الدّعم الإمبريالي الصّريح للإغتيالات الصهيونية / الطاهر المُعز

248

الطاهر المُعز ( تونس ) – الأربعاء 7/8/2024 م …  

افتَخَر وزير الخارجية الصهيوني يوم 20 كانون الأول/ديسمبر 2023 ( قناة 13 الصهيونية) بالتّخطيط لاغتيال قادة حركة “حماس” وذَكَر بالإسم: إسماعيل هنية وخالد مشعل “اللّذَيْن لا يجب أن يموتا موتا طبيعيا”، وافتخرَ رئيس الحكومة بنيامين  نتنياهو باغتيال القائد صالح العاروري ( حماس) وغيره من القيادات الفلسطينية، واغتيال فؤاد شكر القائد العسكري في حزب الله حسب البيان الرسمي لجيش الاحتلال، ورغم ذلك، اعترض حلفاء الكيان الصهيوني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ( الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) على صُدُور قرار اقترحته روسيا، يُدين جريمة اغتيال إسماعيل هنيّة في إيران واغتيال صالح العاروري في لبنان، مما يعني دعمًا امبرياليا للفظائع والإنتهاكات ولعمليات الإبادة والقتل، ومَنْعًا لمحاسبة المُجرمين الصّهاينة، وأعلن مُمثّل إيران في الأمم المتحدة: “لم يكن من الممكن أن يحدث الإغتيال دون الحصول على إذن ودعم من أجهزة المخابرات الأمريكية”.

حَوَّلَ روبرت وود، نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة الجَلاّدَ الصهيونيَّ إلى ضحية، ودعا أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين يتمتعون بنفوذ على إيران ( ضحية القصف والإغتيالات) إلى زيادة الضغط على هذا البلد لوقف تصعيد صراعه بالوكالة ضد إسرائيل وكان صوت مُمَثِّلَيْ فرنسا وبريطانيا مُجَرّد صدى للموقف الأمريكي وللدّعاية الصّهيونية، واتهم كلاهما إيران “بزعزعة الإستقرار في المنطقة”.

إن الاغتيالات الارهابية الصهيونية هي استراتيجية وفلسفة سابقة لتأسيس الكيان الصّهيوني، ومارسها اتحاد النقابات “هستدروت” والمليشيات المُسلّحة التي كانت نواة الجيش والإستخبارات هذه الاغتيالات ( اغتيال عز الدّين القسام 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1935)، وشملت الإغتيالات – داخل وخارج أراضي فلسطين – القيادات والعلماء والمفكرين الفلسطينيين والعرب، وحتى مُمثِّلِي الأمم المتحدة

 نَظَّرَ  وخَطّط  وسَوَّغَ  قادة الحركة الصهيونية لسياسة الاغتيالات والتصفيات الإرهابية منذ بدايات القرن العشرين، ونَفَّذُوا سلسلة طويلة من جرائم الحرب ضد شعب فلسطين وقادته ومناصريه، بدَعْمٍ من قادة الدّول الإمبريالية الذين يعتبرون إن الإغتيالات تندرج ضمن سياسة “مكافحة الإرهاب”.

انتهك الكيان الصّهيوني حدود عدة بلدان لاغتيال إسماعيل هنية على أرض إيران والعاروري على أرض لبنان، ولا يُثِير ذلك أي احتجاج أو حتى تعليق على “انتهاك حُدُود دولة عضو بالأمم المتحدة” كما قِيل سنة 1990 بالنسبة للكُويت وسنة 2022 بالنسبة لأوكرانيا، كما لا تتم إدانة الكيان الصهيوني عندما يُعلن قادته مُسبقًا خرق ما يُسمّى “القانون الدّولي” وارتكاب المجازر، وتُعتبر الإبادة الجماعية وتدمير القُرى والأحياء وحرق النباتات وتجريف الأراضي الزراعية خياراً سياسياً للحركة الصهيونية، منذ انطلاقها في القرن التاسع عشر، ويحظى هذا الخيار السياسي الإرهابي بدعم الحكومات ووسائل الإعلام “الغربية”، بل يعتبرها الحُكّام الأمريكيون والأوروبيون جُزْءًا من “حق إسرائيل في الدّفاع عن النّفس”، ويرفضون أي قرار يُدين ممارسات الإحتلال…

 

الإرهاب والإغتيال جزء من مُقومات الإحتلال

تستمر عملية الإغتيالات والإبادة منذ قَرْن أو أكثر، وتتكثف أحيانا وتخفت أحيانًا أخرى، لكنها لم تتوقّف ولن تتوقف ما دامت الحركة الصهيونية تحظى بدعْم الإمبريالية والقُوى الرّجعية العربية، وتهدف الإغتيالات والقصف والإبادة الجماعية تركيع الشعب الفلسطيني والعربي والقضاء على مشروع التّحرّر الوطني الفلسطيني والعربي…

أعلن المتحدث باسم الجيش الصهيوني، صباح يوم السبت 03 آب/أغسطس 2024، أن الجيش قتل القيادي في حركة الجهاد الإسلامي محمد الجعبري، بعد اغتيال قتل فؤاد شكر، أحد قادة حزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الثلاثاء 30 تموز/يوليو 2024 وإسماعيل هنية، زعيم حماس، يوم الإربعاء 31 تموز/يوليو 2024، في طهران.

يُشكّل الإرهاب والإغتيالات جزءًا من الإيديولوجية الصهيونية ومن دولة الكيان قبل وبعد النّكْبة، حيث تم اغتيال العديد من القادة العرب وقادة المنظمات ومنظمة التحرير الفلسطينية والإيرانيين وقادة المقاومة اللبنانية…

تم توثيق ما لا يقل عن 2300 عملية اغتيال موثقة منذ إنشاء الدّولة الصهيونية على أرض فلسطين، مما يُعتَبَرُ “عمليات إعدام خارج نطاق القضاء” وهي جزء من سياسة إبادة الشعب الفلسطيني الذي تُباركه القوى الإمبريالية باسم “الدفاع المشروع ضدّ الإرهاب” الذي شمل منذ العام 1972 غسان كنفاني ( بيروت 08 تموز/يوليو 1972) ووائل زعيتر (روما، 16 تشرين الأول/أكتوبر 1972) ومحمود الهمشري (باريس، 9 كانون الثاني/يناير 1973) حسين أبو الخير (نيقوسيا، 24 كانون الثاني/يناير 1973) وباسل الكبيسي (باريس 6 نيسان/ابريل 1973) وزياد مقصي (أثينا 12 نيسان/ابريل 1973) ومحمد بوضياء (باريس 28 حزيران/يونيو 1973)، كمال ناصر، محمود نجار وكمال عدوان (بيروت 9 نيسان/ابريل 1973) ) واغتيل القيادي بمنظمة التحرير، علي حسن سلامة في بيروت يوم 22 كانون الثاني/يناير 1979، ثم اغتيل نائبه خليل الوزير (الملقب بأبو جهاد) في 16 نيسان/أبريل 1988 في تونس، وفي النهاية، يبدو أن عضوًا واحدًا فقط من مجموعة “أيلول الأسود”، وهو جمال الغاشي، قد نجا، وقُتل مكانه شخص بريء بالخطأ في ليلهامر بالنرويج، وباءت، سنة 1997  محاولة اغتيال وتسميم خالد مشعل، زعيم حركة حماس في الأردن، بالفشل، وتم إلقاء القبض على القاتلَيْن اللَّذَيْن يحملان جوازَيْ سفر كندِيّيْن، واضطر الكيان الصهيوني إلى إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، من السجن.، مُقابل إطلاق سراح المُجْرِمَيْن الصهيونيّيْن، ومع ذلك تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين في غزّة يوم 22 آذار/مارس 2004
استخدم الكيان الصّهيوني منذ سنة 1988 ( خلال الإنتفاضة الأولى) وحدات “ياماس” المدربة تدريباً خاصاً للعمل سراً في الأراضي المحتلة سنة 1967، والظّهور بمظهر الفلسطينيين ويُسمِّهم الصهاينة “المُسْتَعْرِبُون”، وتتمثل مُهمّتهم في   الإستطلاع وتنفيذ عمليات الكوماندوز والإعدامات الإنتقائية، في الضفة الغربية، وأنشأ “الأمن الدّاخلي” ( شاباك) بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 في العام الماضي، وحدة سرية، تحت إسم إنديغو، “لتحديد مكان المشاركين في عملية 07 تشرين الأول/اكتوبر واغتيالهم”، فضلا عن الإغتيالات العديد التي يتم تنفيذها عن بُعْد، باستخدام الصّواريخ المُوَجّهة والطائرات الآلية وما يُسمّى “الذّكاء الإصطناعي” بتواطؤ من الشركات العابرة للقارات (معظمها أمريكية المَنْشَأ)، ويتم تنفيذ الإغتيالات في الخارج بتواطؤ مُباشر من مُخابرات الدّول التي تتم فيها عملية الإغتيال، وخصوصًا الأوروبية (الفرنسية والألمانية والبريطانية وغيرها)، فضلا عن شبكة المخبرين المحليين (“سايانيم”)، الذين يتم تجنيدهم في الغالب من يهود الشتات، ما يُؤَدِّي إلى نتائج سلبية على المواطنين المَحَلِّيِّين من مُعتَنِقِي الديانة اليهودية…

خاتمة

سؤال مفتوح: كيف يمكن مجابهة سياسة التّصفية الجسدية وقتل الفلسطينيين بشكل منهجي ومُبَرْمَجٍ؟ هل يمكن مجابهة مُخَطِّطِي ومُنفِّذي الإغتيالات، فضلا عن الإعتقالات والسجن والتعذيب بالعرائض والوسائل السّلْمِية وبالمُفاوضات العَبَثِيّة؟ هل يمكن التّعويل على الحُكّام العرب أو الجامعة العِبْرية أو الأمم المتحدة؟

كتب أبو القاسم الشابي الذي وُلِدَ ( 1909) وتوفي ( 1934) في تونس، لما كانت مُحتلّة عسكريا من قِبَل الإمبريالية الفرنسية:

إن السلام حقيقة مكذوبة   والعدل فلسفة اللهيب الخابي
لا عدل إلا إن تعادلت القوى   وتصادم الإرهاب بالإرهاب

من ديوان “أغاني الحياة”

التعليقات مغلقة.