هل وصل العرب الكنعايون إلى أمريكا الجنوبية قبل الميلاد؟ .. نقش البرازيل الكنعاني .. بارايبا   .. سفن الكنعانيين  تُبحر من شمال خليج العقبة وصولا إلى  شواطيء البرازيل قبل الميلاد / مهند إبراهيم أبو لطيفة  

716

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) – الإثنين 24/5/2021 م …

في عام 1873م عثر احد العمال في قطعة أرض بالقرب من نهر بارايبا، في منطقة تُسمى باسو ألتو، على حجر، عُرف فيما بعد بأسم ” نقش البرازيل…نقش بارايبا”. وبعد أن لاحظ ابن صاحب العقار شكل الصخرة والنقوش الغريبة عليها( يُدعى يواكيم الفيس دي كوستا) قام برسم صورة واضحة طبق الأصل للحروف المكتوبة، وأرسل نسخة منها إلى أكاديمية التاريخ والجغرافيا في ريو دي جانيرو، وعندما وصل النص ليد رئيس المتحف الوطني في الريو، الدكتور (لاديسلاو نيتو) قام بدراستها ثم نشرها طالبا المساعدة من متخصصين آخرين في اللغات “السامية”.  

وبالرغم من المشككين في أصالة المكتشف وأنه ربما يكون مزور من قبل تجار الآثار المزيفة، إلا أنه وبعد التدقيق والفحص العلمي، تبين أنه أصلي فعلا، ويعود لحقبة قديمة جدا. تم فحص النقش من قبل المستشرق الأمريكي سيروس كوردين، وأكد أن النقش حسب المعايير الحديثة ربما يعود إلى العام 500 قبل الميلاد، بينما حدد زميله البلجيكي براندن عمر النقش ب 900 قبل الميلاد. ويعتبر العالم البرت فان دان براندن من اهم المتخصصين بالشرقيات، وأكد أن الكتابة هي كنعانية مؤابية مطابقة لنقش ميشع الشهير، وأن الخط على التقش ليس بالخط المُسند بل هو الخط الفينيقي.  

وبالرغم من وجود العديد من الشواهد التاريخية على وصول الكنعانيين إلى البرازيل، إلا أن هذا النقش يكتسب أهمية خاصة، وهو معروف نسبيا في الأوساط الأكاديمية المتخصصة بتاريخ منطقتنا الفديم، فمثلا:  

أورد الدكتور معروف الواليمي في كتابه: ” دراسات تاريخية في أصل العرب وحضارتهم الإنسانية” ذكرا لهذا النقش البرازيلي الكنعاني. ، وتحدث عنه العلامة المغربي الأصل فاضل عبد الحق، في مجلة ” اللسان العربي” الصادرة في الرباط، عدد آب لعام 1965. وفي عام 1994، تطرق الدكتور عبدالله الحلو للنقش، في كتابه ” الفينيقيون في أمرياك”. وراجع لغة النقش الأستاذ محمد بهجت القبيس ( راجع مجلة دراسات تاريخية، العدد 125، حزيران، وعدد 136 ، تموز 2017م). واستفاض الأب إميل اده في الحديث عنه في كتابه: ” الفينيقيون واكتشاف أمريكا” الصادر عن دار الهلال للنشر، بيروت 1996م.  

نص النقش مترجما:  

” نحن أبناء كنعان من صيدا، بحارة وتجار، قدمنا على هذه السواحل البعيدة، بلد الجبال، ضحينا بشاب منا ل عليون (الآلهة) وعليونات (الإلاهات) في السنة التاسعة عشرة لحيرام ملكنا العظيم الفذ.  

إنطلقنا من عصيون جابر، في بحر الخيزران (البحر الأحمر)، وغادرنا بعشرة سفن ، كنا في البحر لسنتين دائرين حول أرض حام (افريقيا) وافترقنا.دفعنا إلى هنا، اثنا عشر رجلا وثلاث نساء على هذا الشاطيء المجهول، الذي استوليت عليه أنا التعيس ” ماتو- عشتروت” ( خادم عشتروت القوية)، عسى الآلهة والآلهات تكون لي عونا.”.  

كانت الإنطلاقة حسب النقش من منطقة أو مرفأ عصيون جابر، وهي حسب الموسوعة الفلسطينية:  

” مدينة قديمة على البحر الأحمر، في الطرف الشمالي الغربي من مدينة العقبة، ضمن الأراضي المحتلة إلى الشرق من أيلة (ايلات). وهي أحد المواقع الهامة التي ورد ذكرها في رحلة الموسويين من مصر أثناء خروجهم، وكانت آخر محطة لهم قبل وصولهم إلى برية “صين” ليتيهوا هناك أربعين عاماً. يبدو أنها كانت ميناء هاماً في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، كانت السفن تنطلق منه إلى البحر الأحمر.

يظن بعض الباحثين أنها كانت تقوم عند عين الغضبان التي تبعد 17 كم عن البحر في قعر وادي عربة، لأنهم يعتقدون أن خليج العقبة كان يمتد إلى ذلك الموضع. لكن المرجح الآن أن يقوم في مكانها تل الخليفة الذي يبعد حوالي 4 كم غربي بلدة العقبة، في بقعة تقع ضمن الأراضي الأردنية اليوم، بالقرب من خط الهدنة، وعلى مسيرة نحو 2 كم من الشاطىء. ويبدو أن أهمية عصيون جابر بدأت في عهد الملك سليمان الذي استغل مركزها الجغرافي، وبنى فيها أسطوانة في البحر الأحمر، مما مكنه من السيطرة على الطريقين التجاريين البرية والبحرية مع جزيرة العرب.”  

وعصيون جابر، كانت احدى المدن الأدومية، وهي مذكورة أيضا في سفر الملوك الأول  (التناخ أو العهد القديم) في الإصحاح 9 والعدد 26، واصحاح 22 والعدد 48،  انظر أيضا (عدد 33: 35-36، تثنية 2:8، 2. أخبار 8: 17، 2. أخبار 20: 36). يُعتقد أنها تل الخليفة، 500 قدما من ساحل البحر، وكانت مركزا قديما لتجارة الحديد والنحاس.  

أما حيرام: فهو إسم ملك يسمى أحيرام الأول  أو أحيرام الصوري، ملك صور الفينيقي، حكم من 959 ق.م وحتى 936 ق.م،  وهناك قبر أو تابوت تم إكتشافه في العام 1923 م، على يد الباحث الفرنسي (بيارمونتي)، وهو موجود في متحف بيروت الوطني، وعلى التابوت نقش يُشير إلى صاحبة وهذا نصه: ” هذا هو التابوت الذي صنعه إيتوبعل ، إبن حيرام ملك جبيل، لأبيه أحيرام عندما وضعه للأبدية”.  

يعتبر كثير من المتخصصين، أن الكتابات المسمارية الأولى، هي الجذر الحقيقي والأساس للغة الكنعانية،، وقدم المؤرخ النمساوي البرفيسور (لودو فينكو شونهاغن) دراسات عن مستعمرات الفينيقيين أو مراكزهم التجارية في آسيا واروبا وافريقيا، وقدر عددها ب اربع مئة مركز حتى عام 1500 قبل الميلاد تقريبا. وفي كتابه ” الفينيقيون في جزيرة هايتي وعلى القارة الإفريقية”(لوفين 1887-1889)، ذكر اونفوا دي كورون في أحد فصول كتابه، مدى وإتساع تأثير اللغة الفينيقية في البرازيل، وخاصة في أسماء الأنهار والتلال، وذكر غوايانيا البرازيلية على وجه الخصوص.، كما أشار إلى أن مقاطعة ريو برنكو البرازيلية يوجد فيها قرية إسمها : ” كنعاني” وتعني كنعان الصغيرة.، كما أكد العالم النمساوي لودو فيكو شونهاغن، استاذ التاريخ واللغة النمساوي، على تأثير اللغة الفينيقية الكنعانية على لغة شعب البرازيل الأصلي، وتجدر الإشارة أنه قام عام 1911 بزيارة ميدانية واسعة في البرازيل، واستطاع تمييز كتابات فينيقية في أماكن مختلفة هناك، ودون نتائج أبحاثه في كتابه : ” تاريخ البرازيل القديم”.  

في كتاباته التاريخية، أشار المؤرخ اليوناني هيرودوتس لمثل هذه الرحلات موضوع النقش، وكتب:  

” وهكذا أبحر الفينيقيون من البحر الأحمر إلى البحر الجنوبي، وعندما يحل الخريف كانوا يستقرون في أي مكان من ليبيا (افريقيا) يصلون إليه، فيحرثون الأرض وينتظرون موسم الحصاد، وعندما يجمعون الحبوب يستأنفون الإبحار، وبعد إنقضاء عامين وبحلول العام الثالث، داروا حول أعمدة هرقل (جبل طارق)، وجاؤوا إلى مصر “.  

كان الفينيقيون الكنعانيون سادة التجار والبحر المتوسط بإمتياز، يستخرجون الفضة والنحاس من ترشيش (جنوب إسبانيا)، والقصدير من جنوب بريطانيا، والذهب من اوفير وغيرها، ويقدمون متوجاتهم من الزجاج والحلي الحلي الذهبية والتماثيل والزجاج، ونسيج الصوف والأرجوان، الخزف وغيرها ( قارن حزقيال 27: 12-16، 1. ملوك 10: 22، ايوب 28: 4-11، 1. ملوك 10: 14 ) ، فصور مثلا الكنعانية يقال عنها في حزقيال 27: 3-7 : ” الساكنة عند مدخل البحر، تاجرة الشعوب في جزائر كثيرة “.  

كما قدم أجدادنا العلوم والمعرفة والأبجدية للعالم، عبرت سفنهم البحار بحثا عن المجد، وكيف تمكنوا من هذا الإنتشار الحضاري بدون حكمة ومعرفة وذكاء وإرادة وتنظيم وإدارة ؟؟؟؟ .  

 

قراءة النقش  للدكتور إياد يونس:  

 

١ـ ن ح ن ا   ب ن   ك ن ع ن   م ص د ن م   هـ ق ر ت   م ن   و س ح ب   هـ ش ل ك  


٢ ـ ن ا   ا ل   ا ي   ز   ر ح ق   ا ر ص هـ   ب م ك ن ش ت   ب ح ر   ل ع ل ي و ن م  


٣ ـ و ع ل ي و ن ت   ب ش ن ت   ت ش ع ت   و ع ش ر ت   ل    م ح ر م   م ل ك ن ا   ا ب د   


٤ ـ و ن هـ ن   ك    م ع ص و ن    ي ر د   ب ي م   س ف   و ن ن س ع   ع م    أ ن ي ت   ع ش ر ت  


٥ ـ و ن هـ ي هـ   ب ي م   ي ح د و    ش د م   ش ن م   س ب ب   ل ا ر ص   ل ح م   و ن ب ل  


٦ ـ م ي   ر ب ع   ل ك ل   ا ن هـ   ا ت   ح ب ر ن ا   و ن ب أ   هـ ل م    ش ن م   ع س ر   


٧ ـ م ت م   و ش ل ش ت   ن ش م    ب ا ي   ح ر ت   ا ش   ا و ك ي   م ت   ع ش ر  ا ب د   


٨ ـ ح ب   ن ت ي ا   ع ل ي و ن م   و ع ل ي و ن ت   ي ح ن ن ا.  

 

لفظ النقش:  


١- نحنا بني كنعان م صدنم هقرت من  و سحب هشلك  


٢- نا ال اي ز رحقت ارص ه بمكنشت بحر لعليونم  


٣- وعليونت بشنت تشع وعشرت لمحرم ملكنا أبد  


٤- ونحن ك معصون كبر بيم سف  ونسع عم انيت عشرت  


٥- ونهيه بيم يحدو شدم شنم سبب لارص  لحم ونبل  


٦- مي ربع لكل إنه آت حبرنا ونبا هلم شنم  عسر  


٧ – متم وشلشت نشم ب أش ايحرت أش أوكي مت عشر أبد  


٨- حب نتيا عليونم وعليونت يحننا  

 

ترجمة النقش:  


١ ـ نحن أبناء كنعان من صيدون من مدينة الملك العاصفة قذفت.  


٢ ـ بنا إلى هذه السواحل البعيدة، بلاد الجبال، وضحينا بشبابنا من أجل الإله.  


٣ ـ والإلاهات في السنة التاسعة عشرة لحيرام ملكنا القوي .  


٤ ـ انطلقنا من عصيون جبر على البحر الأحمر وغادرنا بعشر سفن.  


٥ ـ كنا في البحر معاً لمدة سنتين دائرين حول الأرض لا خبز معنا و افترقنا.  


٦ ـ عن قوة بعل (الحامية) ولم نعد بعدها مع ررفاقنا. وصلنا إلى هنا اثنا عشر.  


٧ ـ رجلاً وثلاث نساء على الساحل الجديد حيث أنا مت عشتارت القبطان.  


٨ ـ رفعت يدي (متضرعا)  لعل الآلهة والإلهات تمنحنا العفو وتنقذنا
.  

التعليقات مغلقة.