ترامب مع دولة الطبقة العميقة … صهيوني عصري ورجل حرب على البشر والأديان … امريكا المتردية وهل إبراهيم ترامب المخلِّص / د. عادل سمارة

وصل ترامب إلى السلطة في أمريكا في فترة إتسمت بوصول العولمة الرأسمالية مداها الأخير متجلياً في فشل الطبعة الرأسمالية المسماة النيولبرالية. وهنا لنعد قليلا إلى الوراء، صحيح أن الكتلة الإشتراكية قد انهارت مع عام 1991، ولكن الرأسمالية كانت قد دخلت أزمتها منذ نهاية الستينات، إلا أنها تعايشت مع الأزمة وادارتها على الأغلب لأنها كانت تغطي عجوزاتها من ما تنهبه من بلدان المحيط والتي لم تكن فقط الأنظمة التابعة دائماً للغرب بل كثيراً من بلدان المحيط التي كانت صديقة للسوفييت وارتدت عبر ثورة مضادة.
ما أقصده أن الكتلة الإشتراكية قد تفككت كما أن الرأسمالية كانت جريحة ايضا. لكن تفكك الكتلة الإشتراكية واحتواء النظام الراسمالي لشرق أوروبا وروسيا يلتسين عرض سوقا واسعة للغرب الراسمالي من حيث الإستهلاك ووفرعشرات ملايين قوة العمل الرخيصة والممهنة وهذا أجَّل أزمة الرأسمالية الغربية تحديداً.
ولأن العالم يتغير، وهذا قانون طبيعي، فإن كثيرا من بلدان المحيط حققت تقدما سواء في الإنتاج أو الحماية وخاصة الصين ومن ثم الهند ولاحقا كل مجموعة بريكس وغيرها من أمريكا اللاتينية ، وكل هذا أخذ قسطا من حصة أمريكا من الإنتاج العالمي التي كانت تقارب 50% لتصل مؤخراً إلى 19% منه، وهذا ما دفعها لتلجأ إلى تركيز صناعاتها الحربية على حساب المدنية وبالتالي رحيل كثير من شركاتها المدنية إلى بلدان المحيط منذ سبعينات القرن العشرين في ما أُطلق عليه “تصدير راس المال العامل الإنتاجي” ولذا ترافق مع هذا تراجع في قوة الإقتصاد الأمريكي مقرونا بتوسع صناعتها العسكرية وزيادة الإنفاق عليها ووصول قواعدها العسكرية في الخارج إلى 800 قاعدة وبالطبع توسيع نطاق حروبها أو الحروب التي لها يد فيها.
كما أن الكتلة الإمبريالية الغربية وعلى راسها أمريكا قد تراجعت حصتها من الإنتاج العالمي إلى 28% بينما وصلت حصة بريكس إلى 32%.
وقد يكون مثاراً للضحك أو كاشفاً للخبث، ما تردد منذ عقدين ولم يتوقف وهو الزعم الأمريكي بأنها، اي أمريكا كانت تتوقع أن تسير الصين باتجاه رأسمالي بحت على النهج الرأسمالي الإمبريالي الغربي فتظل في ظل أمريكا، وتحديداً أدنى تطوراً لكنها، ما أن فتحت عينيها حتى، وجدت الصين وقد إتخذت نهجا مختلفا وتتقدم كمنافس لأمريكا الأمر الذي دفع أمريكا لاعتبار الصين عدو قد لا يصح لجمه بغير العدوان العسكري.
ما أن رحلت تسعينات القرن الماضي اي قبل نهاية عقد زمني من العسل الرأسمالي حتى وجد النظام الرأسمالي العالمي نفسه في سلسلة أزمات إقتصادية متعاقبة وهي:
أ) الأزمة المالية الآسيوية (1997-1998): حين واجهت العديد من اقتصادات شرق آسيا أزمة هروب الأموال الأجنبية الساخنة وهي القروض الغربية قصيرة الأمد لتلك البلدان مما سهَّل بيع كبريات شركاتها المحلية لراس المال الاجنبي بإثمان بخسة وبحصص تزيد عن 50% اي للغرب طبعاً، إلى جانب انهيارات العملات المحلية ، وأزمات مصرفية، وركوداً حاداً بعدما كانت تعتمد على التصدير لأمريكا باعتبارها إقتصاد الملاذ الأخير. ولم تخرج على الإجماع التابع من شرق آىسيا سوى ماليزيا بقيادة محاضر محمد.
ب) الأزمة المالية الروسية (1998) في فترة يلتسين حين تخلفت روسيا عن سداد ديونها، وخفضت قيمة
عملتها، مما أدى إلى صدمة في الأسواق العالمية. وجرى هروب هائل من الأموال الروسية إلى المصارف الأمريكية وكان من أهم أسباب هذا الإنهيار الإقتصادي، السياسة الإقتصادية التي قادها الأمريكي جيفري شاكس والمسماة العلاج بالصدمة. والطريف أنه اصبح من اشد نُقاد السياسات الإمريكية مؤخراً، وإن كان يُحسب له نقده للكيان الصهيوني بسبب حرب الإبادةضد غزة.
وبالطبع إنتقلت الأزمة تبادليا، بين المحيط والمركز، فكانت أزمة 2007-2008 وخاصة في الولايات المتحدة حيث فشل اساطين الفكر والقيادة الرأسمالية في إتقاء ومن ثم معالجة الأزمة مما دفع آلن غرينسبان، حاكم بنك الإحتياطي الفدرالي الأمريكي في حينه، إلى الإقرار بفشل سياساته النقدية المتساهلة، ورفضه التدخل الحكومي في تنظيم حركة الأسواق المالية، وثقته العمياء في أن آليات السوق الحرة قادرة على تنظيم نفسها تلقائياً لامتصاص الصدمة وصولاً إلى أن يُقر أن سياساته النقدية كانت عوامل رئيسية في خلق أزمة الرهن العقاري، والتسبب في اندلاع الأزمة المالية العالمية، وليعترف لاحقاً أمام الكونغرس الأميركي بأنه أخطأ في توقع قدرة السوق على تصحيح نفسها، قائلاً: «لقد وجدتُ خطًأ في النموذج الذي كنت أراه يمثل أفضل طريقة لفهم كيفية عمل العالم».، وبالطبع، فإن تصحيح السوق نفسه بنفسه هي نظرية الأب الأول للإقتصاد الرأسمالي آدم سميث كما ورد في كتابه الصادر عام 1776 بأن هناك يداً خفية توجه وتصحح الإقتصاد، متهرباً من أن هذه اليد هي يد طبقية يد البشر.
ولاحقاً كانت أزمة كوفيد 19 والتي لتلافي تحولها كارثياً أضطرت الحكومة للتدخل لامتصاصها، هذا دون أن نذهب أوسع لتبيان الفارق الكبير بين المعالجة الصينية لهذه الأزمة وبين المعالجة الأمريكية وحتى الرأسمالية الغربية عموماً المكلفة بشريا.
المهم أن الأزمتين أبانتا عيوب العولمة الرأسمالية وتحديدا السياسة النيولبرالية في امريكا والغرب مما دفع كثيرا من هذه الأنظمة إلى العودة إلى التحوصل القومي وبمضمون فاشي، وكان ترامب الرئيس المتماهي مع حتمية تحول الراسمالية حين الأزمة إلى الفاشية، بمعنى أن الرجل هو النتاج الطبيعي للأزمة والذي يحاول إنقاذ أمريكا بنهج مختلف عن سابقيه. وليس القول ب إنقاذ أمريكا مجرد مبالغة، لأن الوضع الإقتصادي، وخاصة للطبقات الشعبية التي أوصلت ترامب للسلطة، يزداد تردياً.
وللتذكير، كان في امريكا جدال منذ أكثر من قرن بمعنى ما الأفضل لأمريكا أن تنعزل عن العالم وتكتفي بمقدراتها الهائلة، أم تواصل انفتاحها السيطري على العالم؟ وفي هذا يتمركز البعد الطبقي بمعنى أن مصالح الرأسمالية الأمريكية هي في التوسع والسيطرة عالميا. (يمكن الرجوع لكتابنا في موقع ومتجر لولو lulu: “الإقتصاد السياسي لصعود وتهالك النيولبرالية:الولايات المتحدة نموذجاً” 2024.)
من يقرأ مشروع ترامب “إعادة أمريكا قوية” مجدداً، يجد بأنه يحاول الجمع بين البُعدين:
الحماية الإقتصادية القومية لأمريكا
ومواصلة السيطرة على العالم
أي حماية داخلية وتوسع خارجي معاً، وهذه مواصفات مميزة للفاشية تتلائم بالطبع مع الرأسمالية وخاصة في أزماتها، بمعنى العدوانية الخارجية لمعالجة الأزمة الداخلية وإطفاء التململ الإجتماعي المحتمل.
لكن ترامب ، كما يبدو، يحاول الجمع بين أمرين ليس من السهولة بمكان تحقيقهما:
إستعادة الصورة الوردية التي كانت قد لعبت بها أمريكا على العالم أي ضلَّلته، وخاصة قبل الحرب العالميةالثانية وحصول مرحلة الحرب الباردة حيث كانت تبدو أمريكا بأنها رائدة التحديث في العالم Modernization وتقديم مساعدات للمستعمرات، ونشر “الديمقراطية”…الخ. بل وصل الطموح الفكري والثقافي أن طرح والت روستو نظرية مراحل النمو الاقتصادي، 1960 وما أسماه البعض “بيان غيرشيوعي” للتطور الإقتصادي كبديل للإشتراكية، هذا ناهيك عن وقوف أمريكا ضد العدوان الثلاثي الصهيوني البريطاني الفرنسي ضد مصر عام 1956 حيث بدت كأنها مع حرية الشعوب بينما هي تقوم بوراثة الإمبرياليتين المتهالكتين.
لذا، يتحدث ترامب كثيراً عن عدم الحروب وعن السلام وحل القضايا سلمياً ولكنه في الوقت نفسه يعتمد سياسة من ثلاثة اضلاع:
• تهدئة الحروب في المناطق الخانعة كالوطن العربي طالما يحصل على سيولة مالية هائلة مجاناً ولذا يحاول تبريد الموقف مع إيران ولكن دون إيصال علاقة الخلايجة والفرس إلى سلام حقيقي. وتوصله إلى اتفاق مع اليمن/صنعاء لحماية الملاحة البحرية الأميريكية بعد تجربة عدوان وحشي فشل في تحقيق هدفه أمام عزيمة اليمن. وبالطبع وضمن ذلك الإيعاز للكيان بتسريع الإبادة في غزة وصولاً إلى تهدئة.
• الحرب الإقتصادية بالجمارك على صعيد عالمي، وفي رده على ناقديه أكد أكثر من مرة ان النتائج الإيجابية ستأتي ، وقد لا يكون من باب التندُّر القول بأن أولى ثمار هذا التحسن هو حملة الجباية من توابع أمريكا في الخليج حيث غطت 10% من المديونية الأمريكية.
• وأخذ الصين إلى حافة الحرب العسكرية
باختصار، هذا يعني أن ترامب ليس مجرد مغامر، بل هو إجتهاد آخر للدولة العميقة يتلائم مع وضع أمريكا الحالي ومتطلباته، فهو في مشاكساته للدولة العميقة إنما هو ضمنها لكن من مدخل آخر لتنفيذ مصالح أمريكا؟ وهو قد يبدو متقلبا لكنه مساوما دون إضاعة الهدف أي خدمة الرأسمالية الأمريكية وضمن ذلك يستغل هامش الرئيس الذي لا يتضارب مع أهداف العميقة لأن من يناقض العميقة يصبح ضد كامل النظام. أما مدى نجاح ترامب أم عدمه فأمر لم يعد الجزم به ممكنا حتى حينه.
يبقى السؤال، هل هو متحرر من اللوبي الصهيوني الذي هو غالباً مع الحزب الديمقراطي؟ في الحقيقة لا، فهو متمسك بتزويد الكيان بكل ما يطلب من اسلحة الفتك والدمار (انظر الحلقة التالية)، لكن دون السماح بتبهيت شخصيته كرئيس مما يؤكد أن الكيان محمية لا قاعدة، ولكن لم تفقد دورها بعد كاستثمار إستراتيجي للغرب في الوطن العربي لا زال يحقق نجاحا في توسيع التطبيع وفي صقل أنظمة صهيونية الطابع كما هي الإمارات وقطر.
بقول آخر، هو أكثر إستقلالية بما يحول دون خضوع، علني على الأقل، للوبي الصهيوني بخلاف الأنظمة العربية المتطوعة في خدمة الإمبريالية الأمريكية وبمواقف وضيعة لا تغري أحدا باحترامها ولعل الطوفان المالي الذي غُمر به ترامب مؤخراً خير شاهد