متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والثمانون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 18/8/2024 م …
يتضمن العدد الخامس والثمانون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة أولى عن بعض جوانب العدوان الصهيوني، منها الدّعم الأمريكي المُطلق، واستهداف اغتيالات العدو الهرم السّكّاني الفلسطيني كشكل من أشكال “الإبادة الإنتقائية” أو القتل البطيء لشعب بكامله، فقرة عن آفاق الإنفاق عن التسلح وفقرة عن حُكم تاريخي بالقضاء الأمريكي ضد شركة احتكارية أمريكية، لصالح ضحاياها في كولومبيا،، خلال فترة الحرب الأهلية وفقرة عن اقتصاد الأرجنتين وفقرة عن استغلال السلطات الفرنسية لدورة باريس للألعاب الأولمبية لتجربة وسائل الرقابة الجماعية على نطاق واسع، وفقرة عن تسليم مصارف بريطانيا بيانات زبائنها لأجهزة الإستخبارات بذريعة مكافحة غسيل الأموال…
دعم أمريكي مُطْلَق وتأثيرات “جانبية” للعُدْوان
تضغط الولايات المتحدة مباشرةً أو بواسطة حُلَفائها على إيران و«حزب الله» لدفعهما إلى “ضَبْط النّفس” وعدم الرد على الاغتيالات وانتهاك حرمة الفضاء اللبناني والإيراني، ولا تفعل ذلك مع الكيان الصهيوني بل تُهَيِّئُ مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا خطط خطط الدّفاع العسكري والإيديولوجي والدّبلوماسي عن الكيان الصهيوني، وكَتَبَ موقع «وول ستريت جورنال» ( يوم الإربعاء 14 آب/أغسطس 2024) عن طبيعة العلاقة العُضْوِيّة وعن إقرار الإدارة الأمريكية مبيعات أسلحة للعدو الصهيوني، بقيمة تَفُوق عشرين مليار دولارا، وتشمل الصّفْقَة طائرات مقاتلة من طراز ” إف 15 “ وعشرات الآلاف من قذائف الدبابات وقذائف الهاون، وتتوقّع الصحيفة إقرار الكونغرس مزيدًا من المُساعدات المالية والعسكرية ومن بينها توقيع عقود لإنتاج الأنظمة العسكرية والأسلحة، قبل موعد الانتخابات الرئاسية، فيما يُواصل الكيان الصّهيوني استهداف الشباب في غزة وبلغت نسبة الشهداء من الشباب ( تحت سن الثلاثين، ذُكُورًا وإناثًا ) نحو 24% من عدد شهداء غزة ونحو 70% من عدد الشهداء في الضفة الغربية، بهدف القضاء على الفلسطينيين القادرين على الإنجاب وعلى استمرارية النّمو الدّيموغرافي “الطّبيعي” في الأراضي المحتلة سنة 1967، بل استهدف القصف الصهيوني الأطفال في المدارس التي لجأ إليها سكّان غزة، فضلا عن الإصابات والإعتقالات، ويُشكّل الأطفال نحو 41% من عدد الشهداء في قطاع غزة، ونحو 23% من عدد شهداء الضفة الغربية منذ بداية العدوان، و يُشكّل الأطفال المصابون نحو نسبته 7% من إجمالي عدد الجرحى في القطاع، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى نحو 70% مع إضافة النساء اللواتي يشكلن، ولا سيما في سن الإنجاب، الفئة العمرية الثالثة المستهدفة ( إلى جانب الشباب والأطفال)، لينخفض معدل النمو المقدر في قطاع غزة من نحو 2,7% سنة 2023 إلى نحو 1% سنة 2024، وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني الذي يتوقع اختلال الهرم الدّيموغرافي والتركيبة العُمرية للسكان…
تَسَلُّح
توقّعت شركة إيرباص لصناعة الطائرات ارتفاع مبيعاتها السنوية سنة 2024، وخلال نفس اليوم ( الثلاثاء 23 تموز/يوليو 2024) أعلنت شركة لوكهيد مارتن لصناعة الأسلحة توقعات مماثلة بارتفاع مبيعاتها إلى نحو 71,5 مليار دولارا، وارتفاع أرباحها، في أعقاب صفقة مع وزارة الحرب الأمريكية لتسليم طائراتها من طراز إف-35، وأدّى نَشْر هذه التّوقّعات إلى ارتفاع أسعار أسهم شركات صناعة السلاح بشكل عام وارتفاع أسهم شركة شركة لوكهيد مارتن بنسبة 3,2% وكانت وزارة الحرب الأمريكية قد عَلّقت تسلم طائرات إف-35 قبل بضعة أشهر، بسبب التأخير في تحديث برمجيات الطائرة بهدف رَفْع قدراتها التّدميرية، وهي أغلى طائرة في العالم، ويُعدّ برنامجها اللوجيستي أكبر برنامج دفاعي في العالم ويساهم بنحو 30% من إيرادات الشركة، وتدّعي الشركة إن طائرة إف-35 هي المقاتلة الأكثر تقدما في العالم.
يُشكّل مُجَمّع الصناعات العسكرية الأمريكية أكبر مجموعة ضغط عالمية، ولها دَوْرٌ كبير في تمويل وفَوْز الرّؤساء والنواب في الولايات المتحدة لتجني الفوائد بعد الإنتخابات، وعلى سبيل المثال، وافق الكونغرس – قبل ثلاثة أشهر – على تمويل إضافي بقيمة 95 مليار دولارا بعنوان مساعدات لأوكرانيا والكيان الصهيوني، وكلاهما يخوض حربًا تستهلك كميات كبيرة من الذّخايرة، ومن بينها صواريخ باتريوت – من تصنيع شركة لوكهيد مارتن – مما أدى إلى ارتفاع أرباح الشركة الأمريكية…
أما شركة جنرال ديناميكس للصناعات الثقيلة ( طائرات بوينغ) فقد أعلنت يوم 24 تموز/ يوليو 2024 ارتفاع إيراداتها خلال الربع الثاني من العام 2024 بنسبة 18%، لتصل إلى 11,98 مليار دولارا، وذلك بفضل ارتفاع الطلب على ذخائرها ودباباتها ومدفعيتها والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية والمعدات العسكرية لإمداد أطراف الصراعات الجيوسياسية المستمرة بنة لا تقل عن 25%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبفعل ارتفاع إيراداتها من الطائرات الخاصة ( لرجال الأعمال والأثرياء) بنسبة 50% على أساس سنوي، واستفادت شركة جنرال ديناميكس كذلك من برنامج المساعدات البالغة 95 مليار دولار لأوكرانيا والكيان الصهيوني والتي أقرها الكونغرس في وقت سابق من سنة 2024، كما استفادت شركات كبرى أخرى مثل نورثروب غرومان من العقود الحكومية الأمريكية…
تنشر شركات صناعة الأسلحة الأمريكية والأوروبية دراسات (مُوَجَّهَة للتّأثير في صُنّاع القرار) عن التّسلّح في العالم، وارتفاع الإنفاق العسكري لخصوم الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي ( روسيا والصّين بشكل خاص) وتضخيم التّهديدات، لتضمن زيادة إنفاق الحكومات “الغربية” على الأسلحة “لمواجهة روسيا والصين”، وأدّت هذه الأساليب وغيرها ( الحروب جزء لا يتجزّأ من التّوسّع الإمبريالي) إلى ارتفاع الإنفاق العسكري سنة 2023 إلى 2,4 ترِيليون دولارا، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) واتفقت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، خلال قمة واشنطن (تموز/يوليو 2024) على زيادة الإنفاق بنسبة كبيرة مما يعني استمرار حرب أوكرانيا وعربدة و”بَلْطَجَةَ” الكيان الصهيوني، وتعزيز أسعار أسهم شركات صناعة الأسلحة وأرباحها، منذ 2022 (لوكهيد مارتن ورايثيون الأمريكية والشركات الأوروبية ليوناردو وشركة بي إيه إي سيستمز البريطانية وشركة – Rheinmetall – الألمانية وساب السويدية وغيرها، وانتعشت صناعة الصواريخ والطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة وقذائف المدفعية، ومنذ 2012، عززت الولايات المتحدة الإنفاق العسكري لتكثيف حضورها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وشملت زيادة الإنفاق: الغواصات وأنظمة الدفاع الجوي الصاروخي ( من إنتاج شركة رايثيون)، بغض النظر عن إسم الحزب الحاكم والرئيس في الولايات المتحدة فالإنفاق العسكري والشراكات مع دول حلف شمال الأطلسي (خصوصا أوروبا) تحظى بدعم من الحزبَيْن، وكذا الأمر في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها…
كولومبيا – الشركات الإحتكارية والحرب الأهلية
سبق أن كتبتُ عن دَوْر شركة الفواكه المتحدة ( يونايتد فروتس) الأمريكية العابرة للقارات والتي أصبح إسمها “تشيكيتا” في الإنقلاب الذي نظمته وأشرفت على تنفيذه الإستخبارات الأمريكية في غواتيمالا، سنة 1954، بهدف إلغاء برنامج الإصلاح الزراعي الذي أقرّه الرئيس يعقوب آربينز، ما يُؤَكّد قُوّة الشركات العابرة للقارات ذات المنشأ الأمريكي، لأن الدولة الأمريكية وجيشها واستخباراتها في خدمة هذه الشّركات…
قامت مليشيات قوات الدفاع الذاتي الكولومبية بتزويد شركة تشيكيتا بفرق أمنية في مناطق متعددة في شمال البلاد كولومبيا مقابل تمويل منتظم في علاقة وصفها المدعون بأنها “شراكة متساوية” بين سنتَيْ 1987 و 2004، فضلا عن المساعدات المادية المباشرة، بما في ذلك البنزين والنقل واستخدام أرصفة الشحن التي تسيطر عليها شركة تشيكيتا براندز التي اختارت المُشاركة في الصراع المُسلح والإستفادة منه إلى أقصى الحدود، وفقا لوثائق المحكمة، وتمكّنت شركة “تشيكيتا”، العملاق الأمريكي للفاكهة، طيلة عِقْدَيْن من عرقلة مساعي عائلات ضحايا مجازر المليشيات التي تمولها شركة تشيكيتا، وتمكنت من إحباط محاولات مقاضاة الشركة في المحاكم المدنية في كولومبيا والولايات المتحدة، بسبب دورها في منطقتَيْ أورابا وماغدالينا ميديو الكولومبيتين، وتمكّنت تشيكيتا براندز من عرقلة المحاكمة باستخدام تكتيكات قانونية في كلا البلدين، وبعد 17 سنة، أَقَرّت هيئة محلفين أمريكية في ميامي أن شركة الموز العملاقة تشيكيتا براندز إنترناشونال مسؤولة عن مقتل مدنيين كولومبيين بسبب تمويلها المليشيات المُسمّاة قوات الدفاع الذاتي المتحدة الكولومبية (AUC)، وهي فرقة موت شبه عسكرية وحشية، مسؤولة عن مقتل آلاف المدنيين وعن آلاف الإنتهاكات لحقوق الإنسان، خلال سنوات الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من نصف قرن في كولومبيا، وهو “حكم تاريخي في مسيرة النضال من أجل حقوق الإنسان”، وفق الإدّعاء العام الذي أثْبَتَ تمويل مجموعة تشيكيتا للمليشيات المُسلّحة (قوات الدّفاع الذاتي الكولومبية المتحدة) التي قتلت آلاف المَدَنيّين بين 1997 و 2004، أواخر التسعينيات ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي بعض من أكثر سنوات الحرب الأهلية الكولومبية عنفًا، وتم توثيق بعض الفظائع من قِبَلِ وسائل الإعلام الكولومبية والأمريكية، مما اضطرّ وزارة الخارجية إعلان “قوات الدّفاع الذّاتي” الكولومبية منظمة إرهابية منذ سنة 2001…
قدّمت منظمة ” منظمة حقوق الأرض الدولية ” ( Earth Rights International) قضية سنة 2004، باسم مجموعة أولى من الضّحايا، وبعد 17 عاماً من الإجراءات القانونية، حكمت هيئة المحلفين بأن تدفع شركة تشيكيتا 38,3 مليون دولار للمدعين في ثماني من قضايا القتل التسع التي درستها المحكمة، وهي سابقة تاريخية، لأن هيئات المحلفين الأمريكية رفضت جميع الدّعاوى ضدّ أي شركة أمريكية كبرى، واو ثبتت مسؤوليتها أو تواطئها في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في بلد آخر…
كان توقيع اتفاق السلام سنة 2016 بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) مرفوقًا بعدة إجراءات ومن بينها “العدالة التصالحية” التي تبت في تقديم العلاج والتعويضات لملايين الضحايا الذين قتلوا أو نزحوا أو أصيبوا أو اعتُدي عليهم أثناء الصراع، فضلا عن إنشاء هيئة عدالة انتقالية مستقلة للتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الجماعات المسلحة وقوات الأمن الكولومبية، وشملت التحقيقات حالات مثل مسؤولية الجيش النظامي في مساعدة مليشيات منظمة قوات الدفاع الذاتي الكولومبية” على ارتكاب مجازر قُتِلَ خلالها أكثر من 6400 مدني، وتم تسجيلهم من قِبَل الجيش كمقاتلين ينتمون إلى القوات المسلّحة الثورية الكولومبية (فارك) أو ضحايا حرب العصابات لتضخيم إحصاءات ضحايا “فارك”
أشارت وثائق المحكمة إلى تَفَطُّن أحد مُدِيرِي شركة تشيكيتا براندز إلى المسؤولية القانونية للشركة، وكتب رسالة إلكترونية (كانون الأول/ديسمبر 2003) تضمّنت: “يبدو أننا نرتكب جريمة جنائية”، ومع ذلك، استمرت الشركة في تمويل المليشيات المُسلّحة حتى نهاية 2004 على الأقل، مما يجعلها مسؤولة عن قَتْل الضحايا، ومن المقرر أن تبدأ جلسات الاستماع التمهيدية في قضية ثانية تضم ضحايا آخرين يرفعون دعاوى ضد شركة تشيكيتا قبل نهاية شهر تموز/يوليو 2024، وتواجه شركة تشيكيتا – التي أعلنت أنها ستستأنف القرار- مئات القضايا لأُسَر أكثر من ألف ضحية، فضلاً عن قضية جنائية تتهم المسؤولين التنفيذيين بـ “التآمر المشدد لارتكاب جريمة”، وفق محامي منظمة “إيرث رايتس”، وتمثل هذه القضية أَوّل حالة يتم فيها تحميل شركة أمريكية مسؤولية تمويل “فِرَق الموت” في كولومبيا، وهو الاتهام الذي وُجِّهَ منذ فترة طويلة ضد شركة كوكا كولا، وشركة الفحم الأمريكية دراموند، وشركة التعدين الكندية العملاقة أريس ماينينغ (كولومبيا غولد سابقًا)، وشركات أخرى، وقد يُشكّل الحكم في قضية تشيكيتا سابقة في التحقيقات الجارية في تصرفات بعض هذه الشركات أيضًا.
كتب الصحفي الكولومبي إغناسيو غوميز، طيلة 21 سنة، مقالات وتحقيقات عن المُشاركة المباشرة لشركة تشيكيتا ( شركة الفواكه المتحدة سابقا) في جرائم القتل الجماعي في كولومبيا، وعرقلت الشركة الأمريكية نشرَ تحقيقاته، من خلال الدعاوى القضائية، فضلاً عن التهديدات من المليشيات اليمينية التي تُموّلها الشركة، وصرّح بعد الحُكم – الذي أعلنت تشيكيتا استئنافه- “إن تاريخ تشيكيتا في أميركا الجنوبية يتجاوز هذه القضية”، ويُعيد التّذكير ب”مذبحة الموز” في كولومبيا التي قُتِلَ خلالها مئات من عمال المزارع المضربين في أوائل القرن العشرين، عندما كانت تشيكيتا تحمل اسمًا آخر أكثر شهرة: شركة الفواكه المتحدة (يونايتد فروتس) غير إن تغيير إسمها لم يُغَيِّر من أسلوبها الدَّمَوِي لتعظيم الأرباح…
الأرجنتين
أدّى خفض قيمة عملة البيزو الذي نفذه الرئيس خافيير مايلي بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2023، إلى ارتفاع الأسعار الذي نجم عنه تفاقم مستويات الفقر إلى 49,5% من سكان البلاد، وإلى 57,4% خلال الربع الأول من سنة 2024، وهو أعلى مستوى منذ 20 عاماً، وأفادت بيانات رسمية صدرت في بداية حزيران/يونيو 2024، أن أكثر من نصف الأرجنتينيين يعيشون الآن في حالة فقر، مع ارتفاع معدلات الفقر وارتفاع عدد المعوزين بشكل متواصل منذ عام وتسارعها منذ أن تولى الرئيس خافيير ميلي الرئاسة متبعا سياسة خفض الإنفاق، وفق مرصد الدَّيْن الإجتماعي (الجامعة الكاثوليكية) وتشير جميع المؤشرات الاقتصادية إلى التأثير السّلبي لإجراءات التقشف التي اتخذها الرئيس خافيير مايلي، وانخفاض معدلات التوظيف والاستهلاك بالإضافة إلى ارتفاع معدّل التضخم السنوي ليتجاوز 200% بالتوازي مع تجميد الحكومة توزيع آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية لعدة أشهر بانتظار إجراء مراجعة لمطابخ الحساء التي تقدم الطعام المجاني للفقراء…
كان الإقتصاد الأرجنتيني يُعاني، بنهاية الرُّبع الأول من سنة 2024، أزمات قاسية، عمقت من مستويات الفقر بفعل زيادة الأسعار والديون ما دفع آلاف المواطنين للإحتجاج والتّظاهر في الشوارع، في ظل سياسة أطلق عليها الرئيس خافيير مايلي “العلاج بالصدمة”، وتمثلت في تجاوز شروط صندوق النقد الدّولي مقابل قرض بقيمة 43 مليار دولارا، وأدّت سياسة “العلاج بالصّدمة” إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي في الأرجنتين إلى 287% بنهاية الربع الأول من سنة 2024، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، بحسب وكالة “أسوشييتد برس” ( 23/07/2024)، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفقر وتحفيز الإضرابات والاحتجاجات، لكن صندوق النقد الدولي أشاد بحكومة الرئيس خافيير مايلي الذي خفض أجور العاملين بالقطاع العام، وألغى الآلاف من الوظائف الحكومية، وجَمَّدَ مشاريع الأشغال العامة، وخَفض الدعم، وخفض قيمة العُمْلَة المَحلِّيّة ( البيزو ) بأكثر من 50%، الأمر الذي سبّب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتّضخّم وسبب أضرارا بالفئات الفقيرة ومتوسطة الدّخل، ما جعل المواطنين يقارنون الوضع بما حصل من انهيار اقتصادي وعجز عن سداد الدّيون أواخر سنة 2001، بعد تطبيق شروط صندوق النقد الدولي آنذاك، وكررت حكومة الأرجنتين الحالية نفس الخطة المتمثلة في الإقتراض من صندوق النقد الدولي لتسديد الدّيون السابقة من نفس الصندوق، وارتفع معدل التضخم الشهري من 25% في كانون الأول/ديسمبر 2023، عندما تولى خافيير مايلي منصبه، إلى حوالي 300% وكتب موقع صحيفة “وول ستريت جورنال” إن ثورة السوق الحرة التي وعد بها مايلي عندما تولى منصبه سبّب آلاماً اقتصادية عميقة في الأرجنتين، ليبلغ استهلاك لحوم البقر ( اشتهرت الأرجنتين بكثرة إنتاج واستهلاك لحم البقر) أدنى مستوياته منذ عقود، كما لا تزال احتياطيات المصرف المركزي منخفضة للغاية، رغم ارتفاع حجم الصادرات، ويتضمن مشروع التخريب الذي أعدّه الرئيس خافيير مايلي خصخصة بعض الشركات الحكومية وتخريب قانون العمل بذريعة “تخفيف قواعد العمل الصارمة” وزيادة الإيرادات الحكومية من خلال زيادة عائدات ضريبة الدخل والضرائب غير المباشرة، وأدّت هذه السياسات إلى تنظيم احتجاجات تمثلت في تنفيذ إضراب عام، تَضَمّن إغلاق المتاجر، احتجاجاً على إجراءات التقشف وارتفاع أسعار الغذاء الذي يتم إنتاجه محليا بنسبة 16% وارتفاع معدل الفقر المدقع إلى أعلى مستوى له منذ سنة 2015، وفق معهد الإحصاء وأَكَّدَ تحقيق أجراه مركز RA التابع لكلية الاقتصاد بجامعة بوينس آيرس، اعتمادًا على بيانات المعهد الوطني للإحصاء والتعداد (Indec) حول العمالة والنشاط والدخل إن حوالي 35% من العاملين يعيشون تحت خط الفقر بنهاية الربع الثاني من سنة 2024، وارتفعت نسبة البطالة إلى حوالي 32,4% وانخفض الدخل بنسبة 14% خلال النّصف الأول من سنة 2024، وبنسبة 40% في المتوسط منذ سنة 2017، بعد ارتفاع عدد الوظائف المفقودة في قطاع البناء (42,7% )، وقطاع الإنتاج والخدمات التجارية والمالية والعقارية…
الألعاب الأولمبية والمراقبة الجماعية للسّكّان
ثبّتت السلطات الفرنسية ما لا يقل عن تسعين ألف كاميرا لمراقبة حركة المواطنين في الشوارع، وأُضيفت لها ستون ألف كاميرا سنة 2023، فضلا عن كاميرات الفيديو المثبتة في محطات النّقل والمتاجر والمصارف والمحلات ومواقف السيارات، وتعاقدت وزارة الدّاخلية الفرنسية مع أربع شركات، من بينها شركة ( Wintics ) بقيمة أربعة ملايين يورو، لتطوير تقنيات المراقبة الجماعية، من خلال تشغيل تطبيقات الحاسوب، وتمت تجربة هذه التقنيات في ما لا يقل عن مناسبتَيْن، في الخامس من آذار/مارس 2024، خلال حفل Depeche Mode وبعد أسبوعين في مباراة كرة السلة.
زادت مراقبة سُكّان باريس وضواحيها، قبل عدّة أشْهر وبلغت ذروتها بداية من يوم الجمعة 26 تموز/يوليو 2024، تاريخ افتتاح دورة “أولمبياد باريس 2024” حيث تمت تجربة تعميم المراقبة بالأجهزة التكنولوجية (أو ما يُسمّى “الذّكاء الإصطناعي”) فضلا عن تقنيات جديدة كالمراقبة الجماعية بواسطة أجهزة الفيديو في الأماكن العامة، لتكون الألعاب الأولمبية فُرْصَةً لتكثيف المراقبة الجماعية بحجة الأمن، مما قد يُعَزّز اليمين المتطرّف سياسيًّا وإيديولوجيًّا، ولن تتوقف هذه التجربة بنهاية الألعاب الأولمبية، بل أعلنت الحكومة والشركات المُشرفة على عمليات الرقابة استمرارها حتى شهر آذار/مارس 2025، أي سنة كاملة، “لاستكمال التجربة واستخلاص النتائج قبل توسيع نطاق عمل الأنظمة الجديدة”، ودراسة آليات ونتائج تقييد الحركة في شوارع باريس، بداية من منتصف تموز/يوليو 2024، وفَرْض رُموز العُبُور على المشاة وراكبي الدراجات وسائقي السيارات والدراجات النارية لعبور الشوارع والجسور والوصول إلى مناطق محددة، وتتمثل آليات المراقبة الجماعية في رَبْطِ التقنيات الجديدة بنظام كاميرات المراقبة، من خلال تطبيقات الكمبيوتر المتكاملة، وتكمن الخطورة في تكثيف المراقبة في الأماكن العامة والأكثر ارتيادًا، دون عِلْم المواطنين، وسوف تسمح التقنيات الجديدة بالتحليل التلقائي للصور، بهدف تحسين تطبيقات المراقبة بالفيديو على الكاميرات المثبتة بالفعل، وتعلّلت الحكومة الفرنسية بالألعاب الأولمبية لتصبح أول عضو في الاتحاد الأوروبي يقنن المراقبة الخوارزمية بالفيديو ووافق نواب البرلمان على قانون ينظمها، واعتبرت مجموعة من النواب “إن المراقبة الخوارزمية بالفيديو تُشكّل الحل الأمثل لمشكلة الأمان”.
نشر مجلس الشيوخ تقريرًا خلال شهر نيسان/ابريل 2024، يُشكّك في فعالية هذه التقنيات لأن الخوارزميات تعبر عن المعايير السائدة لتصرفات الناس في الفضاء العام وفي المحلات ووسائل النقل وما إلى ذلك، وتعتبر الأشخاص المختلفين أو الذين يسيرون بطريقة مختلفة، أو يتحركون أو يشيرون بشكل مختلف، أو تُصنّفُهم ضمن المشبوهين، وبدل مُراجعة أهداف المراقبة الجماعية نشرت وزارة الدّاخلية وسئل مراقبة إضافية بهدف فرز مختلف الفئات المُستَهْدَفَة مثل المُشاركين في الإحتجاجات والإعتصامات والمتسولين والمعاقين وفنّاني الشوارع، ومن ضمن الوسائل الإضافية رجال الشرطة المُسلّحون والجيش، فقد وصلت، يوم الإثنين 15 تموز/يوليو 2024، مجموعة مُكونة من 4500 جندي كانت في مهمة في أوكرانيا، إلى مُعَسْكَر بثكنة فينسين ( Vincennes )، شرقي باريس، ويتكون المُعسكر من ثكنات جاهزة وأسرّة للنوم، لإيواء قرابة خمسة آلاف جندي مكلفين بتوفير الأمن للألعاب الأولمبية، ولتحويل الألعاب الأولمبية إلى مؤتمر للأمن العالمي، ويصل عدد عناصر الشّرطة والدّرك والجيش وشركات الأمن إلى ما لا يقل عن ستِّين ألف “لتأمين الألعاب الأولمبية”، بمساعدة جنود وفرق خاصة لشرطة مكافحة الشّغب من جميع أنحاء العالم: ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا والكيان الصهيوني وقَطَر، ويُشارك الجميع في تدريبات على فَرْض وتطبيق حالات الحِصار، وتم إنشاء 44 ألف نقطة تفتيش ثابتة ومتنقلة أو مؤقتة، في مدينة باريس ومحافظات الضواحي، ما أدّى إلى تَذمّر أصحاب المتاجر والمقاهي والمطاعم، ونشرت صحيفة تلغراف بعض المعلومات عن التنسيق الأمني بين جهاز الأمن الدّاخلي الصهيوني (شاباك) والشرطة الفرنسية، بذريعة تأمين 88 رياضيا من فلسطين المحتلة، مع الإشارة إلى حَظْر الشرطة ( بأمر من الحكومة) الفرنسية رفع العلم الفلسطيني أو الكوفية أو رفع أي شعار مُساند للشعب الفلسطيني، وإلى عملية الفرز الطّبقي – فضلا عن الفَرْز الأَمْنِي – لحضور فعاليات الألعاب الأولمبية، فذلك يتطلب مبلغًا بقيمة 3850 يورو في المتوسّط…
مصارف بريطانيا تخون زبائنها
اعلنت الوكالة القومية لمكافحة الجريمة إن الجرائم الإقتصادية تُكلّف الخزينة البريطانية 350 مليار جنيه استرليني أو ما يعادل 452 مليار دولارا، خصوصًا منذ بداية الحرب في أوكرانيا واستخدام المصارف البريطانية لغسيل الأموال وللإلتفاف على العقوبات، وشكّلت هذه الفرضيات غير المُوَثّقَة ذريعةً لتبرير تعاون المصارف الكُبْرى (باركليز و نات ويست و لويدز و سانتاندير و مترو بنك و يتارلينغ…) وتبادل بيانات الزبائن مع الإستخبارات ( الوكالة القومية لمكافحة الجريمة – NCA ) والتّخلِّي عن واجب عدم إفشاء أسرار الزبائن، تحت شعار “مكافحة الجريمة المُنَظَّمَة والإحتيال وغسيل الأموال وتتبّع تدفُّق الأموال القذرة”، وفق وكالة رويترز (26/07/2024) التي ذكرت في برقية لها قبل حوالي سنة، إن ما لا يقل عن ست مصارف بريطانية كانت تمد الحكومة ووكالات الإستخبارات ببيانات عن زبائنها، دون علمهم…
سبق أن ضغطت الولايات المتحدة وبريطانيا على سنغافورة لكي تمدّهما بقائمة زبائن المصارف، بذريعة مكافحة الأموال القذرة، واضطرت سلطات سنغافورة إلى إطلاق منصة تبادل البيانات الرقمية للزبائن المعروفة باسم ( COSMIC ) (المشاركة التعاونية للمعلومات والقضايا المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب)، ويتم تنفيذ هذا البرنامج في بريطانيا بواسطة موظفي المصارف وضُبّاط الإستخبارات ومُخْتَصِّين في دراسة وتحليل البيانات “للتحقيق في حركة الأموال التي تشير إلى سلوك إجرامي…” مما يُشكّل مخالفة للقوانين الأوروبية لحماية البيانات والخصوصية، ويمكن للوكالة القومية لمكافحة الجريمة إغلاق حسابات الزبائن، مما قد يؤدي إلى رفع دعاوى قضائية، ولمّا تم كَشْف الأمر تَبَيّن إن العديد من المصارف سلّمت بيانات زبائنها إلى الوكالة القومية لمكافحة الجريمة منذ 2021 (وربما قبل ذلك) ولم يُؤَدّ التهاون بين المصارف والإستخبارات لفترة ثلاث سنوات سوى لاعتقال شخص واحد وتوجيه تهمة إليه…
تجدر الإشارة إن الملاذات الضريبية ومصارف تهريب وغسيل الأموال توجد بالعديد من ولايات الولايات المتحدة الأمريكية ومستعمرات بريطانيا وبعض المناطق والجُزُر التي تَقَعُ تحت سيطرة الوى الإمبريالية