فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الخميس 22/2/2024 م …
في طريقي لحضور المنتدى السنوي لفلسطين 2024، في الدوحة، – والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومؤسَّسة الدراسات الفلسطينية، خلال الفترة: 10-12 شباط/فبراير 2024 -؛ وللمشاركة في جلسة حول «الأراشيف الرقمية الفلسطينية»؛ لاحت أمامي صورة المؤتمر الدولي الثاني (التاريخ الشفوي وقضايا الأمة)، الذي بدأ التحضير له منذ حوالى عام، برعاية من مركز التاريخ الشفوي بكلية الآداب، في الجامعة الإسلامية بغزة، خاصة أنني كنت واحدة من أعضاء اللجنة العلمية للمؤتمر، وكنت أتطلّع للمشاركة به يومي التاسع والعاشر، من تشرين الأول 2023. وتساءلت عن مصير أعضاء الهيئات التدريسية، والعاملات والعاملين فيها، وفي جامعات غزة؛ – التي قصفت ودمِّرت وحرقت – بعد استشهاد 166 أستاذاً، بينهم 3 رؤساء لجامعات! كما تساءلت عن مصير آلاف الوثائق والأرشيفات والكتب، التي يحتويها مركز التاريخ الشفوي، في الجامعة الإسلامية، بعد التدمير الكلي الذي أصابها، حين قصفها المحتلّ الإسرائيلي من الجوّ، يوم 11 تشرين الأول 2023، ومكتبة جامعة غزة – التي دمِّرت يوم 09 تشرين الأول – خاصة في ظل تدمير وإتلاف آلاف الوثائق التاريخية، التي تقارب الـ 150 عاماً، في مبنى «الأرشيف المركزي» بمقرّ بلدية غزة، وتدمير مكتبة «مركز رشاد الشوا الثقافي»، الذي شكّل منارة ثقافية متميزة، بالإضافة إلى تدمير كامل المبنى، وتدمير «مكتبة ديانا تماري صباغ» – التي احتوت على عشرات المكتبات – وتضم ما يزيد على 100,000 كتاب، و»مكتبة جامعة الإسراء»، و»المتحف الوطني» – الذي نهب قبل أن يدمّر في 18 كانون الثاني – ناهيك عن تدمير «مكتبة بلدية غزة»، وإعدام وحرق محتوياتها، والتي بلغت عشرة آلاف مجلد بلغات ثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية. ***** لم يكن مستبعداً أن يواكب العدوان على غزة، تدمير الأرشيفات الفلسطينية؛ إذ إن تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، في أماكن تواجده كافة، كان وما زال تصاحبه باستمرار محاولة محو الذاكرة الفلسطينية. هذا ما شهدناه وعرفناه عبر التاريخ الفلسطيني منذ ما يقارب الـ 76 عاماً، حيث عمل المحتلّ الصهيوني – بالإضافة إلى تدمير آلاف الأرشيفات الفلسطينية -، على نهب 30 ألف كتاب ومخطوطة من منازل الفلسطينيين العام 1948، وسرقة أكثر من نصف محتويات مكتبة مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية (عشرين ألف كتاب)، ووثائق المركز الثمينة، خلال اجتياحهم بيروت صيف 1982. ومنذ ذلك التاريخ وحتى العدوان على غزة 2023؛ تمت سرقة عشرات الآلاف من أرشيفات الصور، والخرائط، والتسجيلات الصوتية والمرئية، من أفراد ومؤسّسات فلسطينية متعددة. «جميع هذه الممتلكات الفلسطينية تمّ حفظها في مخازن «المكتبة الوطنية الإسرائيلية»، في القدس، التي تحتوي على أكثر من 8000 كتاب، ووضع عليها الحرفان: AP اختصاراً لعبارة: ممتلكات متروكة «Abandoned Property»». ***** شكَّل موضوع الأرشيف الفلسطيني؛ استعادته من جانب، والمحافظة عليه من الضياع من جانب آخر، هماً رئيساً ضمن جلسات المنتدى بشكل عام، وورشة «الأراشيف الرقمية الفلسطينية» بشكل خاص. خصِّصت جلسات ثلاث من جلسات المنتدى لمناقشة أوراق عمل تناولت «استعادة الأرشيف المسروق»، و»النكبة: رؤى من خلال سجلات الأرشيف»، و»فلسطين وصراع الذاكرة: نماذج نصّيّة». أما ورشة «الأراشيف الرقمية الفلسطينية»؛ فقد تمّ تخصيصها للمؤسّسات والمراكز والجامعات والأفراد؛ ممن لديهم أرشيفات فلسطينية. هدفت الورشة إلى التعريف بمحتويات هذه الأرشيفات، وطرائق حفظها، كما ناقشت تقنيات الأرشفة، وأهمية رقمنة الأرشيفات، وإتاحتها، وتبادل التجارب، ونقل الخبرات، وأكَّدت على أهمية استخدام الأرشيفات مصدراً لإنتاج السرديات ووسيلة للمعرفة النقدية؛ ما يستدعي تشجيع البحث العلمي اعتماداً على الأرشيف، وعقد ورشات عمل في الجامعات للكتابة البحثية النقدية التي تعتمد على الأرشيفات، وأن تتم التوعية بأهمية حفظ الوثائق وكيفية التعامل معها. كما أكَّدت على أهمية الأرشيف البصري، كمصدر حيوي للدراسة التاريخية والاجتماعية والسياسية. ناقشت الورشة دليلاً عاماً للأرشفة، ومقترح مشروع بحثي، يتم العمل فيه بالتعاون بين المؤسسات المعنيّة، يهدف إلى «إعادة استكشاف المرئي والمسموع لفلسطين: تقييمه وفهرسته، وتوحيد سبل الوصول إليه»، في ظل التطوّر السريع لأساليب الرقمنة، و»العلوم الإنسانية الرقمية»، و»الذكاء الصناعي»، وإدراكاً لأهمية الرقمنة في الحفاظ على الأرشيفات العربية، والفلسطينية المرئية والمسموعة بشكل خاص، تلك المجزّأة والمبعثرة في الأرشيفات الأوروبية والشرق أوسطية، والعالمية، وفي الأرشيفات الخاصة لبعض الأفراد؛ ما يستلزم إعادة اكتشافها. وأكَّدت أن نجاح المشروع يعتمد على البحث المفصَّل عن الأرشيفات والمقتنيات الخاصة بفلسطين، أينما وجدت؛ في فلسطين أو في الدول العربية أو دول العالم، أو في المؤسّسات الإسرائيلية، ثم على تأسيس قاعدة بيانات رقمية، متعددة اللغات، وإتاحتها كلياً أو جزئياً؛ وفقاً لحقوق النشر والملكية الفكرية، والوضع القانوني لكل منها. ***** كيف يمكن أن نخطو إلى الأمام، «نحو فلسطين رقمية متعددة الأبعاد»؟ ليس من سبيل سوى التعاون بين العاملات والعاملين في مجال الأرشفة؛ للتنسيق والتعاون لتطوير عملهم/ن، ولإتاحة المواد الأرشيفية الموجودة لدى المنصّات الفلسطينية المتعدّدة للحقول المعرفية كافة؛ مع الحفاظ على جودة عالية للمحتوى. هيّا بنا نراجع التقنيات التي نستخدمها في أرشيفاتنا، وندقِّقها، ونسهِّل البحث فيها، ونشبِّك المحتوى، ونختار التقنيات الحديثة التي تسهِّل وتطوِّر عملنا، وتجعله أقرب إلى متناول كل من يبحث عن الرواية الفلسطينية التاريخية من مصادرها؛ ليؤرِّخ، أو يَدرُس، أو يُدَرِّس، أو يكتب أدباً، أو ينتج برامج إذاعية أو تلفزيونية، يصنع فلماً روائياً أو وثائقياً، أو ينتج حلقات إذاعية، أو حلقات بودكاست، أو حلقات تلفزيونية، أو ينظِّم معرضاً فنياً، أو ينتج مسرحاً، أو عروض حكي. باختصار: هيّا لنفتح خزائن الذاكرة. [email protected] www.faihaab.com
التعليقات مغلقة.