متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرابع والسّتّون / الطاهر المعز

269

لطاهر المعزتونس ) – الأحد 24/3/2024 م …  

يتضمّن العدد الرابع والسّتّون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة أولى عن بعض تفاصيل مؤامرة “الميناء المؤقت” في غزة، وفقرة بعنوان “في جبهة الأعداء” وفقرة عن العلاقات التركية الصهيونية، وفقرة عن ضحايا الهجرة غير النظامية من الفارّين من الحُروب والفقر، تليها فقرتان عن التواجد العسكري الأمريكي على حدود الصحراء الكبرى وعن علاقات النيجر مع الولايات المتحدة، وفقرة عن مناورات ضخمة لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية وفقرة عن تأزم اقتصاد ألمانيا، قاطرة الإقتصاد الأوروبي وفقرة عن الحرب التكنولوجية التي تشنها الولايات المتحدة ضد الصين بأساليب غير مسبوقة في تاريخ الرأسمالية، وفقرة عن بعض النماذج من وسائل التجسس التي تستخدمها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية للتّأثير في الرأي العام الدّاخلي للبلدان والرأي العام الدّولي

 

فلسطين – من فُصُول المؤامرة المستمرة

استغلّت بعض الأطراف والأُسَر النّافذة (في غزة) العدوان الصهيوني لاحتكار الغذاء وبيع كيلو الطحين ( الدّقيق) ب15 دولارا طيلة أكثر من أربعة أشهر من القصف والجوع، قبل وُصُول بعض شحنات “المساعدات” منتصف آذار/مارس 2024، ضمن عملية تم تنسيقها بين الأمم المتحدة والجيش الصهيوني وقوى المقاومة، وسبق أن رفضت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني دخول الغذاء والأدوية وخروج المُصابين للعلاج، قبل أن تفرض الولايات المتحدة المخطط الصهيوني لإنشاء ميناء “مؤقت” بغزة، ومن بين المشاريع التي تم رفضها، خطة قدّمتها حكومة قبرص يوم التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، خلال مؤتمر باريس “للمساعدات الإنسانية”، تتضمن تجميع وتخزين ومراقبة “المساعدات” في الميناء الجوي والبحري بمدينة “لارْنًكا” قبل شحنها إلى غزة، وتم رفض هذه الخطّة من قِبَل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، فضلا عن الكيان الصهيوني الذي يُصِرّ على إشرف جيش العدو على تفتيش وتوجيه “المساعدات” قبل توزيعها، بهدف تهميش دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين  الفلسطينيين (أنروا) وتهميش حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، وحصل الكيان الصهيوني على الدّعم الأمريكي – البريطاني والأوروبي، وعلى فَرْض حل الميناء “المُؤَقّت”، بتمويل خليجي (الإمارات وقطر والكويت والسعودية ) وتقوم شركة “فوغبو” ( FOGBOW ) الأمريكية بالإشراف على إدارة هذه العملية، وهي شركة خاصة أنشأها ضباط البحرية والقوات الخاصة الأمريكية، وهي بمثابة فرع للإستخبارات العسكرية الأمريكية، تُنسّق عملها “الإنساني” مع شركة أمنية صهيونية، وتقوم الولايات المتحدة بتنسيق عملية “إنشاء صندوق يدِير شراء ونقل المساعدات الإنسانية، وعلى العمليات اللوجستية والبحرية…”، بالتنسيق مع جيش الاحتلال.

 

في جبهة الأعداء

في غضون المائة وخمسين يوماً التي تلت السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، قتل جيش العدو الصهيوني، بدعم أمريكي وأطلسي وخليجي، واحداً وثلاثين ألف فلسطيني، وأصاب اثنين وسبعين ألفاً، وشردت 1,7 مليون، ودمّر أو ألحق أضرارًا بأكثر من نصف المباني في غزة، بأسلحة أمريكية في معظمها، فقد أرسلت الولايات المتحدة خلال نفس الفترة “أكثر من مائة شحنة أسلحة، فضلا عن  آلاف الذخائر، صغيرة الحجم، كثيرة الضّرر، ذات التّوجيه الآلي الدّقيق، وأرسلت الولايات المتحدة أسلحة إلى الكيان الصهيوني، بمعدّل شحنة كل ستة وثلاثين ساعة، من القنابل ومدمرات المخابئ والأسلحة الصغيرة الفتّاكة وغيرها من المساعدات…” وفق صحيفة “واشنطن بوست” (13 آذار/مارس 2024)، ومَوّلت وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدّولية وغيرها من المؤسسات الإتحادية الأمريكية هذه الصّفقات التي تم تقسيمها إلى شحنات صغيرة نسبيا لكي لا يضطر الرئيس إلى إخْطار الكونغرس إذا تجاوزت قيمة كل صفقة 25 مليون دولارا من المعدات العسكرية الثقيلة و مائة مليون دولارا من الذخائر والمعدات الأخرى و 300 مليون دولارا من خدمات البناء أو الإنشاء العسكري، وفقا لقانون مراقبة صادرات الأسلحة… 

ادّعى الرئيس الأمريكي إنه يدعو إلى هدنة أو وقف إطلاق النار ( والواقع إنه عدوان من طرف واحد) غير إن هذا العدوان لم يكن ممكنا لولا الدّعم السياسي والعسكري والإقتصادي الأمريكي والأطلسي والتّدفّق المستمر للأسلحة والمُعِدّات الأمريكية والألمانية والأوروبية، لقصف المساكن والمستشفيات والمدارس والملاجئ وفق بيان صادر عن أكثر من ثلاثين مجموعة إغاثة إنسانية، نشره موقع “معهد إصلاح السياسة الأمنية”، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية الأمريكية، تموله التّبرعات الفَرْدِية للمواطنين.

 

تركيا والكيان الصهيوني

كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف رسميا بالكيان الصهيوني سنة 1949، قبل أن تُصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي وتؤوي قواعد ضخمة تُراقب منطقة غربي آسيا، واستمرت العلاقات القوية، رغم الأزمات ورغم التّصعيد الكلامي بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، بل تضاعفت صادرات تركيا إلى الكيان الصهيوني، من 2,3 مليار دولار سنة 2011 ( خلال فترة احتداد الخلافات التي أعقبت قَتْل تسع موظفي إغاثة أتراك على سفينة “مرمرة”) إلى 7,03 مليار دولار سنة 2022، وتبقى تركيا خامس مُورّد للسلع نحو الكيان الصهيوني، ومن بينها الحديد والصلب والسيارات والأسمنت والمنسوجات، فيما يمر النفط من أذربيجان عبر أنبوب باكو – تبليسي – ميناء جيهان التركي الذي يغطي 40 %من إمدادات العدو السنوية من النفط الخام، كما توفر مجموعة “زورلو” التركية 7% من الكهرباء التي يستهلكها المُستوطنون في فلسطين، وتستورد تركيا المواد الكيميائية والمعدّات عالية التقنية، ومنذ عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، أصبحت تركيا أهم وجهة سياحية للمُسْتَوْطِنين الصهاينة…

يُشكّل الماضي الإستعماري التّركي (العثماني) والعلاقات مع الإمبريالية “الغربية”، والعُنْصُرية ضد العرب المسلمين والمسيحيين، قواسم مشتركة بين أنظمة الحكم في تركيا والكيان الصهيوني، كما تضم تركيا قواعد ضخمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقيادة القوات البرية للجناح الجنوبي للحلف في إزمير، ورادار الدفاع الصاروخي الباليستي في كوريسيك، الموجّه بشكل أساسي نحو إيران، وقاعدة إنجرليك الجوية التي تستقبل الطائرات التي تنقل المعدات العسكرية إلى الكيان الصهيوني، وانضمت تركيا خلال شهر شباط/فبراير 2024 إلى مبادرة درع السماء الأوروبية التي أطلقتها ألمانيا سنة 2023 ودعمتها 17 دولة، وتستخدم هذه المناورات صواريخ أمريكية، ساعدت الولايات المتحدة الجيش الصهيوني على تطويرها، وتشترك تركيا والكيان الصهيوني في العداء المَرَضِي للعرب، وتنفيذ عمليات عدوانية، بالإتفاق مع روسيا في سوريا، وتتعاون تركيا والكيان الصهيوني لإنتاج بعض الأسلحة مثل الطائرات الآلية، وتشتركان كذلك في الدعم السياسي والعسكري نظام أذرْبَيْجان المعادي للجارة إيران…    

أظهرت إحصائيات وزارة النقل التركية، بنهاية شهر كانون الثاني/يناير 2024، أن أكثر من 700 سفينة تركية وصلت إلى موانئ فلسطين المحتلة منذ بدء عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، بمعدل ثماني سفن يوميًا مُحَمَّلَة بمنتجات أساسية لآلة الحرب الصهيونية كالفولاذ والنفط والمنسوجات، تنقلها شركات مملوكة للمُقرّبين من الرئيس التركي، ومن بينها شركات أبنائه التي ازدهرت علاقاتها كذلك مع قطر والسعودية والإمارت ومصر… 

 

هجرة – ضحايا الفقر والحروب

تجاوز إجمالي  عدد المهاجرين غير النّظاميين المتوفين أو المفقودين على مستوى العالم العدد القياسي المسجّل سنة 2016 والبالغ 8084 قتيلاً ومفقوداً، وبلغ 8565 سنة 2023، مرتفعًا بنسبة 20%، مقارنة بالعام 2022، وفق المنظمة الدّولية للهجرة التي تحاول، منذ سنة 2014 إحصاء عدد المفقودين في طريق الهجرة غير النظامية، وبلغ عدد من تم الإبلاغ عنهم نحو 63,719 مهاجراً بين سنتَيْ 2014 و 2023، ويُعتبر البحر الأبيض المتوسط الطريق الأشد خطورةً بسبب غرق ما لا يقل عن 3129 حالة وفاة واختفاء سنة 2023، وحوالي ثلاثين ألف بين سنتَيْ 2014 و 2023 نتيجة فَرْض الإتحاد الأوروبي قُيُودًا وعقوبات على الجمعيات والمنظمات التي تحاول إنقاذ العالقين في البحر، وحلّت منطقة الصحراء الكبرى والطريق البحري المؤدّي من غرب إفريقيا إلى جزر الكناري في المرتبة الثانية في عدد المفقودين والمتوفين المهاجرين منذ العام 2014 بنحو 14394، وقدّرت المنظمة الدّولية للهجرة إن الأعداد الحقيقية لحالات الفقدان أو الموت أثناء الهجرة غير النّظامية أعلى بكثير من الأرقام المنشورة.

 

الولايات المتحدة في منطقة الصحراء الكبرى

فقدت فرنسا بعض نفوذها في مستعمراتها السابقة بعد تغيير السلطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث أدّت الإنقلابات إلى توتّر العلاقات بين الدول الثلاث وفرنسا، وخصوصًا بعدما أطاح جيش النيجر، خلال شهر تموز/يوليو 2023، بالرئيس محمد بازوم، ومثل بوركينا فاسو ومالي، قطعت النيجر علاقاتها مع فرنسا التي تنهب شركتها “آريفا” اليورانيوم بينما يعتبر شعب النيجر من أفْقَر شعوب العالم، فيما أنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية بها 1200 جندي فضلا عن أكبر قاعدة عسكرية للطائرات الآلية في آغاديز، شمال النيجر، ولذلك لم تُجَاري الولايات المتحدة فرنسا ولم تقطع علاقاتها مع الحكومة الجديدة بشكل كامل، وسافرت عدة وفود دبلوماسية أمريكية إلى عاصمة النّيجر (نيامي ) وآخرها يوم الثلاثاء 12 آذار/مارس 2024، بقيادة مولي في، وزيرة الخارجية المكلفة بالشؤون الأفريقية، رفقَةَ سيليست فالندر، وكيلة وزارة الحرب المسؤولة عن شؤون الأمن الدولي، والجنرال مايكل لانغلي، رئيس القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا ( أفريكوم )، وتدل تركيبة الوفد على أهمية العلاقة مع النيجر بسبب المنافسة الروسية في المنطقة المحيطة بالصحراء الكبرى وبسبب وجود القاعدة العسكرية الأمريكية في أغاديز ودورها الإستراتيجي في المنطقة، وكانت مدينة أغاديز (قبل تدمير ليبيا من قِبَل حلف شمال الأطلسي) ممرًّا سياحيا، وملتقى طرق التجارة والتهريب (تهريب السّلاح من ثكنات ليبيا والسلع والمخدّرات والمهاجرين غير النّظامِيِّين ) بين الصحراء الكبرى والبحر الأبيض المتوسط، وهي على حدود ليبيا والجزائر… 

 

النيجر

عَلَّقَت الولايات المتحدة تعاونها العسكري مع النيجر عقب الإطاحة بالرئيس محمد بازوم سنة 2023، غير إنها احتفظت بقاعدة عسكرية ضخمة للطائرات الىلية (درونز) في “أغاديز”، شمال البلاد، غير بعيد عن حدود الجزائر، وبما لا يقل عن 1100 جندي في النيجر، وأدّى وفد أمريكي زيارة إلى النيجر مُؤَخّرًا وأعرب عن “استعداد الولايات المتحدة لاستئناف التعاون العسكري، والحفاظ على قاعدة الطائرات بدون طيار في أغاديز”، ولما أدّت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، زيارة إلى النيجر، لم تتمكّن من إجراء مقابلة مع رئيس المجلس العسكري، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة خرقًا للأعراف الدّبلوماسية، وتمثّلت ردّة الفعل في إعلان المتحدث باسم المجلس العسكري الإنسحاب رسميا من اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، الموقعة سنة 2012، وتعتبر الحكومة الانتقالية وجود القوات الأمريكية على أراضيها غير قانوني، ووصف الإتفاق مع الولايات المتحدة بأنه “غير عادل” و”تم فرضه من جانب واحد”، ويُشكّل إلغاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة، جزءًا من مجموعة إجراءات مماثلة اتخذتها النيجر تجاه فرنسا، مع رحيل آخر جندي فرنسي في كانون الأول/ديسمبر 2023، ضمن إعادة تنظيم التحالفات، تمثلت في خروج النيجر ومالي وبوركينا فاسو من منظمة غربي إفريقيا التي تُهيمن عليها فرنسا، والتي فرضت حصارًا على البلدان الثلاثة التي عززت تحالفها لمحاربة المجموعات الإرهابية وللخروج من عباءة الهيمنة الفرنسية… 

 

أوروبا – ساحة استفزاز أمريكي؟

قررت الولايات المتحدة – باسم حلف شمال الأطلسي – تحويل أوروبا إلى ساحة معركة لا نهاية لها، وزيادة عدد وحجم المناورات العسكرية، وإجراء أكبر مناورات عسكرية في أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة، من منتصف شهر آذار/مارس إلى نهاية شهر أيار/مايو 2024، بمشاركة 90 ألف جندي من 32 دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، و 1100 مركبة مدرعة، و 166 دبابة قتالية، بموازاة ارتفاع حدّة الخطاب العُدواني والتهديدات، واستعراض الأسلحة واختبار سرعة نقل الجنود والمُعدّات من غربي أوروبا إلى شرقها، وتتميز هذه المناورات بحشد حجم استثنائي من الجنود والمعدات والأسلحة في وقت قياسي، خصوصًا من قِبل جُيُوش بولندا والنرويج وألمانيا ورومانيا ودول البلطيق وفنلندا وسلوفاكيا واليونان والسويد وقوات البلدان القريبة من روسيا، فضلا عن بلدان أوروبا الغربية، واستعراض هذه القوة، بتخطيط وإشراف أمريكي، بهدف استفزاز روسيا، ويخطط الحلف لتنظيم العديد من الاختبارات والمهمات، لا سيما مناورة “دراجون 24” التي تتمثل في نقل القوات من أوروبا الغربية إلى الشرق في أسرع وقت ممكن.

 

الإنتخابات الأمريكية – الحاج موسى =/= موسى الحاج؟

لا خلاف بين جو بايدن ودونالد ترامب بشأن اقتصاد الحرب والترويج لصناعة الأسلحة كمصدر للوظائف، وتبرير تَدفُّق مليارات الدولارات الحكومية لصالح المجمع الصناعي العسكري، بينما يَفْتَقِر عشرات الملايين من العُمّال والفقراء للرعاية الصحية وللحماية الإجتماعية، ولا يتمكّن أبناؤهم من مواصلة تعليمهم بالجامعات بسبب ارتفاع تكلفة التعليم العالي…

 تستخدم الولايات المتحدة هيمنتها على حلف شمال الأطلسي لتُجْبِرَ الدّول الأعضاء على زيادة الإنفاق العسكري وشراء الأسلحة الأمريكية وتوظيف الخُبَراء والمُدَرِّبين الأمريكيين، بذريعة التحضير لمواجهة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.

يُعْتَبَرُ المُجَمّع الصناعي العسكري وقطاع إنتاج الأسلحة واحدًا من الصناعات التحويلية القليلة التي لم يتم نقلها بالكامل من الولايات المتحدة إلى الخارج، وأصبح إنتاج الأسلحة سمةً رئيسية للصناعة وللإقتصاد الأمريكي، وكذلك وسيلة لابتزاز وتهديد دول العالم، وافتخر الرئيس جوزيف بايدن “بصناعة الدّفاع الأمريكية التي عزّزت النفوذ الإمبريالي الأمريكي في العالم”، وتفاخر بإنجازات وكالة الإستخبارات الأمريكية التي أنْشَأَتْ قواعد تجسس عسكري على حدود روسيا والصين، منذ كان نائبًا للرئيس باراك أوباما بين سنَتَيْ 2009 و 2017، وفق مجلة (Responsible Statecraft ) الأمريكية بتاريخ الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2024، لتصبح القوة العسكرية والحروب استثمارًا مُرْبِحًا وضرورة اقتصادية وسياسية واستراتيجية لتعزيز الهيمنة الأمريكية…   

 

ألمانيا

رغم التّضْيِيقات القانونية والإجراءات الطويلة والمُعقّدة – لعَرْقَلة تنفيذ الإضرابات – ارتفع عدد الإضرابات في ألمانيا، وعدد المُشاركين في حركات الإضراب، ونفذ موظفوا الهيئات المحلية وعُمّال النتقل الجوي والحديدي عدّة إضرابات منذ سنة 2023، من أجل زيادة الرواتب التي انخفضت قيمتها بفعل ارتفاع الأسعار وبهدف تحسين ظروف العمل، فيما أعلنت الشركات الإحتكارية الكُبرى تخفيضات كبيرة لعدد العاملين، خصوصًا في قطاع الصناعة، ومنها نصف وظائف قطاع صناعة السيارات وقطع الغيار، حيث تتجاوز قوة العمل، باستثناء ورش الإصلاح ومحطات الخدمة والتجارة والمبيعات، 800 ألف عامل، كما أعلنت قطاعات الكيماويات والصلب والبناء والأجهزة المنزلية والتكنولوجيات الجديدة وتجارة التجزئة والرعاية الصحية والنقل بالسكك الحديدية تسريح عشرات الآلاف من العاملين وعدم تعويض العاملين المُتقاعدين، ولأول مرة يتعرّض المُديرون والمهندسون وموظفو المراكز الإدارية إلى التهديد بالتسريح، وِفْقَ مسح أجراه معهد الاقتصاد الألماني في قطاعات الصناعة والإدارة والمصارف وشركات التّأمين والقطاعات كثيفة العمالة مثل تجارة الجملة والتجزئة والتصنيع والبناء…

أدّت هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا، وعلى ألمانيا بالذات، حيث تنتشر القواعد العسكرية الأمريكية الضّخمة، إلى تحكّم أمريكا بالقرار السيادي في ألمانيا، ومن ذلك تجميد عُقُود استيراد الغاز من روسيا، ما أضر بقطاع الطاقة وقطاع صناعة السيارات بألمانيا، فضلا عن منافسة الشركات الصينية لصناعة السيارات الكهربائية، حيث أغلقت شركة فورد مصانع في ألمانيا وقررت شركة “فولكس فاغن” تطبيق برامج التقشف التي أدّت إلى إلغاء آلاف الوظائف، فيما أعلنت شركة “أوبل” انخفاض نشاطها الإنتاجي بنسبة 40% سنة 2023، وتستعد لتسريح العُمّال والموظفين سنة 2024، وتؤثر هذه الأزمة على قطاع الإلكترونيات والشركات الصغيرة لتصنيع قطع الغيار التي تضم بضع مئات أو آلاف العمال، والتي أغلقت العشرات منها أبوابها وتقدّمت أخرى بطلب لإشهار إفلاسها…

شملت أزمة الصناعات الألمانية كافة القطاعات ومن بينها قطاع السكك الحديدية الذي أضرب عُمّاله مؤخرًا بعد الإعلان – غير الرّسمي – عن إلغاء ما لا يقل عن 2500 وظيفة.

 

الحرب الإقتصادية والتكنولوجية

احتلت التكنولوجيا مكانة أساسية في الصراع الصيني الأمريكي، حيث ترفض الولايات المتحدة أن تغزو المصارف والشركات الأجنبية لأي دولة أخرى، حليفة أو خصم أو عدو، السوق الدّاخلية الأمريكية وخصوصًا في مجال التكنولوجيه، لأسباب عسكرية ولأسباب استراتيجية، ولذلك أصبحت التكنولوجيا – ذات القيمة الزائدة المُرْتَفِعَة – هي الجانب الأساسي للحرب الاقتصادية الأمريكية ضد الصين، واستخدمت الولايات المتحدة الحَظْر والحصار و”العُقُوبات” لإعاقة التطور الصيني، وتقييد استخدام معدات وخدمات الإتصالات ( الجيل الخامس) والكمبيوتر الصينية في أراضي حلفائها في حلف شمال الأطلسي (أمريكا الشمالية وأوروبا ) وفي آسيا وأستراليا، ما أضَرّ بمصالح شركتي Huawei وZTE الصينيّتَيْن بعد إزالة الولايات المتحدة وكندا البُنية التحتية للإتصالات الخاصة بالشركَتَيْن، بحجة أنها “تشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي”، وبلغت كلفة هذه العملية ما لا يقل عن 3,1 مليارات دولارا. أما السّلطات الصينية فقد أقَرّت خطّة بمبلغ يفوق خمسة مليارات دولارا لتشجيع الشركات العامة الصينية على استبدال تطبيقات الكمبيوتر الأمريكية ببدائل محلية وإنجاز الإستقلال التكنولوجي…

شكّل قرار حَظْر “تيك توك” وشركتها الأم ( ByteDance ) فَصْلاً متقدّما من الحرب الإقتصادية والتكنولوجية، حيث تريد الولايات المتحدة انتزاع الشركة من مساهميها الصينيين وتحويل ملكيتها إلى شركائها الأمريكيين وهو قرار لا سابق له في تاريخ الرأسمالية الليبرالية وتاريخ أسواق المال… 

 

تجسّس

أطْلق الرئيس دونالد ترامب، سنة 2019، برنامجًا صاغه “مات بوتينغر”، وهو مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي، لاتهام الصين – دون تقديم أي حُجّة أو دليل – “بسرقة الملكية الفكرية وبالتوسع العسكري، وتكثيف التهديدات للأمن القومي الأمريكي”، لنَشْر الدعايات وترويج الأخبار الزائفة عن الصين، بإشراف وكالة الإستخبارات المركزية ( سي آي إيه) وانطلقت هذه الحملة السّرية على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بهدف تشويه الحكومة الصينية والحزب الحاكم، وفق تقرير نشرته وكالة رويترز يوم 14 آذار/مارس 2024، بناء على “شهادات مالا يقل عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين لديهم معرفة مباشرة بهذه القضية السرية للغاية” التي نفذته فِرَقٌ صغيرة تستخدم هويات مزيفة لنشر روايات سلبية عن حكومة الصين التي بدأت تنافس الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي في البلدان “النّامية”، ومن بين الأخبار الكاذبة التي رَوّجتها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية إخفاء أعضاء في الحزب الشيوعي الحاكم أموالا غير مشروعة في الخارج، والإدعاء إن الفساد ينخر مبادرة الحزام والطريق الصينية التي توفر التمويل لمشاريع البنية التحتية في العديد من البلدان الفقيرة، وكل ذلك بهدف إثارة الرّأي العام الدّاخلي والخارجي، وعلّقت الحكومة الصينية آنذاك “إن الحكومة الأمريكية تستخدم الرأي العام والمنصات الإعلامية كأسلحة لنشر معلومات كاذبة والتلاعب بالرأي العام الدولي”، وتُذَكِّرُ هذه الوقائع بالحملات الإيديولوجية والإعلامية خلال فترة “الحرب الباردة”، قبل انهيار الإتحاد السوفييتي، وتم الكشف عن هذه الخطّة إثر رواج معلومات عن استمرار إدارة الرئيس جو بايدن في دعم وتنفيذ وتمويل برنامج وكالة المخابرات المركزية ضدّ الصين، ودول أخرى مثل روسيا وفنزويلا وإيران وكوبا وكوريا الشمالية وغيرها، ويتضمن شن عمليات إلكترونية هجومية ضد خصوم الولايات المتحدة، واستهداف الرأي العام في جنوب شرق آسيا وإفريقيا وجنوب المحيط الهادئ…

أظهرت العديد من البحوث الأكاديمية تعدّد وتَنَوُّعَ الحملات الدعائية السرية التي كانت شائعة خلال الحرب الباردة، عندما زرعت وكالة المخابرات المركزية ما بين 80 إلى 90 مقالاً يوميًا في محاولة لتقويض الاتحاد السوفيتي، وأنشأت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين مجلة فلكية في ألمانيا الشرقية لنشر تنبؤات تنذر بالسوء بشأن القادة الشيوعيين، وفقا لوثائق رُفِعَتْ عنها السرية، ما يُشير إلى استخدام كافة الوسائل القَذِرَة لتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورفض مبادئ “التعايش السلمي، وفق “توماس ريد”، الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز ( واشنطن) الذي نَشَرَ كتابا عن تاريخ الحرب السياسية، بعنوان “التدابير النّشطة: التاريخ السّرّي للمعلومات المُظلِّلَة والحرب السياسية”، ويُحلّل ويقدم معلومات عن برامج المخابرات الأمريكية لسرقة الأسرار بهدف تغيير طريقة تفكير الناس، واختراق وتسريب رسائل البريد الإلكتروني واستخدام الشبكات الإلكترونية للتأثير على مُستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وقُدِّرت ميزانية هذا البرنامج بنحو أربعة مليارات دولارا سنويا…

التعليقات مغلقة.