الدورة الثانية والثلاثون للمجلس المركزي: بين الآمال والواقع / فيحاء عبد الهادي

0 202

د. فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الجمعة 2/5/2025 م … 

ما المخرجات التي توقعها أبناء الشعب الفلسطيني؛ من اجتماع المجلس المركزي في دورته الثانية والثلاثين، الذي انعقد في مرحلة مفصلية تهدِّد بتصفية القضية الفلسطينية؟ تلك الدورة التي انعقدت بعد مرور عام ونصف على الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير، منذ السابع من أكتوبر 2023، في غزة، وعلى امتداد الضفة الغربية، وخاصة مخيماتها. وبعد ثلاث سنوات ونيِّف من الدورة الواحدة والثلاثين للمجلس المركزي، في تجاوز للمادة الثامنة من اللائحة الداخلية للمجلس المركزي، التي تؤكِّد على وجوب انعقاده كل ثلاثة أشهر.

كان من المنطقي أن يتوقع الفلسطينيون تنحية الخلافات الفصائلية، ورصّ الصفوف، وإجراء مراجعة نقدية لأساليب وأدوات العمل، وتمتين العامل الذاتي؛ من أجل التوافق على استراتيجية، وصياغة مشروع تحرّري يستجيب للمخاطر التي تهدّد البناء كله، وليس فصيل بعينه، أو منطقة بعينها.

وكان من المنطقي أن يأملوا بأن يتوافق المجتمعون/ات على برنامج سياسي، بالاستناد إلى  القواسم المشتركة، التي تبلورت في الاجتماع الذي عقد في بكين، يوم 23 تموز 2024، بين أربعة عشر فصيلأ فلسطينيًا، وأهمها: تحقيق وحدة وطنية شاملة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة – تقطع الطريق على محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل خلق كيانات عميلة في غزة –  والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة، خاصة أن البيان الختامي للمجلس قد حمّل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الإبادة الجماعية. فهل تحقق ذلك؟

*****

منذ الجلسة الأولى لأعمال المجلس ظهر الخلل الذاتي بجلاء؛ إذ لم تقدِّم اللجنة التنفيذية للمنظمة تقريرًا عن عملها؛ مكتوبًا أو شفويًا إلى أعضاء المجلس.

وكأننا ننفخ في الهواء، وكأن أصواتنا ليست لها قيمة بتاتًا، وبعد أن اعتقدنا أننا كرّسنا مبدأ استلام تقارير مكتوبة عن أعمال اللجنة التنفيذية، وعن عمل دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، منذ الدورة التاسعة والعشرين للمجلس، 2018؛ فوجئنا يوم افتتاح الدورة 32، بتقديم تقرير يتيم مكتوب، عن أعمال دائرة شؤون اللاجئين؛ وعدم تقديم تقرير من اللجنة التنفيذية عن إنجازاتها، وخصوصًا عمّا أنجز من قرارات المجلس الوطني، في الفترة ما بين دورتين من انعقاد المجلس؛ كما تنصّ على وجوب تقديمه المادة 12 من اللائحة الداخلية للمجلس المركزي الفلسطيني.

لم تسائل هيئة مكتب رئاسة المجلس، أعضاء اللجنة التنفيذية، أو تطلب منهم تفسيرًا، ولم أستطع كعضوة في المجلس تقديم اعتراضي؛ لأن باب النقاش أغلق قبل اكتمال المداخلات، بينما كان الواجب مساهمة الكل في النقاش؛ لو ألزمت هيئة رئاسة المجلس الأعضاء بالمدة التي حدّدتها لتقديم المداخلات، وهي خمس دقائق.

وبهذه المناسبة لا بد من الوقوف بصراحة أمام معوقات الإنجاز، ولكنني سأبدأ بأهمية مراجعة ما تمّ إنجازه من قرارات المجلسين الوطني والمركزي بدوراتهما الأخيرة – القرارات التي تتضمّن إنهاء الانقسام، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله، والتحرّر من علاقة التبعية الاقتصادية لمنتجات الاحتلال، وتبني حركة المقاطعة – مما يفتح المجال للنقد الذاتي، وللمساءلة، حول سبب عدم تنفيذ قرارات المجلسين، منذ عام 2015.

وهذا سيؤدي إلى نقاش المعوقات، واتخاذ خطوات لحلِّها، ويحول دون تجديد التأكيد على قرارات المجلس السابقة، بشكل آلي، بعد كل دورة من دوراته؛ مما يفقد أعضاء المجلس مصداقيتهم/ن أمام أبناء شعبهم.

*****

ما الذي كان يجب توقعه من خطاب الرئيس محمود عباس، أمام أعضاء المجلس المركزي، وأمام العالم، في المرحلة الأدقّ من تاريخ القضية الفلسطينية؟

كان المفترض أن نتوقع خطابًا يتضمن تحليلًا سياسيًا للمرحلة، ونقدّا ذاتيًا للمسار التفاوضي، ومسار المقاومة؛ ليبيِّن سبب إخفاق المسارين؛ ويقدِّم مقترحاته لمسار بديل؛ لكن الرئيس وقف وقفة نقدية لنهج المقاومة المسلحة فحسب، وصبّ جام غضبه عليه – مستخدمًا لغة انفعالية غير لائقة –.

أكَّد الرئيس على ضرورة اتِّباع المقاومة الشعبية السلمية؛ ولم يؤكِّد على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها، بكل الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح، استنادًا إلى قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2649، وقرار رقم 2787.

كان المنطق أن نستمع إلى رؤية سياسية متكاملة، وآليات عمل واضحة ومحدّدة، للخروج من الوضع الراهن شديد التعقيد، شديد الخطورة؛ ولم يحدث ذلك للأسف!

بالإضافة إلى أن الدعوة إلى الوحدة الوطنية، المدرج بندها على جدول أعمال المجلس؛ لم تتناسب مع لغة الخطاب أو مضمونه الكلي، الذي يكرِّس الانقسام، في مرحلة نحن في أشدّ الحاجة فيها إلى حوار موضوعي؛ من أجل العمل ككلّ، ضمن شراكة حقيقية؛ لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة.

*****

وبخصوص “استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين” فقد جرى إدراجه على جدول أعمال المجلس، وكذلك التصويت عليه، منقطعًا عن سياقه الديمقراطي، وسياقه القانوني؛ لأنه لا ينسجم مع النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي يعتبر أي تعديل للنظم الهيكلية المؤسسّية من اختصاص المجلس الوطني وحده، وكذلك مهمات أعضاء اللجنة التنفيذية بما فيها رئيسها، مما يعني أن استحداث المنصب وتحديد مهماته وطبيعة عمله، وانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية لا بد أن يكون من اختصاص المجلس الوطني؛ ولذا جاء تصويتي ضده.

طالما ناديت مع العديد من أبناء الشعب الفلسطيني بإصلاح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية؛ بل بتطوير وإعادة بنائها، على أسس ديمقراطية؛ ولعل الأمر الأصعب أن يتم تطوير النظام الداخلي ضمن دعوات دولية وإقليمية هادفة إلى احتواء القرار الفلسطيني؛ مما يعني أن الأولوية كانت لرفضه، والدعوة للعمل من الكل الفلسطيني؛ لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ عبر تجديدها وتطويرها وإعادة بناء مؤسَّساتها؛ كي تستعيد دورها التاريخي والمعنوي، وتظلّ قلبًا وقالبًا ممثلًا شرعيًّا وحيدًا للشعب الفلسطيني.

*****

يواجه شعبنا المؤامرة تلو المؤامرة لاقتلاعه من أرضه، وتهجيره؛ بل ولإبادته؛ وحتى يستطيع الصمود ومقاومة هذه المؤامرات؛ يحتاج قيادة تشرك مكوِّناته كلها؛ في الوطن والشتات، في عملية صنع القرار، وفي التوافق على رؤية واستراتيجة وبرنامج سياسي، قادر أن يخرجه من عنق الزجاجة نحو الحرية والاستقلال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان + عشرين =