من “حتى العرقبادة” الى “حتى التحرير والنصر” .. ومن نيوتن الى اهل الله في الميدان! / الياس فاخوري

الياس فاخوري ( الأردن ) – الثلاثاء 15/4/2025 م …

في منتصف التسعينات من القرن المنصرم، التقيت برجل الاعمال رئيس (احدى) كبريات الشركات الاميركية العالمية (لعلها كانت، حينها، كبري الشركات الاميركية العالمية بالمطلق) .. يهودي الديانة غير صهيوني .. وكان بصحبته اثنان من رؤساء شركات تابعة للمجموعة .. بعد ان فرغنا من مناقشة اعمال المجموعة في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، قادنا الحديث الى الوضع السياسي في المنطقة و”اسرائيل” واتفاقية أوسلو بمضاهاتها كامب ديفيد بالتحديد .. كانت نصيحتي ان تقوم “اسرائيل” بتنفيذ القرارين الأمميين 181 و194 (وهما شرط قبول عضوية “اسرائيل” في الأمم المتحدة أصلاً) بصرف النظر عن أوسلو وكامب ديفيد .. ولتُقِم دولتها على مساحة لا تتعدى 54% من مجموع مساحة فلسطين البالغة 27027 كم2 — لا اسرائيل التوراتية، ولا اسرائيل الكبرى او الكبيرة، ولا اسرائيل العظمى او العظيمة، ولا “يهودا والسامرة”، ولا “اسرائيل” المقدسة ولا امريكا المقدسة .. ولِتُعلن إعترافها ب“الجمهورية العربية الفلسطينية” المستقلة على 46 % من مساحة فلسطين التاريخية بعاصمتها القدس الشريف على أساس حل الدولتين والعودة الواحدة تنفيذاً للقرارين الأمميين 181 و194 — وإلّا فالحل بالعودتين والدولة الواحدة!
وافقني الرأي وسط صمت الحضور ليقطعه احدهم بالتساؤل حول دور حركات “المقاومة”! عندها أعدتهم للعالم الإنجليزي السير إسحاق نيوتن (Isaac Newton) .. وذكّرتهم انه من أبرز العلماء مساهمة في الفيزياء والرياضيات عبر العصور وأحد رموز الثورة العلمية، وقد شغل منصب رئيس الجمعية الملكية، كما كان عضوًا في البرلمان الإنجليزي، إضافة إلى توليه رئاسة دار سك العملة الملكية، وزمالته لكلية الثالوث في كامبريدج وهو ثاني أستاذ لوكاسي للرياضيات في جامعة كامبريدج، وأسس كتابه “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” لمعظم مبادئ الميكانيكا الكلاسيكية .. نعم، عُدنا للقواعد الاساسية في الفيزياء والميكانيكا بما فيها القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة حيث تنشأ القوى دائمًا بشكل مزدوج فيكون لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، وعليه يُنشِئ الاحتلال مقاومة نحو وحتى التحرير .. اذن تزول المقاومة بزوال الاحتلال!
بعد ذلك باقل من عقدٍ من الزمان، جاءت مبادرة فريدمان (Thomas L. Friedman) العربية .. فمن اوسلو/1993 (ياسر عرفات/شمعون بيريز) في عهد الرئيس بيل كلينتون الى قمة بيروت/2002 التي أطلقت “المبادرة العربية” تلك في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وفريقه المتغوِّل (ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، بول وولفوويتز، ريتشارد بيرل ودوغلاس فايث)، وبوجود أرييل شارون على رأس الحكومة في “اسرائيل”، لينعى المبادرة بدباباته التي اقتحمت مخيم جنين، بعد سويعات من إعلانها رغم ان تلك المبادرة تُقدِّم ل”اسرائيل” 78% (لا 54%) من فلسطين التاريخية!
أُكرر، والتاريخ يشهد، لم ولا ولن يحترم “الاسرائيليون” اتفاقات التطبيع ولا تعنيهم المفاوضات .. لا يخيف أصحاب الحركة الصهيونية التهويل من بعيد والجعجعة .. الشيء الحقيقي الذي يخيفهم هو الموت .. ومن التلمود نقرأ: “إنّ كلّ معاهدة أو اتفاق بين اليهود وسواهم ليست ملزمة لليهود، وهي غير قانونية لأنّ غير اليهود بهائم، والعقود لا تقوم مع البهائم”!
هم (الأميركيون/الاسرائيليون) لا يرون فينا أكثر من جثث تبحث عن مقبرة .. يُحَرِّكُهم الاصرار التلمودي على الهولوكوست الفلسطيني ثأراً للهولوكوست اليهودي لكأن أدولف هتلر يتحدر من فخذ يعرب بن قحطان .. صناعة الدم هي الطريقة المثلى لصناعة الحياة عندهم .. انهم يُسوِّقون لوثة الدم بالبنية الايديولوجية التي تقوم على التأويل الدموي للنص الديني .. غابة مجنونة بذئاب مجنونة!
دونالد ترامب، بذراعه “النتن”، يدفع بنا (أهل غزة وفلسطين وكل العرب) الى الجحيم ويحاول ان يغلق بابه ويضع عليه يافطة “ممنوع الخروج” لتُسمع قهقهات يهوه في ارجاء الدنيا.. لكأن ثقافة الكاوبوي قد امتزجت وتفاعلت مع الثقافة التوراتية (عبر البيوريتانز/الطهرانيين)، وكما تعامل اولئك مع قبائل الهنود الحمر حتى الابادة، يتعامل هؤلاء مع العرب، كقبائل سقطت من التاريخ ومن خارطة العالم حتى الابادة!
من “حتى العرقبادة” الى “حتى التحرير والنصر” .. ومن نيوتن الى اهل الله في الميدان:
معاكسة في الاتجاه، جاءت حرب 2006 في لبنان وأدّى رد فعل المقاومة ورجال الله في الميدان لاعلان فشل الحروب “الإسرائيلية” كما أكد ذلك طوفان الأقصى على ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023 .. سقطت الثقة بقدرة الجيش “الاسرائيلي” على الحماية وقد عجز عن التقدم في الحرب البرية ولم يتمكن من الوصول الى الليطاني، وانهارت القبة الحديدية بازدياد عدد صواريخ المقاومة وتوسع دائرتها .. فشل جيش الاحتلال في استعادة الأسرى، وفشل في اعادة مستوطني الشمال وغلاف غزة .. فشل في سحق المقاومة كما في الرهان على التهحير (غزة ولبنان) .. وهكذا يتوقف مستقبل/بقاء “اسرائيل” على تحقيق النصر الحاسم ومشروع المقاومة يتمثل في منع “اسرائيل” من تحقيق النصر الحاسم .. وفي هذا السياق انبعث طوفان الأقصى؛ لم يكن حرب تحرير او استنزاف، بل كان اقرب الى انفجار كبير قَلَبَ الطاولة الإقليمية والدولية واجهض البدء بتنفيذ مشروع الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أُعلن في قمّة العشرين (نيودلهي) تحت شعار طريق الهند إلى أوروبا مروراً ببعض دول المنطقة و”إسرائيل” وكان من متطلباته القضاء على المقاومة في غزة ولبنان بحرب مفاجأة استبقتها ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023!
قالتها ديانا فاخوري منذ نيف وعقد من الزمان: اسرائيل حتما الى زوال فهي خطيئة التاريخ المميتة وخطيئة الجغرافيا العرضية .. بهذا آمنت ديانا فاخوري، وعليه اتّكلت وطالما كتبت ودعت ونادت فأسمعت رجال الله وبناته في الميدان ولامست نخوتهم! لا برمادٍ نفخت ديانا، بل بنارٍ فاضاءت .. كما – بكل احترام للمتنبي – أَجْرَتْ الرياحَ بما تشتهي سفنُ المقاومة .. “اسرائيل” الى زوال – كما على ثرى فلسطين، كذلك في السماء، والمقاومة هم شعب الله المختار .. وهم اصحاب القرار على ارضهم ..
باختصار أُكرر، هو حل الدولتين والعودة الواحدة (تكتيكياً)، وحل العودتين والدولة الواحدة (استراتيجياً) وقد التقي يوم القدس ويوم الارض حول ليلة القدر .. ومن نيوتن الى الى اهل الله في الميدان ومحمود درويش: قل لي كيف تقهرْ .. هذي المقاومة .. كيف تُقهرْ!؟ كيف تُقهرْ وقد أنشأ الاحتلال مقاومة حتى التحرير والنصر!؟
ديانا، أيتها المطهرة النقية ..
سبـأٌ واخواتها يفتشن عن مليكتها
فردي للجماهير التحية ..
يا أعظم الملكات ..
يا امرأةً تجسد كل أمجاد المقاومة الابية:
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني