مغامرة الحمار .. قصة قصيرة (ج 1) / سعيد الصالحي

337

سعيد الصالحي ( الأردن ) –  الإثنين 5/2/2024 م …

في صبيحة يوم من أيام الحرب التي لا تنتهي على غزة، إلتقى حمار بغراب بالقرب من شجرة خشخاش تستسقي من غدير صغير هي وكل مخلوقات الغابة إلا راعي الأغنام الذي لا يشرب إلا المياه الصحية المعقمة بالأوزون والخالية من الصوديوم، فبادر الغراب الحمار بتحية الصباح بنعيب متقطع فردها الحمار على الفور بنهيق متصل، قفز الغراب فوق ظهر الحمار وقال له: مالي أراك تسير كما ولدتك أمك أين بردعتك؟، هز الحمار رأسه ومضغ الأعشاب التي كان يلوكها في فيه وقال: لقد غافلت الجميع وفررت من الحظيرة، ولعلك تريد أن تسألني لماذا أقدمت على هذه الخطوة المجنونة؟ قفز الغراب نحو الأرض ليريح رقبة الحمار وليستمع لبقية حكاية الحمار وهو يبحث بين الأعشاب عما يكسر به الصفرة، نظر الحمار نحو الغراب وتابع حديثه متسائلا: هل تعرف يا أخي كم هو قاتل هذا الروتين؟، فأنا استطيع أن أحمل عشرات الكيلو غرامات من الاتربة والصخور وصناديق البرتقال فوق جسدي، ولكن روحي لم تستطع حمل وتحمل الروتين، فأنا حمار متعب الروح وإلى الآن لم يستوعب صاحب الحظيرة بأن سوطه وبرسيمه وسطل الماء وسقف حظيرته لن يتمكنوا من ترويض الحمار الوحشي الصامت الذي يسكنني، فأنا ابن السهل والمروج، وأنا سليل الحمر المخططة على الرغم من لوني الرمادي الشاحب، انا ابن من رحلوا خلال هجرتهم نحو الشمال عندما تكالبت عليهم قطعان الضباع النهمة التي لا تشبع، لم يغادرني يوما حلمي بالعودة نحو الجنوب لارتدي جلدي المخطط من جديد، فأنا لم أهرب من الحظيرة بقدر محاولتي للخلاص من ذاتي والتخلص من معاناتي التي كتبها لي ضبع لعين بعين واحدة ذات يوم، فأنا لا أصلح أن أكون مطربا رغم أذني الموسيقية، ولا أصلح رباعا لحمل الأثقال في مسابقات البشر، ولم أجد ما أقاطعه من المنتجات الامبريالية، لقد أمسيت حمارا تقليديا كأي حمار في مدن العالم، لقد مللت عملي واسمي وتشبيهات الناس لبعضهم البعض باسمائي وصفاتي، هل تعلم يا صديقي الغراب بأنني سأقبل أن أعود حمارا أهليا تقليديا وأتفرغ للحمل والشحن في حالة واحدة فقط؟ وحينها ربما أتخلى عن مغامرتي وأعدود طوعا إلى ذاتي وحظيرتي، وهي تلك اللحظة التي أحمل فيها الطحين والزيت والدواء إلى مدينة غزة، هل تعرف غزة أيها الغراب؟.

نعب الغراب محاولا محاكاة النهيق وقال: لقد كنت هناك قبل عدة أيام وكم تمنيت أن أكون دجاجة حتى أضع البيض لذلك الطفل الذي تطير مني عندما سمع صوتي، فأنا كنت أنعب ألما وحسرة عليه، وهو كان يصرخ ويقذفني بالحصى الصغيرة كأنني الشيطان، لقد نسي الفتى الطائرات الصهيونية وأصبح يقذفني بحصاه المضادة للغربان، ومع هذا كنت أتجنب رمياته بكل محبة وسعادة، فهذا الطفل قد ولد مقاوما لم يزل مقاوما وسيبقى مقاوما، فغربان فلسطين قد انضمت بدورها للمقاومة وتعمل اليوم مع فرق الاسعاف، ولا تنعب إلا عندما تجد ناج تحت الركام أو شهيدا فوق بقايا الأسفلت، ليتني بقيت هناك مسعفا، كم كنت غبيا عندما عدت، لقد نجوت من قبتهم الحديدية بأعجوبة في رحلة الذهاب والعودة.

فاقترح الحمار على صديقه الغراب أن يشكلا وفدا من الأصدقاء لجمع المساعدات وحملها إلى غزة، فتخلت بعض الخراف عن كيس من أعلافها وكذلك قدمت البقرات، والعصافير لم تبخل بقمبزها، وحمائم الحي القريب من الغابة غافلت كشيشها وتبرعت بكيس من الذرة البيضاء، أما كلاب وقطط المنازل فقدموا بعض الطعام الجاف الفاخر، أما كلاب الشوارع فلم يقدموا سوى الدعوات للمقاوم والشتائم للغاصب والغازي، كل من في الغابة قدموا ما توفر لديهم، أما الحمار صاحبنا فقد تبرع بحمل كل المواد نحو غزة، والغراب سيكون دليله الجوي والبري نحوها، وبعد رحلة شاقة وكر وفر بين المعابر وصل الحمار إلى غزة فلم يجد أي حمار في استقباله ولا كلب أو قطة، حتى بغل عربة الاسعاف قد أصيب ولا يقوى إلا على البكاء، كل الحيوانات والطيور قد قضوا وهذه المساعدات لا تصلح للإنسان، نظر الحمار إلى الغراب بحسرة وقال: كل هذه المشقة ولم نجد أحدا، تعبنا في جمع المساعدات وبذلنا جهدا خرافيا للوصول إلى هنا، والأهم أنني تخليت عن حلم الهروب، لتذهب هذه الرحلة سدى، يا له من حظ عاثر.

هز الغراب جناحيه وحلق نحو عمود من الدخان ثم عاد وهو ينعب فرحا ويصيح: هيا أيها الحمار، انهق بصوت عال وأحمل مؤنك واتبعني، فما زال هناك حظيرة على بعد شارعين.

يتبع …

التعليقات مغلقة.