يا من سترتم عورة الامة! / عبد السلام الطراونة

230

عبد السلام الطراونة ( الأردن ) – الأربعاء 7/8/2024 م …

 

 تتدافع مشاعر مختلطة من الحزن والاعتزاز جوّاي.. فيحار لسان قلبي او قلب لساني , ان شئت , من اين يبدأ.. هل يشرع بالإعلان عن عميق حزني ووجعي لرحيل قامة فلسطينية جهادية باسقة.. ظل الجهاد الناصع ديدنها.. وظلت فلسطين بوصلتها.. والقدس الشريف وعسقلان قلبها.. ام اجهر بالاعتزاز النبيل الذي فرد اشرعته على اتساع المدى ابتهاجا باستشهاد بطل مغوار كان هو وكوكبة من المجاهدين الفلسطينيين الاطهار وحاضنتهم الشعبية الفلسطينية الصامدة يقضّون مضاجع المأزوم ( نتنياهو) وشلة المساطيل النازيين الصهاينة ومعتوهي المستعمرات الصهيونية الاشرار من حوله!!

ويسبقني الوجع الممض, يا ابا العبد, الى البوح فيقول: ذبحنا رحيلك يا الغالي.. يا ابن غزة العظمى التي بصم العالم بالعشرة لها بالانتصار وشهد لفرسانها الاشاوس بالفوز العسكري والحضاري والاعلامي المؤزر على النازية الصهيونية الجديدة!!.. وبصم العالم ايضا بانكسار العدو الصهيوني واندحاره الاخلاقي وسقوطه الاعلامي.. فاستحق صفرا مكعبا في ميدان المواجهة مع فرسان المقاومة الفلسطينية.. وفشلا ذريعا في ساح المعركة.. واود ان اضيف من عندي – لا مؤاخذة – استحقاقا اضافيا يتناسب مع سحنة العدو الكالحة والمجرمة وهو الاصبع الوسطى في عينه!!

اوجعنا رحيلك, ايها المجاهد الشجاع, واوجع فسطين وغزة التي طلعت من خَرج (شيلوخ) وادبت ( نتنياهو) وعصابته النازية المجرمة.. وجعلت (النتن) ما غيره يزحف على بطنه ويهرول مسرعا لاستجداء نصر, اي نصر حتى ولو كان لفظيا من واشنطن كي يمحو عار الذل والهزيمة التي لحقت به وبعساكره ( بتوع الحفاظات) على يد المقاومة الفلسطينية الغزاوية الباسلة!

ذبحنا غيابك عن ساح النضال والصمود, يا ابا العبد الطاهر النقي, نعم ذبحنا رحيلك يا ابن غزة الحرة الطاهرة التي جاعت.. وعطشت.. وذبحت المسبغة ناسها.. لكن غزة الحرة لم تستسلم ولم تهادن.. فظلت على الجوع والعطش والطوى ولم تأكل الحرة بثدييها.. في حين اكل البعض بالثدي ولم يكن بهم جوع او عطش او مسغبة!!

اوجعنا رحيلك, ايها الصادق على الوعد, يا من فزت في الانتخابات الفلسطينية الشفافة بحق وحقيق وليس كأسلوب البعض من بني يعرب الذي يقوم على اللفلفة والدهلزة وخفة اليد التي تتفوق على يد الحاوي في التعاطي مع صناديق الانتخابات!! فحققت بجدارة قل نظيرها فوزا فريدا حملك الى سدة رئاسة حكومة فلسطينية ديمقراطية منتخبة .. وكنت الوزير الاول ( كما يقول اخوتنا في المغرب العربي) اي رئيس حكومة تملك قرارا فلسطينياً غزاويًا.. وتملك ساعدا قوياً يصنع النصر.. وتملك سلاحاً ابدعت صنعه يدٌ فلسطينيةٌ ماهرة.. وتملك القسام وشواظ وسجيلَ والغول.. وتملك ثروةً نضالية في المقدمة منها هنية والسنوار والضيف وابو عبيدة وثواراً اشاوس.. وتملك حاضنة شعبية صامدة.. وتملك قلوبنا ايضا.. وتملك فوق هذا وذاك احترام وتقدير شرفاء العالم!

يا ابا العبد ايها الغائب الحاضر.. نحن نتتبع بعين التقدير سيرتك الطاهرة ومسيرتك المظفرة منذ اللحظة التي زف فيها ابناء مخيم الشاطئ البشرى بقدومك الى الحياة الدنيا لوالدك الكريم الشيخ (عبدالسلام هنية) والذي رفع لحظتها يديه الى السماء وقال : (الحمد لله الذي رزقني على الكبر اسماعيل) .. فالتقط السامعون من حوله رسالة الشيخ الجليل واسموك (اسماعيل) ونعم الاسم والمسمى.

ونمضي معك في مسيرتك عبر ردهات الجامعة الاسلامية في غزة وعن يمينك في الصف يحيى السنوار وعن يسارك محمد الضيف وانعم واكرم بالفارسين العظيمين .. وتتخرج من الجامعة حاملاً بيمناك الليسانس في اللغة العربية وباليد الثانية شهادة الدكتوراة الفخرية تقديراً لنبوغك وتميزك.. وتظل قلوبنا معك يا ابا العبد وانت تعاني مرارة اللجوء للمرة الثانية.. وعشنا معك مرارة التعذيب على ايدي الجلادين الصهاينة الاوغاد.. وعشنا معك عذاب النفي الى مرج الزهور.. ثم عشنا واياك لحظات الزهو والاعتزاز وانت تعود مظفراً كطائر الفينيق وتحلق في سماء الحرية ولسان حالك ينشد: انا كالقيامة ذات يوم آتٍ.. وها قد اتيت! وعشنا معك مفاصل العنفوان والثورة وانت تشارك في الانتفاضة الفلسطينية وترفع شارة النصر، وتخاطب جورج بوش وهو يتأهب للرحيل من البيت الابيض وتجهر بالقول:(سقطت يا بوش ولم تسقط قلاعنا.. سقطت يا بوش ولم تسقط حركتنا.. سقطت يا بوش ولم تسقط مسيرتنا).. وظلت المقاومة الفلسطينية وظل فرسانها صامدين جبارين فيما سقط كل الاوباش الى غير رجعة!!

وتظل قلوبنا معك، يا ابا عبدالسلام، وانت تحصد الاصوات حصداً ملحوظاً ومُقدراً خلال الانتخابات الديموقراطية الفلسطينية والتي جاءت بك على طبق من الثقة الفلسطينية الشعبية المطلقة لتصبح اول رئيس حكومة عربي يتم انتخابه بطريقة ديموقراطية.. ونكبر فيك ايها الطاهر المتواضع بقاءك في المخيم مع الكادحين والبسطاء والفقراء وانت تحمل لقب صاحب الدولة! وكأن لسان حالك يطبق ما كان يردده على الدوام سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حين يقول: (يا دنيا غُرّي غيري)!!

واتصور رئيس وزراء فلسطين المتواضع يذهب الى سوق المخيم مثلنا.. ويشتري حاجياته بنفسه مثلنا.. وينقي الخضرة مثلنا.. ويصف على الدور مثلنا.. فأحببناك يا ابا العبد لانك تشبهنا.. واحببناك اكثر لانك بقيت على الوفاء مع ضميرك ومع المخيم وناس المخيم والقضية المقدسة والهدف الاسمى.

ونشاطرك الوجع ونحن نتأمل صبرك الذي يشبه صبر سيدنا ايوب حين تلقيت نبأ استشهاد ابنائك واحفادك وكوكبةً من ابناء عائلتك على يد العدو النازي الصهيوني البغيض.. ونكبر فيك رباطة الجأش وانت تقول: (الحمد لله انهم شهداء لقضيتنا المقدسة كسائر اخوتنا في غزة وفلسطين.. الله يسهل عليهم)!! ونقف اكباراً واجلالاً امام نعشك الذي نتمثله نعش امة في رجل.. لا بل نعش رجل تجسد من خلال نضاله كأمة حية!! وننظر بعين التقدير صوب (دوحة الوفاء) وقطر الصدق الشقيقة وهي تحتضن بشرف واعتزاز زيتونة مقدسية لا بل أمة تجسدت في اهاب شهيد فارس هو اسماعيل هنية.

آه يا ابا العبد ايها المجاهد البطل.. يا ابن غزة العزة والتسامح التي تمثل انموذجاً في الائتلاف والاخوة بين الاشقاء مسلمين ومسيحيين على ثرى فلسطين والذين يشكلون القلب الفلسطيني الواحد.. فها هو شقيقنا الفلسطيني الاب (مانويل مسلم) عضو اللجنة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس ينتخي لاشقائه المسلمين ابان اشتعال الصراع بين الحقارة (بالقاف) الصهيونية والحضارة (بالضاد) العربية وظهرت مفرزات حقارة الصهاينة و وحشيتهم حين دمروا المساجد في غزة.. عندها انتفض شقيقنا الاب (مسلّم) وقال على مسمع من الدنيا بأسرها : ( يا اشقاءنا المسلمين .. اذا هدم الصهاينة مساجدكم فأرفعوا الاذان من كنائسنا)!! وهذا شقيقنا الفلسطيني الاب الراهب انطونيوس حنانيا ينتخي لاشقائه الفلسطينيين في غزة ويقول: ( اذا منع الصهاينة المعتدون اخواني المسلمين من رفع الاذان.. فأنا سأرفع الاذان عن اشقائي المسلمين)!! واني اسال كافة ابناء المعمورة واقول: بربكم هل رأيتم او سمعتم عن وفاء وآخوّة كمثل هذا الوفاء وتلك الآخوة بين الاشقاء, مسلمين ومسيحيين على ثرى غزة الطهور..

سلمتم يا اشقاءنا المسيحيين.. يا شركاءنا في الارض والحضارة العربية والالم والامل والمصير المشترك! سلمتم ودمتم ذخرًا لفلسطين وغزة والقدس الشريف بوصلة قلوبنا جميعًا!

ذبحنا رحيلك, يا ايقونة النضال الفلسطيني, وابن الفرع الفلسطيني الحي الذي تفوق على الاصل العربي الذي شبع موتا, فسبحان من اخرج الحي من الميت!! واوجعنا غيابك يا ابن غزة المجد التي صنع ابناؤها وفرسانها الاشاوس من الخردة سلاحا هزم العدوان النازي وبهدل كيانه وعساكره.. فيما بعض الاخرين صنعوا من السلاح خردة!!

اوجعنا رحيلك, ايها التقي, وحبيب قطاع غزة البطل.. القطاع الذي يشبه الخنجر شكلا وفعلا, ومضاء وعزيمة.. هذا الخنجر الفلسطيني الذي جعل من (ليفا بالستينا) ” تحيا فلسطين” نشيدا امميا لأحرار العالم ومن الكوفية الفلسطينية رواق عز مرفوع على رؤوس شرفاء واحرار الدنيا.. فيما الاخرون في دنيا العرب انسونا الكلام.. وانسونا النشيد… وانسونا اسماءنا.. وانسونا محتوى نشيد ( بلاد العرب اوطاني).

ذبحنا غيابك,يا ابا العبد, ايها البطل المغوار وابن غزة الظافرة التي تتقن العزف على القسام والياسين والشواظ وسجيل والغول.. فيما الاخرون يعزفون عن مواجهة العدو النازي الصهيوني الذي يذبح اطفالنا ونساءنا وشيوخنا ويمتهن الكرامة العربية مع طالع شمس كل يوم!

اوجعنا رحيلك, ايها العلم الفلسطيني وابن فلسطين الماجدة التي روت من خلال صبرها وانتصارها عطشنا القومي المزمن للثأر من العدو الصهيوني.. واكدت للدنيا باسرها اننا امة لا تنسى ثاراتها!

ذبحنا غيابك يا ابا العبد ويا ابن مخيم الشاطئ وغزة العزة التي اهدتنا نصرا مؤزرا دون منّه .. نعم اسقتنا كؤوس نصر يشفي غليلنا الكامن في الصدور.. نصر مهره الدم الفلسطيني.. وثمنه المسك الزكي.. وعربونه العندم القاني.. فيما الاخرون في دنيا العرب اسقونا المر.. والعلقم… والحنظل والخذلان!

ذبحنا غيابك يا ابن غزة العزة التي جعل فرسانها الاشاوس من النفق وتحت الارض ( فوقًا) ورواق عز فلسطيني.. فيما الاخرون من بني قومنا جعلوا بتخاذلهم من الفوق ( تحتًا) وقبرا يدفنون فيه احلامنا قبل الاجساد!

اوجعنا رحيلك يا ابا العبد, يا ابن غزة المظفرة التي كشفت الغطاء عن وجوه كثيرةٍ دون ان تلقي باللائمة على احد.. رغم ان اللوم يغشى وجوها كثيرة ديدنها التثاؤب والتناسل والاسترخاء على اديم الجغرافيا المسجاة من الماء الى الماء!

وفي الختام اقول: طوبى لك يا ابا العبد وانت ترفل بثوب الاستشهاد في جنات الخلد بين يدي رحمن رحيم بعد حياة حافلة بالجهاد والصدق والصبر والشجاعة.

طوبى لكم يا من اعدتم انتاج كرامتنا العربية بنسخة ناصعة ومحسنة لحمتها الشجاعة الفلسطينية وسداها ازيز الياسين الفلسطيني .. والشواظ الغزاوي.. وسجيل العسقلاني.. والصبر المقدسي.. والعنفوان النابلسي.. والبأس الجنيني.. والصمود الخليلي.. والقسام الابي.. والنضال الفلسطيني الشجاع.

طوبى لكم يا من سترتم عورة الامة! طوبى لكم يا صانعي مجد فلسطين! وطوبي للشهداء الاكرم منا جميعًا.. وطوبي للبطل والفارس والشهيد الحي اسماعيل هنية.

وفي ختام الختام اقول: ايها الشهيد الحي .. يا ابا العبد.. وانت تلج رحاب الجنة بحول الله اقرِ عنا السلام الى الشيخ المؤسس وايقونة المقاومة الفلسطينية الشيخ احمد ياسين وسائر الشهداء من حوله.. وابلغه ان ( ياسينه) ياسين 105 هزم الغطرسة.. والتنمر.. والاكذوبة.. والدبابة الصهيونية!! وابلغه ان ( الغول) الفلسطيني ما يزال يقنص رؤوس البط النازية الصهيونية المذعورة… وابلغه ان فلسطين الغالية تقف بحول الله مرفوعة الرأس على مشارف التحرير.. ابلغه بالله عليك يا ابا العبد.. ابلغ الغالي يا الغالي!

التعليقات مغلقة.