رحيل “بيل راسل”، البطل الرياضي والمناضل السياسي / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 4/8/2022 م …
( 12 شباط/فبراير 1934 – 31 تموز/يوليو 2022 م ) …
من أقواله
“لم أعد أُحاول إثبات أي شيء بشأن شخصي وهويتي فأنا أُدْرِكُ من أنا.”
“علينا أن نجعل السكان البيض غير مرتاحين وأن نبقيهم غير مرتاحين، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لجذب انتباههم.”
يُعتَبَرُ لاعب كرة السلة الأمريكي الأسود “بيل راسّل” (Bill Russell ) أنجح لاعب في تاريخ بطولة كرة السلة الأمريكية (NBA)، وأحد أساطير الرياضة الأمريكية، فقد أحدث ثورة في رياضته بفرضه طريقة لعب هجومية ودفاعية، ليصبح نموذجًا رياضيًا ونضاليا لآلاف الشباب الأمريكيين السود، بفضل مواقفه السياسية الثابتة وبفضل سِجِلِّهِ الرياضي المثير للإعجاب، فقد سيطر على الميدان، خلال دورة الألعاب الأولمبية للعام 1956 في ملبورن، بأستراليا، وقاد الولايات المتحدة إلى الحصول على الميدالية الذهبية، و فاز راسل بأحد عشر لقبًا خلال ثلاثة عشر موسمًا في الدوري الاميركي للمحترفين لكرة السلة، وكلها تحت القميص الأخضر لبوسطن سلتكس، وهو رقم قياسي لا يزال قائمًا، منها ثمانية بطولات متتالية من 1959 إلى 1966، ولما أصبح مُدرّبًا ولاعبًا، بداية من 1967، فاز في موسمه الثاني، في الأول من أيار 1968 بلقب بطولة الدوري الاميركي للمحترفين، وتحوّلت الرياضة، خلال مسيرته الرياضية، من لعبة الرجل الأبيض الهادئ، إلى رياضة ديناميكية وحديثة ومتلفزة على المستوى الوطني مرتبطة “بالثقافة السوداء”، فقد كان راسل أول نجم أسود في الدوري الاميركي للمحترفين وأول بطل أسود وأول مدرب أسود.
لم تُبْهِرْهُ الأضواء ولا المال، بل استخدم سمعته للدفاع عن الحقوق المدنية، وظَهَر سنة 1967، في “قمّة كليفلاند”، جنبًا إلى جنب مع أسطورة الدوري الاميركي للمحترفين، كريم عبد الجبار، ونجم كرة القدم الأمريكية جيم براون لدَعْم بطل الملاكمة محمد علي، الذي جُرِّدَ من لَقَبِهِ، وتمت مُحاكمته وسجنه، لرفضه الانضمام إلى الجيش و للمشاركة في العدوان على الشعب الفيتنامي، وبعد ذلك تعرض منزل “بيل راسّل” في بوسطن للنهب والتلوث بالبراز، بسبب مواقفه الواضحة ضد العنصرية ودعمه لمالكولم إكس، ولأانه كان من أوائل مَشاهير الرياضيين الذين كافحوا في الخطوط الأمامية من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، بعد أن أعاد التّفكير، ضمن ما يُسمِّيها “رحلة فِكرية وشخصية”، منذ سنة 1962، وخاصة بعد لقب بطلولة العام 1968، واستنتَجَ أن النظام السياسي والإعلام يحولان الجهد البشري للرياضيين إلى مشهد مَسْرَحِي سطحي، بلا عمق، ولكنه مربح للغاية، وبدأ في البحث عن القيمة الزائدة التي يُمكنه إضافتها إلى رياضة كرة السلة في خضم الكفاح ضد العنصرية ومن أجل المساواة بين البشر، وأَصبح بفضل هذه “الرّحلة الفِكْرِية” من أقوى الشخصيات التي تمكّنت من خَلْقِ تقاطع بين الرياضة والسياسة، ما جعل الصحافيين يُندّدون برفضه توقيع الصّور ‘أوتوغراف) لأنه يعتبر هذا الفعل سطحيًا، لأنّه، خارج الملاعب الرياضية، يُعتبر مواطنًا من الدرجة الثانية، ويروي أنه خلال رحلة رياضية، سنة 1961، رفض نادل المقهى خدمة اثنين من زملائه في الفريق، فقاطع راسل المباراة الاستعراضية وتبعه لاعبون سود من كلا الفريقين، وفي سنة 1962، سافر مع إثنَيْن من أولادِهِ إلى ولاية لويزيانا (موطنه الأصلي) لِيتعرّفوا على مكان ولادة ونَشْأة أبيهم، ولكن رفضت كل فنادق المدينة استقبالهم (لأنهم سُود) وناموا طيلة الليلة في سيارتهم.
يُبَرِّرُ راسل رفض التوقيعات التي يَطْلُبُها أحباء النادي: “هذه الطقوس تحولني إلى سلعة، وليس رجلًا بشخصية حقيقية وأفكاره الخاصة”، وبعد الحملة التي شنتها بعض الصّحف ضدّه، قرر التعبير عن آرائه السياسية بوضوح، دون خوف أو تحَفُّظ، ورفَضَ، سنة 1963، فلسفة اللاعنف التي اعتمدها مارتن لوثر كينغ، ودَافَعَ عن أفكار مالكولم إكس، وعَدّدَ “عيوب الديمقراطية الأمريكية”، منها وحشية الشرطة ضد المراهقين السّود وحملات الافتراء والتشويه والعنف العنصري، بدعم مباشر أو غير مباشر من وسائل الإعلام والسياسيين، ودَعم، سنة 1966، حركة تحرير السود، مُطالِبًا إياها أن تصبح أكثر عدوانية، للتعبير عن وحدة السود وغضبهم، وأثارت مثل هذه التصريحات رد فعل عنيف من الجمهوريين المحافظين والديمقراطيين الليبراليين على حد سواء، ولكنه كان صَلْبًا في مواقفه، وأبى أن يتراجع.
دخلت مهنة راسل في أكثر مراحلها أهمّيّة واستثنائية، عندما تولى تدريب فريق بوسطن الهَرِم المتقدم في السن سنة 1967، ولكنه تمكّن من بث الحيوية في النّادي الذي فاز بلقبين آخرين، وهو إنجاز ما كان أحدٌ يتوقَّعُهُ، زلما تقاعد، سنة 1969، اضطرت صحافة بوسطن للاعتراف بأهمية وعظمة اللاعب والمدرب والإنسان، الذي دعم محمد علي في العصيان ورفض العدوان على شعب فيتنام، والذي دعم الرياضيين السود الذين رفعوا قبضاتهم بدلاً من تحية العلم الأمريكي، عندما تم تتويجهم خلال أولمبياد مكسيكو سيتي سنة 1968، وطالب راسل جمهور نادي “بوسطن سيلتيكس” اعتبار الرياضيين السود بشرًا، مُساوُون لغيرهم من البشر، وليس كرموز.
يرى بيل راسل في لاعبي النوادي الأخرى خصومًا، وجبت هزيمتهم، رياضيا، في الميدان، لكن العدو الحقيقي هو العنصرية والظلم وعدم المساواة الاجتماعية، ويذكر أنه عاش في مجتمع احتفل بإنجازاته الرياضية ولكنه اعتبره، في نفس الوقت، أقل شأنا بسبب اختلاف لونه، وقال إنه يدرك أن الكثير من السكان لم يكرهوه بسبب لون بشرته فحسب، بل بسبب قناعاته ومُمارساته، بل إنه يدرك أيضًا أن هذه الكراهية قد تسربت حتمًا إلى نظرته إلى نفسه، وتعرّض راسل لاحقًا في مذكراته، بعنوان (Go Up for Glory ) عن الأذى الذي واجهه كرجل خارج الملعب، ما أدّى إلى تجْذِيرِ مواقفه، بدل الإستكانة والرّكُون إلى الخوف…
إثر دعم محمد علي كلاي، سَجَّلَ مكتب التحقيقات الفيدرالي في المِلَفّ الخاص به، أن راسل كان “زنجيًا متعجرفًا يرفض التوقيعات التي يطلبها منه الأشخاص البيض … إنه قَلَبَ العنصرية، لتصبح مُوجّهَة من السود إلى البيض…”، وبالمناسبة تُردّد تنظيمات اليمين المتطرف بأوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا وغيرها هذه المزاعم (العُنصرية المزعزهم للمَقْهُورين ضد مُضْطَهِدِيهِم )، وبينما كان بيل راسل خارج المدينة، تعرض منزله للنهب وامتلأت الجدران بالشتائم والغُرف والمَمرّات بالبُراز والقذارة…
نَشَأَ فريق بوسطن في حي أيرلندي فقير (ومن هنا جاء اسم “سلتكس” واللون الأخضر للقمصان، لون العلم الأيرلندي)، ودعم السكان المحليون (مُشجّعو النادي) الجيش الجمهوري الأيرلندي واستقلال ووحدة إيرلندا، لكنهم فُقراء بيض، تمت إصابتهم بعَدْوى العُنصُرية، يكرهون السود بقدر كره الإنغليز، وفقًا لما ذكره راسل الذي اعترف بأن المدرب بشجاعة وتَقَدُّمِيّة المُدَرب “ريد أورباخ” والطّاقم الإداري لنادي “سيلتيكس بوسطن”، رغم المناخ السّائد، خلال حقبة الفصل العنصري، فكان “نادي بوسطن سيلتيكس أول نادي ينتمي للدوري الاميركي للمحترفين لكرة سلة، يتعاقد مع لاعب أسود اسمه تشاك كوبر (قبل قدوم بيل راسل) وأول فريق يطلق خمسة لاعبين سود في الميدان وأول فريق يُشغّل مدربًا أسود… “
قبل خمس سنوات من وفاته ، عندما كان يبلغ من العمر 83 عامًا، أظهر بيل راسل دعمه للاعبي اتحاد كرة القدم الأميركي الذين احتجوا على الجرائم العنصرية من قبل الشرطة، ودفاعًا عن الحرية والكرامة، بوضع رُكبتهم على الأرض، وفَعل مثلهم…
التعليقات مغلقة.