عيِّنات من الديمقراطية الأمريكية  / الطاهر المعز

0 209

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 12/12/2024 م …

1 – بايدن الأب يُصْدِرُ عَفْوًا عن بايدن الإبن، أو “الأقربون أَوْلى بالمَعْرُوف”

أصدر الرئيس جوزيف بايدن عفوًا رِئاسيًّا على ابنه “هانتر”الذي تمّت إدانته سنة 2018، بالكذب وبتعاطي المخدرات، والتهرب الضريبي بمئات الآلاف من الدولارات، وبمخالفات بشأن صفقة شراء أسلحة فيدرالية، ومنحَهُ والده، عفواً كاملاً وغير مشروط عن هذه الجرائم، مما  أثار انتقادات حتى في الحزب الديمقراطي، ورَفَضَ الرؤساء الأمريكيون، منذ عُقُود، إصدار عفو عن عدد من “المُدانين الأبرياء” الذين يقبع بعضهم في أروقة الموت، في انتظار تنفيذ أحكام الإعدام، رغم عدم توفر الأدلة الكافية أو شبهة تزييف الشرطة للأدلة وشهادة الشّهود وما إلى ذلك من مخالفات ( قضية “موميا أبو جمال على سبيل المثال)، ويُصدر الرؤساء عفوًا على من لا يستحق، وأصدر الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن يوم الأول من كانون الأول/ديسمبر 2024، عفواً عن ابنه هانتر المُتَوَرّط في قضيتين – أمام محكمة فيدرالية – تخص إحداهما حيازة سلاح ناري بشكل غير قانوني والأخرى التهرب الضريبي لفترة عشر سنوات، وأثار هذا القرار جدلاً مُبَرَّرًا حول استخدام العفو الرئاسي، وتصميم رئيس أعظم دولة في العالم، تدّعي الدّيمقراطية، على حماية ابنه باستخدام سُلطاته الإستثنائية للعفو عن أي شخص أدانته العدالة الفيدرالية في البلاد، قبل انتهاء فترته الرئاسية يوم العشرين من كانون الثاني/يناير 2025…

تورّط هانتر بايدن في أعمال قَذِرة أخرى لا يهتم بها هؤلاء المُنتقدون، لأنها حصلت في أوكرانيا، بعد انقلاب شباط/فبراير 2014، فقد انضم “هانتر بايدن” ( لما كان أبوه نائبًا للرئيس باراك أوباما) إلى مجلس إدارة شركة أنشأها قطب الغاز، وهو وزير أوكراني سابق، كان مُتَّهَمًا بغسيل الأموال على نطاق دولي ويهدف من خلال تعيين ابن بايدن إلى توفير غطاء متين لأعماله المشبوهة، وتمثَّلَ دَوْرُ هانتر بايدن في إنشاء شبكة أمريكية من المختبرات الحيوية في أوكرانيا يروج لها ويمولها البنتاغون، وفق تحقيق نَشَرَهُ المركز الأمريكي للصحافة الإستقصائية (The National Pulse ) يوم 24 آذار/مارس 2022، بعد أسابيع قليلة من بداية الحرب في أوكرانيا (22 شباط/فبراير 2922) وشغل هانتر بايدن منصب المدير الإداري للشركة التي تم إنشاؤها تحت إسم –  Rosemont Seneca Technology Partners (RSTP)  – ومعه كريستوفر هاينز صهر جون كيري، وزير الخارجية آنذاك وتضم هذه الشركة شركة أخرى (  Metabiota -company ) في سان فرانسيسكو وتهتم باكتشاف وتتبع وتحليل الأمراض المعدية الناشئة، والعمل على اتصال وثيق مع معهد أنتوني الوطني للحساسية والأمراض المعدية (NIAID) وتوسطت شركة “ميتابيوتا” عفي إبرام عُقُودٍ بين وزارة الحرب الأمريكية والمختبرات الحيوية الأوكرانية، وتلقت Metabiota سنة 2014 منحة قدرها 18,4 مليون دولار لتنفيذ مشاريع بحثية في أوكرانيا، بالتعاون مع ما لا يقل عن ثلاثين مختبرًا بيولوجيًا أنشأتها الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر في أوكرانيا، وأثار هذا العدد الضخم من المختبرات التي تُجري ( رسميا) أبحاث حول الفيروسات القاتلة لحماية السكان الأوكرانيين، اهتمام الإعلام ووزارة الحرب ومراكز البحث الرّوسية التي اكتشفت إن الهدف الحقيقي لهذه المختبرات عسكري وليس مدني، وكشفت وُجُودَ ما لا يقل عن ثلاثمائة من المختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا وفي نحو 36 دولة في العالم، للقيام بأبحاث خطيرة وذات أهداف عسكرية، من بينها الحرب البيولوجية…

سبق أن أثار العفو الرئاسي الذي أصْدَرَهُ جيرالد فورد، سنة 1974، عن سَلَفِهِ رتشارد نيكسون الذي اضطر إلى الإستقالة بعد فضيحة التجسس على الحزب الدّيمقراطي (فضيحة واترغيت) جدلاً لأن هذا القرار مَكّن الرئيس المُضطر إلى الإستقالة من الإفلات من أي إجراءات أو مُحاسبة قانونية، كما أصدر جورج بوش الأب، سنة 1992، عفوًا على المتورطين في فضيحة “إيران كونترا”، وتمثلت الفضيحة في تورّط وكالة المخابرات المركزية في عملية بيع أسلحة سرية لإيران لتمويل مليشيات الثورة المُضادّة في نيكاراغوا وأدّى العفو الرئاسي إلى تجنّب العديد من كبار المسؤولين المحاكمة لارتكابهم جرائم باسم “الدّفاع عن المصالح الأمريكية العُليا”، ومنح الرئيس وليام كلينتون، سنة 2001، العفو الرئاسي لصديقه مارك ريتش، التاجر الكبير المتورط في قضايا الاحتيال الضريبي، كما استخدم دونالد ترامب سلطة العفو الرئاسي لإلغاء أو تقليل إدانات مستشاره “ستيف بانون” المتهم قضائيا بالاحتيال وباختلاس أموال عمومية… 

 

2 – الميزان الأعْرج ل”عدالة” الديمقراطية البرجوازية

هل يجوز الحديث عن “الدّيمقراطية” في غياب العدالة والمُساواة الفِعْلِيّة، وليس الشّكْلِيّة؟

ارتفعت القيمة الإجمالية الصّافية لثروة 12 ثريا أمريكيا بنسبة 193% بين نيسان/ابريل 2020، وبداية كانون الأول/ديسمبر 2024، وفاقت تريليونَيْ دولار وفق مجلة فوربس التي تُتابع ثروات أثْرَى أثْرِياء العالم، بتاريخ الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2024، ويُعَدّ هذا التّركيز للثروة بين قِلّة من الأشخاص خَطَرًا على الدّيمقراطية، لأن القُوّة المادّية (المالية) التي يتمتع بها الأثرياء تُمَكِّنُهُم من استخدامها لتحقيق مصالحهم التي تتعارض غالبًا مع مصالح أغلبية مواطني الولايات المتحدة والعالم، وعلى سبيل المثال، استخدم “إيلون ماسك” و “جيف بيزوس” وأثْرِياء آخرون ضخامةَ ثرواتهم لتوسيع نفوذهم السياسي والاقتصادي، واشتَرَيا منصات إعلامية كبيرة، لتوسيع نفوذهما، ولتحديد شروط النقاش العام ليَتَّسِعَ تأثيرهما على الرأي العام، وأنفَقَ إيلون ماسك ( عبر لجنة العمل السياسي التابعة لدونالد ترامب قبل انتخابه) نحو مائتَيْ مليون دولارا لِضَمَان فَوْز مُرَشَّحِي الحزب الجمهوري في الانتخابات، مُقابل إعفاءات ضريبية ودعم شركة تِسْلا للسيارات الكهربائية التي يمتلكها إيلون ماسك، مما يُحَوّل الدّعم المالي للمُرَشَّحين في الإنتخابات الدّيمقراطية ( نظريًّا ) إلى استثمار مُرْبِحٍ مُخَصّص بالأثرياء.

أما “جيف بيزوس” فَلَمْ يَنْضَم بشكل مباشر إلى المعركة اللإنتخابية، لكنه نفذ انقلابًا على هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست التي اشتراها، ومنع الصّحافِيِّين من نَشْر آرائهم بشأن مختلف المُرَشَّحِين، بهدف الحفاظ على عقود شركته “أمازون” الحالية مع الحكومة الفيدرالية في وضع جيد، وحماية العقود المستقبلية.

يُؤَكّد هذان المثالان ( إيلون ماسك وجيف بيزوس ) إن تأثير ثريّ واحد يفوق تأثير عشرات الآلاف من المواطنين الكادحين الذين يكسبون – بِصُعُوبةٍ – قوتهم بالعمل وليس بالمُضاربة واستغلال الآخرين…  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تسعة + سبعة =