قرارات الشجب والغضب ليست كافية / علي محمد فخرو

0 172

علي محمد فخرو ( البحرين ) – الأربعاء 14/11/2024 م …

حسناً، ها أن دونالد ترامب قد فاز في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبدأت التكنهات وقراءات البخت تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الأخرى، ولكن هل الموضوع الذي يجب أن يعيه الغرب، بالنسبة لعلاقتهم مع أمريكا، هو ما يظهر على السطح مصاحباً تغير الأشخاص؟ أم أنه يتلخّص في قول مثل «حكومة الولايات المتحدة هي المنظمة الإجرامية الأكثر اكتمالاً في تاريخ البشرية» الذي نطق به بول كريج روبرتس نائب تحرير صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في الماضي القريب، إبّان صحوة ضمير، وأردف قائلاً ليكمل الصورة البشعة إن «الإعلام الغربي هو جزء من العمليات الإجرامية لواشنطن»؟ أم أنه يتلخص أيضاً في قول لضابطة الاستخبارات الأمريكية السابقة، سوزان لنداور إن، «وكالة الاستخبارات الأمريكية خاضعة للموساد الإسرائيلي»؟ نطرح تلك الأسئلة المستفزة لنقول إن الأشخاص المسؤولين الأمريكيين يأتون ويذهبون، أما ما يبقى ويمكث في الأرض الأمريكية فهو دلالات تلك الملاحظات التي تصدر من أمريكيين إبّان لحظات وعي وندم.

المواجهة يجب أن لا تبدأ في أمريكا وإنما في أرض العرب، بيدهم وإرادتهم، ومن أجل تحرير مستقبلهم من قبضة الدولة الأمريكية العميقة، التي باعت نفسها للشيطان الصهيوني

المواجهة الحقيقية الفاعلة ليست مع كامالا هاريس ولا دونالد ترامب، وإنما مع الدولة العميقة التي تشير إليها وإلى أفعالها المشينة مثل تلك الأقوال السابقة، ومن ثم فالمواجهة يجب أن لا تبدأ في أمريكا وإنما في أرض العرب، بيد وإرادة كل العرب، ومن أجل تحرير مستقبل العرب من قبضة الدولة الأمريكية العميقة، التي واحسرتاه قد باعت نفسها للشيطان الصهيوني، ومن يرقصون حوله في فلسطين المحتلّة ونيويورك والكثير من الغرب الاستعماري.
ونحن، إذ نشير إلى أمريكا بقوة في هذا الصراع فلأنها قررت اندماجها الكلي في دعم وتبنّي المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني في فلسطين المحتلة، ومن بعدها بقية أجزاء الوطن العربي قضماً بعد قضم. وما كان للإبادة الجماعية الصهيونية في غزة والضفة الغربية وكل لبنان أن تستمر بهذا الجنون، وبذلك التوحّش الحيواني، لولا الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي الأمريكي والاستعماري الأوروبي، الذي لم ولن يتوقف مهما ارتكب الكيان من جرائم مريعة ضد الأطفال والنساء العزّل، وضد كل مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين ولبنان على الأخص. من هنا كنا نأمل التوجه نحو الخطوات الأولى في مواجهة الجنون الصهيوني وداعميه، من قبل الأربع وخمسين دولة عربية وإسلامية، التي حضرت المؤتمر العربي الإسلامي في الرياض منذ يومين. لا ننكر أن لهجة الاستنكار ولغة الشّجب وعواطف الغضب كانت في هذا الاجتماع المشترك، أقوى مما كانت عليه في الاجتماع المماثل، الذي انعقد منذ أكثر من سنة. لكن هل حقاً أن ردّ الفعل تجاه قتل أكثر من مئتي ألف فلسطيني ولبناني، سبعون في المئة منهم من الأطفال والنساء الأبرياء العزّل، الذي لم يزد عن إلقاء الخطب ومناشدة العالم، أن يفعل شيئاً تجاه المذابح الصهيونية المروعة في فلسطين ولبنان، هل كان ذلك الرد كافياً لردع الكيان الصهيوني في أرض الواقع؟ لقد عبر عن هذا السؤال الذي تطرحه الشعوب العربية كلها الرئيس السوري بشار الأسد، في خطابه الذي طالب فيه بصدور قرارات فاعلة بدلاً من الاكتفاء بإصدار بيان غضب واستجداء، لكن المؤتمر لم يلتفت إلى تفعيل روح الخطاب، في شكل قرارات أفعال توقف الكيان الصهيوني، ومن وراءه عند حدّهم.
كان الأمل على الأقل إصدار قرار بايقاف جميع العلاقات، بكل أشكالها ومستوياتها، مع الكيان الصهيوني حتى يستجيب للحد الأدنى من المطالب المتمثلة في إيقاف حرب الإبادة بصورة نهائية، والانسحاب التام من غزة وجنوب لبنان، والانسحاب من الضفة الغربية المحتلة عام 1967 والقدس الشرقية، ومن ثم الاعتراف بقيام دولة فلسطينية كاملة الاستقلال. نصف هذه المطالب كحدّ أدنى لأننا نؤمن إيماناً قاطعاً بأن لا مكان للتعايش مع الكيان الصهيوني مستقبلاً، وأن الحل الوحيد هو قيام دولة فلسطين العربية الديمقراطية، التي يتعايش فيها العرب المسلمون والمسيحيون واليهود غير الصهاينة. وهذا ما تريده الأغلبية الساحقة من شعوب الأمة العربية والعالم الإسلامي، وهو ما يجب أن تعيه وتحترمه كل أنظمة الحكم العربية والإسلامية في كل خطوة مشتركة تخطوها مستقبلاً. هذا المطلب العربي الإسلامي الشعبي العادل، الذي لا يقبل أن يستعمر الاستعمار الجزء الفلسطيني منه، مهما طال الزمن، ومهما حاول الصهاينة وبعض الأمريكيين والأوروبيين طمسه والتلاعب به، هو الذي يجب أن يعلو فوق كل مطلب مؤقت. لقد دفع العرب والمسلمون ثمناً غالياً، أرضاً ودماء ودموعاً، وآن أوان التفكير في انعطافة جديدة تنهي موضوع الإبادة الصهيونية في فلسطين ولبنان والوطن العربي، مثلما انتهى الهولوكوست النازي ضد اليهود في أوروبا قبل ثمانين سنة. فلعلّ اجتماعات العرب والمسلمين المشتركة المقبلة تناقش تلك الانعطافة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة × 5 =