بايدن أجندة مستحيلة في فلسطين واليمن رقمٌ صعب / م. ميشيل كلاغاصي

334

م. ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – السبت 27/1/2024 م …

بات من المعروف بأنه حيث تتواجد الولايات المتحدة ومصالحها, تزداد التوترات وتندلع الصراعات والحروب, وهذا هو حال منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من قرن, والذي تسعى اليوم إلى تغيير وجهه, ولإستخدامه أيضاً للتأثير على عشرات المناطق والدول في الإقليم والعالم, مستغلةً الصراع الفلسطيني والعربي– الإسرائيلي , وعبثها المدروس والمخطط في فلسطين المحتلة, ومشاركتها الفعلية بإرتكاب المجازر في قطاع غزة, ومحاولاتها توسيع المواجهة في كافة الإتجاهات, وبإطلاق شرورها كسحابةً سوداء مشبعة بأطماعها وبمخططاتها الخبيثة, وشغفها لإراقة الدماء وللسيطرة على مقدرات وثروات الدول والشعوب سواء كانت عدوة أم صديقة.

ورغم قوة تدخلاتها العسكرية, لكنها فوجئت بالخلل ما بين حسابات ونتائج الحقل والبيدر, وتصاعدت روائح هزيمتها في جميع جبهاتها, وخصوصاً في العدوان على قطاع غزة, وبات على إدارة بايدن والبنتاغون البحث عن إنتصار رمزي أو حتى وهمي على المقاومة الفلسطينية الإسطورية. 

بات من الواضح أن الولايات المتحدة تذهب أبعد من الإسرائيليين في تحدي ما أجمعت عليه دول العالم, بما فيها الأمم المتحدة وأمينها العام, حول الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية, وتأكد سعيها لتكريس حل الدولة الواحدة والوحيدة وهي الدولة اليهودية, على عكس التصريحات الأمريكية منذ أمدٍ بعيد.

وفي نفس الوقت, وبعد أكثر من مئة يوم للعدوان الإسرائيلي – الأمريكي المشترك على قطاع غزة, لا يزال نتنياهو يؤكد ضرورة تمسك إسرائيل بسيطرتها الأمنية على أراضي القطاع, وجميع أراضي فلسطين التاريخية, وبتهجير وتسفير أصحابها, وسط اختبار جديد يطرح للمرة الثانية حول إمكانية استبدال الأراضي, لهذه المرة جاء عبر مقترح بناء جزيرة للفلسطينيين في عرض البحر الأبيض المتوسط, بهدف نسف إمكانية بقائهم على أرضهم, وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

أصبح معروفاً أن نتنياهو لا يعيش أوقاتاً طبيعية مع الرئيس بايدن, وبغياب لغة التفاهم والمودة الشخصية, ازدادت لغة التناقض والتشنج بينهما, وتسببت مؤخراً بإنقطاع التواصل المباشر بينهما أكثر من 20 يوماً في ظل الحرب الحالية والتنسيق لتوسيع الحرب, ومع ذلك أغلق بايدن الهاتف في وجهه الإسبوع الماضي, ورد نتنياهو بكشف أكاذيب بايدن بقوله بعد حديثهما الأخير, أن “حل الدولتين لا زال قابلاً للتحقق تحت قيادة نتنياهو”, بما يعني موافقة نتنياهو على إقامة دولةٍ فلسطينية, وهو الذي عمل طوال حياته السياسية على منع إقامة الدولة الفلسطينية, وقراءة مدى خطورة هذا الكلام على بايدن الذي يخوض حملة ومعركةً رئاسية شرسة مستعجلة بمواجهة دونالد ترامب, وهو بأمس الحاجة إلى دعم اللوبيات الإسرائيلية والصهيونية.

على الرغم من كونهما متفقان حول ضرورة استمرار العدوان على غزة, لكنهما يختلفان حول نوعية الأهداف المأمول تحقيقها,على الرغم عدم توفر إمكانية للحديث عن إنتصار عسكري أو سياسي لكليهما في غزة, وفي حسابات اليوم التالي لوقف إطلاق النار الدائم.

فمن حسابات نتنياهو الداخلية والخلافات مع القيادات السياسية والعسكرية, والتظاهرات المناهضة لحكمه ومشاكل الاقتصاد وتهجير المستوطنين وعدم تحرير الأسرى, إلى احتجاجات مناهضي الحرب في الداخل, وحساباته الشخصية والعائلية ومصيره السياسي, إلى حساباته في الحرب المفتوحة على وقع ارتفاع عدد قتلى الجنود والخسائر العسكرية الإسرائيلية, ومواجهة الكابوس الذي تتسبب به المقاومة الفلسطينية التي لا زالت بعد 100 يوم من العدوان والمجازر والحصار, قادرة على الثبات وتحقيق الإنتصارات, وبما يؤشر لقدرتها على الإستمرار طويلاً, بالإضافة إلى خشيته من هزيمةٍ نكراء جديدة على الجبهة الشمالية بمواجهة حزب الله, وتلك الصواريخ التي تنطلق من الجولان السوري المحتل, في ظل حمايةٍ أمريكية مشكوك بتفوق قدراتها, أمام صلابة المقاومة العراقية وصواريخها ومسيراتها, وشدة بأس القيادة السورية التي لن تهدأ قبل طرد الأمريكيين من سوريا والمنطقة, كذلك حساباته المتعلقة بإيران وريادتها وإصرارها على استعادة استقرار المنطقة, ومدى تأثيرها على إفشال كافة المخططات الإسرائيلية والأمريكية.. ناهيك عن دخول أنصار الله في اليمن المعركة بزخم أخاف نتنياهو وبايدن على حدٍ سواء.

كذلك الأمر بالنسبة لبايدن, الذي نقل جزءاً من تمويل وأسلحة بلاده والناتو من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط وتحديداً إلى تل أبيب, لكنه لا يزال يتطلع إلى كيفية تفادي أكبر هزيمة يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة في تاريخها أمام كل من روسيا والصين وإيران, ومع ذلك اختار زيادة أعداد جنوده في سوريا, وتحمّل الضربات المؤلمة في قواعده اللاشرعية, وبقائه اللاشرعي في العراق, وفضل كذلك التحرش بإيران وجلبها إلى حلبة الصراع بالأصالة أو بالوكالة الباكستانية, وعليه كان البحر الأحمر محط أنظاره, واستخدم حرية الملاحة والتجارة الدولية, ذريعةً مزدوجة, لحماية “إسرائيل”, ولفك الحصار الإقتصادي الذي فرضه الحوثيون على السفن الإسرائيلية والأمريكية الداعمة لها فقط, لإجبارها على وقف العدوان على غزة, ناهيك عن فشله الأولي بتشكيل تحالفٍ بحري دولي وازن ضد اليمن, وبتصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية.

كما أن العدوان الأمريكي المتكرر على مواقع ومطارات مدنية يمنية على أنها مواقع وأهداف عسكرية حوثية, أثار حفيظة عدد كبير من دول العالم, وسط قلقٍ ورفضٍ أوروبي بزعامة فرنسا, للإنضمام إلى تحالف “حارس الإزدهار”, ووسط إصرارٍ يمني تكرر على لسان العميد يحيى سريع, بتأكيد الدعم اليمني اللامحدود للقضية الفلسطينية, وتمسكهم بوقف العدوان على غزة, وبأن التهديدات الأمريكية “لا تخيفهم”.

يخدع الأمريكيون أنفسهم, إذ يعتقدون بإمكانية تحقيق إنتصار في اليمن, عبر ضرباتٍ جوية واسعة النطاق, حتى أن الصحافة الأمريكية تحدثت عن فشل البنتاغون في التأثير على قدرات أنصار الله العسكرية, والذي ترافق بفضح تقارير أمريكية كاذبة, ادعت استهداف محطة رادار بحري تابع للحوثيين, فيما كانت حقيقة الإستهداف لرادار مطار صنعاء المدني الدولي, وتم إبلاغ بايدن بالنجاحات الوهمية, وبدوره سيقدم الرئيس المحارب “إنجازاته” إلى ناخبيه الأغبياء, وإلى المتحكمين بإسعار الشحن التجاري البحري, وبأسعار خام برنت.

لقد أسقطت عملية طوفان الأقصى اّخر الأقنعة الأمريكية, وكشفت حجم المساعدة الأمريكية الكبيرة لقادة الكيان الغاصب في تنفيذ حل “الدولة الواحدة”, وبتوجيه الضربات القاضية لحركة حماس وسلاحها وسيطرتها الأمنية على قطاع غزة, وكذلك بمحاولة إضعاف حزب الله تدمير تحصيناته وقدراته, وإبعاده عن الحدود إلى وراء نهر الليطاني, وبإستفزاز إيران وجرها إلى حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة معاً، بهدف منح بايدن ما يحتاجه من إنتصار، وكذلك لإثبات إدعاءات نتنياهو وأعتى متطرفيه وأغبيائه بقدرة “إسرائيل” على مواجهة وسحق عدوين أو أكثر في حربٍ واحدة تخوضها واشنطن وتل أبيب وحلفائهما, وعليه يندفع نتنياهو بشغف كبير نحو توسيع نطاق الحرب, فيما يبدو بايدن خائفاً متردداً حالماً بنجاح دبلوماسية وزير خارجيته بلينكن مهما بلغ عدد الزيارات التي قام وسيقوم بها تباعاً في المنطقة, والعروض السرية التي قد يكون حملها إلى المنطقة لتفادي الخروج الأمريكي المذل من الشرق الأوسط برمته, وأقله من سوريا والعراق.

لا يبدو العالم العربي بأفضل حالاته لجهة وحدة الصف واستقلال القرار, كي يستغل المأزق الأمريكي والإسرائيلي, وبتحويل المغامرة والمقامرة التي يقومان بها في المنطقة العربية إلى فرصة, تُنهي سنين الشرذمة والتفرقة والإنقسام, وهروب بعض الأنظمة نحو الأمام, والإعتقاد بالتطبيع وإتفاقيات إبراهيم وغيرها من المشاريع المشكوك في الإستفادة العربية منها, لكن محور المقاومة قادر دون أدنى شك على تحقيق المراد, فالشعوب العربية التي أثبتت خلال الـ مئة يوم الماضية, أنها تعيش النبض الفلسطيني وبأنها لا تزال هنا, وبقائها على عهد الأجداد والقادة والأبطال والشهداء, وبأن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلاّ بالقوة.

من المهم عربياً, عدم منح الولايات المتحدة فرصة تحقيق النصر والإستفادة من إشعالها المنطقة العربية, وبحارها وممراتها المائية, واستمرار سطوها على مقدرات الدول والشعوب العربية, وبعدوانها على غزة لتصفية القضية الفلسطينية.

تدرك الولايات المتحدة أن الحرب الموسعة والإنهيار الإقتصادي الذان تروج وتسعى لهما, سيؤثران على اقتصادها أيضاً, لكن صناع سياساتها في غرفها السوداء, يعتقدون أن فوائد الصراع ستتجلى مستقبلاً, وستفوق أرباح الحصاد تكاليف الزرع, فبقاء الولايات المتحدة وإبعاد شبح أفولها وتاّكلها الداخلي يستحق – برأيهم – بعض الأموال والتضحية بحياة أعداد غير مهمة من الإسرائيليين والعرب, وهذا ما يدفعها نحو رفض وقف الحرب والعدوان ومحاولات توسيع المواجهات.

من السخيف أن يعلق بعض العرب اّمالاً على نجاح بايدن أو ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة, ومن المهم مراجعة تاريخ ترامب أيضاً, ودوره في جميع الماّسي والشرور التي أصابت العالم العربي والقضية الفلسطينية.

التعليقات مغلقة.