تنس :  آسيا العبيدى ، القاضية التي قالت لا / أحمد الحباسى

0 183
أحمد الحباسى * ( تونس ) – الجمعة 13/9/2024 م …
* كاتب و ناشط سياسي

شملت الحركة القضائية الأخيرة إبعاد القاضية السيدة آسيا العبيدى رئيسة  المحكمة الابتدائية بمنوبة  مع التخفيض في رتبتها بتعيينها مستشارة بالدائرة الجنائية  بمحكمة الكاف ( قاض رتبة ثالثة ) و الحال أن أقدميتها و مسارها المهني المشرف يجعلها تستحق خطة رئيسة دائرة تعقيبية. كل الأدلة و الوقائع تشير أن السيدة آسيا العبيدى لم تطلب النقلة كما أنه لا شيء يفيد أن هناك شغورا بالمحكمة المذكورة دفع السيدة وزيرة العدل و بعد التشاور مع رئيس الدولة السيد قيس سعيد  إلى الالتجاء إلى مثل هذا التعيين الفضيحة و الذي يجمع  الملاحظون أنه جاء في شكل عقوبة تأديبية قاسية و غير مبررة بسبب ما نسب إليها من كونها قد قضت بترك سبيل المرشح الرئاسي السيد العياشى الزمال .  من يعرف السيدة القاضية يدرك أنه فعلا أمام قاضية بالفم و الملا كما يقال و أن هذه السيدة التي أقسمت على احترام شرف المهنة لا تخاف في الحق لومة لائم و أنها سيدة صعبة المراس  مستعدة دائما لتحمل تبعات مسؤوليتها في القضاء بما يجود به وجدانها  و هي من  القضاة المعروفين بكونهم لا يخضعون للتعليمات.

حين استقالت السيدة آسيا العبيدى من عضوية الهيئة العليا للاتصال  السمعي و البصري سنة 2019 اكتشف المتابعون شخصية وطنية فذة جديرة بكل الاحترام لم يكن باستطاعتها مواصلة العمل مع فريق طالته كثير من الانتقادات الجوهرية  و أصبح مجرد هيكل يحتاج إلى الترميم و المحاسبة. هذه الاستقالة تؤكد أن المناصب لا تستهوى هذه السيدة بقدر ما يستهويها حجم ما يمكنها تقديمه من خدمة للصالح العام كما أنها مقتنعة تمام الاقتناع بأن دور  الهيئة مهم و جوهري للنهوض بالقطاع السمعي البصري و أن المعارك البيزنطية لا تهمها إطلاقا و لذلك خسرت الهيئة عضوا فاعلا كان  بإمكانه أن يفيد و لو بالحد الأدنى . لعل المتابع للمسيرة المهنية القضائية للسيدة القاضية آسيا العبيدى يلاحظ أنها تعرضت دائما و بسبب مواقفها المبدئية إلى عديد ” المناوشات ” مع سلطة الإشراف بل أنها تعدّ من بين القضاة  الذين يمثلون وجع رأس لكل سلطة تسعى للاستفراد بالمنظومة القضائية لخاصة نفسها و تبعدها عن دورها كسلطة قضائية همها تكريس دولة القانون لا غير .  

حين يصرح السيد الرئيس و يقسم و يلحّ على كونه لا يتدخل أبدا في القضاء و حين نعلم أن  الحركة القضائية لا تتم إطلاقا إلا بعد إطلاعه و غربلته و موافقته و حين يتم  تقرير نقلة قاضية برتبة رئيسة محكمة إلى رتبة أقل كمستشارة  و دون طلبها إلى محكمة نائية و حين تتزامن ” النقلة ” مع إصدار القاضية المبعدة لحكم بترك سبيل خصم سياسي للسيد الرئيس فهنا تكمن الخطورة و يبدر التساؤل المرعب حول ماذا يحدث و إلى أين  نحن سائرون و إلى متى ستظل الأسئلة معلقة و هل حان وقت مصارحة المواطن حول  الدور الفعلي للقضاء  و هل باتت هذه المؤسسة التي تحولت من سلطة مكتملة الشروط إلى مجرد هيكل إداري بيروقراطي خاضع لكل الرياح و العواصف السياسية لصاحب السلطة  قادرة على الاضطلاع بدورها ؟ . من الواضح أنه فيه حاجة غلط و أن الحسابات السياسية الضيقة قد طغت على كل شيء بحيث يتم استباحة كل شيء لفرض واقع  ملوث جديد يضر بالجميع لان استعمال القضاء و مهما كانت النيات غير محبذ في كل الأزمنة و العصور .

إن عملية إحناء ظهر القاضية السيدة آسيا العبيدى بمثل هذه القرارات الغير الصائبة  عملية مضرة على المدى القصير و الطويلة بمرفق العدالة  و القضاء و التاريخ سيشهد أنه كما دافع  كم هائل من القضاة على شرف المهنة و القسم فان هناك من حاول لأسباب شتى تطويع هذا الجسم ليبقى في السلطة متجاهلا أن المس  بالقضاء كما المسّ بالمؤسسة العسكرية هو  مسّ بخيط كهربائي غير  معزول بإمكانه أن يخلف آثارا دامية و لو بعد حين . لقد قضت السيدة آسيا العبيدى بما حمله وجدانها القضائي النظيف و لم تنظر لهوية المضنون فيه و لا ما يمثله موقعه السياسي على غيره من خصومه من خطر محتمل و قد كان في ظنها أن قيامها بدورها فيه تأكيد  صريح على أن ما يقوله رئيس الدولة من عدم التدخل في القضاء حقيقة ساطعة لكن يظهر أن هذه القاضية قد فهمت الأمر خطأ و لذلك دفعت ثمن   سذاجتها  إن لم نقل غباوتها فنزلت عليها العقوبة بنفس السرعة التي صدقت فيها أقوال السياسيين. في كل الأحوال سجلت السيد آسيا العبيدى صفحة في تاريخ صراع القضاء الملتزم بالسلطة منذ الاستقلال و باتت رمزا شامخا للقضاء المستقل .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عشرة − واحد =