متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والسّبعون / الطاهر المعز

228

الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 7/7/2024 م …  

يتضمن العدد التاسع والسبعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرات بعنوان في جبهة الأعداء- لماذا لا ينهار اقتصاد العدو؟ وفقرة عن إحدى “انتفاضات الخبز” العربية بالمغرب، سنة 1981، وفقرة عن زيادة أسعار حبوب الكاكاو ( المادة الأولية لصناعة الشوكولاتة) والمُضاربة بها في الأسواق العالمية، وفقرة عن بعض الوضع في نيجيريا، أكبر اقتصاد وأكبر منتج للنفط في إفريقيا، وفقرة عن مظاهرات في كينيا ضد الإجراءات التي يفرضها صندوق النقد الدّولي من زيادة الأسعار والرُّسُوم وخفض الإنفاق الحكومي، وفقرة عن اقتصاد الهند الذي يتميز بارتفاع عدد أصحاب المليارات وباتّساع الفجوة الطّبَقِيّة، وفقرة عن المحرومين من التّأمين الصّحِّي في الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، بعنوان “تناقضات” وفقرة عن العلاقات غير المتكافئة بين البلدان الغنية (المركز) والبلدان الفقيرة (المحيط)

 

يُصادف تاريخ صدور هذا العدد ذكرى استقلال الجزائر التي عانى شعبها من الإحتلال الإستيطاني والتهجير والقتل والإغتراب طيلة 132 سنة ( 1830 – 1962) ورغم طول هذه المُدّة تَمكّن الشعب الجزائري،  بدعم من الشعبيْن المغربي والتونسي، ومن أنظمة مصر وسوريا والدّوَل الإشتراكية، من تحرير وطنه وتم إعلان الإستقلال يوم الخامس من تموز/يوليو 1962… فليكن نضال شُعُوب الجزائر وفيتنام وكوبا وغيرها نماذج لنضال الشعب الفلسطيني

في جبهة الأعداء – لماذا لا ينهار اقتصاد العدو؟

بلغ معدّل قيمة الإستثمارات الأجنبية المباشرة الرّبعية (خلال كل رُبع سنة) في اقتصاد العدو الصهيوني قرابة خمسة مليارات دولارا كل ثلاثة أشهر خلال السنوات الأربع الماضية، وانخفضت إلى 1,1 مليار دولارا خلال الرُّبع الأول من سنة 2024، ما يُمثّل تراجعا بنسبة قاربت 56% مقارنة بالرُّبع الرابع من سنة 2023، وفق بيانات المكتب المركزي الصهيوني للإحصاء التي تُشير إلى توجيه نحو 80% من الإستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاع التكنولوجيات الحديثة الذي يُؤَدِّي دورًا حيويا في اقتصاد الكيان الصهيوني – وتم تأسيس ما لا يقل عن 80% من شركات التكنولوجيا الحديثة التي تعمل بفلسطين المحتلة، بالولايات المتحدة – ويوظّف هذا القطاع حوالي 14% من القوى العاملة، ويُولّد حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ونصف إيرادات الصادرات، كما يعتمد الإقتصاد الصهيوني على الدّعم المُكثّف من الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي – خصوصًا ألمانيا – وعلى إنشاء شركات متنوعة تستثمر من 10 إلى 12 مليار دولارا سنويا في الخارج، في الخارج، وفق بيانات منظمة “التعاون الاقتصادي والتنمية” الذي سجل انخفاض اقتصاد العدو (الناتج الإجمالي المحلي) بنسبة 21% خلال الرُّبع الرّابع من سنة 2023، ما أدّى بوكالة موديز الأمريكية إلى خفض تصنيف اقتصاد العدو وأكبر خمس مصارف تجارية صهيونية، غير عن حكومة الولايات المتحدة منحت العدو قروضًا بدون فائدة أو بفائدة ضعيفة وشجعت المصارف والشركات على شراء السندات “الإسرائيلية” بضمانات من الحكومة الأمريكية، لتعويض خسائر الإقتصاد الصّهيوني النّاجمة عن انخفاض – أو خروج – الإستثمارات في مجال الشركات الناشئة بقطاع التكنولوجيا التي استفاد منها الإقتصاد الصهيوني طيلة ثلاثة عُقُود…    

رغم الحرب العدوانية المستمرة منذ تسعة أشهر عند تحرير هذه الفقرة (بدعم من الولايات المتحدة وشركاتها مثل غوغل ومايكروسوفت والبيانات التي تجمعها شركة ميتا وواتساب وشركات “الذّكاء الإصطناعي”)، لم يُصَب الإقتصاد الصهيوني بالإنهيار، بفعل الدّعم الأمريكي والألماني المُطلق ودَعْم كافة الدّول الإمبريالية والأُسَر الحاكمة في مَشْيَخات الخليج، ونتيجة لهذا الدّعم المُطلق صَمَد الإقتصاد الصهيوني وحافظ على العديد من نقاط قُوّته المُتمثّلة في ارتفاع حجم الأسواق المالية وحجم احتياطيات العملات الأجنبية ( أكثر من 200 مليار دولارا بنهاية سنة 2023)، فضلا عن العلاقات الخارجية المتينة التي تُمكّن للعدو من تمويل التّسلّح وتصنيع الأسلحة والذّخيرة، ومن الإقتراض بفائدة ضعيفة، وتجنُّب ارتفاع الأسعار ونسبة التّضخّم، كما تُمكّن هذه العلاقات الخارجية المَتينة من الحصول على التدفقات المالية وتكثيف حجم التجارة والدعم اللوجستي، فيما وفّر نظام الهند ( حليف الكيان الصهيوني) عشرات الآلاف من العُمّال رخيصي الثمن لتعويض العُمّال الفلسطينيين والعمال المهاجرين الذين غادروا فلسطين المحتلة، ونظرًا للعلاقات الوطيدة أعلن “بنك الاستثمار الأوروبي المملوك للدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي ضخ 900 مليون دولار في الاقتصاد الصهيوني، فضلا عن تقديم مؤسسات الإتحاد الأوروبي ما لا يقل عن مائة منحة (مجانية) لشركات البحث والإبتكار الصهيونية ضمن برنامج “هورايزن أوروبا”، مع زيادة استثمارات مجلس الاستثمار الأوروبي (غير الربحي) في “الشركات الإسرائيلية الناشئة” وفق محطة “دويتشه فيلله” الحكومية الألمانية التي أعلنت تحقيق الميزان التجاري الصهيوني فائضا بنسبة 5,1% خلال الرُّبع الأخير من سنة 2023 بفضل التدفق المتواصل للصادرات الإسرائيلية إلى السوق الأوروبية ” وتتوقع محطة دويتشة فيللّه “ارتفاع تدفق المنتجات الإسرائيلية سنة 2024، بقرار سياسي”، ولم يحصل الكيان الصهيوني على الدّعم من الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، بل حافظت مجموع دول حلف شمال الأطلسي وكذلك الصين التي صدّرت سلَعًا إلى الكيان الصهيوني بقيمة عشر مليارات دولارا خلال الربع الأول من سنة 2024، وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية ومصر والأردن والإمارات والمغرب ودُوَيْلات الخليج على علاقاتها العلنية والمَخْفِيّة مع العدو الصهيوني، فيما تكتفي تركيا بالتّهريج والإستعراض الإعلامي، وتسمح للشركات بتلبية الطلبات الصهيونية بواسطة دول ثالثة.

أدّت حملات المُقاطعة إلى خروج بعض الإستثمارات وإلى عزوف بعض الشركات والمصارف والصناديق عن الإستثمار في فلسطين المحتلة، وهذا أمر إيجابي وجب دعمه ليستمر كشكل من أشكال المقاومة متعدّدة الجوانب، على مدى طويل، بهدف عزل الاقتصاد الصهيوني وتحريض المستوطنين على مغادرة وطن الفلسطينيين وردْع المُستوطنين الجُدد والسائحين والمُستثمرين، وبذلك يُصبح الإستعمار الإستيطاني الصهيوني مُكلفًا للإمبريالية، أي إن حجم وقيمة الخسائر تَفُوق الأرباح…

في جبهة الأعداء – الهند

أعلن رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) منذ صباح السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 دعم حكومته المُطلق للكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا وكان هذا الدّعم من أسباب انخفاض الكتلة الإنتخابية للحزب الحاكم الذي خسر الأغلبية المطلقة في البرلمان لكنه احتفظ بالأغلبية النسبية خلال انتخابات حزيران 2024، خصوصًا بعد رَفْض السلطات الإسبانية رُسُو سفينة هندية محملة ب27 طن من السلاح والذّخائر (شهر أيار/مايو 2024) متجهة نحو فلسطين المحتلة

نشرت الصحيفة الصّهيونية “يدعوت أحرونوت” تقريرا يوم 23 حزيران/يونيو 2024، نقلا عن وسائل إعلام هندية إن العدو الصهيوني أنشأ مصنعا للطائرات العسكرية الآلية في مدينة “حيدر أباد” الهندية، وتمكّنت بفضل إنتاجه من التّزوّد بطائرات مسيرة متطورة من طراز “هيرميس 900” لقصف الفلسطينيين في غزة، فضلا عن توريد أسلحة وذخائر وقذائف مدفعية من الهند منذ بداية عُدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023،  في نطاق الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين التي تعود إلى نهاية القرن العشرين عندما تزود الجيش الهندي، سنة 1999، بأسلحة صهيونية لقصف باكستان.  

المغرب – ذكرى انتفاضة 1981

انتفض الشعب المصري ضد تطبيق تعليمات صندوق النقد الدّولي (18 و 19 كانون الثاني/يناير 1977) وانتفض الشعب المغربي يومَيْ 20 و 21 حزيران/يونيو 1981 وانتفض الشعب التونسي من 27 كانون الأول/ديسمبر 1983 إلى الثالث من كانون الثاني/يناير 1984، وعُرِفَتْ هذه الإحتجاجات بانتفاضات الخبز…

في المغرب، دعت الكنفدرالية الدّيمقراطية للشّغل إلى الإضراب والإحتجاج على قرار رفع الدّعم عن المواد الغذائية، وتظاهرت أعداد كبيرة من المواطنين يَوْمَيْ 20 و 21/06/1981 وخصوصًا في مدينة الدّار البيضاء، احتجاجًا على ارتفاع أسعار السلع الغذائية (منها الطّحين بنسبة 50% والخبز)، وقَمَعت السلطة المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي ممّا رفع عدد القتلى الذي قدّرته النقابة بحوالي ألف، فضلا عن الآلاف واعتقال المئات، واعترفت أجهزة الدّولة، سنة 2016، بقتل 114 مُتظاهر…   

 اشترط صندوق النّقد الدّولي – كعادته – على الحكومة المغربية، سنة 1978، تطبيق “برنامج إصلاح هيكلي” يتضمّن خفض الإنفاق الحكومي وتجميد الأُجُور مع زيادة الضرائب وخفض دعم السلع والخدمات الأساسية، وأدّت الإحتجاجات الشعبية إلى تراجع الحكومة آنذاك ( سنة 1979) عن تطبيقه، لكن صندوق النقد الدّولي لم يتراجع عن شُرُوطه، وفَرَضَ، سنة 1980 خطة تقشّف جديدة تتضمن خفض دعم الطّحين والخبز والعجين، وأَقَرّت الحكومة هذه الخطّة مع حَظْر زيادة سعر الخُبز في المخابز، مما أدّى إلى إضراب الخَبّازين، فغاب الخُبز وهو أساسي في الغذاء اليومي للمواطنين، وتوسّع الإضراب والإحتجاج ليشْمل المواطنين والعاملين الذين شاركوا في الإضراب والتّظاهر، واضطرت الحكومة خلال ثلاث سنوات إلى تعليق تطبيق برنامج صندوق النقد الدّولي، مرّتَيْن…   

إفريقيا الغربية – من المستفيد من ارتفاع أسعار الكاكاو؟

ارتفعت أسعار الكاكاو إلى أعلى مستوى لها منذ سنة 1977، بسبب الظروف المناخية والأمراض التي أصابت الأشجار في منطقة غرب أفريقيا تراجع الإنتاج وتضاعفت الأسعار في الأسواق العالمية أكثر من ثلاث مرات سنة 2023، وبنسبة 136% بين تموز/يوليو 2022 وشباط/فبراير 2024، وبلغ إحدى عشر ألف دولارا للطن الواحد، خلال شهر نيسان/ابريل 2024، أي أكثر من أربعة أضعاف السّعر عند الإنتاج في بلد المنشأ (ما بين 2300 و 2500 دولارا للطن الواحد)، واستمر الإرتفاع حتى تحرير الخبر (23 حزيران/يونيو 2024) بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أونكتاد، لكن المزارعين في ساحل العاج أو غانان أو في غيرها من البلدان المُنتِجَة لا يستفيدون من هذه الزيادة لأن الشركات الكبرى مثل نستليه أو هيرشي أو مارس أو فيريرو وغيرها تُوقّع عقودًا آجلة تُثبّت الأسعار لِعِدّة سنوات… 

أصابت العديد من الأمراض محاصيل منطقة غرب إفريقيا التي تضرّرت، فضلا عن انخفاض حجم المحاصيل لعزوف العديد من المزارعين، بفعل انخفاض الأسعار المدفوعة للمزارعين عند نقطة البيع، أو ما يُسمّى ” تسعير بوابة المزرعة”، ما أدّى إلى انخفاض محاصيل الكاكاو في غانا – ثاني أكبر منتج للكاكاو في العالم – وتأخير تسليم نحو 350 ألف طن من حبوب الكاكاو إلى الموسم المقبل. أما شركات الغذاء فقد خفضت حجم أو وَزْن منتجاتها فضلا عن إضافة كميات أكبر من مواد أرخص غير الكاكاو لمنتجاتها، كالسكر ومكافآت زبدة الكاكاو، وزبدة الشيا، وزيت النخيل، وزيت جوز الهند، وغيرها، مما يُؤَدِّي إلى خَفْض جودة الإنتاج، مع زيادة صغيرة في الأسعار أو المحافظة على الأسعار السابقة…

تمتلك شركات رأسمالية احتكارية ( من بينها باري كاليبوت السويسرية وكارغيل الأميركية وأولام السنغافورية ) مزارع ضخمة يشتغل بها مزارعون فُقراء ونساء وأطفال، وتحتكر بعض الشركات القليلة تجارة الكاكاو على نطاق عالمي، وتفْرِض أسعارًا منخفضة عند شراء حبوب الكاكاو وأسعارًا مرتفعة عند بيع الشوكولاتة والحلويات للمستهلكين في الدّول الرأسمالية المتقدّمة من قِبَل شركات مارس وموندليز ونستله وهيرشي وفيريرو أو فُرُوعِها، واسْتَشْعَرَتْ صناديق الاستثمار ارتفاع الأسعار فضاربَتْ بالكاكاو وحققت أرباحا هامّة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب. بتاريخ 23 حزيران/يونيو 2024   

نيجيريا

أشاد صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي بتطبيق الرئيس بولا تينوبو بإجراءات التقشف وخفض الإنفاق الحكومي التي فَرَضَتْها المؤسسات المالية الدّولية في نيجيريا، أكبر اقتصاد في إفريقيا وأكبر بلد منتج للنفط في القارّة، وبعد عام من انتخابه (بأغلبية ضئيلة) يواجه الرئيس وحكومته الغضب الشعبي الذي جَسَّدَهُ إضراب عام نَظّمته النقابات يوم الثالث من حزيران/يونيو 2024، بدعم من أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، احتجاجا على سياسة التقشف الذي ألحقت أضرارًا بالأغلبية الساحقة من السّكّان، من بينها خفض قيمة العملة المحلية بنسبة 70% خلال سنة 2023، فارتفعت الأسعار – خصوصًا المواد المُسْتَوْرَدَة مثل الغذاء والدّواء – وارتفعت نسبة التضخم السّنوي إلى 35%، ومن بين الإجراءات كذلك إنهاء دعم الوقود، مما ضاعف سعر البنزين ثلاث مرات، وزيادة تكاليف النقل.  

كينيا

تظاهر المواطنون في العاصمة “نيروبي” وفي كافة مناطق البلاد، يوم الخميس 20 حزيران/يونيو 2024، ضد مشروع قانون المالية المقترح للسنة المالية 2024/2025 الذي يخَطّط لزيادة الضّرائب بحوالي ثلاثة مليارات دولارا إضافية، واستخدمت الشرطة خراطيم المياه والغازات المسيلة للدّموع لتفريق المتظاهري، مما أدّى إلى قتْل ما لا يقل عن متظاهر واحد في العاصمة نيروبي وإصابة ما لا يقل عن مائتَيْ مُتظاهر واعتقال ما لا يقل عن مائة متظاهر، وأعلنت خَمْسُ منظمات حقوقية “إن وجود خراطيش فارغة يشير ضمنا إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين في جميع أنحاء كينيا” الذين يُطالبون الحكومة بالتّخلّي عن الضّرائب الإضافية التي فَرَضَها صندوق النقد الدّولي، ومن بينها الرسوم على السيارات وزيادة أسعار الخبز وزيت الطهي والأدوية ورسوم العلاج ( من خلال خفض الدّعم) والمعاملات المالية والإتصالات وخدمات الهاتف المحمول، فضلا عن خفض الإنفاق الحكومي، وتم إقرار هذه الإجراءات رغم حَثِّ لجنة برلمانية الحكومة يوم الإربعاء 19 حزيران/يونيو 2024 على إلغاء بعض الضرائب الجديدة المقترحة في مشروع قانون المالية، وراجت أخبار عن ارتفاع عدد القتلى في العاصمة والمدن الأخرى إلى تسع ضحايا

الهند – “نِمْرٌ من وَرَق”؟

تتبجّح الدّعاية الرّسمية للسلطات الهندية بارتفاع حجم النمو الإقتصادي بنسبة 8% سنة 2023، وتُشير نشرات المؤسسات المالية إن اقتصاد الهند (أي الناتج المحلي الإجمالي) هو الأسْرَع نُمُوًّا ولا تتطرّق هذه الأخبار والدّراسات إلى تعميق الفجوة الطبقية وإلى عدم المساواة الاقتصادية وإلى التفاوت الكبير بين مختلف الفئات الإجتماعية، حيث لا يزال نحو 800 مليون مواطن (من إجمالي 1,4 مليار) تحت خط الفقر، مُسجلين على قائمة التوزيع المجاني للحبوب ( بيانات كانون الأول/ديسمبر 2023)، رغم نمو الناتج المحلي الإجمالي، بل تعمقت الفجوة أعلى مستوياتها منذ عقود، مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ولا توجد في مخططات الحكومة برامج لتحسين مهارات العمال، وخلق المزيد من فرص العمل والتركيز على النمو الشامل، وفق المرصد العالمي لعدم المساواة ( تقرير صادر خلال شهر آذار/مارس 2024)، ولا يُتَوقّع خبراء اقتصاد التنمية في المعهد الهندي للتكنولوجيا في نيودلهي أن تتقلّص الفجوة خلال السنوات الخمس المقبلة من حُكم حزب باهاراتيا جاناتا وزعيمه ناريندرا مودي، لأن “الحد من عدم المساواة الاقتصادية ليس هدفًا سياسيًا للحكومة وصُنّاع القرار”

تَضُمُّ الهند ثاني أكبر عدد من المليارديرات في آسيا، إلى جانب عشرات الملايين من الفُقراء الذين يعتمدون على برنامج التوظيف الحكومي لمدة مائة يوم (خلال العام) مقابل الأجر الأدنى المضمون ( أربع دولارات يوميا)، لحفر الآبار وبناء الطرق وردم الحفر...

يصف بعض الإقتصاديين المَحلِّيِّين اقتصاد الهند ب”رأسمالية المَحْسُوبِيّة” التي تدعم الأغنياء بواسطة المال العام، وتعطي بعض الفُتات للفُقراء لتجنُّب ثورتهم، لكن ارتفع مستوى البطالة من 6% سنة 2021 إلى أكثر من 8% بنهاية سنة 2023، ولا يُساعد نظام المَيْز العُنصري الذي يُعاني منه غير الهندوس وخصوصًا “الدّاليت” (المنبوذون) على تضييق الفوارق وفتح آفاق العمل والتأهيل للجميع، وفق بيانات مركز مراقبة الاقتصاد الهندي (مركز أبحاث)، ويُفسّر بعض المُحلّلين المحلِّيِّين “خسارة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها على مدى العقد الماضي باتساع فجوة التفاوت وضغوط التضخم المستمرة – وخاصة على الغذاء – والافتقار إلى الوظائف ذات الأجر الجيد” وفق دراسة نشرها معهد أنديرا غاندي للتنمية، وقُدّرت القوة العاملة في الهند بنحو مليار شخص “مؤهلين للعمل”، وتشير تقديرات نشرة حديثة لبنك الاحتياطي الهندي إلى صعوبة الحصول على وظيفة رسمية، ما اضطرّ نحو 80% من قوة العمل إلى محاولة العيش من الاقتصاد المُوازي، “غير المُنَظَّم” (أو غير الرّسمي)، سواء في المناطق الريفية أو الحَضَرِيّة…   

الولايات المتحدة – تناقضات

يُعتبر الإقتصاد الأمريكي ( حجم الناتج المحلي الإجمالي) أضْخَمَ اقتصاد عالمي، ويتميز بالتفاوت الطّبقي المُجْحِف، وبارتفاع عدد الفقراء والمُهَمَّشين والمُشرّدين والمساجين، ويعتبر ارتفاع عدد المحرومين من التّأمين الصحي أحد معايير هذا التفاوت لأن تكلفة أقساط التّأمين مرتفعة، ولأن أسعار الأدوية والتحاليل الطبية مكلفة جدا، فيضطر ملايين الأمريكيين إلى عدم مراجعة الطبيب سوى في الحالات القصْوَى. أما من يتمتعون بتأمين صحي فإنهم يُسدّدون ( أو تُسدّد المؤسسة التي تُشغِّلهم) أقساطًا شهرية تُجنّبهم من تسديد فواتير طبية كبيرة، إذ تتعاقد خطط التأمين الصحي مع شبكة من مستشفيات وأطباء وصيدليات ومقدمي خدمات الرعاية الصحية، وعلى سبيل المثال يتحمل المريض في المستشفيات الحكومية نسبة 20 % من تكاليف المعالجة ويغطي التّأمين الصحي نسبة 80%، ويُقَدَّرُ عدد المشمولين بالتأمين في إطار العمل بنحو 164 مليون سنة 2024 وقُدِّرت نسبة الأمريكيين المحرومين من التّأمين الصحي سنة 2024 بنحو 7,7% ويُتَوقّع أن ترتفع النسبة إلى 9% على مدى العقد المقبل، أو حوالي 32 مليون شخص، ممن تقل سنهم عن 65 سنة، ومن بينهم نحو 17 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 19 و24 عاما غير مؤمن عليهم، وفقًا لتقرير مكتب الميزانية بالكونغرس، نُشِرَ يوم 18 حزيران/يونيو 2024 ويعود سبب الإرتفاع إلى إنهاء سياسة حقبة جائحة كوفيد-19 التي أجبرت الولايات الحفاظ على التسجيل للمستفيدين من برنامج Medicaid وكذلك بسبب انتهاء الإعانات الإضافية لخطط Obamacare الذي وَسَّعَ نطاق التغطية للأطفال المعالين حتى سن 26 عامًا…

المُحيط في خدمة المركز

تحتكر الدّول الإمبريالية الصناعات المتطورة والتكنولوجيا والمُؤسّسات المالية التي تُجسّد التراكم الرأسمالي الإحتكاري، لكي لا تتعرض هذه القطاعات الإقتصادية والمالية للتنافس، وبيّنت مدرسة التّبعية ( أرّيغي وولرشتاين وسمير أمين وغوندر فرنك وعلي القادري…) إن العلاقات بين “المركز” الرأسمالي و”المُحيط” (البلدان الواقعة تحت الإستعمار الجديد) غير متكافئة وكذلك التبادل بينهما، وتم تصميم هذه العلاقات من قِبَل “المركز” ليستفيد منها بصورة حَصْرِيّة، ويندرج احتكار الصناعات المتطورة ذات القيمة الزائدة المرتفعة والتكنولوجيا ضمن هذه العلاقة غير المتكافئة حيث تحمي الدّول الإمبريالية صناعات الأدوية والتكنولوجيا عبر دعمها ماليا وحمايتها من خلال الرسوم الجمركية على إنتاج الشركات الأجنبية المنافسة وعبر قوانين حقوق المِلْكِيّة وبراءة الإختراع، بالتّوازي مع ترحيل الصناعات ذات القيمة الزائدة الضعيفة والصناعات المُلوثة والتي تتطلب عمالة كثيفة ورخيصة إلى دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية (مثل بعض فُرُوع الكيمياء أو النّسيج وتركيب السيارات أو حتى بعض أنواع الطائرات وبعض فروع الإلكترونيات وما إلى ذلك) بهدف خفض تكاليف الإنتاج بالتوازي مع تعظيم أرباح المصارف والشركات الإحتكارية وإلقاء بَعْض الفُتات للعاملين والفئات المتوسطة والفقيرة في بلدان المركز، حيث يُمكن شراء الأغذية والملابس والعديد من السلع الإستهلاكية، القادمة من بلدان “المُحيط”، بأسعار مُتَدَنِّيَة نسبيًّا، ما يسنح للرأسمالية الإحتكارية الحاكمة في البلدان الرأسمالية المتطورة (المَرْكز) بامتصاص غضب العُمّال والفُقراء…

 

التعليقات مغلقة.