معارك شرق الفرات وغربه.. واختلط الحابل بالنابل.. / حسني محلي

338

حسني محلي ( سورية ) – الثلاثاء 12/9/2023 م …

منذ أكثر من شهرين، كان العديد من السيناريوهات يتوقع انفجار الوضع الأمني شرق الفرات في إطار خطة أميركية شاملة تستهدف سوريا والعراق وإيران، وعبر تحالفات واشنطن مع الميليشيات الكردية من جهة، والعشائر العربية السنية من جهة أخرى.
ولم تهمل هذه السيناريوهات الحديث عن تنسيق وتعاون مباشر أو غير مباشر، تارةً مع النصرة، وتارةً أخرى مع ما يسمى “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة، حاله حال الفصائل التي تسيطر على إدلب وريفها وريف حلب، تارة من الشرق، وتارة أخرى من الغرب.
وقد جاء انفجار الوضع الأمني شرق الفرات بين العشائر العربية المنشقّة عن “قسد” والميليشيات الكردية ليطرح العديد من التساؤلات عن غرابة الوضع بعدما تبين أنَّ المئات، وربما الآلاف، من مسلحي هيئة تحرير الشام (النصرة) انتقلوا من إدلب وجوارها إلى جرابلس، ومنها إلى أطراف منبج، حيث الاشتباكات العنيفة بين الميليشيات الكردية والعشائر العربية السنية التي قيل إنها مدعومة من أنقرة.

أتى ذلك في الوقت الذي تحدثت المعلومات عن دعم محدود من دمشق لبعض هذه العشائر، وخصوصاً في ريف منبج والباب، حيث تدخَّل الطيران الروسي لمنع الفصائل الموالية لأنقرة من التقدم في المنطقة على حساب الميليشيات الكردية التي لم تحظَ، على الأقل حتى الآن، بدعم كافٍ من القوات الأميركية الموجودة في مناطق الاشتباكات، أي دير الزور والحسكة والرقة، في الوقت الذي تشهد أرياف اللاذقية وإدلب وحلب اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة الموالية لـ”النصرة”، التي تحظى بدورها بضوء أخصر من أنقرة وواشنطن معاً.
هذا على صعيد التحركات العسكرية التي شهدت توتراً خطراً في مدينة كركوك، بعدما سمحت بغداد بعودة البشمركة الكردية الموالية لمسعود البرزاني إلى المدينة التي خرجت منها في أيلول/سبتمبر 2017 عندما دخل الجيش العراقي إليها.
وتحدثت المعلومات عن تظاهرات صاخبة شارك فيها التركمان والعرب ضد دخول البشمركة الكردية إلى المدينة، وهي مرشحة لسلسلة من التوترات العرقية والطائفية أيضاً، باعتبار أن نصف التركمان من السنّة، والنصف الآخر من الشيعة.

وقد جاءت زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد، وبعدها إلى أربيل، حيث التقى رئيس حكومة كردستان العراق مسرور البرزاني ونائبه كوبات طالباني، لتؤكد الاهتمام التركي بالملف العراقي بكل تفاصيله، مع التذكير أن لتركيا ما لا يقل عن 20 قاعدة في شمال العراق، حيث التنسيق والتعاون التركي مع البشمركة الكردية الموالية لمسعود البرزاني.

ويفسر ذلك الفتور، وأحياناً التوتر، الذي يخيم على علاقات أنقرة بعائلة الطالباني في السليمانية، وهي المحسوبة على إيران، وفق الرؤية التركية، ويفسر أيضاً الزيارة المفاجئة لفيدان إلى طهران أمس الأحد لبحث آخر التطورات في المنطقة، والتي يُقصد بها بالتحديد شرق الفرات وغربه، حيث الوجود العسكري والاستخباراتي التركي الواسع، من خلال التحالفات المعروفة مع جميع الفصائل السورية المسلحة، بما فيها “النصرة”، التي تغطي كل احتياجاتها العسكرية وغير العسكرية من تركيا، وهي مصدرها الوحيد لكل ذلك.

وقد اكتسبت تحركات الوزير فيدان على الصعيدين العراقي والإيراني أهمية إضافية، لأنها جاءت بعد يوم من زيارته موسكو ولقائه الوزير لافروف ووزير الخارجية شويغو، في الوقت الذي كان وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان يبحث مع نظيره السوري فيصل مقداد، وبعده الرئيس الأسد، آخر التطورات العسكرية والسياسية في سوريا والمنطقة عموماً.
هذه التطورات نفسها ستكون محور مباحثات الرئيس إردوغان مع الرئيس بوتين في سوتشي اليوم الاثنين، بعدما فشل في إقناعه بزيارة أنقرة، في الوقت الذي تستبعد المصادر الدبلوماسية للرئيس التركي أن يقدم له أي تنازلات جدية في سوريا.

وتتوقع المصادر أيضاً أن يستمر في تكتيكاته التقليدية لترسيخ وجوده العسكري في الشمال السوري والعراقي، وفي ليبيا أيضاً، ما دام يعتقد أن المعطيات الإقليمية والدولية ما زالت لمصلحته، كما يعتقد أن تطورات الوضع الداخلي في سوريا باتت أكثر من أي وقت مضى لمصلحته، مع استمرار التوتر في الجنوب السوري، أي السويداء ودرعا، والآن شرق الفرات، مع التصعيد الخطر لمسلحي “النصرة” والفصائل الموالية لها في أرياف اللاذقية وحلب، كما هي الحال في بادية تدمر، حيث الخلايا النائمة لتنظيم “داعش”، المدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من القوات الأميركية الموجودة في المنطقة.
ويبقى الرهان على مدى قوة الأوراق التي يملكها الرئيس بوتين ليساوم بها إردوغان في سوتشي، من دون أن ينسى أن الأخير لم يلتزم باتفاقه الأول معه في أيلول/سبتمبر 2018، ولم يلتزم أيضاً باتفاق موسكو في آذار/مارس 2020. وقد كان الاتفاقان يقضيان بانسحاب النصرة من إدلب وجوارها.

وفي جميع الحالات، وأياً كانت نتائج مباحثات فيدان في طهران وإردوغان في سوتشي، بات واضحاً أن موعد الحسم في سوريا، سلباً كان أم إيجاباً، اقترب، وعبرها في العراق، ولبنان أيضاً. هذا بالطبع في ظل غياب الاهتمام العربي بهذه الملفات.
ويعرف الجميع أنّ إردوغان هو الوحيد الذي سيقرر مصيرها، سلباً كان أم إيجاباً، بعدما أصبح طرفاً مباشراً في مجمل هذه الملفات، والفضل في ذلك للرئيس بوتين الذي أضاء الضوء الأخضر للجيش التركي، فتوغل في الأراضي السورية في 24 آب/أغسطس 2016.
 وقد صادف ذلك الذكرى السنوية الـ 500 لمعركة “مرج دابق” التي دخل بعدها السلطان سليم إلى سوريا، ومنها إلى القاهرة، في كانون الثاني/يناير 1517، وحكم الأتراك بعدها المنطقة 400 عام.

وقد تغنّى الرئيس إردوغان بعد ما يُسمى بـ”الربيع العربي” بهذه الذكريات، بعدما بايعه الإسلاميون العرب وتمنّوا له أن يعود من جديد سلطاناً وخليفة عليهم وعلى المسلمين، فوصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه من دمار ومآسٍ. وقد كان الكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد من كل ما عاشته المنطقة خلال الأعوام الاثنتي عشرة الماضية، ولكن لم يستخلص أحد منها أيّ درس، كما يبدو، وإلا لماذا اختلط الحابل بالنابل شرق الفرات وغربه، إن لم يكن في عموم سوريا والمنطقة عموماً؟

التعليقات مغلقة.