خلال فترات الأزمات، بل يُطالب بعض مُدِيري المصارف والشّركات تدخّل الدّولة لحماية مؤسساتهم، وهو ما فعله “إيلون ماسك” مؤسس ومالك شركة تيسلا للسيارات الكهربائية، لما تراجعت أسهم الشركة يوم 25 كانون الثاني/يناير 2024، بنسبة 11% تقريبًا، فقد تَوَقَّعَ الرئيس التنفيذي إيلون ماسك تباطُؤ نمو المبيعات سنة 2024، وأعلن إن تخفيضات الأسعار خفضت هامش الربح وأثارت تَحَفُّطات المستثمرين، وسبق أن أعلنت شركة تيسلا إنها سوف تُركِّزُ جهودها على صناعة وتسويق سيارة كهربائية من الجيل التالي بثمن منخفض نسبيا، يتم تصنيعها في مصنعها في تكساس في النصف الثاني من عام 2025، وأثارت هذه التصريحات مخاوف المستثمرين الذين باعوا أسهمهم بسعر منخفض، ولذلك يتوقع أن تخسر تسلا حوالي 200 مليار دولار خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024، كما انخفضت أسهم شركات تصنيع السيارات الكهربائية الأخرى بنسب تراوحت بين 4,7% و8,8% بسبب تباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية منذ أكثر من عام، وتهدف شركة تيسلا من وراء تخفيض الأسعار إلى الضّغط على الشركات الأخرى وإفلاس الشركات الناشئة، وإلى التفرغ لمنافسة شركة ( BYD ) الصينية، وبهذا الخصوص اعلن إيلون موسك (بدعم مباشر من الملياردير “وارن بافيت”)، يوم الأربعاء 24 كانون الثاني/يناير 2024، إن شركات صناعة السيارات الصينية سوف “تُدَمِّرُ المنافسين العالميين إذا لم تتم عرقلة دخولها أسواق الولايات المتحدة وحلفائها” لأن سيارات شركة ( BYD ) الصينية أكثر تنوعًا وأرخص ثمنًا ونوعيتها جيدة، ولذلك تفوّقت على شركة تيسلا لتصبح سياراتها الكهربائية هي الأكثر مبيعًا في العالم في الربع الأخير من سنة 2023، واعترف “إيلون ماسك” إن شركات السيارات الصينية كانت “الأكثر قدرة على المنافسة” و”ستحقق نجاحًا كبيرًا خارج الصين، اعتمادًا على نوع التعريفات الجمركية أو الحواجز التجارية التي تم وضعها… وإذا لم يتم وضع حواجز تجارية، فسوف يؤدي ذلك إلى تدمير معظم شركات السيارات الأخرى في العالم”، داعيا الحكومة الأمريكية وحكومات أوروبا واليابان وأستراليا وغيرها إلى إقرار حواجز ورسوم جمركية إضافية لحماية أسواق الدّول الرأسمالية المتقدّمة من الغزو التكنولوجي الصّيني، وأعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال حملته الإنتخابية داخل الحزب الجمهوري إنه – في حال انتخابه رئيسًا – سوف يُضاعف التعريفات الجمركية على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة وإلغاء التعريفات الأكثر تفضيلا للصين، حماية للتجارة الأمريكية، وكان الإتحاد الأوروبي قد أقر سنة 2023 ” تعريفات عقابية” وإجراءات حمائية تجاه السيارات الكهربائية الصينية… إنها ليبرالية اقتصادية على المَقاس، وذات قواعد مَطّاطة…

 

بدائل لمنظومة “سويفت”

تمكّنت الولايات المتحدة من الهيمنة شبه المُطْلَقَة على العالم بفعل القوة العسكرية الضخمة وبفعل هيمنة الدّولار على المبادلات التجارية وعلى التحويلات المالية الدّولية، واستغلت الولايات المتحدة هذا الموقع لتُصادر وتنهب ودائع واحتياطيات الدّول (فنزويلا وأفغانستان وروسيا وإيران وغيرها) وتفرض “عقوبات” على المصارف والشركات والدّول، بذريعة التعامل بالدولار مع أطراف لا ترضى عنها الولايات المتحدة، ومنذ انطلاق الحرب في أوكرانيا صادرت الولايات المتحدة حوالي ثلاثمائة مليار دولارا من الأموال الروسية الموجودة بالخارج، ما عزّز إرادة روسيا والصين وإيران ودول أخرى (منها حلفاء الولايات المتحدة) لإيجاد بدائل تمثلت في التعامل بغير الدّولار، وبالعملات المحلية أحيانا، وعملت روسيا على خلق بديل لشبكة سويفت وأعلن المصرف المركزي الروسي يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2024، إن نظام SPFS الذي أطْلَقَهُ سنة 2014 (سنة الإنقلاب الرجعي في أوكرانيا وسنة انهيار أسعار المحروقات) لمواجهة التهديدات الأمريكية، عبر تحكّمها بشبكة سويفت، أصبح يربط عشرين دولة ويضم حاليًا 557 مشاركًا من مصارف وشركات، بما في ذلك 159 مشاركًا أجنبيًا، ولا يُبلّغ المصرف المركزي الرّوسي معلومات عن الأرقام وعن حجم المبالغ المتبادلة، ويدفع المشاركون المتعاملون مباشرة مع SFPS الروسية عمولة ثابتة تتراوح من 0,8 إلى روبل واحد (أو أقل من 0,02 دولار) لكل عملية تبادل…

سبق أن أعلن الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، وفي ديسمبر/كانون الأول، إن المعاملات الدولية بالعملات الوطنية أصبحت تحل على نحو متزايد محل الدولار، وَوَصَفَ النظام المالي “الغربي” بأنه “عفا عليه الزمن من الناحية التكنولوجية”، فيما صَرّحَ وزير الخارجية الرُّوسي سيرغي لافروف “إن خطة روسيا واضحة وتتمثل في الإبتعاد عن الآليات المالية والمصرفية واللوجستية التي يسيطر عليها أو يؤثر عليها زملائنا الغربيون”.

من جهته، أنشأ المصرف المركزي الصّيني نظام المدفوعات الدولي الخاص به (CIPS ) الذي يضم 1484 مصرفا مشاركًا، بما في ذلك 139 مصرفا مباشرًا، تقع في 113 دولة ومنطقة حول العالم وتمكّن نظام التحويلات والمدفوعات الصيني (CIPS ) سنة 2023 من إدارة معاملات بقيمة 123 تريليون يوان، أي ما يعادل 17,2 تريليون دولار، فيما تدير شبكة سويفت، من جانبها، مبالغ سنوية بقيمة حوالي 150 تريليون دولار، ويتم استخدامها من قِبَلِ أكثر من إحدى عشر ألف مؤسسة مالية في معظم دول ومناطق العالم.

 

التعليقات مغلقة.