لماذا نعتقد أنّ عُقوبات الرئيس ترامب على السيّد ظريف دليلُ إفلاسٍ سياسيٍّ وأخلاقيٍّ؟ / عبد الباري عطوان

408

عبد الباري عطوان ( الأحد ) 4/8/2019 م …

* هل جاءت العقوبات لأنّه رفض قُبول دعوة لزيارة البيت الأبيض؟

* وكيف نتوقّع أن تكون الجولة المُقبلة من العُقوبات منعه من الابتسام؟

* هل يستحقّ هذا “المُهرّج” أن يكون رئيسًا للعالم الحر؟

لُغة فرض العُقوبات هي اللّغة الوحيدة التي يُجيدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصّةً ضد إيران والحركات العربيّة والإسلاميّة المُتحالفة معها مثل “حزب الله” في لبنان، وحركتيّ “الجهاد” و”حماس” في قطاع غزّة، و”أنصار الله” في اليمن، والحشد الشعبي في العِراق، ولكن أن يصِل الأمر إلى درجةِ فرض عُقوبات على السيّد محمد جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيراني، فهذا دليلُ إفلاسٍ وارتباك، ونفاذ بنك الأهداف الأمريكي.

الرئيس ترامب فرض عُقوبات على المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيّد علي خامنئي، ثم الرئيس حسن روحاني، وقادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وعندما لم يجد شخصًا ليفرض عليه عُقوبات اختار السيّد ظريف، ولا نعتقد أن العُقوبات ستُصادر ابتسامته الشهيرة، وسترسُم إشارةً عابسةً على وجهه تأثّرًا.

***

هذه الخطوة من الرئيس ترامب جاءت على درجةٍ من الهُبوط والسّخف بحيث لم تجِد تأييدًا من أيّ من الدول الأوروبيّة، بما في ذلك بريطانيا التي عارضتها، وقالت إنّها ستستمر في تعاطيها مع السيّد ظريف باعتباره “شيخ” الدبلوماسيّة الإيرانيّة.

عندما نصِفها بالسّخف، فذلك عائدٌ إلى عدم وجود دولار واحِد للسيّد ظريف مودع في المصارف الأمريكيّة حتى يتم تجميده، تمامًا مثلما هو حال السيّد علي خامئني، والسيّد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله” اللّذين لا يُغادران بلديهما إلا فيما ندَر.

ومن المُفارقة أن قرار فرض العُقوبات على السيّد ظريف تزامن مع نشر مجلة “نيويوركر” الأمريكيّة تقريرًا يتحدّث عن تقديم الرئيس ترامب دعوة للسيّد ظريف لزيارة واشنطن وبحث كيفيّة حل الأزمة الأمريكيّة الإيرانيّة المُتفاقمة، ولكنّ السيّد ظريف التي وصلته هذه الدعوة عبر السيناتور الجمهوري راند بول، عُضو لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ يوم 15 تموز (يوليو) الماضي، بادر إلى رفضها دون تردّد.

الحُكومات التي تملك كرامةً وطنيّة، وتحترم قيمها الدينيّة والحضاريّة، لا تهرول إلى واشنطن تجاوبًا مع أيّ دعوة من البيت الأبيض، خاصّةً في ظِل الأزمات، وعندما يحتلّه رئيس بلطجي ابتزازي مِثل الرئيس ترامب.

يبدو أنّ الرئيس ترامب الذي تعوّد على خُنوع الحُكومات العربيّة وإذعان قِياداتها لأوامره وطلَباته دون تردّد، تشابهت عليه البقر، واعتقد أنّ القيادة الإيرانيّة سترقص فرحًا إذا سنحت لها الفُرصة، وبالأحرى للمسؤولين فيها، لزيارة البيت الأبيض، والتقاط الصور إلى جانب المدفأة الشّهيرة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يُثبِت للعالم بأسرِه غباءه وجهله.

الرئيس ترامب تورّط في الأزمة الإيرانيّة، ولم يعد يعرف كيف يستطيع الخُروج منها، خاصّةً أنّ خُصومه الإيرانيين رفضوا كُل الوسطاء الذين أرسلهم عارضًا الحُلول والمُفاوضات، والأكثر من ذلك أسقطوا له طائرة مُسيّرة اخترقت أجواءهم الإقليميّة فوق مضيق هرمز، وأعطَبوا ست ناقلات في خليج عُمان، وعادوا إلى تخصيب اليورانيوم بدرجاتٍ عاليةٍ، واستمرّوا في تجاربهم الصاروخيّة الباليستيّة، في تحدٍّ له وإدارته.

***

لا نعرِف ما إذا كان فرض العُقوبات على السيّد ظريف يأتي في إطار الرّد الأمريكيّ على إسقاط الطائرة المُسيّرة، والتّجارب الباليستيّة أم لا، ولا نستبعِد أن يكون الرئيس ترامب لم يجِد ما يفعله غير الإقدام على هذه الخُطوة الصّغيرة والتّافهة جدًّا.

بالأمس أطلق مقاتلو حركة “أنصار الله” الحوثيّة صاروخًا باليستيًّا مُجنّحًا وصل إلى مدينة الدمام شرق المملكة العربيّة السعوديّة في طعنةٍ قاتلةٍ للصناعة العسكريّة الأمريكيّة التي عجزَت صواريخ “الباتريوت”، درة هذه الصناعة، على إسقاط هذا الصاروخ والحَيلولة دون وصوله إلى عاصمة الصناعة النفطيّة السعودي حيث يوجد مقر شركة “أرامكو” العِملاقة، ممّا يعني أنها باتت هدفًا للأعمال الانتقاميّة اليمنيّة، وكردٍّ على غارات التحالف العربيّ السعوديّ الإماراتيّ على أهدافٍ مدنيّةٍ في العُمق اليمني.

نجزِم بأنّ ابتسامة السيّد ظريف ستزداد اتُساعًا وتأثيرًا بعد هذه العُقوبات الترامبيّة، ولا نستبعِد أن يُكثِر منها في الأيّام والأسابيع القادِمة لرَفع ضغط الرئيس ترامب ومُستشاره جون بولتون.. والأيّام بيننا

التعليقات مغلقة.