متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني بعد المائة / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 14/12/2024 م …
يتضمن العدد الثاني بعد المائة، من نشرة “متابعات” الأسبوعية مُقدّمة عن ما يحدث في سوريا وفقرة بعنوان في جبهة الأعداء عن تهديد الولايات المتحدة أي دولة تُنفذ قرار المحكمة الجنائية الدّولية باعتقال مسؤولي الكيان الصهيوني، وفقرة للتّعريف ببرنامج “أفريكوم” العسكري الأمريكي الخاص بقارة إفريقيا، كمنصّة أمريكية للهيمنة على سوق السلاح وتدريب جيوش إفريقيا، وفقرة عن السياسة الأوروبية بشأن الهجرة الإنتقائية واستنزاف ثروات البلدان الفقيرة، من خلال اجتذاب الأطباء والعاملين بمجال الرعاية الصحية الذين أنفقت عليهم شعوبهم ليتموا دراستهم وتدريبهم، قبل الهجرة إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية وفقرة عن فَوْز اليسار في الإنتخابات التشريعية والرئاسية في أورغواي يومَي 27/10 و 24/11/2024، وفقرة عن تهويل التهديد الروسي لأوروبا وعن عَسْكَرَةِ سياسات الإتحاد الأوروبي وفقرة عن بعض حقائق الإقتصاد “الليبرالي”
سوريا
نشرت مواقع التواصل “الإجتماعي” مشاهد سمعية – بَصَرِيّة لأشخاص يخرجون من مَبْنى المصرف المركزي في “ساحة السّبْع بحرات” بدمشق، يحملون أكياسًا من الأموال المسروقة، وأعلن حاكم المصرف المركزي إن المصرف تَعَرّضَ صباح يوم الأحد 08 كانون الأول/ديسمبر 2024 لحوادث سرقة من قِبَل مُسلّحين استغلُّوا الوضع، قبل إعلان المليشيات فرض حظر التجوال في العاصمة دمشق، بدءًا من الساعة الرابعة بعد الزّوال وحتى الخامسة صباحًا، ورغم تصريح حاكم المصرف المركزي السوري، كَذّبت وسائل إعلام أمريكية وأوروبية وخليجية الخَبَر واعتبرته “مَزْعُومًا” في إشارة صريحة لدعمها المليشيات الإرهابية ومن يقف وراءها: تركيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة…
استغل العدو الصهيوني حالة الفوضى في سوريا لتنفيذ مئات الغارات على مختلف المدن السورية بهدف القضاء على كافة القدرات العسكرية، وأعلن العدو احتلال أراض سورية جديدة في المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان ومواقع السيطرة السورية في القنيطرة، واعتبر رئيس وزراء العدو إن هذا “الحدث التاريخي في الشرق الأوسط مُؤَشِّر تغيير للمعادلات الإقليمية وتعزيز الأمن القومي الإسرائيلي ضمن التداعيات الإيجابية لسقوط النظام السوري على المكانة الإقليمية لإسرائيل…” ولما فشل الكيان الصهيوني في تغيير التوازنات الإقليمية بالعدوان المباشر، ساعدته الولايات المتحدة وتركيا وصهاينة الخليج النفطي على تحقيق ذلك من خلال المليشيات الإرهابية…
انْهَارَ النّظام السُّوري – بدون مُقاومة تقريبًا – خلال نهاية الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر 2024، واسْتَوْلَتْ المليشيات الإرهابية على البلاد بدعم تُرْكي وبعد أيام من القصف الصّهيوني غير المَسْبُوق، وفي ظل غياب شبه كامل لحلفاء النظام السُّوري ( روسيا وإيران )، لكن هل يستفيد الشعب السُّوري، سياسيا واقتصاديا، من تغْيِير نظام الحُكْم؟ قَطْعًا لا، لن تتحسن أوضاع الشعب السوري، كما لم تتحسّن أوضاع الشعب العراقي أو اللِّيبي بعد إطاحة القوى الإمبريالية والرجعية بالأنظمة القائمة هناك وتنصيب أنظمة رجعية وظلامية وطائفية مكانها، كما لن يستفيد الشّعب الكُرْدِي من هذه الأحداث، لأن قادته تحوّلوا إلى أعوان يُنفّذون المخطّطات الأمريكية ضدّ الوطن الذي احتضَنَهُم – حيث جاء أجداد معظم أكراد سوريا من تركيا هربًا من الإضطهاد – فلا يمكن النضال من أجل الحكم الذّاتي والحُرّيّة بالإعتماد على أصدقاء مُزّيّفين من القوى الرجعية والإمبريالية التي تقمع الحُرّيات وتضْطَهِدُ الشعوب وتستغل الكادحين…
في جبهة الأعداء
الولايات المتحدة رائدة الدّوَل المارقة
تكتسب قرارات الإدانة وأمر اعتقال رئيس حكومة العدو الصهيوني ووزير حربه السابق من قِبَل محكمة الجنايات الدّولية، يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أهَمِّيّةً رمزية، لكن الولايات المتحدة – وهي والكيان الصهيوني ليست عضوًا في المحكمة – وألمانيا وبعض حكومات دُوَل أعضاء حلف شمال الأطلسي نَدّدت بقرار هذه الهيئة الدّولية الذي تضم 124 دولة، وأعلن بعض المسؤولين الأميركيين وفي مُقدّمتهم السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، الذي هدّد لشبكة “فوكس نيوز” يوم الجمعة 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بمعاقبة الدّول التي تُنَفِّذُ قرار الإعتقال، بما فيها حلفاء الولايات المتحدة التي ذكر منها بالإسم كندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهدّدَ ب”سَحْق اقتصاد هذه الدّول أو أي دولة أخرى، وسيَتَعَيَّنُ “الاختيار بين المحكمة الجنائية الدولية المارقة أو أميركا ( التي سوف) تتصَرّف بقوة ضد المحكمة التي لا تمتلك أي شرعية”، كما هدّد نواب أمريكيون آخرون وكذلك المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بإصدار قانون يفرض عقوبات على قُضاة المحكمة الجنائية الدّولية، وفرض عقوبات اقتصادية، وربما غَزْو الدّول التي تمتثل للقرار وتعتقل المسؤولين الصهاينة…
في أوروبا ندّدت حكومة المَجَر (هنغاريا) بقرار محكمة الجنايات الدّولية وأعلن الرئيس فيكتور أوربان ” اعتزامه دَعْوَةَ نتنياهو وغالانت إلى زيارة البلاد”، فيما أعلنت دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي، من بينها إيطاليا وإيرلندا وبلجيكا وهولندا وفرنسا “احترام قرار المحكمة” الذي تجدر الإشارة إنه يُساوي بين المُحتَلّ الصهيوني والمقاوم الفلسطيني، حيث صدر أمر اعتقال مسؤولين من حركة حماس…
تواصل الولايات المتحدة والعديد من الحكومات والمُؤسسات الأوروبية اعتبار أي نقد للكيان الصهيوني أو احتجاج على ممارساته بمثابة “مُعاداة السامية” وتمت مُضايقة واعتقال ومحاكمة المُحتجِّين في معظم دول حلف شمال الأطلسي، مما يُساهم في إفلات المسؤولين الصهاينة من المُساءلة والعقاب، لكن ورغم التهديد والإبتزاز الأمريكي، قَلَّصَت العديد من الحكومات اتصالاتها العلَنِيّة بالمسؤولين في الحكومة الصّهيونية، كما أعلنت أكثر من عشرين جامعة أوروبية وكندية قَطْعَ علاقاتها مع المُؤسّسات الأكاديمية الصهيونية، وتم استبعاد بعض الشركات الصهيونية من المعارض التجارية الدّولية…
في جنوب إفريقيا – التي قَدّمت الشكوى إلى محكمة الجنايات الدّولية – أعلن وزير الخارجية “رونالد لامولا” (اذي قد يخلف الرئيس الحالي سيريل رامافوسا)، يوم 26 أيلول/سبتمبر 2024 – أي قبل شهرَيْن من إعلان قرار المحكمة الجنائية الدّولية – “رغم إدانتنا أحداث السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، فإن إسرائيل دولة استعمار استيطاني وعُنْصُرِيّة…”
تأسّست المحكمة الجنائية الدّولية سنة 1948، سنة النّكبة، عندما كانت جميع الأنظار مُتّجِهَة نحو محاكمة الزعماء النّازيين الذين اجتحوا أوروبا وارتكبوا مجازر عديدة، وتهدف المحكمة معاقبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين وحرمانهم من الحقوق الأساسية ومن مُقومات الحياة كالغذاء والمياه والرعاية الصّحّيّة، وتجدر الإشارة إلى الدّعم غير المحدود الذي تُقدّمه ألمانيا إلى الكيان الصّهيوني الذي يرتكب ممارسات ومجازر شبيهة بمجازر النظام النازي الألماني بين سنتًيْ 1933 و 1945، كما تجدر الإشارة إلى المُقارنة بين مُشاركة ألمانيا في جميع الحروب العدوانية الأمريكية – ضمن حلف شمال الأطلسي أو خارجه – وساهمت في تخريب يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وسوريا، ودعمت – مع جميع دول حلف شمال الأطلسي – ، باسم “القانون الدّولي ” محاكمة وإدانة زعماء يوغسلافيا سلوبودان ميلوسوفيتش ورادوفان كارازيتش، بتهمة ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية، واليوم تدعم ألمانيا والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي – التي تتشدّق بِالقِيَم الإنسانية وباحترام حقوق الإنسان – عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في العديد من البلدان العربية…
أفريكوم: القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا
أهملت معظم الدول الرأسمالية المتطورة قارة إفريقيا بعد نهْبِ ثرواتها وسلب سُكّانِها القوت والثروة والصّحة، فاستغلّت الصين هذه الثّغرة ودخلت إفريقيا لتُنافِسَ الدول الرأسمالية العريقة، خارج الأسواق الأوروبية والأمريكية لنحو عِقْدَيْن، ولما أصبحت الصِّين ثاني قوة اقتصادية في العالم، أَوْلَتِ الإمبريالية الأمريكية اهتمامًا جِدِّيًّا بالقارة الإفريقية، وقررت استعمارها عسكريا، بدل استثمار رؤوس الأموال في الدول الإفريقية، وكان برنامج “أفريكوم” (برنامج عسكري أمريكي للهيمنة على إفريقيا ) شبه سِرِّي – رغم التصريحات الرّسْمية بشأن خطوطه العريضة- وغائبًا عن اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، إلى أن انتشر خبر مقتل أربعة جنود أمريكيين (من القوات الخاصة أو “القُبّعات الخضراء”) في النيجر (وخمسة جنود من النيجر لم تُولِيهِم الصحافة “الغربية” أي اهتمام) خلا ل عملية مُشْتركة مع جيش الطّيران الفرنسي وجيش النِّيجر، وفق إعلان وزارة الحرب الأمريكية (بيان “بنتاغون” 05/10/2017)، مِمّا أثار بعض التّساؤلات بشأن تواجد القوات المُسَلّحة الأمريكية في منطقة “السّاحل الإفريقي”، وبدأت تنتشر (في أوساط محدودة) أخبار الحضور الأمريكي الهام في غرب افريقيا وأخبار القاعدة العسكرية الأمريكية في مطار “أغاديس” وقاعدة الطائرات الآلية الأمريكية (درونز) التي تُنَفِّذُ الإغتيالات العديدة “خارج إطار القَضاء” (ما يُعْتَبَرُ جرائم قتل مُتَعمد، دون محاكمة)، ونشرت بعض المواقع وثائق رسمية أمريكية كانت سرية وأُفْرِج عنها سنة 2015 تُبَيِّنُ تواجدًا عسكريّا أمريكيًّا هامًّا في إفريقيا (وفي النيجر بالذات)، مع مخازن للسلاح والذّخيرة، وقواعد جوية في المغرب وفي ليبيريا (غرب إفريقيا) وأخرى في أوغندا وكينيا وغيرها، وتَكَثّف هذا التّواجد العسكري سنة 2002 في تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر وغيرها، وتُبَيِّن أن الإمبريالية الأمريكية تعتبر “إن كل السّاحات مُترابطة، من أفغانستان إلى موريتانيا”، وأعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية (23/10/2017) “يوجد حوالي ستة آلاف عسكري أمريكي في 53 دولة إفريقية، مع الطّائرات والمُعِدّات والذّخائر، لتنفيذ مَهَامَّ شبيهة بما يُنَفِّذُهُ زُملاؤهم في العراق وسوريا وأفغانستان…”، بمعدّل عشر عمليات يوميّا في إفريقيا، من الكامرون إبى جيبوتي ومن الصومال إلى ليبيا، وتُجْرِي القوات الأمريكية 3500 مناورة سنويًّا مع جيوش الدول الإفريقية، وخَصَّصَت وزارة الحرب الأمريكية (بنتاغون) 288 مليون دولارا لتجهيز قواتها العسكرية في إفريقيا بين سنتي 2009 و 2013… عرفت قارة إفريقيا هُدُوءًا واستقرارًا خلال أكثر من عقد، حتى سنة 2001، قبل تكثيف التواجد الأمريكي التي ترافق مع تواجد التنظيمات الإرهابية وتَعَدُّدِ أسمائها، ومع تعدّد محاولات الإنقلاب في تشاد سنتي 2006 و 2013 وفي موريتانيا سنتي 2005 و 2008 وانقلاب عسكري في النيجر سنة 2010 وفي مالي سنة 2012… وَوَرَدَ في وثائق رسمية أمريكية “أَدّى الحضور العسكري الأمريكي المُباشِر إلى تأجيج مشاعر أهل البلاد الإفريقية ضد أمريكا، مما يَسَّرَ عمل التنظيمات الإرهابية وتَجْنِيد الإرهابيين”… عن موقع “ذي انترسبت” 28/10/17 (الرجاء مُراجعة مقال “أفريكوم، مخطط امبريالي أمريكي في افريقيا”- الطاهر المعز – آذار/مارس 2009)
أوروبا – هجرة انتقائِيّة
قُدِّرَ عدد الضّحايا الذين فَقَدُوا حياتهم في البحر الأبيض المتوسط إثناء عبورهم ومحاولة الوصول إلى أوروبا، بين سنتَيْ 2014 و 2024 بنحو ثلاثين ألف مهاجر غير نظامي، ومات المئات أثناء محاولة عُبُور بحر المانش على أمل الوصول إلى بريطانيا، وقَرّر الإتحاد الأوروبي، منذ أكثر من عِقْدٍ الاستعانة بمصادر خارجية لضبط الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي بموازاة تشديد القوانين الأوروبية بخصوص المهاجرين النّظامِيِّين الذين يعيشون في أوروبا، وكان الإتحاد الأوروبي قد وَقّع اتفاقية مع تركيا سنة 2016 لضبط تدفّق الهجرة من سوريا (التي ساهمت جيوش تركيا والإتحاد الأوروبي، بصفتها جزءًا من حلف شمال الأطلسي في تخريبها وتفتيتها ) مقابل حصول تركيا على أموال أوروبية، فيما كان مُديرو الشركات الأوروبية – وخصوصًا لألمانية – يختارون الأطباء والمهندسين والعمالة الماهرة في مخيمات اللجوء بتركيا… ثم اعتمد الإتحاد الأوروبي سنة 2024 “ميثاق الهجرة واللُّجُوء” الذي يهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية ويتضمّن هذا الميثاق “تعزيز الشراكة مع دول المنشأ ودُوَل عبور المهاجرين ومُساعدتها على السّيطرة على حدودها بهدف التحكم في تدفقات الهجرة قبل وصول الأفراد إلى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي”، وهو ما أسْمَتْهُ منظمات المجتمع المدني “الإستعانة بمصادر خارجية لمعالجة طلبات اللجوء وتقييمها مسبقًا في البلدان الشريكة، مما يزيد من احتمال انتهاكات حقوق طالبي اللجوء ويَحُدُّ من توفير الحماية الإنسانية للفارّين من العُنف والإضطهاد، ويَحُدّ من التّمْييز بين الهجرة القَسْرِيّة والهجرة غير النّظامية، ويَحُدُّ من إمكانية تقديم طلب اللجوء في أوروبا”
يتّسم “ميثاق الهجرة واللُّجوء” الأوروبي بالتّمْيِيز بين المُهاجرين واللاّجئين بحسب جنسيتهم وبحسب درجة حاجة الإقتصاد الأوروبي لهم، فقد ارتفع حجم الهجرة الدّولية لموظفي الرّعاية الصّحّية لتعويض النقص في الموظفين داخل أنظمة الرعاية الصحية الأوروبية، وحرمان بلدان المَنْشَأ من خبرات هؤلاء الأطباء والمُمَرِّضين والفَنِّيِّين، خصوصًا منذ انتشار وباء كوفيد -19، حيث ارتفع عدد الأطباء والممرضات المولودين في الخارج والعاملين في دول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ( الدول الأكثر ثراء) بعد أن تدرّبُوا في بلدانهم الأصلية، بنسبة 20% خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مقارنة بالعقد السابق، وبنسبة 17% خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ضمن “هجرة الأدمغة” واستنزاف قُدُرات الدّول الفقيرة وأوْرَد تقرير لمنظمة الصّحّة العالمية ( 15/03/2024) إنه يتم تعيين الأطباء الأجانب المتخصصين في الرعاية الصحية بانتظام في نظام المستشفيات الأوروبية دون مُؤَهّلاتهم – إذْ يستغرق الحصول على مُعادَلَة الشهادات والمؤهلات سنوات عديدة – وبرواتب تقل عن زملائهم مع ظروف عمل أَسْوَأَ من زملائهم المواطنين، مما يعيق اندماجهم ويبقيهم في حالة مُستمرة من عدم الإستقرار…
أورغواي
تصدّر ياماندو أورسي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر بحصوله على نسبة 43,9 % من الأصوات، متقدما على ألفارو ديلغادو الذي حصل على نسبة 26,8 %، وحَلَّ أندريس أوخيدا من حزب كولورادو ثالثًا بنسبة 16% من الأصوات، و في الدّورة الثانية التي جرت يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فاز مُرَشّح اليسار ياماندو أورسي بنسبة 49,8 % من الأصوات مقابل 45,9 % لمنافسه ألفارو ديلغادو، وحَظِي يامادو أورسي بدعم من الرئيس الأسبق خوسيه موخيكا ( تولى الرئاسة من 2010 إلى 2015 )، المقاتل السابق في حركة توباماروس والذي عانى من التعذيب والسجن حيث قضى 14 سنة في السّجن الإنفرادي، ويبلغ حاليا 89 سنة من العمر، ويُعتَبَرُ الفائز (أورسي ) وريثه السياسي أورسي، وهو أستاذ تاريخ سابق يبلغ 57 عاما وينحدر مثله من بيئة ريفية متواضعة، وحال إعلان النتائج، خرج آلاف الأشخاص إلى شوارع العاصمة مونتيفيديو، معقل ائتلاف “فرنتي أمبليو” الذي دعم الفائز، للاحتفال بانتصار أورسي الذي لن يتسلم منصبه سوى يوم الأول من آذار/مارس 2024…
تتمتع أوروغواي (3,4 ملايين نسمة ) الواقعة بين الأرجنتين والبرازيل بمستوى معيشي مرتفع ومستويات منخفضة من الفقر ومن انعدام المساواة، مقارنة ببلدان أخرى من دول أمريكا الجنوبية، فازت جبهة “فرنتي أمبليو” (يسار) خلال الإنتخابات البرلمانية يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 2024، ب16 مقعدا من أصل 30 في مجلس الشيوخ و48 مقعدا من أصل 99 في مجلس النواب، وتعززت هذه النتيجة الإيجابية بفوز مرشح ائتلاف “فرنتي أمبليو” ياماندو أورسي بمنصب الرئاسة يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ليتَمَكّن من تنفيذ برنامجه السياسي والإقتصادي…
عَسْكَرة الدّبلوماسية الأوروبية
تُنسّق دول أوروبية ( بولندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وغيرها) لإصدار دين عام لتعزيز صناعتها العسكرية ولتمويل إعادة التسلح الأوروبي، ” وتحمل عبء الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا في سياق خفض محتمل لالتزامات الولايات المتحدة”، دون تحديد مصادر التّمويل، وسبق أن صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال شهر حزيران/يونيو 2024 “إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى استثمار 500 مليار يورو (535 مليار دولار) على مدى العقد المقبل لتعزيز صناعة الحرب” وعينت الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي رئيس الوزراء الليتواني السابق أندريوس كوبيليوس مفوضا لشؤون الدفاع لتنفيذ هذه المبادرة، مع العلم إن أوروبا هي ركيزة حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة التي لم تَخُض حربا واحدة على أراضيها، وتُشجّع على الحُرُوب في الخارج، بما في ذلك أوروبا، حيث يُدَرّب الجيش الأمريكي جيش أوكرانيا على استخدام الأسلحة الأمريكية طويلة المدى وتنفيذ هجمات داخل العُمْق الرُّوسي، ما يُمثّل نقلة نوعية من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وخصوصًا فرنسا وبريطانيا اللَّتَيْن أصدرت حكوماتهما، في أعقاب الولايات المتحدة، الترخيص باستخدام الجيش الأوكراني صواريخ ستورم شادو وسكالب بعيدة المدى، وفق موقع صحيفة “لوفيغارو” بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، مما يحول هذا الصراع إلى حرب مفتوحة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، على الأراضي الأوروبية التي عانى مواطنوها من ويلات الحَرْبَيْن الإمبرياليّتَيْن الأولى والثانية، ولم تتخلّف الدّول الإسكندنافية – حيث ارتفع عدد نُواب اليمين المتطرف في برلماناتها – عن هذه العَسْكَرَة المُفْرِطَة لقارة أوروبا، بل تقوم حكومات السويد والنرويج وفنلندا بتهيئة السّكّان للحرب، بعد أن تَخَلَّتْ كل من السويد وفنلندا عن عدة عقود من الحياد وانضمتا إلى حلف شمال الأطلسي، وعلّلت هذه الحكومات الإستعداد للحرب بأن “الوضع الأمني خطير ونحن جميعا بحاجة إلى تعزيز قدرتنا على الصمود حتى نكون قادرين على مواجهة الأزمات، وفي نهاية المطاف، الحرب”، مما يُبرّر دعوة السّكّان إلى إدراك “التهديدات التي تواجه دول شمال أوروبا” وفق الوثيقة السويدية التي وجّهتها الحكومة للمواطنين، وتقدم نصائح عملية مثل تخزين الطعام والماء، وتحث حكوزمة السويد السكان – منذ بداية الحرب في أوكرانيا والإنتماء لحلف شمال الأطلسي – على الاستعداد ذهنياً ولوجستياً للحرب، وأنشأت حكومة فنلندا، التي تفوق حدودها ألْف كيلومتر موقعًا إلكترونيًا ( بداية من يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) يحتوي على نصائح حول “الإستعداد للأزمات التي تشمل الحرب والحماية المدنية وعمليات الإخلاء والدفاع الوطني”، مع توصيات بشأن احتياطيات الغذاء والماء والتدفئة والتمويل، كما حثّت حكومة النّرويج المواطنين على الإستعداد للحرب ضد “العدُوّ الرّوسي”…
في ألمانيا التي شارك جيشها في كافة الحروب العدوانية الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية، وشارك جيشها في تجهيز جيش العدو الصهيوني بأسلحة متطورة مثل الدّبابات والغواصات القادرة على حمل أسلحة نووية، يقوم الجيش بإعداد الشركات والأفراد للحرب وفق صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ، “والإستعداد للدفاع عن البنية التحتية الحيوية للبلاد ضد الاعتداءات الخارجية المحتملة، بما في ذلك الهجمات السيبرانية”، وقال متحدث باسم الجيش الألماني لصحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ: “جميع مراكز القيادة الإقليمية مسؤولة عن تنفيذ الخطة ( من خلال ) وجود اقتصاد جيد الإعداد ومرن للدفاع المدني والعسكري في ألمانيا”، وترافق هذا “الإستعداد” مع حملة إعلامية وسياسية مُعادية لروسيا، شكّلت صَدى للدّعاية الأمريكية، أما ما نُشِرَ عن الخطة العسكرية الألمانية فلا يختلف عن خطة “عملية بربروسا” التي نَفَّذها جيش ألمانيا النّازية ضدّ الإتحاد السوفييتي سنة 1941… وما أَشْبَهَ اليوم بالبارحة !!!
الإقتصاد الليبرالي بين الوعود والواقع:
وَعَدَت الرّأسمالية النّاس “بالجَنّة على وجْهِ الأرض”، شرط عدم تدخُّل الدولة في سير الإقتصاد، وبعد حوالي قرنين من هيمنة الرأسمالية، يتّهم بعض الليبرالِيِّين “المُعْتَدِلِين” الإيديولوجية “النيوليبرالية” بأنها السبب الرئيسي في زيادة عدد الفُقراء وفاقدي المأوى والعاملين بدوام جُزْئي، وأصحاب الرواتب التي لا تكفِي لتلبية الحاجيات الضرورية للإنسان (أي الفُقَراء العامِلِين)، ومع انهيار الإتحاد السوفييتي أعلن بعض مُرَوِّجي “النيوليبرالية” انتصار الرأسمالية نهائيًّا وأعلنوا “نهاية التاريخ”، لكن تَطَور الصين أحدث شرخًا في النظريات النيوليبرالية، حيث تقود الدّولة التطور الرّأسمالي للإقتصاد (اقتصاد السوق “الإجتماعي”، كما يُسَمِّيهِ الإعلام الرّسْمِي الصِّيني)، زيادة على الأزمة المالية العالمية (2008-2009) التي نتجت عن دور الدولة (التي تُمَثِّلُ مصالح رأس المال) في إنقاذ المصارف والشركات الكُبْرى عبر ضخِّ المال العام الذي جَمَعَتْهُ أجهزة الدولة من ضرائب الأجَراء والمُنْتِجِين، واضطرّت الصحف ووسائل الإعلام البرجوازية للحديث عن تباطؤ النُّمُو وتفاقم الفقر واتِّساع الفجوة الطّبَقِية في البلدان الرأسمالية المتطوِّرَة، بل تراجعت بعض المُؤَشِّرات الإنمائية، فقد أنشأت بريطانيا قرابة 300 ألف مَسْكِن سنويًّا خلال عِقْدَيْ الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وانخفض العدد حاليا بنسبة 50% ما خَلَقَ أزمة سَكَن وارتفاعًا في إيجارات المنازل، وفي الولايات المتحدة (قاطرة النظام الرّأسمالي العالمي) ارتفع معدل وفيات الأمومة من 16,9 لكل 100 ألف ولادة حية سنة 1990 إلى 26,4 سنة 2015، وانخفضت قيمة الأجور في بريطانيا بنسبة 10% بين سنتي 2007 و 2014 رغم النمو الذي حققه الإقتصاد (بفضل جُهُود العامِلِين) وفي أنغلترا لا يزال حوالي 15% من البالغين (أو حوالي 5,1 ملايين شخصا) شبه أُمِّيِّين ولم تنخفض النسبة منذ إحدى عشر سنة، إضافة إلى من لا يُجيدون القراءة والكتابة، بشكل يُمَكِّنُهُم من قضاء شؤونهم اليومية دون الإستعانة بغيرهم، بينما تمكنت “كوبا” ذات الإقتصاد المُوَجَّه من قِبَلِ الدّوْلَة من القضاء على الأمية ومن الإكتفاء الذاتي في مجال الأدوية بل وتصدير العديد منها مع ارتفاع عدد الأطباء، رغم ضعف إيرادات الدّولة ورغم الحظر والحصار الإقتصادي والمالي والسياسي… أَدّت السياسات النيوليبرالية التي تفرضها الدولة عبر عدد من القوانين إلى زيادة حصة رأس المال (مع خفض الضريبة على الأرباح) وانخفاض حصة العمال (مع زيادة الضريبة على الأُجُور) في مُعادلة توزيع نتائج النمو، مع ارتفاع حصة المُضارِبين في البورصة وأصحاب الأسهم، في حين تدهورت القيمة الحقيقية للرواتب وتدهورت ظروف العمل، كما ساءَتْ حال البُنْيَة التّحْتِيّة والخدمات العُمومية