الرئيس الجزائريّ الزاهد هواري بو مدين … قائد بحجم وطن … بل بحجم عالم بأكمله! / عاطف زيد الكيلاني

365

مدارات عربية – الأحد 28/7/2024 م …

كتب عاطف زيد الكيلاني …

  الكاتب عاطف زيد الكيلاني

هواري بومدين، الذي ولد في 23 أغسطس 1932 في بلدة قالمة، في شمال شرق الجزائر، وتوفي في 27 ديسمبر 1978، هو شخصية بارزة في التاريخ الجزائري الحديث.

يعتبر بومدين أحد القادة البارزين الذين ساهموا بشكل كبير في النضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة الجزائرية الحديثة. لقد لعب دورًا محوريًا في الثورة الجزائرية، وقاد البلاد نحو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد الاستقلال.

المسار الثوري لبو مدين

وُلد هواري بومدين في أسرة فقيرة من الريف الجزائري، وهو ما أكسبه فهماً عميقاً للتحديات التي تواجه الطبقات الفقيرة والمهمّشة والكادحة.

في سن مبكرة، انخرط في النشاط السياسي من خلال الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، التي كانت الحركة الرئيسية التي ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي.

بدأ بومدين مسيرته الثورية كجندي في جيش التحرير الوطني، وكان له دور مهم في تنظيم العمليات العسكرية ضد الاستعمار الفرنسي.

بفضل تكوينه العسكري ورؤيته الاستراتيجية، أصبح أحد القادة الرئيسيين في جبهة التحرير الوطني، وساهم في التخطيط للعديد من العمليات الحاسمة خلال الثورة.

بو مدين والسلطة

بعد الاستقلال في عام 1962، تولى بومدين دورًا محوريًا في بناء الدولة الجزائرية الجديدة.

في البداية، كان أحمد بن بلة هو الرئيس الأول للجزائر المستقلة، ولكن في عام 1965، قاد بومدين انقلاباً ضد بن بلة وأصبح هو رئيساً للجزائر.

هذا الانقلاب لم يكن مجرد تغيير في السلطة، بل كان نقطة تحول في مسار البلاد، حيث بدأ بومدين في تنفيذ رؤية جديدة لتطوير الجزائر.

السياسة الداخلية والتطوير

خلال فترة حكمه، ركز بومدين على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.

تبنى بومدين سياسة “الاشتراكية العربية”، التي كانت تهدف إلى تعزيز دور الدولة في الاقتصاد وتوزيع الثروات بشكل أكثر عدلاً.

كانت سنوات حكمه مليئة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت بشكل كبير على حياة الجزائريين.

من بين أبرز إنجازاته كان تأميم صناعة النفط والغاز في عام 1971.

هذا القرار كان له تأثير عميق على الاقتصاد الجزائري، حيث مكن الدولة من السيطرة على مواردها الطبيعية وزيادة إيراداتها. التأميم أدى إلى زيادة عائدات النفط والغاز، وهو ما ساعد في تمويل العديد من مشاريع التنمية والبنية التحتية.

كما قام بومدين بإجراء إصلاحات كبيرة في التعليم والصحة، حيث عمل على توسيع نطاق الخدمات الصحية وتوفير التعليم للجميع.

كانت هذه الإصلاحات جزءًا من رؤيته لبناء مجتمع متقدم يتمتع بالاستقلالية والقدرة على تحقيق التنمية الذاتية.

بجانب هذه الإصلاحات، كان بومدين أيضًا مهتمًا بتطوير البنية التحتية للبلاد.

فقد أطلق العديد من المشاريع لبناء الطرق الجديدة، والمدن الصناعية، والمشاريع الكبرى التي كانت تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

السياسة الخارجية والدور الإقليمي للجزائر في عهد الرئيس بو مدين

على الصعيد الدولي، تبنى بومدين سياسة خارجية مستقلة، وسعى إلى تعزيز مكانة الجزائر على الساحة العالمية.

وكان له دور بارز في حركة عدم الانحياز، وهي مجموعة من الدول التي سعت إلى الحفاظ على استقلالها وعدم الانحياز لأي من القوى الكبرى أثناء فترة الحرب الباردة.

كان بومدين أيضًا نشطًا في دعم حركات التحرر الوطني في أفريقيا والعالم العربي.

لقد قدم الدعم للثوار في بلدان مثل فلسطين وبلدان غرب أفريقيا التي كانت تناضل ضد الاستعمار.

هذه السياسة ساعدت في تعزيز مكانة الجزائر كداعم رئيسي لقضايا التحرر والعدالة في العالم.

الإنجازات عظيمة والتحديات كثيرة

على الرغم من إنجازاته العديدة، لم يكن حكم هواري بومدين خالياً من التحديات.

كان هناك بعض الانتقادات حول أسلوبه في الحكم، بما في ذلك مزاعم عن استبداد السلطة والقيود على الحريات السياسية.

بعض النقاد اعتبروا أن بومدين كان يميل إلى الاستبداد، وأن نظامه كان يعتمد بشكل كبير على القيادة القوية للسيطرة على البلاد.

ورغم هذه الانتقادات، فإن إرث بومدين ما زال مؤثراً في الحياة السياسية والاقتصادية في الجزائر.

يُنظر إليه كرمز للثورة والاستقلال، وكمؤسس للدولة الجزائرية الحديثة.

العديد من إنجازاته، بما في ذلك الإصلاحات الاقتصادية والبنية التحتية، لا تزال تُعتبر أساسية في تطور البلاد.

توفي هواري بومدين في عام 1978، وترك خلفه دولة الجزائر في مرحلة تحول كبرى. برغم مرور الزمن، فإن بومدين يبقى في ذاكرة الجزائريين كقائد أسهم في النضال من أجل الحرية واستقلال البلاد، وكشخصية بارزة ساهمت في بناء الدولة وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

الخاتمة

هواري بومدين، برغم التحديات والانتقادات التي واجهته، يظل شخصية محورية في تاريخ الجزائر.

لقد أسهم بشكل كبير في تحقيق الاستقلال، وبناء الدولة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كانت رؤيته السياسية وإصلاحاته أساسية في تشكيل مستقبل الجزائر، وترك إرثاً لا يزال يُدرس ويُحلل حتى اليوم. بفضل إسهاماته في الثورة والاستقلال، وكذلك في بناء الدولة الجزائرية الحديثة، يبقى هواري بومدين رمزًا من رموز النضال والتحول في تاريخ الجزائر وفي الجبهة العالمية المعادية للإمبريالية العالمية .

التعليقات مغلقة.