ماذا بعد السنوار (جيفارا) فلسطين؟ / د. منذر الحوارات
سادت لحظات من الصمت لدى الملايين في فلسطين والعالم بُعيد الإعلان عن استشهاد يحيى السنوار، فالبعض لم يستطع تصديق الخبر والبعض الآخر لم يُرِد، إذ كيف يموت رجل صنع المجد بالنسبة للملايين؟ فهو من صمم وفعل أسطورة السابع من (أكتوبر) الذي يعتبره أغلب الفلسطينيين أسطورتهم وملحمتهم الخالدة عبر عقود الصراع الطويلة، فهو بالنسبة لهم لحظة فارقة بين ماضيهم وحاضرهم أثبتت لهم أنهم قادرون على النيل من العدو وإيلامه بالرغم من كل ما يمتلك من قوة وعنجهية، فكانت لحظة “الطوفان” هي التعبير الأمثل عن فشة الغل عن كل ما جرى من قهر وظلم، وكيف لا وهم يشاهدون بأمّ أعينهم عدوهم وهو يترنح لساعات لا يلوي على هدف، لذلك رسم الفلسطينيون صورة في مخيالهم لهذا الرجل تتناسب مع هول ما فعل، وعند استشهاده رسمت الأقدار صورة موته بطريقة يستحيل حدوثها بمثل هذا الكبرياء حتى لو فعلها شخص لنفسه، لقد شكلت لحظة ارتقائه ملحمةً سيخلدها محبوه وحتى كارهوه على مدى عقود طويلة.
لقد قضى الرجل لأجل حلم أيده فيه الكثيرون وعارضه عدد غير قليل، فمن أحبوه كانوا منسجمين مع فكرة أن التحرر من الاحتلال يتطلب تضحيات هائلة لا يجب الوقوف عند أرقامها مهما كانت الخسائر، لأنه حسب رأيهم لا يمكن الحصول على التحرر دونها، أما من عارضوه فمبدأهم في ذلك أن الصراع الطويل مع دولة الاحتلال أثبت أن استخدام القوة ضدها لا يصب إلا في صالحها بحكم ما تمتلكه من قوة نارية هائلة ودعم دولي غير محدود بالذات من الولايات المتحدة، وأن هذا العدو قادر على أن يحول أي فعل عسكري ضده إلى بكائية يستطيع من خلالها استدرار عطف العالم ودعمة، ويحاجج مناصريه أن هذه المرة بالذات كان الدعم الشعبي الدولي لمصلحة الفلسطينيين، ويرد معارضوهم إن هذه لا تعدو عن كونها لحظة عابرة، إذ سرعان ما ستستعيد الحركة الاحتلالية الزخم وتقلب الآية رأساً على عقب بواسطة الأفلام الدعائية وغيرها من الوسائل، وهي شديدة الدهاء والبراعة في ذلك، هذا هو شكل النقاش الدائر بين مؤيدي ومعارضي يحيى السنوار، لكن ما لا يمكن إغفاله أن الوضع بات حرجاً في قطاع غزة وعلى مستوى القضية الفلسطينية، بالتالي فإن استشهاد السنوار لن يكون حدثاً عادياً يمكن المرور عليه بشكل عابر، إذ ربما يكون ما بعد اغتياله نقطة تمهد لنهاية حماس أو أن تكون نقطة انطلاق جديدة بأسلوب جديد للنضال.
تحاول إسرائيل تفكيك الحلقات القيادية لدى خصومها على عدة مستويات، أولها إفراغ المحتوى السياسي من القادة البارزين ذوي الخبرة بقتلهم أو اعتقالهم، وبعد ذلك قطع الحلقة بين المستوى السياسي والعسكري بواسطة قطع صلة وصلهم أو بتعقيد الاتصالات بينهم من خلال اغتيال القادة العسكريين على مختلف المستويات ونتيجة ذلك قطع السلسلة البيروقراطية بين العسكري والسياسي وهذا سيؤدي بالنتيجة إلى اتخاذ قرارات ارتجالية تخدم تكتيكات العدو، بالتالي فإن الخطوة القادمة بالنسبة لحماس لا بد أن تكون ترتيب الهيكل القيادي بما يتناسب مع معطيات المعركة، والتي يجب أن تكون أولى مقدماتها ذات طبيعة براغماتية، وأقول ذلك لأن طبيعة الرد على اغتيال الشهيد السنوار لم تكن بالقدر المتوقع، وهذا يشير إلى بداية استنزاف لإمكانيات حماس العسكرية من جهة وعدم تقديم الدعم الكافي من حلفاء حماس في المحور وهذا يؤشر إما إلى تضعضعه أو عدم قدرته على فعل ذلك، طبعاً هذا شيء خطير، ويحتم على قيادة حماس الجديدة استغلال أي فرصة للحصول على صفقة تنهي فيها الحرب وتمكنها من الحصول على مكاسب.
ورغم كل شيء سيبقى يوم السابع من أكتوبر هو أيقونة التاريخ الفلسطيني وسيبقى قائد هذا اليوم أيقونة النضال الفلسطيني، وربما لا أبالغ إذا قلت إن جيفارا جديد سيشغل صدور محبي الثورة والنضال في العالم على مدى العقود القادمة بغض النظر عن النجاحات أو الإخفاقات التي تلت ذلك اليوم أو الاتهامات التي قد تطال الرجل بأنه جلب الويلات والدمار لشعبه وربما قضيته، لكنه رغم كل ذلك سيبقى، وسَتُخَلّد لحظة استشهاده أجيال وأجيال قادمة.