مع من نقف كعرب: لاعب الشطرنج الروسي أم لاعب البوكر الأمريكي؟… الصراع على أسيا الوسطى والدور الصيني الروسي الايراني المشترك / المحامي محمد احمد الروسان

1٬623

المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 20/5/2023 م  …

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

… على جلّ العرب اليوم، وبعد عقابيل وتداعيات، المواجهة الروسية الأطلسية، ان كان لديهم عقل يقدح: أن يكونوا مثل جاك شيراك في السياسة، يقفون في مواجهة أمريكا حيثما وقفت، ومثل فرانسوا ميتران،  في لعبة الأمم، يقفون مع لاعب الشطرنج الروسي، لا لاعب البوكر الأمريكي.  

أمريكا دولة ديكتاتورية الحزب الواحد بأحد الوجهين السياسيين، ان جمهوري، وان ديمقراطي، انتقلت من حكم الديمقراطية الى حكم البلوتوقراطية(أي حكم الأغنياء والأثرياء نتاجات ذراع البلدربيرغ الأمريكي، انّه المجمّع الصناعي الحربي)بملحقات ديمقراطية يسيل لها لعاب التوابع وبعض دول الاعتلال العربي والخوزمتجي. 

الأمريكيون هزموا بريطانيا العظمى على أرضهم وجعلوها ذنباً لهم(ثمة صراع عميق وغير ظاهر الان، بين لندن وواشنطن، لاستعادة الأولى مناطق نفوذها التي خسرتها، عد الحرب العالمية الثانية، بموجب يالطا 1 التي أنهتها – فهل نكون أمام يالطا2 ؟)، وهزموا اليابان وحولوها إلى محميّة بالمعنى الكامل للكلمة، وحرروا فرنسا من الألمان، وألحقوا الدولتين في ركابهم، وهم الراعي الرسمي الظاهري لإسرائيل وما فعلت وتفعل، وبالباطن يتحكم اليهود بخناق  أمريكا والعالم، وأمريكا هي التي قوّضت بنيان الإتحاد السوفييتي، وأمريكا هي الممثل الشرعي والوحيد(ما ألطف هذا التعبير !!) للاستعمار القديم بعد تحديثه، ولذا حاربوا في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، وتدخلوا في شؤون كل دول أمريكا اللاتينية دون استثناء، بعد أن تلذذوا بأطايب الحرب الأمريكية المكسيكية، التي غنموا بها ولاية كاليفورنيا بقضّها وقضيضها، وقالوا لاحقا أنهم اشتروها مثلما اشتروا ألاسكا!!، ودسّوا أنوفهم في ترتيب التفاصيل الدقيقة لشؤون الكون، ولعلهم دون علمنا ومن وراء ظهورنا، هيأوا الزلازل والمطر الحامضي…. الخ. 

واللعبة الأمريكية ذاتها لم تتغير، ومفادها العَصا لمن عصَى، ولم تخرج “لعبة الأمم” منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلى يومنا هذا، ولن تخرج، عن إطارها الأمريكي المرسوم بدقة ومهارة وذكاء، يتجاوز خبث المدرسة البريطانية العريقة في السياسة. 

الأمريكيون عملانيون وبراغماتيون أو ذرائعيون، ويدينون بذلك إلى فيلسوفهم الأشهر “وليم جيمس” الذي علمهم فلسفة الإيمان بما يفيدهم فحسب، ولذا فهم دون أن يرفّ لهم جفن، وتحديداً بالسياسة، يماطلون ويكذبون ويناورون ويغدرون ويخطئون ويغامرون . 

الرئيس جاك شيراك، الذي عانى الكثير، من صلافة الرئيس الأمريكي بوش الابن،  بخصوص الحرب على العراق، كما عانى سلفه ديغول من نيكسون بخصوص العلاقة مع السوفييت، وكما عانى سلفه الآخر الرئيس فرانسوا ميتران من الرئيس بوش الأب، بخصوص يوغسلافيا التي آلت إلى التقسيم، قال شيراك: لدي مبدأ بسيط في السياسة الخارجية، أنا أنظر إلى ما يقوم به الأمريكيون وأعمل العكس، حينئذ، أكون متأكدا من صحة ما أقوم به. 

وفرانسوا ميتران قال ذات مرة لنظيره الرئيس رونالد ريغان الذي سأله عن رأيه بالسوفييت: سيدي الرئيس، إني لا أعتقد بحب الروس للحرب، فالروس منذ زمن بيار لوغران الكبير، نادراً ما كانوا معتدين، على الرغم من اعتناقهم ديبلوماسية توحي، أحياناً، بأنهم مستعدون للذهاب تقريباً للحرب، وإن كان علي تلخيص ذلك، أقول: بأنهم لاعبو شطرنج، لا بوكر!!، وكأنّ ميتران كان يقول للرئيس الأمريكي بالتلميح لا بالتصريح: أن أمريكا هي التي تلعب البوكر!. 

ثمة تساؤلات منطقية، تحفّز العقل على التفكير، ومن خارج السياق التقليدي المعتاد، وتمهد لمحاولة جادة للفهم، تتموضع وتتموقع في التالي بتفاعل: هل ستستمر العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي وعبر نواة دولتها البوليسية العميقة(البلدربيرغ جنين الحكومة الأممية)، باعادة بناءات، و صناعة برّاداتها السياسية الخاصة ومكعبات ثلجها من جديد، لغايات اطلاق مسارات حربها غير المباشرة مع روسيّا، عبر المواجهة الروسية الأطلسية الحالية من خلال البيدق الأوكراني، وفي ظلّ ادارة الديمقراطي الرئيس المنتخب جو بايدن، واستمرار وليام بيرنز في رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية(ثمة محاولات أمريكية باطنية جادة لأقصائه من رئاسة السي أي ايه)، وجيك سوليفان مستشاراً للأمن القومي الأمريكي، وهو من يصنع السياسة الخارجية الأمريكية، عبر التنسيق مع الدولة العميقة وكارتلات حكمها في البلدربيرغ الأمريكي؟. 

 هل مسارات انتاجاتها المخابراتية، بدأت في خلق وتخليق مومياءات حكم، للعديد من دول العالم الثالث، ما بعد مرحلة انتهاء ما سميّ بالربيع العربي، وحضور الرئيس الدكتور بشّار الأسد القمة العربية في جدّة، وما يعد الاتفاق السعودي الإيراني – اتفاق الضرورة المتبادلة،  حيث استرخت المنطقة في الشرق الاوسط؟. 

 هل ثمة صراعات، بين كوادر وأقطاب الحزب الديمقراطي، من محافظين جدد، ومحافظين تقليديين، وشعبويين في التنافس على مواقع، سيتم تفصيلها لفئات و \ أو اشغالها بفئات أخرى؟. 

ان وجدت هذه الصراعات داخل الحزب الديمقراطي، هل هي انعكاس لآزمة جنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأمريكي، وبالتالي ثمة تمرد بين كارتيلاته في مفاصل منهجية العمل القادمة في العالم، وخاصةً ازاء أوروبا، وازاء الصين، ونحو الفدرالية الروسية؟. 

هل نكهة المحافظين الجدد ستطغى، أم نكهة المحافظين التقليديين، أم نكهة الشعبويين، أم خلطة سحرية بين المجموعات الثلاث؟. 

في أي سياق سياسي وأمني وعسكري، ستتموضع خطط ودراسات العسكريين الأمريكيين، لجهة خيارات تفعيل خطة عملية، لم يكن يتضمنها جدول الأعمال، منذ بدء حقبة المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، عبر تمركز العسكريين، ونشر خطوط الاتصال والأتصالات البحرية، بالتنسيق والتشاور مع حلف شمال الأطلسي، حيث بدأت التباينات، مع الرئيس الديمقراطي جو  بايدن، من الآن تظهر على السطح، حيث صرّح قادة وكوادر الناتو أنّ خيارات الحلف العسكرية جماعية، وليست فردية أحاديّة، وسوف تتعمق(كواليس قمة السبع في هيروشيما في اليابان)، بجانب افتتاح طاولة جلسلت العصف الذهني، ومناقشة تقديم المزيد من مساعدات عسكرية لسلطات كييف بصورة مكثفة؟، وفي ظلّ اعتبار وايمان الدولة الأمريكية العميقة، أنّ أساس وجود الناتو كحلف، هو لتحقيق الاستقرار وقمع(العدوان السوفياتي سابقاً) الفدرالية الروسية حالياً؟.

صحيح واقع ومعطيات وداتا معلومات، أنّ مشروع الحزب الديمقراطي وكارتيلاته، يتموضع ويتموقع، في تصدير تناقضات أمريكا الداخلية، بحروب الى الخارج، ونهب وقتل الأمم الأخرى، لصالح الكارتيلات المالية والأستثمارية في منظومة وول ستريت، يقابله مشروع الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، في تعميق مشاكل أمريكا الداخلية، على حساب غير البيض، وعلى حساب المهمشين والنساء وغيرهم، ولعب دور بلاك ووتر كشركة حماية للكيانات الهشّة والتابعة والمتوحشّة، ثم تجيء بعض منظومات الحكم الأوروبي، التي هي سبب وجود الأسرائيلي الصهيوني في منطقتنا، وتعلن أنّ أوروبا قلقة من تفكير الحزب الجمهوري وكوادره، عبر ترك أو تقليص دور واشنطن في الناتو، وتعلن كوادر الحكم الأوروبي: أنّ القارة العجوز بحاجة الى جيش للدفاع عنها والتدخل الخارجي، وهي هذه الأوروبا من تقوم بتصنيع العداء الروسي، أوروبا المنافقة الصلفة بجلافة، هي من دمّرت ليبيا، وحاولت وتحاول اخراج سورية من التاريخ عبر مسحها، خاصة وأنّ   الحرب على سورية ونسقها السياسي، بدأت حرب بريطانية فرنسية سريّة على الأطراف، ثم جاء الأمريكي وتوابعه في المنطقة، وقادوا دفّة القيادة وفشلوا، وما زالوا يحاولون بطرق مختلفة، ولن يحصلوا بالسياسة، وعلى طاولة الحوارات المختلفة، على الذي عجزوا عنه في الميدان السوري. 

هل نجحت واشنطن، في جعل الأزمة الأوكرانية بتفاصيلها، بمثابة طعنه نجلاء في خاصرة الروسي، رغم استقلال القرم عبر استفتاء شعبوي نزيه، وعودتها الى الحضن الفدرالي الروسي من جديد، وكذلك ضم الأقاليم الأربعة لروسيا، استفتاءً ديمقراطياً في الشرق الاوكراني، وهي بمثابة قرم آخر؟. 

ولماذا كان الجنون الأمريكي والغربي مركباً ومتعدداً بعد عودة القرم الى الروسي، والأقاليم الأربعة؟، آلا يمكن اعتبار تسمية كييف رسمياً عضواً في الأتحاد الأوروبي الغربي، بمثابة جنون مطبق لا متقطع، والأتحاد الأوروبي هو: بمثابة الوجه المدني الناعم لحلف شمال الأطلسي؟. 

بريطانيا خرجت من الأتحاد الأوروبي عبر الأستفتاء الشهير، وهي التي كانت تقوم بدور حصان طروادة الأمريكي والأسرائيلي في الداخل الأتحاديّ الأوروبي. 

 وهل نحن أمام ريح عقيم، هبّت لتحمل معها لفحات، تنذر بحروب باردة وساخنة وطاقويّة واقتصادية ومخابراتية قذرة وبيولوجية عفنة، من شأنها ومالاتها، أن تجمّد كل التفاهمات والحلول في العديد من الساحات؟، وآلا يمكن اعتبار سورية الصاعدة، والعراق الساخن، وغزّة النازفة، وأوكرانيا غير المستقرة، والصراع على ثروات أسيا الوسطى(الرئيس الصيني تشي، يستضيف قمة أسيا الوسطى الصين، كرد على قمة السبع في هيروشيما)بمثابة الخماسية القاتلة، وستكون محور كل الحكاية الباردة والساخنة؟. 

 من سينتصر على من في النهاية، الجليد السيبيري أم ثلوج ولاية ألاسكا؟، كيف لنا أن نكيّف اعتبار وايمان البلدربيرغ الأمريكي بالهدف، الذي أنشىء من أجله حلف شمال الأطلسي، أهو بمثابة اعلان عداء لنواة الأتحاد الروسي؟، وما هي مديات عدم سماح الأمريكي للروسي بالتمدد في العديد من الساحات؟ – الأزمة السودانية، قد تكون مثالاً للصراع في وعلى القارة السمراء.  

هل ستستثمر واشنطن وبلدربيرغها ومجتمع استخباراتها، وبالتعاون مع مجتمعات المخابرات الغربية والأسرائيلية وبعض مجتمعات مومياءات الاستخبار من دول العالم الثالث والنامي(في ظلّ ادارة الديمقراطي جو بايدن)، في استغلال الجمهوريات الإسلامية، أو التي يتواجد بها مسلمون، لأثارة القلاقل والمشاكل حول روسيّا؟.

في المحصّلة وبالنتيجة: ستلجأ الولايات المتحدة الأمريكية، وجلّ حلفائها من بعض غرب وبعض مومياءات الحكم في العالم الثالث والنامي، باسناد إسرائيلي، لدعم مكثف ومتعدد لكييف: عسكرياً وسياسياً ولوجستياً واقتصادياً ودبلوماسياً واعلامياً، وسوف تزداد العقوبات على موسكو(اجتماعات ولقاءات جو بايدن في اليابان – هيروشيما، مع القادة الأوربيين، قد تكون مؤشر الزام للرئيس المنتخب القادم، أيّاً كان حزبه: ديمقراطي أم جمهوري، ليلتزم بالمسار الحالي)وستجهد أوروبا بالبحث عن مصدر آخر للغاز ان أمكن، وستحسم بقوّة بعض الملفات الخلافية، داخل نواة الادارة الأمريكية الحالية، وكذلك القادمة، وداخل المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي، كونه أي تباطؤ هنا أو تلكؤ هناك، سيعني ويشي تقدماً وانطلاقاً روسيّاً الى الأمام، خاصةً في سورية والعراق وأوكرانيا، وان شئت الصراع العربي الأسرائيلي حالياً الى حد ما ولاحقاً بعمق. 

والسؤال هنا: هل ستستمر واشنطن دي سي، في ظلّ الديمقراطي جو بايدن، وفي رؤيتها في تطوير حقل(سردار)النفطي والغازي الواقع بين الحدود التركمنستانية والمناطق الأذربيجانية، والى حد ما مصدر غازيّ هام لأوروبا، وبديلاً الى درجة تكتيكية مؤقته؟، وهل بايدن أمريكا ستستمر، في رعاية وخلق مسارات التمهيدات، لبناء الشراكات والشركات، للدول العربية المنتجة للنفط مع الشركات الإسرائيلية، لاستثمار نفط تركمنستان وأذربيجان(هناك رفض سعودي صلب وقوي لهذه المحاولات الامريكية)؟. 

وما هي أسرار العلاقات، بين بعض الشركات العربية الرسمية في دول الخليج المنتجة للنفط، ومجموعة ميرهاف التي يديرها مسؤول الموساد السابق يوسف ميامان؟، الى أي مدى استطاع هذا البيدق الموسادي يوسف ميامان، وخلال فترة وجوده في وسط آسيا، وعمله مع آخرين من بعض عرب، في تعزيز الوجود الأسرائيلي هناك، عبر تكثيف الحضور الأمني والمخابراتي في تلك المنطقة الغنية بالطاقة في حوض بحر قزوين و\ أو بحر الخزر(حسب التسمية الأيرانية)الذي يشكل المركز الأقتصادي لخمس جمهوريات سابقة للأتحاد السوفياتي في وقته وحينه؟. 

 يوسف ميامان، رائد المشاريع النفطية والغازية في وسط أوروبا وصف أطلقته الصحافة العالمية عليه وخاصةً الأوروبية، ونشاطات شركته، منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً في تركمنستان، وقد حاز على الجنسية التركمنستانية من السلطات الرئاسية بمرسوم خاص من الرئيس سبار مراد نيازوف، وتوفي الرئيس بعد عامين ونصف، من منح يوسف ميامان مسؤول الموساد ومعزّز الوجود الأسرائيلي في وسط آسيا، بالتعاون مع آخرين من بينهم عرب. 

من منكم أيّها القرّاء، لا يتذكر السيد روفين داينايا أول سفير اسرائيلي في التركمنستان؟ وقد أفردت تحليلاً خاصاً نشر في كل وسائل الميديا، وقبل أكثر من عشرين عاماً، حول هذا الروفين العميل السابق للموساد، فهو بيدق موسادي كغيره، وكان يدير عمليات موسكو وقبل عام 1996 م، حيث استاطاع يوسف ميامان في تعيين روفين سفيراً هناك، بتنسيق من وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، في احدى حكومات بنيامين نتنياهو السابقة، وهو الموغل بالتطرف أفيغدور ليبرمان؟. 

اذاً: انخراط واضح وعميق لعنوان الأدارة الأمريكية، العنوان السطحي جو بايدن، بالأشراف على حرب ضد روسيّا في شرق أوكرانيا، عسكرياً ومخابراتياً وبيولوجياً، واقتصادياً وعبر عقوبات اقتصادية دولية، تديرها وزارة المال الأمريكية، وجهاز الأستخبار الخاص بها، أعلن هذا الرئيس الرخ في السابق، وقبل بدء المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، أنّه سيرسل مستشارين عسكريين أمريكيين، لدعم عمليات أوكرانيا العسكرية ضد المتمردين المواليين لروسيّا في الجمهوريات الأنفصالية في شرق أوكرانيا، بالرغم من أنّ هذا الرخ الأمريكي يعلم أنهم موجودون هناك ويعملون تبعاً للدليل السياسي والعملياتي للعمليات الدفاعية الدولية الجديدة، وفي حال كان المجتمع العسكري والأستخباراتي الأمريكي يقوم بالعمليات بالطريقة السليمة، فانّ هناك فرقاً شبه عسكرية من عناصر وكالة الاستخبارات الأمريكية، والعمليات الخاصة، يراقبون ما يحدث في روسيّا وعن قرب. 

الدمية الأمريكية( الرخ الأوكراني أيضاً)، هو الذي نشر في جينه، عن النشاط العسكري الأمريكي على الحدود الروسية، فالرخ بيترو بوراشينكو في بدايات الأزمة الأوكرانية، وهو الذي جاء الى السلطة عبر الأنقلاب العسكري المتعاظم في النجاح والمدعوم من مؤسسات البلدربيرغ الأمريكي، ضد الرئيس السابق فكتور يانوكوفيتش، وهذا الرخ الأمريكي في أوكرانيا بوراشينكو، بما فيه الحالي الرخ زيلنسكي، قاد حكومة من عناصر متنافرة تمثل مصالح الأثرياء والمجموعات النازية الجديدة، التي تتركز قواعدها وبيادقها وقواعد دعمها وبيادق دعمها في غرب أوكرانيا.  

نعم من حق الولايات المتحدة الأمريكية، ان تغضب وتجن بجنون مطبق، كون الفدرالية الروسية بزعامة الزعيم الأممي فلادمير بوتين ومجتمع المخابرات الروسية، استعادوا شبه جزيرة القرم وعبر استفتاء شعبوي نزيه، وبدون اطلاق رصاصة واحدة، ودخلوا في عملية عسكرية روسية خاصة ومشروعة في الداخل الاوكراني، واستعادوا الأقاليم الأربعة في الشرق الاوكراني، قبل أن تتمكن واشنطن والبلدربيرغ الأمريكي من وضع الآيادي عليها، وتعطيل خطط روسيّا والصين وايران، الرامية الى ربط اقتصادات آسيا وأوروبا، بواسطة السكك الحديدية وخطوط الغاز والمرافىء والطرقات السريعة.  

في الجانب الصراعي الأممي الآخر، مع الفدرالية الروسية والصين وايران، من موضوعة الصراعات على آسيا الوسطى، واذا كنّا في تحليل وتوصيف سياسي، وقبل أكثر من عشر سنوات خلت، قد وصفنا قيرغيزستان بالمعنى السياسي والأمني الاستراتيجي(بإسرائيل أخرى في أسيا الوسطى)، بالنسبة لمحور واشنطن – تل أبيب، فانّها من الناحية الأقتصادية وبمعناها الواسع الشمولي الأستراتيجي، وبالنسبة لذات المحور السابق، بمثابة(سويسرا أسيا الوسطى)وذلك لكثرة تمتعها بالثروات الطبيعية والمعادن الثمينة والهامة مثل: الأنتيمون، الفحم الحجري، اليورانيوم، واحتياط كبير ونوعي، من النفط والغاز الطبيعي. 

وقيرغيزستان هي جزء هام من منطقة أوراسيا، والتي تشمل كل من منطقة القوقاز وأسيا الوسطى، وتعد منطقة أوراسيا المسرح الجيوسياسي الأستراتيجي، لمشروع هيمنة محور واشنطن – تل أبيب، حيث تعد الدولة العبرية الشريك الفوق استراتيجي الأول لواشنطن، حيث الأولى كانت وما زالت بمثابة قناة تمرير، للمعلومات الأستخبارية التي يتم تجميعها عبر الجماعات اليهودية والأسرائيلية الأخرى، المنتشرة في بلدان أسيا الوسطى والقوقاز، الى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها. 

وما جرى من عنف اثنو – سياسي عميق في قيرغيزستان، سبقه عمليات تعبئة سلبية فاعلة، في أوساط السكّان الموالين للرئيس السابق المخلوع كرمان بيك بكاييف في بدايات عام 2010 م، وخاصةً في اثنية القرغيز الجنوبيين، هذا وقد أخذت عمليات التعبئة الأثنية – العدائية – العرقية أشكالاً متقدمة، أدّت الى عمليات اصطفاف اثني عرقي بشكل عامودي وأفقي، بين القرغيز والأوزبك، تضمنت قدراً كبيراً من مشاعر الكره والرغبة، ليس في نفي الآخر فقط لا بل في استئصاله، كل ذلك حدث ويحدث برؤية ودفع وتوجيه من قبل محور واشنطن – تل أبيب، حيث استغل الأخير فرصة ذهبية لاحت له عندّ الأطاحة بالرئيس كرمان بيك، لجهة دفع واطلاق يد الجماعات الأثنية المتخاصمة وعلى وجه الخصوص القرغيز والأوزبك، انّه وبامتياز صراع اثنو – سياسي عنيف وعميق، تعمل على رعايته وادامته كل من واشنطن وتل أبيب حتّى اللحظة، وقد تستمر واشنطن في هذا النهج بوجود الرئيس جو بايدن، لأضعاف الفدرالية الروسية، بسبب مقتضيات المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، عبر استغلال يهود أسيا الوسطى الذين يتواجدون في دولها الخمس(كازاخستان، تركمنستان، أوزبكستان، طاجيكستان، وقيرغيزستان)وتوظيفهم لخدمة الأستراتيجيات الأميركية – الأسرائلية في منطقة أوراسيا.  

تقول المعلومات الأستخبارية، أنّ النخب السياسية والدينية في اسرائيل، ومعها الجماعات اليهودية العالمية، وجماعات اللوبي الأسرائيلي في أميركا وغرب أوروبا، تسعى جاهدةً وبشكل دوؤب الى توفير مظلات الدعم المالي، والأقتصادي، والسياسي والثقافي، والديني للجماعات اليهودية الصغيرة، والموجودة في دول أسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، بحيث يؤدي هذا السعي الممنهج والمدروس بدقة الى، اتوستراد – سياسي وأمني سالك، يتيح تعزيز قدرات هذه المجموعات اليهودية الصغيرة في منطقة أوراسيا كلّها، كي تمارس حضورها القومي في مفاعيل متتاليات هندسية، لجهة عمليات صنع واتخاذ القرارات السياسية والأمنية الأستراتيجية، في دول أسيا الوسطى الخمس والقوقاز الشمالي والجنوبي، وان كانت اسرائيل قد حقّقت نجاحات غير عادية في بناء، واعداد كوادر اللوبيات الأسرائلية في كل من كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، الاّ أنّها ما زالت تواجه صعوبات جمّة وعراقيل ذات عقابيل كثيرة، في كل من أوزبكستان وتركمنستان، حيث اللوبيات الأسرائلية والجماعات اليهودية ما زالت بتأثيراتها في مرحلة الأجنّة، وذلك لصعود وتناسل غير عادي للحركات الأسلامية الجهادية في أوزبكستان، وامتلاك تلك الحركات الجهادية الأسلامية أجهزة استطلاع خاصة بها، ولها تنسيقات غير مباشرة مع أجهزة المخابرات الأوزبكية في بعض ملفات داخلية، في حين أنّ نظام الحكم في تركمنستان يمتاز بالقوّة والصلابة، والرافض الى الآن، لأي دور اسرائيلي في البلاد، وآسيا الوسطى لا بل في كل أوراسيا. 

لذلك، شرعت حديثاً اسرائيل، في اعتماد استراتيجية حديثة في أسيا الوسطى، تحديداً كمرحلة أولى، حيث تركز على كازاخستان لتكون شريكاً لها في أسيا الوسطى بدلاً من أوزبكستان، وحتّى قرغيزستان وطاجيكستان، حيث الأخيرة صارت أكثر ارتباطاً بروسيا الفدرالية، وتركمنستان بدأت تميل الى التفاهم مع ايران وروسيا الفدرالية وتركيا أيضاً(معلومات تقول: أنّ هذا يشكل ملف تحدي كبير للديمقراطيين، كوجه سياسي جديد ومختلف عن الجمهوريين، للبلدربيرغ الأمريكي وللمجمّع الصناعي الحربي الأمريكي). 

ولأنّ كازاخستان، تقع في مناطق جنوب الفدرالية الروسية، فانّ واشنطن ستعتمد على اسرائيل، باعتبارها تملك مفاتيح كازاخستان، وان كانت الأخيرة الدولة الرئيسية في أسيا الوسطى لجهة محور واشنطن – تل ابيب، فانّ أذربيجان الدولة الرئيسية في مناطق القوقاز الجنوبي، بدلاً من جورجيا لجهة المحور الأميركي – الأسرائيلي، وعليه فانّ كازاخستان وأذربيجان، تشكلان مداميك مفاعيل الرؤى الأميركية – الأسرائيلية فوق الأستراتيجية، لجهة المصالح المشتركة لهما في كل مناطق أوراسيا العظمى.

هذا وتشير تقارير لمجمعات المخابرات الأقليمية والدولية، أنّ المجموعات اليهودية والجماعات الأسرائيلية في أسيا الوسطى والقوقاز الشمالي والجنوبي، نجحت نجاحات يمكن البناء عليها وتوظيفها وتوليفها، لجهة تنظيم وتنفيذ الترتيبات والأطر الضرورية، لجهة تعزيز الروابط مع اسرائيل، وخاصةً مع كوادر حزب شاس الأسرائيلي – الديني، والذي يشكل بؤر التمركز الديني – السياسي – الوطني – القومي لليهود الشرقيين(السفرديم) المهاجرين للدولة العبرية، ومن زاوية أخرى، لعب الرئيس المخلوع كرمان بيك بكاييف عام 2010 م، ورئيس وزرائه السيد فيليكس كولوف المربوط، بشبكات المخابرات الخاصة بمحور واشنطن – تل أبيب، دوراً نوعياً وكمياً هائلاً في تغلغل، شبكات المخابرات الأسرائيلية والأميركية بشكل خاص، وشبكات مخابرات دولية أخرى، تنسق معهما في قيرغيزستان.

كما تذهب المعلومات أيضاً، الى الحديث عن سلّة مزايا منحها الرئيس المخلوع كرمان بكاييف وقبل الأطاحة به في عام 2010 م، الى أميركا في تسهيلات سريّة للقاعدة العسكرية الأميركية في ميناس، من أجل اعداد وتدريب الجماعات المسلحة، ذات التوجهات الموالية لمحور واشنطن – تل أبيب، وما قصّة السيد عبد الملك ريفي زعيم حركة جند الله المسلحة السنيّة الناشطة(الذي تم إعدامه لاحقاً في ايران)، في اقليم بلوشستان الأيراني، الذي اعتقلته وحدة كوماندوز ايرانية بعد اعتراضها للطائرة الخاصة، التي كانت تقله من دبي، الاّ مؤشر دقيق للغاية على صحة معلومات وتقارير المخابرات الدولية المحايدة، حيث كان السيد ريفي في طريقه الى قيرغيزستان كي يعقد، لقاء داخل القاعدة العسكرية الأميركية في ميناس مع مسؤولين كبار، وعلى مستوى عالي من ضباط المخابرات الأميركيين والأسرائليين.  

في حين أنّ المعلن للعموم الأممي والأقليمي، أنّ هذه القاعدة العسكرية في ميناس، تقوم فقط في نقل القوّات الأميركية، والأمدادات العسكرية الى أفغانستان، انّها مفارقة عجيبة مضحكة لا تنطلي، الاّ على السذّج من العوام الأممي والإقليمي والمحلي وما أكثرهم. 

اشارة لا بدّ منها تتمثل، في موافقة رئيسة الحكومة الأنتقالية بعد الأطاحة بكرمان بيك في 2010 م، في بيشكك مدام روزا لحظة توليها زمام السلطة في حينه وقبل ولادة المنتج الأستخباراتي والذي سمي بالربيع العربي، على استمرار عمل القاعدة العسكرية الأميركية بدوريها المعلن وغير المعلن، وتقول تقارير مخابرات ذات مصادر مختلفة في حينه، أن مدام روزا هذه هي مع تدعيم الروابط القرغيزيّة مع محور واشنطن –تل أبيب، حيث تم التفاهم معها وحولها ومن ثم استمالتها له، عندما كانت سفيرة لبلادها في واشنطن، وأثناء توليها لمناصب رفيعة أخرى مهمة، في المنظمات الأممية – ذات الأرتباطات العامودية والأفقية مع شبكات المخابرات الأميركية – الأسرائيلية، حيث كانت ناشطة أممية في مجالات حقوق الأنسان، والمساعدات لمؤسسات المجتمع المدني الأخرى وخاصةً في منطقة البلقان، والقوقاز الشمالي والجنوبي وفي جورجيا، فهي ليست بعيدة عن رؤى وتطلعات واشنطن وتل أبيب، في أسيا الوسطى لا بل في كل أوراسيا العظمى، وكما ذكرت آنفاً قامت من فور تسلمها السلطة بعد الطاحة بالرئيس كرمان، بالموافقة على تمديد فترة بقاء قاعدة ميناس الأميركية في بلادها، رغم اعتراضات أطراف داخلية واقليمية، وأقصد الفدرالية الروسية.  

صحيح مئة بالمئة، أنّ للثلاثي الأممي – الفدرالية الروسية، الولايات المتحدة الأميركية، والصين – مصالح استراتيجية، لا بل فوق نستولوجيا الأستراتيجي في جمهورية قيرغيزستان، لكنها مصالح متعاكسة متعارضة ومختلفة لعنصر ومرتكزات، هذا المثلث الأممي المتنافس والمتصارع، بصمت وعمق على أسيا الوسطى وفيها، لا بل على كل أوراسيا العظمى وفيها، وان كان العامل الداخلي حافز حقيقي كسبب، فيما جرى ويجري وسيجري في قرغيزستان، فانّ مفاعيل تأثيرات العامل الخارجي للصراع هناك، في قيرغيزستان وفي ملفات صراع النفوذ الأميركي على أسيا الوسطى وكل أوراسيا العظمى، وملفات الصراع الروسي مع واشنطن، في أسيا الوسطى وكل أوراسيا العظمى كمجال حيوي روسي، لا تتنازل عنه موسكو أبداً ولا تحت أي ظرف دولي أم أقليمي.

مع الأشارة الى أهمية العامل الصيني، كجزء من مفاعيل تأثيرات العامل الخارجي، في الصراع القيرغيزستاني – الداخلي، لأرتباطاته بالصراع الصيني – الداخلي، حيث جمهورية قيرغيزستان، تتموضع جغرافياً في شمال شرق أسيا الوسطى، على جبال تيان شان، ويحدها من الشرق الصين، ومن الغرب كازاخستان وأوزبكستان، ومن الجنوب طاجيكستان، بحيث تتمتع قيرغيزستان بحدود طويلة جدّاً، مع مناطق شمال غرب الصين عبر المناطق الجبلية الشديدة الوعورة، ولمسافة تزيد عن 600 كم، حيث تقع مقاطعة(سينكيانج)في شمال غرب الصين، ويسكنها أعداد كبيرة من المسلمين الأيغور، والقيرغيز المسلمين، والمطالبين بالأنفصال عن الصين، كما توجد العديد من الفصائل المسلحة الصينية المعارضة في قيرغيزستان، حيث تقدم القاعدة العسكرية الأميركية في ميناس، الدعم المالي والسياسي والعسكري والمخابراتي لها، كي تقوم هذه الجماعات المسلحة بحرب مغاوير، وعصابات داخل مقاطعة(سينكيانج)الصينية المسلمة، وتقول معلومات استخبارية ذات مصادر مختلفة ومقنعة، أنّ شبكات المخابرات الأسرائيلية، وبالتعاون مع شبكات المخابرات الأميركية والتايوانيّة، تساهم في تدريب واعداد الحركات الصينية المسلحة والمعارضة لبكين والمطالبة بالأنفصال.

قطعاً، المخابرات الصينية، وبالتعاون الوثيق والمستدام مع المخابرات الروسية والإيرانية، غير غافلة عمّا يجري، وهي تملك أكبر شبكات التجسس في العالم، وان كانت تركز على المعلومات العلمية، ودقائق العلم الأكتروني، وآخر ما توصل اليه العلم الحديث، من اختراعات الكترونية مختلفة، الاّ انّها تراقب الوضع عن كثب، وتعمل بهدوء وصمت، كونها بصورة نوايا محور واشنطن – تل أبيب الساعي، الى المزيد المزيد من تدهور وتفاقم الأوضاع في قيرغيزستان، كون ذلك من شأنه أن يؤدي الى تفكيك دول أسيا الوسطى الأخرى، ويقود الى فوضى خلاّقة في كل أوراسيا العظمى، وهذا ما تسعى جاهدةً لأحداثه واشنطن وتل أبيب، عندّها وفي هذه اللحظة الزمنية بالذات، سوف تتدخل الصين وبقوّة وبشكل علني وغير علني، لحماية أمنها القومي والداخلي، من أخطار الأخطبوط الشيطاني الشرّير، لمحور واشنطن – تل أبيب، ومن تحالف معه من الغرب الأوروبي. 

تقول المعلومات حول دولة كازاخستان، أنّ الأخيرة ذات مساحات كبيرة وشاسعة وسكّانها، الكازاخ وطنيون حتّى النخاع، ويمتازون بالتماسك والشعور الوطني والأعتزاز بقوميتهم، وبالتالي هي بمثابة دولة حاجزة وعازلة، وتفصل بين الفدرالية الروسية بشكل عام، ومناطق جنوب روسيا الفدرالية بشكل خاص من جهة، وكل من قيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان من جهة أخرى، ومن هنا نجد أنّ موسكو صنّفت الصراع القرغيزي الداخلي عندّ نشوبه، بالنسبة لها بأنّه خطر ثانوي، لذلك جاء التدخل الروسي عبر منظمة الأمن والتعاون الأوروبية في حينه، في التعامل مع الصراعات في الداخل القرقيزي.

وحيث الدول ليست جمعيات خيريّة، فما يحكمها المصالح والمصالح فقط، بجانب الروابط الأستراتيجية واستهدافات الأمن القومي، وفي ظل تراجع مشروع الهيمنة أو الأحادية الأميركية الى حد ما، ورغم سعي واشنطن للسيطرة على العالم رغم ما تعانيه من أزمات متشائلة، لذلك موسكو لا تريد خسارة ورقتها السورية التي تسمح لها بالإطلالة على البحر المتوسط، والذي يشكل رافعة إستراتيجية لمعابر النفط والغاز، لذلك كانت وما زالت موسكو شرسة، بما يجري في أوكرانيا الان، حيث القتال على عتبة البيت الروسي، وهذا خطير ويفسّر الشراسة الروسية في القتال، والأخيرة: أي المسألة الأوكرانية وطاحونتها، نتاج المسألة السورية، بتفاصيل الموقف الروسي نحوها. 

والمفهوم الصيني للمسألة السورية، ينطلق من ذات المفهوم الروسي والأيراني، والصين تدرك أيضاً أنّ المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي يعتبرها هي العدو والعدو والعدو الأول، لذلك نجد الآن كيف يتم تفعيل منظمة شنغهاي روسيّاً وصينيّاً وايرانيّاً لتلعب أدوار حلف وارسو الجديد، مقابل العلاقات مع الأطلسي بوجه العسكري والمخابراتي بعد قمة لشبونة الشهيرة(قبل مرحلة ما سمّي أمريكيّاً بالربيع العربي).

وعبر هذه الخلفية الأستراتيجية: فانّ موقف نواة الدولة الوطنية الروسية، يوصف بأنّه يتعاطى ويتحرك وفق ذهنية أمن قومي داخلي خاص به، بعبارة أخرى أنّه إذا سقط الحليف السوري كنسق سياسي وبرمزه الرئيس بشّار الأسد، وبالأخص في هذه المنطقة الجغرافية، فهو سينعكس سلباً وبعمق على الوضع الروسي الداخلي وتعقيداته وتشابكه مع محيطه ومجاله الحيوي. 

انّ مجتمع المخابرات الروسية، يدرك جيداً، أنّ رؤية ومشروع مخطط جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ)،هو في تنصيب الجمهورية التركية، ان في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وان في ظل حكم المعارضة بزعامة كمال أوغلوا، ان نجح في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الحالية، وجعلها رأس الحربة في هذا المشروع، كي تلعب هذا الدور في الحدائق الخلفية لموسكو، وذات دول الخلفيات الأسلامية، أي بمعنى أن الغرب يقول للأتراك:- (يا تركيا)لا أمل لك في الانضمام إلى أوروبا، وعليك الدخول إلى هذا الشرق، ولعب هذا الدور لصالحنا ولصالحك في شرق آسيا، وشرق البحر المتوسط، وبالتالي من هذا المنطلق أو التحليل تتحرك ذهنية وفكر الروسي، بأنّ تركيا لا يجب أن تنتصر في هذه المعركة، خوفاً على الفيدرالية الروسية، وحماية لها ولحلفائها ومجالها الحيوي، ومؤخراً دخلت أوكرانيا على هذا المفهوم، فضمّت القرم الى الأتحاد الروسي، وعبر استفتاء شعبوي بعيداً عمّا يروج له الأعلام المضاد، اعلام البلدربيرغ الأمريكي ومن ارتبط به من اعلام العربان وأشباههم، وجرت العملية العسكرية الروسية الخاصة والمشروعة في الداخل الأوكراني.

هذا الترابط في النقاط الأساسية والمشتركة، بين الدور التركي والأطلسي في المنطقة، يدفع الروس للاستنتاج بأنه إذا تم إيذاء سورية، فسوف يكون إيذاء مباشر لروسيا ومن ثم الصين وايران، وهو ترابط  أخطر من المصالح، فاذا حسمت المعركه حسمت باسم الأطلسي وتركيا، والدور بعدها سيكون الى آسيا الوسطى والجمهوريات السوفيتيية الاسلامية، الموضوع أبعد من المصالح بين الدول وله علاقة مباشرة بتهديد الأمن القومي الروسي في العمق مباشرة، لأنه يمثل خطر على روسيا عبر نقل الحركة الاسلامية الاخوانية الى حدودها، والى داخلها بنفس منطق الحركة الاسلامية في الربيع العربي والذي ان انتصر كليّاً، فستتولى تركيا اكماله في روسيّا نيابة عن الأمريكيين والغربيين، هكذا هي تركيا في مخيخ وعين نواة الفدرالية الروسية، وهكذا ينظر الروسي الى التركي بشكل عام. 

من هذه الرؤية الأستراتيجية التي تحاكي المنطق أو التحليل، أتت المواقف الروسية المتشددة لمصلحة سورية، والتي أعقبت أيضاً الفيتو الروسي الصيني المشترك لأكثر من ثلاث مرات متتالية في مجلس الأمن الدولي، ثم جاء الفعل العسكري الروسي في الداخل السوري، وهذا يؤكد على وجود مقاربة روسية جديدة ومختلفة عما مضى تم تطبيقه حتّى اللحظة، فصانع القرار في موسكو معنيّ بالدفاع عن سورية، ولن تكفيه في مرحلة التراجع الأميركي حصة افتراضية، في واقع افتراضي يراد أن يتحقق أميريكياً في الساحة السورية، لمرحلة ما بعد الخروج من العراق والخروج من أفغانستان – الخروج من أفغانستان ليس خروجاً كاملاً، بالرغم من أنني لا أعتبر ذلك خروجاً أمريكيّاً، بقدر ما هو اعادة انتاج للدور الأمريكي عبر(الهندرة)كمفهوم في اعادة البناء والتأسيس، بكل ما ينطوي عليه من معانٍ وأبعاد وتداعيات استراتيجية في المنطقة والعالم وفي شبه القارة الهندية.

انّ عملية(الكباش المتجدد المعلن وغير المعلن)على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية، ومن خلفها مع الغرب بعد الفعل العسكري الروسي  في سورية واوكرانيا، تقود الى حروب أعمق من الحرب الباردة وأشرس من حرب عسكرية، وهذا ما يبرر توجه المزيد من مجموعات الخبراء والمستشارين الأمريكان، من مختلف قطاعات الجيش الأمريكي الى الجغرافيا السورية والأوكرانية. 

روسيّا تدرك ديكتاتورية الجغرافيا السورية والأوكرانية معاً، كما تدرك حالة الخلع الاستراتيجي في المنطقة، وأنّ سورية بنسقها السياسي وعنوانه بجانب الجغرافيا منطقة إستراتيجية لا تفوّت، ولذلك ترغب في زيادة نفوذها فيها من خلال توسيع قاعدتها البحرية، وخاصة بعد أن صار القرم جزء من الاتحاد الروسي وكذلك الأقاليم الاربعة، فهي تشعر بالقلق والاستفزاز وتهديد لها بما يحصل من نشر رادارات الدرع الصاروخي الأطلسي في كل من تركيا وبولندا، لذلك لن تتخلى عن منطقة نفوذها في المنطقة كونه يهدد مصالحها ويعزلها ويؤثر على اقتصادها ومجالها الجيوسياسي، وهنا تبرز أهمية دور موقع سورية الجغرافي وموقع اوكرانيا وكلاعب كبير في السياسات الإقليمية والدولية، بجانب تماسك دولاتي لمؤسسة الجيش العربي السوري العقائدي وانجازاته الميدانية المستمرة كاستثمار ميداني لفعل الطيران الحربي الروسي في السماء السورية، والذي وفّر الفرصة الكافية لتماسك القطاع العام السوري، وهى أوراق مهمة وقويه تعتمد عليها سورية ونسقها السياسي، في مواجهة المؤامرة والخروج من الأزمة، بمسار سياسي وحسم عسكري لمجاميع الإرهاب المدخل. 

أحسب وأعتقد أنّه ورغم كل ذلك، ما زالت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تدخل في حزم جديدة من الأزمات، لا حزم حلول لمتاهاتها العميقة في العالم، وخلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاث سنوات، عزّز مجلس الأمن القومي الأمريكي استراتيجية الاحتواء لجهة إضافة عنصر الاستباق، ولم تعد الإدارة الأمريكية تنتظر نشوء المخاطر والتهديدات، ثم الشروع في احتوائها وفقاً لاعتبارات الأمر الواقع، وبدلاً عن ذلك فقد دفعت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي باتجاه مفهوم تعبئة القوى والموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وتجاوز منظومة القيم الدولية القائمة على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والعمل بشكل استباقي لجهة التعامل بشتى الوسائل والأساليب العسكرية وغير العسكرية مع كل ما تعتقد الإدارة الأمريكية بأنه يشكل خطراً يهدد المصالح الأمريكية.

انّ الولايات المتحدة الأمريكية ورغم ما عانته وتعانيه من أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، وقد لا تظهر للشخص العادي غير المتابع لمفاصل تطورات النسق السياسي الأمريكي، الاّ أنّ العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبغض النظر ان كانت الأدارة التي تسيّر أعمال وتفاعلات النسق الأمريكي(ديمقراطية أو جمهورية) قد بدأت الشروع في تنفيذ مخطط السيطرة على العالم، غير مهتمة بفكرة التعددية التشاركية في قيادة العالم، والحفاظ على التوازنات الأممية. 

 هذا وقد تضمنت مسألة السيطرة على خطوات عملياتية تراوحت من نشر القدرات العسكرية الأمريكية في سائر أنحاء العالم، إضافةً إلى اعتبار خارطة العالم بأنها تمثل المسرح العسكري الذي يتوجب، أن يتم تجهيز القوات الأمريكية على أساس اعتبارات احتمالات خوض الحرب في أي مكان منه وأي زمان، واستناداً إلى هذا المفهوم قسّم البنتاغون العالم إلى مناطق عسكرية، بحيث أصبحت كل منطقة إقليمية تقع ضمن نطاق إحدى القيادات العسكرية الأمريكية.

وتبع الخطوة السابقة مسألة أمركة الاقتصاد العالمي، وذلك عن طريق استخدام المؤسسات الاقتصادية الدولية الثلاثة الرئيسية: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، في القيام بإدماج الاقتصادات العالمية ضمن إطار نفوذ الاقتصاد الأمريكي، على النحو الذي يتيح للاقتصاد الأمريكي وضعاً استثنائياً ومزايا اقتصادية دولية استثنائية تعزز القدرة على نقل التضخم والبطالة وانخفاض معدلات النمو وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الكلية السلبية إلى الاقتصادات الأخرى، وبعبارة أوضح: أن يدفع الآخرون خسائر الاقتصاد الأمريكي.

وصحيح أنّه بعد الحرب الجورجية الروسية في عام 2008 م، لم تحدث المواجهة العسكرية الروسية – الأمريكية، ولكن حدثت مواجهة البروكسي بين روسيا وجورجيا، والأخيرة خاضت حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كشفت التسريبات والحقائق أن العملية العسكرية التي نفذتها تبليسي، قد تم الترتيب لها بواسطة الإدارة الأمريكية ومباركة الرئيس بوش الأبن. 

فمن سورية وحدثها، الى أوكرانيا ومسألتها، بجانب ما حدث في جورجيا عام 2008 م، فانّ تحليل الوقائع والأحداث وتداعياتها، يشير بوضوح إلى أن عملية إعادة اصطفاف عسكري – أمني دولي تحدث وتتعمق، وسيكون من أبرز تداعياتها صياغة معادلة جديدة لنظام(الأمن العسكري – الأمني الدولي والإقليمي)ومن أبرز الملامح المتوقعة يمكن الإشارة إلى الآتي:

تعديل نظام توازن القوى داخل مجلس الأمن الدولي على النحو الذي ستقف فيه روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي ستجد الدعم الواضح من بريطانيا، مع احتمالات أن تعود فرنسا إلى موقفها الاستقلالي السابق داخل مجلس الأمن الدولي، مكونة(فرنسا)ما يمكن أن نسميه القوة الثالثة الدولية داخل المجلس، وذلك بما يتيح للفرنسيين المزيد من هامش حرية الحركة والمناورة داخل المجلس وذلك نكايةً بألمانيا، وهو أمر سيؤدي حدوثه إلى إنهاء التحالف الفرنسي – الأمريكي في مجلس الأمن، والذي سبق أن أسفر عن صدور الكثير من القرارات الجائرة، وعلى وجه الخصوص تلك القرارات المتعلقة بالأزمة الليبية والسورية وأزمة مالي والأزمة اللبنانية وأزمة دارفور وغيرها. 

فألمانيا أقوى الأقتصاديات الأوروبية حتّى اللحظة، والهدف الان هو كيف يتم اضعاف ألمانيا اقتصاديّاً؟ فجاءت المسألة الأوكرانية كفرصة ذهبية للزج بألمانيا بتفاصيل الحدث الأوكراني، لضمان تغطية اقتصادية كبيرة تضعفه، ولأعادة توجيهه من جديد نحو موسكو، والأخيرة وعبر مجتمع مخابراتها الأقتصادية والمالية وضعت، كافة ما لديها من معلومات وأوراق، على طاولة مجتمع المخابرات الألماني، وباللغة الألمانية التي يتقنها الرئيس فلادمير بوتين.

أيضاً كما سعت وتسعى أمريكا لتعديل بنود وأجندة العلاقات عبر الأطلنطي، فخلال فترة الحرب الباردة، كانت واشنطن تقوم بدور الحامي والمدافع عن أوروبا في وجه الخطر الشيوعي – السوفيتي – النووي، وبعد انتهاء الحرب الباردة ظلت أمريكا تقوم بدور الشريك العسكري – الأمني المدافع عن استقرار أمن أوروبا، والذي أكد ذلك عملياً بتدخله في أزمة البلقان، إضافةً إلى دور الزعيم العالمي المكلف بنشر وحماية القيم الديمقراطية الليبرالية الغربية. 

 ولكن بعد حرب جورجيا – روسيّا عام 2008م، وبعد الخديعة الغربية لموسكو في ليبيا والتي تعيش مرحلة اللاّدولة، وبعد الحرب الكونية على سورية وما زالت تستعر بنسب محددة وخفية، وبعد تجليات الحدث الأوكراني وعقابيله عبر ضم القرم لروسيّا عبر استفتاء شعبوي نزيه وعميق أذهل الغرب، وتلاه انضمام الأقاليم الأربعة في الشرق الأوكراني، وبالرغم من التوافق الأمريكي الأوروبي حتّى اللحظة ازاء كييف وحدثها.  

والسؤال المطروح الآن وبتجرد: هل سيصمد جدار التفاهم الأوروبي الأمريكي هذا، والذي اتخذ خطوات عملية لأطول فترة ممكنة؟ وهل ستدخل العلاقات عبر الأطلنطي، في مواجهة عاصفة الخلافات الأمريكية – الأوروبية لاحقاً، لجهة رغبة بعض الأطراف الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا الوقوف موقف متنحي ومختلف، إزاء ما يجري على خطوط العلاقات الروسية – الأمريكية، ورغبة العديد من الأطراف الأوروبية التفكير والتفكير ملياً، قبل الاستجابة لطلبات الولايات المتحدة المتعلق بملف توسيع حلف الناتو شرقاً، وضم جورجيا وأوكرانيا إلى عضويته، إضافة إلى عدم رغبة الأوروبيين في الاستجابة المطلقة للطلب الأمريكي المتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً؟. 

وهل ستنتقل أوروبا من مرحلة الهجوم الى مرحلة الحياد لاحقاً ازاء ما يجري؟ وهل تستطيع أوروبا ابتلاع أوكرانيا اقتصاديّاً؟ ألا تشكل أوكرانيا باقتصادها المتهالك والمنهار، قنبلة هيدروجينية في الحضن الأوروبي.

عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

خلوي:- 0795615721  

منزل – عمّان : 5674111