سلاح المجاعة أحد أهمّ العناوين للعدوان الصهيوني على قطاع غزة

0 273
منذ الساعات الأولى للحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، شكل سلاح التجويع، خاصة شمال غزة، جزءا من جريمة الإبادة الجماعية والقتل والحصار والتدمير، التي وضعت الفلسطينيين في قطاع غزة بين خيارين كلاهما مر “الموت أو الرحيل”.
فبعد 48 ساعة من بدء العدوان، أعلنت إسرائيل على لسان وزير حربها المقال يوآف غالانت، فرض حصارها التجويعي على قطاع غزة وقررت منع إدخال “الغذاء والماء والوقود إلى القطاع”.
وتفاقمت الكارثة الإنسانية مع استمرار آلة الحرب والتدمير، وإغلاق قوات الاحتلال بشكل كامل معبر كرم أبو سالم جنوب شرق مدينة رفح في 5 أيار/ مايو الماضي، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والطبية، وفي اليوم التالي بدأت عدوانا على رفح، واحتلت الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ومنعت دخول المساعدات والإمدادات المنقذة للحياة إلى القطاع المحاصر.
وفي الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بدأت قوات الاحتلال بفرض حصار مشدد على شمال القطاع، ومنعت دخول المواد الإغاثية والغذائية والمياه والدواء والوقود، ودمرت المنازل وفجرت مربعات سكنية كاملة، الأمر الذي فاقم الأوضاع الإنسانية المتردية أصلا، في ظل العدوان المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بهدف تهجير المواطنين قسرا، وإفراغ شمال القطاع، في ظل صمت المجتمع الدولي وعجزه عن وقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وتقدر الأمم المتحدة عدد سكان القطاع بـ2.2 مليون فلسطيني، فيما تقدر أحدث الإحصائيات أن عدد سكان شمال القطاع 50 ألف فلسطيني بعد إجبار أكثر من 70 ألفا على النزوح قسرا.
“إن فرض إسرائيل سياسة القتل والتجويع يعد انتهاكا صارخا لجميع قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي، واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة وارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بالأدلة والإثبات”. هذا ما أكده أستاذ القانون الدولي باسل منصور.
وأضاف: “تجب مساءلة إسرائيل على ارتكاب جريمة ضد الإنسانية وجرائم حرب في قطاع غزة”.
وأشار منصور إلى أن تجويع المواطنين ومنع دخول المساعدات يتعارضان مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان، كما يخالفان قرار محكمة العدل الدولية التي أمرت إسرائيل في مارس الماضي، باتخاذ كل الإجراءات الضرورية والفاعلة لضمان دخول إمدادات الغذاء الأساسية إلى سكان قطاع غزة دون تأخير، واتخاذ الإجراءات اللازمة والفعالة للتعاون مع الأمم المتحدة.
وأوضح منصور أن قرار إسرائيل منع عمل الأونروا هو تكريس لسياساتها الممنهجة بتجويع المواطنين في ظل الحرب على القطاع.
ودعا إلى ضرورة التدخل العاجل لإلزام إسرائيل قرارات الشرعية الدولية وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم منظمة “أوكسفام” هديل قزاز إن إسرائيل تستخدم التجويع كأداة حرب هدفها إفراغ قطاع غزة من سكانه وجعله منطقة غير قابلة للحياة.
وأضافت أن إسرائيل استخدمت سلاح التجويع عنوانا للحرب على غزة منذ بدايتها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في مخالفة للقانون الدولي الإنساني الذي يوجب على الاحتلال، توفير كل ما يلزم من حاجات إنسانية للسكان.
ووصفت الوضع في قطاع غزة بالمروع والكارثي، في ظل عودة المجاعة؛ بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من عام.
وأشارت إلى أن تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي يتضمن مسحا لـ90 مؤشرا والذي تحدث عن أن شمال قطاع غزة في المرحلة الخامسة، لافتة إلى أن جنوب قطاع غزة في المرحلة الرابعة من التصنيف ويعاني محدودية في وصول كل المواد الغذائية والإغاثية.
وأشارت إلى أن التقييمات الحالية تفيد بـدخول 49% من احتياجات القطاع في حين لم تدخل منذ بداية الحرب مواد غذائية كافية، تلبي احتياجات المواطنين، في حين أنه منذ بداية شهر أكتوبر لم يدخل إلى منطقة شمال قطاع غزة أي شيء على الإطلاق خصوصا مناطق بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون.
وأشارت إلى دخول شيء قليل جدا إلى مدينة غزة، في ظل تراكم الاحتياجات والنقص الشديد في مختلف المواد الغذائية.
وحول الوضع الإنساني في جنوب القطاع قالت: “منذ بداية شهر أكتوبر لم يدخل سوى أقل من 49% من المواد التي كانت تدخل خلال الحرب والتي هي أصلا خمس ما كان يدخل إلى القطاع منذ بداية الحرب”.
وبينت أن هناك نقصا حادا في غاز الطهي والوقود والأرز والدقيق وجميع المواد الغذائية، في حين لم تدخل الخضراوات إلى القطاع منذ الأول من تشرين الأول- أكتوبر الماضي، والارتفاع الباهظ في أسعار الخضراوات المزروعة محليا، في ظل الطلب الكبير، التي وصلت إلى أسعار لا تستطيع أغلبية العائلات الحصول عليها” إلى جانب النقص حاد في الملابس الشتوية والأغطية والأحذية والخيام والشوادر التي تعرضت أغلبيتها للتلف.
وحذرت قزاز من أن المواطنين في القطاع يموتون جوعا، ويواجهون شتى أشكال الجوع والعطش ونقص كل المواد الأساسية والمستلزمات الطبية بشكل يفوق المرات الماضية التي انتشرت فيها المجاعة؛ بسبب نقص الغذاء. ودعت إلى ضرورة التحرك العاجل لوقف المجاعة.
وكان تقرير للجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (فريق من كبار الخبراء الدوليين المستقلين في مجال الأمن الغذائي والتغذية والوفيات) الذي نُشر السبت الماضي، قد حذر من وجود “احتمال قوي لحدوث مجاعة وشيكة في مناطق بشمال غزة، وسط تصاعد القصف والمعارك وتوقف المساعدات الغذائية، فيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي إبادة شمال قطاع غزة.
ووفق تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن المرحلة الخامسة وهي الوضع الذي “تظهر فيه بوضوح (حالات) المجاعة والموت والعوز ومستويات سوء التغذية الحاد الحرجة للغاية”. وقال التقرير “ربما تم تجاوز عتبات المجاعة بالفعل أو سيتم ذلك في وقت قريب”.
وقالت لجنة مراجعة المجاعة: “هناك حاجة إلى التحرك الفوري في غضون أيام وليس أسابيع من جميع الجهات لتجنب هذا الوضع الكارثي”.
وحذرت لجنة مراجعة المجاعة في تقييمها من أن “احتمال حدوث المجاعة وشيك وكبير، بسبب التدهور السريع للوضع في قطاع غزة”.
وشدد التقرير على أن “الوضع الإنساني في قطاع غزة خطير للغاية ويتدهور بسرعة”.
وأشار إلى أن شاحنات المساعدات المسموح لها بدخول قطاع غزة أصبحت الآن أقل من أي وقت مضى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ إحكام الحصار الإسرائيلي على القطاع بالتزامن مع العدوان العسكري.
ولفت التقرير إلى تدهور الوصول إلى الغذاء، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق السوداء. وقال التقرير إن غاز الطهي ارتفع بنسبة 2612% والديزل بنسبة 1315% والخشب بنسبة 250%، بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل كبير ومتزايد، ما شكل انهيارا كاملا لسبل العيش بحيث لا يمكن شراء أو مقايضة الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى”.
وأعربت اللجنة عن قلقها من قرار إسرائيل الشهر الماضي قطع علاقاتها مع الأونروا، محذرة من “عواقب وخيمة للغاية على العمليات الإنسانية”.
أمميون يحذرون من خطر المجاعة
وكانت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جويس مسويا قد قالت: إن النازحين الفلسطينيين بقطاع غزة شهدوا قتلا وحرقا ودفنا لأفراد عائلاتهم، مشيرة إلى أن ممارسات الجيش الإسرائيلي “تُذكّرنا بأخطر الجرائم الدولية”.
جاء ذلك في إحاطة قدمتها بجلسة لمجلس الأمن الدولي، عُقدت الثلاثاء، لمناقشة التحذيرات الصادرة بشأن المجاعة وانعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة، بطلب من الجزائر، وغيانا، وسلوفينيا، وسويسرا.
وأشارت مسويا إلى إدانة الأمم المتحدة بشدة لعمليات القتل والدمار والمعاملة اللاإنسانية للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، مشيرة إلى أن إسرائيل تحاصر بيت حانون شمال قطاع غزة منذ أكثر من شهر، وأن الإمدادات الغذائية والمياه وصلت، لكن في اليوم التالي هجر الجنود الإسرائيليون الناس قسرا من المناطق نفسها، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، وأن إمدادات المياه والغذاء لنحو 75 ألف شخص قد انخفضت.
وذكرت أن توزيع الغذاء اليومي انخفض بنسبة 25% تقريبا في أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بشهر سبتمبر/أيلول، وأن القرار بشأن منع عمل وكالة الأونروا ساهم في هذا التراجع.
وتطرقت مسويا إلى ظروف الشتاء بالقول: “إن الظروف المعيشية في غزة ليست مناسبة للإنسانية، فالغذاء غير كافٍ، ومواد الإيواء المطلوبة قبل فصل الشتاء محدودة للغاية”.
فيما أكدت المتحدثة المساعدة باسم الأمم المتحدة ستيفاني تريمبلي، أن القانون الدولي الإنساني يفرض أن يتمكن المدنيون من الوصول إلى الضروريات التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة، وهي الغذاء والمأوى والرعاية الطبية وغيرها من المساعدات الحيوية. كما يؤكد زملاؤنا في مجال العمل الإنساني ضرورة حماية المدنيين في الشمال وجميع أنحاء غزة”.
من جانبه، قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني، في بيان الأحد الماضي، إنه من المرجح حدوث مجاعة في محافظة شمال قطاع غزة التي تشهد إبادة وتطهيرا عرقيا إسرائيليا منذ أكثر من شهر.
وأضاف أن إسرائيل استخدمت الجوع كسلاح، إذ يُحرم الناس في غزة من الأساسيات، بما في ذلك الطعام للبقاء على قيد الحياة وقال: “للأسف، هذا ليس مفاجئا، من المرجح أن تحدث مجاعة في شمال غزة”.
وبين أن المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة ليست كافية، وهي بمتوسط يزيد قليلا على 30 شاحنة يوميا، بما يمثل نحو 6% فقط من الاحتياجات اليومية للفلسطينيين.
وطالب لازاريني، بخطوات عاجلة، من بينها وجود “إرادة سياسية لزيادة تدفق الإمدادات الإنسانية والتجارية إلى غزة، وبقرارات سياسية للسماح بدخول القوافل إلى شمال غزة بانتظام ودون انقطاع”.
في حين أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، أمس الثلاثاء، أن وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة “غير كافٍ”، في مواجهة الوضع “الكارثي” في القطاع المحاصر.
وقالت: “بينما نتلقى شهادات لأشخاص على الأرض يستجدون فتات الخبز أو الماء، لا تزال الأمم المتحدة ممنوعة من الوصول إلى هذه المنطقة، مضيفة، “لم يُسمح بدخول أي طعام لمدة شهر كامل إلى المنطقة المحاصرة في شمال غزة. وقد رُفضت جميع الطلبات التي قدمتها الأمم المتحدة للوصول إلى هذه المنطقة”.
وفي السياق ذاته، حذرت مصادر طبية في “مستشفى كمال عدوان” السبت الماضي، من أن علامات المجاعة بدأت بالظهور بالفعل؛ بسبب الحصار ونقص الغذاء والماء والدواء، في محافظة شمال قطاع غزة التي تشهد إبادة وتطهيرا عرقيا إسرائيليا منذ أكثر من شهر.
ووصفت المصادر أن الوضع كارثي بشمال غزة، في ظل الحصار المستمر. وعلامات المجاعة بدأت تظهر على الأطفال والكبار جراء انعدام المقومات الأساسية للحياة من طعام ودواء ومياه.
التجويع في القوانين والاتفاقيات الدولية
وكان قضاة محكمة العدل الدولية قد أمروا إسرائيل بالإجماع، في مارس الماضي، باتخاذ كل الإجراءات الضرورية والفاعلة لضمان دخول إمدادات الغذاء الأساسية إلى سكان قطاع غزة دون تأخير.
وقالت المحكمة، إن الفلسطينيين في غزة يواجهون ظروف حياة صعبة في ظل انتشار المجاعة، كما أمرت إسرائيل باتخاذ الإجراءات اللازمة والفعالة للتعاون مع الأمم المتحدة بلا تأخير.
ويحظر القانون الدولي الإنساني تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. ولا يجوز للطرف الذي يفرض الحصار أن يعمد إلى حرمان المدنيين من الإمدادات الأساسية لبقائهم على قيد الحياة (مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبية) في منطقة محاصرة، وأن يتخذ ذلك وسيلة مشروعة لإخضاع عدوه، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما منعت “الأمم المتحدة” استخدام التجويع كسلاح في النزاعات، بعد قرار من مجلس الأمن صادر عام 2018، وتعتبر ذلك “جريمة حرب”.
فيما تنص المادة الثامنة من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أن “تجويع المدنيين عمدًا بحرمانهم من المواد الضرورية التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية الإنسانية” يعد جريمة حرب.
وينص “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” على أن تجويع المدنيين عمدًا، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية هو “جريمة حرب”.
ويعد ذلك نوعا آخر من أنواع العقاب الجماعي، وهو مرفوض وفقا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف خاصة المواد “33” و”55″ و”59″، وتُوجب المادة 27 على قوات الاحتلال بألا تجعل من المواد الغذائية والمياه والمواد الطبية بأي حال من الأحوال نوعا من العقاب الجماعي ضد المدنيين بالمناطق المحتلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة × 5 =