العملاء” .. سلاح إسرائيل الفتاك في مواجهة المقاومة / وليد شنيكات

372

وليد شنيكات ( الأردن ) – الثلاثاء 16/5/2023 م …

لو أردنا تلخيص نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة لقلنا قولاً واحداً أن إسرائيل خسرت، ولكنْ بالمقابل المقاومة أيضاً خسرت في الصميم. لا أعني عديد الشهداء الذين سقطوا، فهذا بالتأكيد في صلب معادلة التضحية والفداء التي تعوّد عليها الفلسطيني في مواجهة القوة القائمة بالاحتلال. أقصد هنا القتل عندما يكون بيد العميل من درجة الأخ والصديق والجار وربما الابن، الذين تُجنّدهم إسرائيل، وهم أسباب الخسارة المُرّة التي أقصد.

في هذه الجولة من الحرب فقدت حركة الجهاد الإسلامي 7 من قادتها العسكريين دفعة واحد في أقل من أسبوع داخل شققهم السكنية، بعضهم كان رفقة ذويهم بسبب النشاط الكبير لحركة العملاء، واللافت أن مِن هؤلاء القادة مَن تمّ اغتيالهم بعد يوم واحد من توليهم مهامّهم مثل الشهيد إياد الحسني الذي تولّى مسؤولية ملف العمليات خَلَفاً لخليل البهتيني الذي استُشهد مع رفيقيه في أول أيام العدوان على القطاع.

كان أمراً لافتاً هذه المرّة أن تطلب الحركة بإصرار وقف سياسة الاغتيالات لتقوم هي بدورها بوقف الرشقات الصاروخية اتجاه المستوطنات وبعض المناطق في إسرائيل، بَيْدَ أن القادة العسكريين في إسرائيل رفضوا طلب الحركة، وذلك يعود إلى أمرين، الأول أن المقاومة باتت عاجزة عن وضع حدٍّ لملف العملاء الذين ينتشرون في القطاع بكثرة وليس لديها أدنى معرفة بأسمائهم، والأمر الثاني أن إسرائيل متيقّنة تماماً أنها تملك سلاحاً مهمّاً في مواجهة الحركة الإسلامية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، وهذا يُزعج كثيراً تل أبيب.

في العادة تلجأ إسرائيل إلى تجنيد الفلسطينيين ممن يكون لديها اتصال مباشر معهم، ولا ننسى أن هناك آلاف العمّال الفلسطينيين من قطاع غزة يذهبون يومياً للعمل في إسرائيل، وهؤلاء لا يُمكن التكهّن بمدى تعاونهم مع الاحتلال، كما أن الحكومة في غزة لا يُمكنها أن ترفض عملهم تحت ضغط الفقر والحاجة الذي يعاني منه القطاع عموماً.

أيضاً، ينبغي أن نعترف أننا أمام جيل مشحون بكثير من الجدالات والأولويات معيشياً وذاتياً، وهذا يحمل خطورة كبيرة وقابلاً للتغذية غير الوطنية، وهو ما يدعو المقاومة بألا تعتمد في مشروعها النضالي على خطاب التنظير و”التجنيد الإعلامي” النفسي عبر الفضائيات الذي سرعان ما يضمحلّ ويختفي، لذا لا بد من وجود مقاربة أمنية وسياسية يُمكن من خلالها الاحتفاظ بالجيل الجديد حتى لا يتحوّل إلى قنابل موقوتة تفجّرها إسرائيل في عموم فلسطين.

أيضاً، التنسيق الأمني مع الاحتلال لا يبتعد كثيراً عن هذا المفهوم، غير أنه ظاهر وتتمّ شرعنته وفق “تصاميم” وقوالب يُراد لها أن تكتسب صفةً وطنيةً ومقارباتٍ مِن مِثل “الاعتدال” وإتاحة الفرصة للسّلام والحفاظ على مفهوم الدولة حتى لو كانت لهذا تكاليف وخسارات وطنية في مشروع التحرّر الذي قامت عليه السلطة الفلسطينية في الأصل.

خلال العدوان الأخير كان مفهوماً ألا يتطرّق الإعلام لقضية العملاء ودورهم في الكشف عن أسماء وأماكن قيادات المقاومة، وبالتالي استهدافهم بسهولة كما تابعنا، وذلك لعدم بعثرة الجُهْد النضالي وتشتيت انتباه الغرفة المشتركة للمقاومة التي كانت تقع تحت ضغط ضرورة الانتقام للشهداء وتغلغل جواسيس إسرائيل في الداخل بطرق يصعب الكشف عنها، بعكس مرّات سابقة استطاعت حركة حماس وغيرها كشف عدد من هؤلاء العملاء وتمّت محاكمتهم.

ملف الاغتيالات ليس جديداً وإنما هو استراتيجية تتبنّاها إسرائيل في سبيل تأسيس “مكان تحت الشمس”، ولها أيضاً ميزانية وأساليب تلجأ إليها منذ أكثر من سبعين عاماً، أسماء كثيرة وكبيرة تعرّضت للاغتيال، إما عن طريق تفخيخ سيارات بالعبوات الناسفة أو القتل المباشر عبر الموساد أو من خلال مسلّحين. لكنّ لجوء الاحتلال إلى أسلوب تجنيد الفلسطينيين أنفسهم هو أخطر أنواع أساليب الاغتيال لأنه خفيٌّ ومن الصعب كشفه ويحمل دلالاتٍ كثيرة، وهناك شخصيات استمرأت الجاسوسية لسنوات وتَقدّم بها السِّن وهي تعمل لصالح الاحتلال لعدم القدرة على كشفها أو الوصول إليها، ونتيجةً لذلك راح بسببها ضحايا كُثُر من أبناء الشعب الفلسطيني.

إذا لم تتمّ معالجة هذا الملف في أسرع وقت فإن “سلاح العملاء” ستتعاظم سطوتُه ويشتدّ خطرُه وسيتحوّل مع مرور السنين إلى جزء من الثقافة، وبالتالي يزداد عدد وتأثير هؤلاء العملاء حتى تصبح الأعباء التي تواجه مشروع المقاومة مضاعَفة داخلياً وخارجياً.

على أيّ حال، فصائل المقاومة معنيّة بإيجاد مقاربة جديدة وجادّة للتعامل مع ملف “الاغتيالات”، التي تكون عن طريق “الوشيات، وفي نفس الوقت مواجهة كلّ الأسباب التي تدعو وتسهّل تفشّي مثل هذه الظاهرة التي تُمثّل خنجراً في ظهر المقاومة والوطن.