المنظمات الدولية صناديق ورقية مزركشة / ابراهيم ابو عتيلة

664

صفقة القرن مولود ميت بانتظار الدفن / ابراهيم ابو عتيلة – الأردن ...

ابراهيم ابو عتيلة* ( الأردن ) – الجمعة 17/4/2020 م …

  • مندوب الأردن السابق في منظمة ( الفاو )

أختلف مع السياسات الأمريكية ، وأختلف مع عرابها الحالي ” ترامب ” الذي لا يصلح إلا أن يكون عراباً لأحدى عصابات المافيا الإرهابية ، أختلف مع فكره وتوجهاته الإنجيلية الصهيونية ومع فكره الرأسمالي الاستغلالي الرهيب ، أختلف مع كل ما قامت وتقوم به أمريكا من إرهاب وإذلال واستعباد للدول والشعوب في كل أنحاء العالم ، فمنذ ثلاثة أرباع القرن وهي تظلم وتستعبد وتفرض توجهاتها وأساليبها على العالم سواء كان ذلك بالقوة أو بالسياسة النجسة وقوة الدولار ، فهي تصنع ما تريد وتفرض توجهاتها ومنظوماتها على العالم دون منافس أو رادع من ضمير أو من أحد … وهنا أكاد أن أقول جازماً بأني قد بحثت في ثنايا ذاكرتي وصفحات وعيي فلم أجد شيئاً اتفق فيه مع تلك الدولة المتمردة المارقة ولا مع حملة ترامبو الأخيرة على صنائع أمريكا وقوى الاستعمار من منظمات واهية ” أسمتها امريكا وحلفاؤها تجاوزاً عند خلقها ” منظمات عالمية ” لتكون أدواتهم في السيطرة على العالم .

لقد عملت أمريكا ومن خلال نظامها الذي يسود العالم منذ ثلاثة أرباع القرن على التحكم بدول لعالم تحت ستار ” الشرعية الدولية ” فما أن انتصرت وحلفاؤها في الحرب العالمية الثانية حتى خلقوا ما يسمى بمنظومة الأمم المتحدة ، منظومة جعلت كلمة أي منهم هي العليا والتي لا تمس ، فحق الفيتو الممنوح لكل منهم يجعل الشرعية الدولية تلك عاجزة حتى عن أي نقد لأي من الخمسة الكبار ، فهم السلاطين ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم من الرعية .

لقد كفل النظام الأمريكي السائد ولادة العديد من المنظمات العالمية بحجج ومبررات مختلفة ولعل أهما الشعار البراق ب ” تعزيز التعاون الدولي ” وتوفير الخبرات اللازمة لتقديم المشورة للدول الصغيرة والتي تستقل حديثاً ، فكانت تلك المنظمات مرتعاً لأشخاص من الدول الكبرى يصولون ويجولون فيها ويحكمون العالم بنظرياتهم التي تحتاج في غالبها إلى التمويل من أجل تطبيقها ، حيث استغل النظام الأمريكي ” العالمي ” شح العلماء وندرتهم في الدول المستقلة حديثاً وتربعوا على تلك المنظمات ” الدولية ” ، كما استغلت أمريكا قضية أخرى وهي تناسب عدد العاملين في أي من تلك المنظمات مع ما تساهم به الدول الأعضاء في موازنة تلك المنظمات ، ولما كانت أمريكا والدول الاستعمارية المتحالفة معها هي الأعلى دخلاً والأكبر مساهمة فقد أدى ذلك إلى توجيه الحصة الأكبر من الوظائف لهم في تلك المنظمات ، علماً بأن المساهمة في موازنة أي من تلك المنظمات يرتبط اساساً بنسبة من الناتج القومي للدولة … وهنا تبرز قضيتان :

1.    زيادة الناتج القومي في العديد من الدول مما سيزيد في مساهماتها في تلك المنظمات الدولة الأمر الذي سينعكس على زيادة عدد العاملين من تلك الدول في هذه المنظمات مما سيكون إما على حساب حصة أمريكا ومن في صفها أو مما سيؤدي إلى زيادة عدد الوظائف في تلك المنظمات مسبباً ترهلها.

2.    التطور العلمي للعديد من دول العالم بحيث أصبحت الغالبية من دول العالم تحظى بوجود علماء وخبراء ربما اكثر علماً وخبرة مما هو موجود في تلك المنظمات والأمر الذي سيساهم في إضعاف الصوت الأمريكي الاستعماري في هذه المنظمات .

لقد تضخمت أعداد العاملين في تلك المنظمات بحيث بات هؤلاء يبتلعون الحصة الأكبر من موازنات هذه المنظمات على حساب ما يقدم من مساعدات تقنية وفنية للدول النامية مع الأخذ بعين الاعتبار أن النسبة الأعظم من ميزانية أي مساعدة فنية يتم إنفاقها على  هؤلاء ” الخبراء ” كبدل للمياومات وتكاليف السفر .

وهنا قد يقول قائل بأن قاعدة لكل دولة صوت واحد في تلك المنظمات وهذا يؤدي إلى إضعاف دور أمريكا ومن تحالف معها ، وهي قاعدة مستقرة ، إلا أنها لا تمارس في القضايا والمواضيع الحساسة ، فقاعدة ” التوافق ” هي التي تحكم العمل ، وعند الحديث عن التوافق تأتي ممارسة الإبتزاز والتهديد من قبل أمريكا وحلفائها فإما الرضوخ للمتمرد الأمريكي في ظل التلويح بقطع أو تعليق المساهمة في تلك المنظمات أو الوصول إلى حلول توافق عليها أمريكا وهي ذات الخطة والأسلوب الذي أخرجه ومارسه ” ترامب ” بقوة إلى العلن فيما كان يمارس سابقاً داخل تلك المنظمات … ومن هنا قام ” ترامبو ” بتجميد أو الانسحاب من عدة منظمات دولية وقام بتعليق ووقف مساهمة أمريكا فيها .

لقد هدفت أمريكا من إنشاء تلك المنظمات أن تبقى هيكلاً دون محتوى وذراعاً لتنفيذ سياساتها بحيت يراها الناظر من بعيد وتراها الدول الفقيرة والنامية مركزاً للخبرة والعلم والمعرفة لتنبهر بها وتنفذ ما يخرج منها من توصيات ومشورة وهي في غالبها آراء لأمريكا وحلفائها من خلال مواطنيهم العاملين في تلك المنظمات ، ولكن تطور العديد من دول العالم ، وبروز علماء فيها ، وزيادة دخول تلك الدول وزيادة مساهماتها في تلك المنظمات ، ومطالبة هذه الدول بأخذ علمائها مكان لهم في تلك المنظمات على حساب حصة أمريكا وبما يؤدي إلى تحويل هذه المنظمات لتكون ذراعاً تنموياً ومركزاً للمشورة والعلم بدلاً من مظهر براق وشكل لا يسمن ولا يغني من جوع جعل ترامب يتخذ قراراته بالإنسحاب ووقف التمويل في العديد من المنظمات.

وهنا أقول أن على العالم أن يولي تلك المنظمات رعاية حقيقية وأن يعمل على تطوير عملها وزيادة فاعليتها في خدمة العالم بدلاً من بقائها صندوقاً مبهراً مزركشاً فارغاً ومرتعاً لأمريكا ومن تحالف معها .