الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية: هل نجح في تحقيق أهدافه وإنقاذ «إسرائيل»؟ / حسن حردان

حسن حردان ( لبنان ) – الثلاثاء 24/6/2025 م …
شكّل الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية في 22 حزيران 2025 انخراطاً أميركياً مباشراً إلى جانب «إسرائيل» في الحرب على إيران بهدف تحقيق ما عجزت عنه الحرب الإسرائيلية، لناحية تدمير المنشآت النووية الإيرانية في عمق الأرض بواسطة قنابل خارقة للتحصينات تحملها طائرات بي 2 تزن القنبلة الواحدة نحو 14 طناً… ومن ثم مطالبة إيران برفع راية الاستسلام والمجيء إلى طاولة المفاوضات لا للتفاوض بل لأجل التوقيع على استسلامها وقبول الشروط الأميركية الإسرائيلية بالتخلي تماما عن برنامجها النووي والتخلص من كميات اليورانيوم العالية التخصيب لديها، والحدّ من قدراتها الصاروخية الباليستية، والتوقف عن دعم حركات المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي…
هذه هي شروط الاستسلام التي يريدها ترامب من وراء شنّ الحرب على إيران، والذي أعلن الكشف عن مشاركته فيها من اليوم الأول، وتنسيقه مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في إدارتها، وتوقيت دخوله المباشر فيها بقصف المنشآت النووية الإيرانية، بعد أن عجزت «إسرائيل» عن تحقيق هذه المهمة، والعمل لإنقاذها من مأزق الفشل وإطالة أمد حرب الاستنزاف، خصوصاً بعد إخفاقها في وقف الهجمات الصاروخية الإيرانية على عمق الكيان الصهيوني، وتبيّن عدم قدرتها على تدمير القدرات الصاروخية الإيرانية…
لكن الأسئلة التي تطرح في السياق هي:
هل حقق الهجوم الأميركي أهدافه؟
وكيف ستردّ ايران على انخراط أميركا مباشرة في الحرب إلى جانب «إسرائيل»؟
وما هي آفاق الحرب، هل تتوسع، ومتى يجري العمل دبلوماسيا على إيجاد مخرج لوقفها؟
أولا، هل حقق الهجوم الأميركي أهدافه:
أعلن الرئيس الرئيس الأميركي ترامب أنّ المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية قد «دُمّرت بالكامل».. والهدف المعلن هو تدمير برنامج إيران النووي، لكن بالجوهر أراد ترامب أيضاً إضعاف إيران، دولة ونظاماً، ومحاولة إرهابها، عبر تحذيرها وتخييرها بين:
«إما السلام أو المأساة»، مشيراً إلى أنّ «هناك العديد من الأهداف المتبقية» إذا لم توافق طهران على إنهاء الحرب، وكأنها هي من بدأ هذه الحرب، وليس «إسرائيل» أداة أميركا وعصاها الإرهابية في المنطقة…!
من جانبه، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقرار ترامب «الجريء»، معتبراً أنه «سيغيّر التاريخ».
من هنا كان للهجوم الأميركي هدف مزدوج:
1 ـ تدمير قدرات تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
2 ـ وتوجيه رسالة إرهاب وردع قوية تهدف إلى إجبار إيران على الاستسلام للشروط الأميركية «الإسرائيلية».
لكن هل تحققت هذه الأهداف؟
1 ـ أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وقوع الهجمات على المواقع النووية في فوردو وأصفهان ونطنز، لكنها «أصرّت على أنّ عملها لن يتوقف». كما أكدت إيران عدم وجود «أيّ علامات تلوّث إشعاعي» و»لا خطر على السكان المجاورين» في المواقع الثلاثة.. وانه تمّ نقل كميات اليورانيوم المخصب الموجودة في المنشآت النووية والمواد والأجهزة قبل حصول الهجوم إلى أماكن آمنة، مما جنّب إيران والمنطقة والعالم مخاطر كارثة نووية على غرار كارثة تشيرنوبيل، كانت روسيا قد حذرت من وقوعها.
2 ـ أعلنت إيران رفضها الخضوع للشروط الأميركية، وتصميمها على مواجهة العدوان الأميركي الإسرائيلي في إطار حقها المشروع في الدفاع عن سيادتها واستقلالها، وانّ الولايات المتحدة و»إسرائيل» «تجاوزتا خطاً أحمر كبيراً» بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، ولذلك فإنّ مستقبل المفاوضات بات غير معلوم، ولا يمكن التسامح مع الانتهاك الأميركي للقانون الدولي.
وعلى الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية أن تشجبا هذه الاعتداءات… لا سيما أنّ الولايات المتحدة هي التي خانت الدبلوماسية والمفاوضات، ومن غير المنطقي الآن الطلب من إيران ضبط النفس.
في المقابل أعلن الحرس الثوري الإيراني انّ التكنولوجيا النووية الإيرانية لا يمكن تدميرها، وانّ صخب ترامب لن يخيفنا، وقال، على الغزاة الآن انتظار ردود ستجعلهم يندمون، وانه قام بتحديد مواقع تحليق الطائرات المشاركة في العدوان ورصدها.
ثانياً، ليس لدى إيران من خيار سوى الردّ على العدوان الأميركي والاستمرار في ردودها على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، لأنه ليس في قاموس القيادة الإيرانية الخضوع او الاستسلام للشروط والإملاءات الأميركية، خصوصاً أنّ المستهدف هو كلّ منجزات الثورة الإيرانية منذ انتصارها، ومنع إيران من أن تصبح دولة قوية، مستقلة ومتطوّرة، والسعي إلى إعادتها إلى عهود التبعية والهيمنة الأميركية، وهو ما يعني فقدان نظام الجمهورية الإسلامية ايّ مشروعية للاستمرار، فيما الشعب الإيراني ازداد التفافاً حول قيادته وقواته المسلحة وحرسه الثوري، وبات أكثر تصلباً يطالب القيادة الإيرانية في الردّ على العدوان، وإعادة النظر بعقيدة إيران النووية، والعمل على تصنيع القنبلة النووية، بعد أن باتت هناك قناعة راسخة بأنّ أميركا لا تفهم سوى لغة القوة ولا يمكن ردعها إلا إذا امتلكت إيران السلاح النووي على غرار ما فعلت كوريا الديمقراطية، التي تراجعت وتوقفت التهديدات الأميركية ضدّها بعد أن أعلنت امتلاكها القنبلة النووية.. وقد عكس موقف الحرس الثوري بإعلان التعبئة العامة قراراً على أعلى المستويات بالاستعداد والجاهزية لخوض حرب طويلة، واحتمالات توسع الحرب على نطاق واسع، واستخدام كلّ الأسلحة والأوراق التي تملكها إيران في هذه الحرب.
وبانتظار ردّها على الهجوم الأميركي وطرق الردّ، قامت إيران بشنّ أعنف هجوم صاروخي على كيان الاحتلال بعد وقت قصير من الهجوم الأميركي، أكد تصميمها على مواصلة الردّ على العدوان والإصرار على موقفها وعدم التراجع.. حيث استهدف الهجوم الإيراني مواقع حيوية في كيان العدو شملت مطار اللدّ (بن غوريون)، ومركزاً للأبحاث البيولوجية ومواقع أخرى.. ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية الهجوم بأنه الأشدّ الذي تتعرّض له «إسرائيل».. مما بدّد نشوة نتنياهو بعد الهجوم الأميركي، وسقوط رهاناته على توقف إيران عن مواصلة ردودها، وبالتالي فشله في استثمار الهجوم الأميركي لإنقاذ «إسرائيل» من الغرق في حرب استنزاف مديدة لا يقدر كيانه ومستوطنيه على تحمّل أكلافها الكبيرة.
ثالثاً، آفاق الحرب، هل تتوسع، ومتى يجري العمل دبلوماسياً على إيجاد مخرج لوقفها؟
من الواضح أنّ الدخول الأميركي المباشر بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، زاد من عوامل اتساع نطاق الحرب، او على أقلّ تقدير مدة استمرارها، لأنّ الأمور اخذت منحى أكثر تصعيداً، ولم يعد لدى إيران من خيار سوى خوض الحرب حتى النهاية، بما يمكنها من حماية سيادتها واستقلالها، وحفظ حقوقها في التطور والتقدّم وامتلاك التكنولوجيا النووية.. وإيران لا يمكن لها إلا أن تردّ على العدوان الذي تتعرّض له، لإحباط أهدافه الاستعمارية.. وفي هذا الإطار هناك عدة سيناريوات:
سيناريو أول، أن تردّ ايران بضرب القواعد التي انطلقت منها الطائرات الأميركية لقصف إيران، بالإضافة إلى بعض أماكن انتشار القوات الأميركية في المنطقة، إلى جانب استمرار ضرباتها لعمق الكيان الصهيوني دون توقف.. وتهضم أميركا هذا الردّ الإيراني كما هضمت ردّ إيران على اغتيال القائد في الحرس الثوري الشهيد اللواء قاسم سليماني، بقصف قاعدة عين الأسد في العراق بالصواريخ البالبستية…
سيناريو ثان، أن تردّ أميركا على الردّ الإيراني، خاصة إذا سقط لها قتلى وجرحى في صفوف قواتها، وتتدحرج الأمور نحو اتساع نطاق الحرب وتقدم إيران على توسيع ردودها على القوات الأميركية وقواعدها، وأساطيلها، وتقفل مضيق هرمز، فيما يدخل اليمن على خط الحرب وينفذ تهديده بضرب السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر والبحر العربي، ويغلق طريق باب المندب مما يؤدّي إلى توقف حركة الملاحة البحرية ومعها حركة التجارة الدولية، وتوقف تدفق النفط من باب المندب ومضيق هرمز، وارتفاع أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي سيتسبّب بأزمة اقتصادية عالمية.
سيناريو ثالث، أن تردّ ايران بتصعيد ردّها على «إسرائيل» لرفع منسوب حرب الاستنزاف ضدّها، من ضمن استراتيجية إيرانية للمواجهة، عسكرياً وسياسياً ونووياً، إلى أن تنضج «إسرائيل» لوقف الحرب لعدم قدرتها على تحمّل استمرارها، بسبب كلفتها العالية، وقدرة إيران الأكبر على تحمّلها، وبالتالي تلجأ «إسرائيل» إلى الطلب من واشنطن العمل لإيجاد مخرج سياسي لإنقاذها من مواصلة الغرق في حرب من هذا النوع.
وفي كلّ الأحوال فإنّ تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل غير ممكن باعتراف الخبراء، وانّ إيران قادرة على إعادة بنائه وتطويره، طالما تمتلك المعرفة والعقول والخبرات النووية والأجهزة، واليورانيوم عالي التخصيب، ولديها عشرات آلاف العلماء.. في حين من المحتمل أن تؤدي الحرب الى دفع إيران إلى تغيير عقيدتها النووية، والانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بعد أن ترسّخت قناعة لديها بأنه لا يمكن حماية استقلالها ومنجزاتها النووية والعلمية، وردع العدوانية الأميركية الإسرائيلية، إلا إذا امتلكت السلاح النووي على غرار ما فعلت كوريا الديمقراطية، لأنّ أميركا و»إسرائيل» لا تفهمان سوى لغة القوة…