الألسنة السَّامة وزلاتها / حسن م. يوسف

334

 حسن م. يوسف ( سورية ) – الأحد 17/3/2024 م …

يعتبر سيغموند فرويد، مؤسس مدرسة التحليل النفسي، أن زلات اللسان هي بمثابة نوافذ على العقل الباطن، فعندما يزل لسان المتكلم، قد يبوح بأهم أسراره التي يطمح أن يبقيها طي الكتمان. وقبل ولادة فرويد بقرون استنتج سلفنا الصالح أنه: «ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه».

وقد تكاثرت زلات لسان بايدن حتى باتت محرجة لفريقه، فأثناء زيارته لكندا في العام الماضي ألقى كلمة أمام البرلمان الكندي، توجّه فيها بالتحية للصين بدلًا من كندا! وردًا منه على سؤال صحفي عن تمرّد مجموعة فاغنر الروسية العسكرية غير النظامية بقيادة يفغيني بريغوجين، قال: «من الواضح أن بوتين يخسر الحرب في العراق».. ثم صحح بأنه يقصد أوكرانيا.

قبل أيام زل لسان الرئيس الأميركي جو بايدن في إحدى إطلالاته على الإعلام، وقال بالحرف الواحد: «… كما قلت البارحة، عمليتنا العسكرية في رفح… إلخ» وقد توقف كثيرون عند عبارة «عمليتنا العسكرية» التي تتضمن اعترافاً من شعور بايدن بأن الحرب الإجرامية التي يشنها الكيان السرطان على أهلنا في غزة ما هي في الحقيقة سوى حرب أميركية يلعب الصهاينة فيها دور مخلب القط!

وقد تكاثرت مؤخراً زلات ألسنة الناطقين باسم الحلف الذي يحكم جل العالم، فأثناء تصريح للصحافة حول الحرب الإجرامية الدائرة في قطاع غزة، زل لسان السفير (الإسرائيلي) في أستراليا أمير ميمون فقال «نحن لسنا ضحايا»، صحيح أن سفير الكيان حاول أن يتراجع سريعاً عن زلة لسانه، لكن ذلك لم يضع حداً لتعليقات الصحفيين الساخرة.

غير أن زلة اللسان الأفظع جاءت من رئيس وزراء السويد أولف كريستيرسون إذ قال في خطاب له أمام حشد من الناس إن: «السويد والاتحاد الأوروبي يقفان متحدين في أن إسرائيل لها الحق في الإبادة الجماعية»!

كما تجلت الحقيقة في زلة لسان الناطقة باسم حكومة الكيان السرطان تال هاينرش إذ قالت في حديث على إحدى محطات التلفزيون (الإسرائيلية): «إن جيش الدفاع لا يستهدف إلا المدنيين»، صحيح أن المخلوقة حاولت أن تصحح زلة لسانها قائلة إنها تقصد «الإرهابيين طبعاً» لكن ما يبث على الهواء مباشرة ليس حذاء أو قميصاً يمكن استبداله أو رده!

بغض النظر عن زلة لسان جو بايدن حول عملية أميركا العسكرية في رفح، أستطيع القول من دون تردد إنه من الممكن لمن يريد أن يستخدم عقله، أن يرى بوضوح أن الحرب في غزة ليست أميركية بتمويلها وتسليحها وتغطيتها الإعلامية فقط، بل هي أميركية بأهدافها السياسية والاقتصادية، فقد أكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD أن قطاع غزة يملك ثروات وموارد طبيعية بمليارات الدولارات، إذ تقدر احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية بنحو 1.5 مليار برميل من النفط الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز، ويجمع الخبراء على أن الميناء (المؤقت) الذي أوعز بايدن لقواته بإنشائه قبالة شاطئ غزة ما هو إلا مسمار جحا الأميركي الذي يهدف لتدمير غزة وتهجير سكانها بغية الاستيلاء على ثرواتها.

صحيح أن زلات ألسنة الساسة الغربيين، لا تؤثر في سياسات بلدانهم، التي ترسم بمنتهى الخبث والعقلانية الجليدية، لكنني أصدق زلات لسان السياسيين الغربيين أكثر من تصريحاتهم المحبوكة. وقد سبق للشاعر كشاجم ابن مدينة الرملة الفلسطينية أن قال قبل أكثر من ألف عام:

يَأْبَى الذي في القَلْبِ إلا تَبَيُّناً.. وكلُّ إِنَاءٍ بالذِي فِيْهِ يِرْشَحُ

التعليقات مغلقة.