عرض كتاب “مجموعة بيلدربيرغ، نخبة القوة العالمية” – 2014 لمؤلفه دومينيكو مورو، ( اقتصادي وعالم اجتماع إيطالي ) / الطاهر المعز

374

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 2/7/2024 م …

يتجاوز هذا العرض محتوى الكتاب ليتطرق إلى مجموعة بيلدربيرغ (التي كتَبْتُ عنها سابقًا في مناسبَتَيْن) غير المعروفة لدى الجمهور، رغم نفوذها الكبير، وإلى أشكال المُحاباة

لا تحظى مجموعة بيلدربيرغ بشهرة كبيرة لدى الجمهور، رغم نفوذها في العالم، على مستوى العلاقات الدولية، منذ إنشائها سنة 1954، وهي “المجموعة الأكثر انتقائية في العالم” بحسب وصف صحيفة الغارديان. (29 أيار/مايو 2014)

تضم اللقاءات السّنوية لمجموعة بيلدربيرغ حوالي 130 شخصًا يتم انتقاؤهم بعناية، ليجتمعوا لمدة ثلاثة أيام، ولا يُسْمَحُ للصحفيين بالوصول إلى مكان انعقاد هذه المؤتمرات، ولا تنشر المجموعة أي بيانات صحفية ولم تنشر قائمة الضيوف سوى منذ بضعة سنوات. أما الهدف الرئيسي (غير الرّسمي، لأنه لا يوجد شيء رسمي) قبل انهيار الإتحاد السوفييتي فهو “تنسيق جهود الولايات المتحدة وأوروبا لوقف تقدم الشيوعية في أوروبا الغربية”، وبعد سقوط جدار برلين والاتحاد السوفييتي، جمعت اجتماعات نادي بيلدربيرغ أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم في المجالين الاقتصادي والسياسي، وممثلي حكومات حوالي عشرين دولة، وممثلي حوالي عشر منظمات دولية (المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية والبنك المركزي الأوروبي، وما إلى ذلك) والشركات الكبيرة متعددة الجنسيات (فيسبوك وشركة مايكروسوفت وصحيفة الإيكونوميست وشركة غوغل ونستله وكوكا كولا…)،  وتنوعت موضوعات القمم الأخيرة من إدارة الأزمات (خاصة منذ عام 2008) إلى الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، وتتم النقاشات شفويا بدون تصوير أو تدوين وثائق، ونظرا لغياب وسائل الإعلام فإن التسريبات شحيحة، فضلا عن غياب أي تصويت وأي قرار رسمي، ما يُعسّر مهمة الراغبين في معرفة تفاصيل النقاشات السنوية بدقة، لأن مجموعة بيلدربيرغ هي المنظمة السياسية والاقتصادية الأكثر سرية في العالم والتي تجمع نخبة من أصحاب النفوذ، مع تزايد الإجراءات الأمنية والقمعية ضد الصحفيين خلال مؤتمرات القمة، بهدف الحِفاظ على السّرّية وعدم تسريب أية معلومات وإبقاء المواطنين في حالة جهل بوجود هذه الجماعة وبمدى قُوَّتِها.

يحلل كتاب دومينيكو مورو تنظيم “النُّخَب” العابرة للحدود الوطنية، والأسس الاقتصادية لسلطتها، والتوجهات والوسائل التي تنجح من خلالها هذه النُّخَب في التأثير على حميع مستويات السلطة، ويتضمن الكتاب جداول توضيحية وقوائم المشاركين في اجتماعات مجموعة بيلدربيرغ واللجنة الثلاثية، ويُعَرّف مجموعة بيلدربيرغ بأنها “جهاز للرأسمالية النيوليبرالية بقيادة الولايات المتحدة والتي تختار القادة الأوروبيين: الرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء ومحافظي البنوك المركزية”، ومن بينهم إيمانويل ماكرون وكريستين لاغارد وجان كلود تريشيه وماريو دراغي وماريو مونتي وأنغيلا ميركل وبيل كلينتون وباراك أوباما وتوني بلير وديفيد كاميرون وغيرهم، كما دعمت المجموعة بعض أصحاب ومُدِيرِي الشركات متعددة الجنسيات مثل بيل غيتس (مايكروسوفت)، أو جيف بيزوس (أمازون)، أو المصرفي ديفيد روكفلر، أو بعض رُموز القوة الأمريكية مثل الجنرال ديفيد بتريوس (المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية) أو هنري كيسنجر، وجميعهم أعضاء أو ضيوف في مجموعة بيلدربيرغ التي ساعدتهم على تعزيز نفوذهم، محلّيًّا ودوليا.

أعلن رجل الأعمال إتيان دافينيون، الرئيس السابق لمجموعة بيلدربيرغ (من 1999 إلى 2011)، سنة 2006 بلهجة تهكُّمِيّة: “إننا نجتمع مرة واحدة في السنة لمدة ثلاثة أيام ونحدد كيف يجب أن يسيرَ العالم خلال ال365 يوما القادمة، ومن يجب أن يكون الرئيس أو الوزير أو المُدير التنفيذي للمصارف أو الشركات المُهِمّة…”.

تأسست مجموعة بيلدربيرغ سنة 1954 بمبادرة من الأمير الهولندي بيرنهارد بالتعاون مع رجل الأعمال الأمريكي الثري ديفيد روكفلر، وكان هدف اجتماع المجموعة، في البداية، هو تحسين العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة لاحتواء الشيوعية بشكل أفضل. أما اليوم فإن هذا النادي الذي يضم شخصيات مؤثرة وليبرالية للغاية هو مركز لصنع القرار وإدارة السلطة الاقتصادية والسياسية، وكما ذكرنا فقد تَعاظَمَ نُفُوذ هذا النادي فأصبح يختار أحيانًا رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس الولايات المتحدة ورؤساء حكومات البلدان الأكثر نفوذاً، وكذلك رؤساء ومُديري أكبر الشركات العابرة للقارات…

انفتحت مجموعة بيلدربيرغ قليلا فأصبحت تنشر قائمة الضيوف والمواضيع التي تمت مناقشتها، ولكن المجموعة حافظت على سرية الإجتماعات المُغلَقَة، لكي تُحافظ على نفوذها، لأن هذه المجموعة تُعَدُّ من أكثر جماعات الضغط تأثيرًا في الأوساط النيوليبرالية، وهي عبارة عن  “حكومة الظل” العالمية، ويفوق تأثيرها بكثير الأمم المتحدة.

تُعَدُّ مجموعة بيلدربيرغ واحدة من أقدم الأندية العالمية وأكثرها انغلاقًا، وضَمَّ الاجتماع الأول للمجموعة (سنة 1954) سياسيين وضُبّاطًا ومصرفيين وصناعيين والتقى جميعهم في مستشفى بيلدربيرغ في أوستيربيك بهولندا، ومنذ ذلك الحين، يجتمع ممثلو النخبة العالمية القادمين من البلدان الغنية، سنويًا في فصل الربيع، على انفراد وتحت رعاية المجموعة، وشاركَ – أو تَمّت دعوة – العديد من رؤساء الوزراء والوزراء ومحافظي البنوك المركزية والمُديرين التنفيذيين للشركات وللمصارف الكبرى ، قبل تولي مناصبهم، في أعمال مجموعة بيلدربيرغ أو اللجنة الثلاثية، وذكرنا بعضهم في فقرة سابقة.

يفوق نفوذ هذه المجموعات أي مجموعة ضغط دولية، لأنها تمتلك شبكات واسعة من النّفُوذ تُمكّنها من تعزيز الروابط بين ممثلي الطبقات المهيمِنَة من مختلف البلدان ومن مختلف قطاعات النشاط السياسي والإقتصادي والمالي والعسكري، وتعمل هذه المجموعات على نشر النيوليبرالية من خلال تنصيب الفئات الأكثر استعدادًا لخدمتها، في وظائف استراتيجية في الحكومات والمنظمات الدّولية وعلى رأس الشركات متعددة الجنسيات والمجموعات المالية وشركات الاستشارات الاقتصادية والقانونية العاملة على نطاق عالمي، وتساهم مجموعة بيلدربيرغ في اكتساب هؤلاء خبرة في دوائر الأعمال الدولية وفي اختيار القطاعات والبلدان التي تُمَكِّنُ من تنمية الأُصُول (المُمتلَكات) ومن اقتناص فُرص الإستثمار في المناطق والقطاعات الإستراتيجية…

تُصَنّف مجموعة بيلدربيرغ أو اللجنة الثلاثية بمثابة النادي الخاص، لكن وجود هذه المنظمات أمر مثير للقلق لأنها تتمتع بسلطة اتخاذ القرار المَخْفِيّة، خارج أي رقابة ديمقراطية أو أي سيطرة شعبية، لأن المعيار الوحيد لاختيار أعضاء هذه النخبة (حوالي 130 شخصًا كل عام) هو ثرواتهم الهائلة، وانتماؤهم  إلى عدد قليل من البلدان، ولا يتم انتخابهم من قبل أي شخص أو هيئة ولا يتم تفويضهم من قبل أي سلطة عامة، وغالباً ما يتصرفون سراً ويتمثل همُهُم الوحيد في تعزيز النيوليبرالية وعقيدة السوق “ذاتية التنظيم”، أي بدون تدخل الدّولة، سوى وقت الأزمات للحصول على المال العام، بدون أي مقابل أو أي شُرُوط.

أنشأت الرأسمالية مؤسسات “خيرية” ومنظمات “غير حكومية” و”مجموعات تفكير ” ومنظمات تدّعي الدّفاع عن قِيَم العدالة والمُساواة والشفافية وما إلى ذلك، ولها نفوذ إعلامي وسياسي واقتصادي يجعلها قادرة على الإطاحة بحكومات وأنظمة سياسية، بدعم من وكالات الإستخبارات والحكومات، مثلما حصل في أوروبا الشرقية، ويُظْهِرُ نموذج مجموعة بيلدربيرغ ( و”المجتمع المفتوح” و “الوَقْف القَوْمِي للديمقراطية” و”فريدوم هاوس” وغيرها) بوضوح إن التّعْيِين في الوظائف الحكومية أو اختيار أو تَرْقِيَة المُشرفين على مصير الشعوب ( رؤساء دول وحكومات ووزراء…) وإدارة المؤسسات المالية والشّركات والمصارف المركزية لا يتم وفق الكفاءة والخبرة بل بفضل “تَوْصِيات” وفق أُسُس ومعايير إيديولوجية، من خلال دعم بعض الأشخاص الذين يتم انتقاؤهم، وفق ولائهم ووفق درجة تفانيهم في خدمة رأس المال الإحتكاري وفي نشر النيوليبرالية… 

التعليقات مغلقة.