فاتو بنسودا … ” صائدة الطغاة ” الإفريقية التي تصدت لجرائم أمريكا وإسرائيل / د. كاظم ناصر

310


د. كاظم ناصر ( فلسطين ) – الجمعة 12/2/2021 م …
فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2012، هي محامية من جمهورية غامبيا الإفريقية، تبوأت عدة مناصب سياسية وقضائية هامة في بلدها قبل انتقالها للعمل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي هولندا، وتعتبر واحدة من أقوى النساء الإفريقيات في العالم. فهي معروفة بنزاهتها وشجاعتها، وتلقب ب” صائدة الطغاة ” لأنها تتصدي للطغاة الظالمين، وتعمل لنصرة المظلومين أينما وجدوا.
. قد يخلط البعض ما بين محكمة العدل الدولية International Court of Justice ومقرها في لاهاي هولندا، والمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court ومقرها في لاهاي هولندا أيضا؛ لذلك لا بد من التنبيه إلى أنهما ينتميان إلى نظامين قضائيين دوليين منفصلين في مهامهما وأحكامهما. فمحكمة العدل الدولية التي تأسست عام 1946 هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة التي تحكم طبقا للقانون الدولي في النزاعات التي تنشأ بين الدول. بينما المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست سنة 2002 وتضم 123 دولة ليست جهازا من أجهزة الأمم المتحدة. إنها مؤسسة قضائية دولية مستقلة، ومتخصصة في محاكمة القادة والزعماء والأفراد العسكريين والمدنيين المتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب.
ولهذا فإنها تعتبر بمثابة الملاذ الأخير الذي يلجأ إليه المظلومون، خاصة عندما تكون الأنظمة القضائية في البلدان التي ظلمتهم غير راغبة في التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت ضدهم ومحاكمة مرتكبيها كما فعلت السلطة الوطنية الفلسطينية التي لجأت إليها، وطلبت منها التدخل والتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وفي يوم وصفه الفلسطينيون بالتاريخي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم 5 فبراير/ شباط2021 قرارا يقضي بأن لها ولاية قضائية على جرائم الحرب التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية، وإن اختصاصها القضائي يشمل التحقيق في تلك الجرائم، واعتبرت السلطة الوطنية الفلسطينية القرار انتصارا للحق والعدل والقيم الأخلاقية.
إسرائيل رفضت القرار وأصدر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بيانا قال فيه ” ان المحكمة لا تملك الصلاحية لاعتماد مثل هذا القرار. إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، والسلطة الفلسطينية لا تتمتع بمكانة دولة ” حسب تعبيره. وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تنوي التوجه إلى عشرات الدول ومطالبتها بتوجيه .. رسالة سرية .. إلى المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا تطالبها بعدم المضي قدما بفتح تحقيق يتعلق بارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة تشير إلى خوف الدولة الصهيونية من تداعيات هذا القرار في حالة تنفيذه؛ فخبراء القانون الدولي يعتقدون أن المسؤولين وصناع القرار الإسرائيليين المتورطين في قتل المدنيين الفلسطينيين، وهدم البيوت، والاعتقالات التعسفية، ونهب الأرض المحتلة، وبناء المستوطنات عليها سيكونون أول من توجه إليهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب، ومن بينهم نتنياهو، ووزراء، وكبار موظفين، ورؤساء أركان وكبار ضباط. ولهذا بدأت إسرائيل العمل على وضع قائمة سرية بأسماء المئات من المسؤولين وضباط الجيش والمخابرات الذين قد يتعرضون للمساءلة والاعتقال في الخارج في حال فتحت المحكمة تحقيقا بحقهم.
بنسودا وقفت أيضا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية وأهانت رئيسها السابق دونالد ترامب الذي اعتبرها ” كمجرمة حرب”، وفرضت إدارته عليها عقوبات اقتصادية ومنعتها من دخول أمريكا كرد على قرار اتخذته المحكمة في مارس/ آذار 2020 يقضي بفتح تحقيق في جرائم ضد الإنسانية نفذتها القوات الأمريكية في أفغانستان.
نحن كفلسطينيين نحيي القاضية بنسودا على شجاعتها ونزاهتها ونشد على يدها، ونأمل أن تكلل جهودها بالنجاح في التصدي لقادة الإجرام والطغيان أينما وجدوا، وأن تساهم في كشف وفضح ممارسات إسرائيل التوسعية العنصرية الظالمة ضد شعبنا؛ ونتمنى أن يتعلم الحكام العرب الكرامة والشجاعة والوقوف إلى جانب الحق والعدل من ” صائدة الطغاة ” فاتو بنسودا!