قنبلة “كييف” النووية المنخفضة القوة / د.حسام العتوم
ثمة رابط قوي بين جذور (الحرب الأوكرانية) ومشكلتها الحالية المتطورة، والأسباب العميقة لها نعيدها لتفسيرات غرب أوكرانيا لمجاعة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي Golodomor في عهد جوزيف ستالين، والتي اعتبرتها موجهة ضدها وتستهدفها من دون السوفييت، علمًا بأن الحالة واحدة يصعب تقسيمها، وكل السوفييت عملوا معًا من أجل تحقيق نصر كاسح مشترك على النازية الألمانية بقيادة- أدولف هتلر، وهو ما حصل فعلاً عام 1945، ثم جرى تزييف لتاريخ الحرب من قبل التيار البنديري الأوكراني المتطرف القادمة جذوره من الجناح النازي الهتلري نفسه، ورد عليهم البروفيسور (فيجيسلاف نيكانوف)، نائب البرلمان ورئيس مؤسسة روسكي– مير، بكتابه الجديد “كيف انتهت الحرب”، دحض فيه تزوير حقائق التاريخ المعاصر، وسبق لروسيا القيصيرية عام 1812 أن دحرت حملة نابليون بونابارت التي استهدفت العاصمة (موسكو) تمامًا كما فعل هتلر، وشكلت قضية جورجيا عام 2008 تحولاً جديدًا للولايات المتحدة الأمريكية التي خططت طويلاً ولا زالت لتطويق روسيا الاتحادية من الداخل ومن الخارج، لكنها فشلت في المرة الأولى الجورجية في زمن سااكاشفيله، وستفشل ثانية في زمن زيلينسكي، والسياسيان الأول والثاني دميتان بيد الإدارة الأمريكية ومعهم الغرب الأوروبي لتحقيق أهداف بعيدة المدى ليس لها علاقة بأوكرانيا- حائط مبكى واشنطن والعواصم الأوروبية مجتمعة- والأجهزة اللوجستية الغربية والصديقة لها في العالم على خط الحرب، والهدف الحرص على استمرار الحرب نفسها، والحرب الباردة، وسباق التسلح، واستنزاف روسيا من الداخل والخارج، وإلا لماذا عمل الغرب على سحب إنتاجه من الأسواق الروسية ليعيدها للزمن السوفيتي الفقير؟ ونحن نعرف بأن الصناعات الوطنية الروسية متواضعة- خاصة الملابس والأحذية- وشباب وشابات روسيا افتقدوا حاليًا كل ما هو غربي في المقابل في زمن الحاجة للانفتاح والحياة الكريمة.
ولقد عاشت روسيا إلى جوار أوكرانيا حياة طبيعية زمن طويل، وقدمت لها إقليم (القرم) هدية في زمن (نيكيتا خرتشوف) عام 1954 لمدة 60 عامًا مخترقًا عهد الرئيس بوتين، وعيش سياسي مستقر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 بأيدي خفية بين (موسكو) و (كييف) بدأت (واشنطن) وعواصم الغرب المغرر بها تنخر بينهما قبل وأثناء وبعد انقلاب (كييف) الدموي عام 2014 عبر ثورات برتقالية متكررة استهدفت ليس نظام آخر رئيس أوكراني موالي لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج وإنما اجتثاث الحضور الروسي وسط أوكرانيا جارة التاريخ، وطور الغرب عمله بإغراء غرب أوكرانيا بدخول ليس الاتحاد الأوروبي الذي لم تمانعه روسيا، ولكن حلف (الناتو) المعادي لروسيا وهو الذي لاتقبل به مطلقًا، ولصناعة (قنبلة نووية) مشتركة أوكرانية غربية وغرب أمريكية تعد سرًا، وهو ما اكتشفته الاستخبارات الروسية مبكرًا، وتجهيز أكثر من (30) مركزًا بيولوجيًا بالتعاون مع ابن الرئيس الأمريكي جو بايدن – الملياردير هانتر-، وهو ما اكتشفه الجانب الأمني الروسي أيضًا، وتشجيع (كييف- زيلينسكي) على رفض الحوار المباشر مع موسكو بعد تكبير رأسه بأنه مهم، ولرفض اتفاقية (مينسك) الضابطة للأمن الأوكراني غربًا وشرقًا، ومع روسيا، ومع الغرب كله، والعمل بعد ذلك على تدريب فصائل “أزوف” الأكثر تطرفًا وعدوانية، وهو الذي أثبتته مستشفيات روسيا بعد اكتشاف وصول أسرى عسكريين روس مبتورة عيونهم وأعضائهم البشرية.
وواصلت (كييف) قصف شرق أوكرانيا – لوغانسك وللدونباس – ثماني سنوات متتالية، وقدمت القصف وفضلته على الحوار، وعينها على ضم الشرق قسرًا وبقوة السلاح، وحفرت الخنادق التي زارها الفنان – الرئيس – القائد الأعلى للجيش الأوكراني- فلاديمير زيلينسكي، كاتب مسرحية الحرب بالتعاون مع الغرب، وتسبب في مقتل أكثر من 14 ألفا من أهله وناسه وجيرانه الأوكران الناطقين بالروسية والروس أنفسهم، ومنهم الأطفال، والنساء، والشيوخ، وتم تهجير أكثر من مليون إنسان إلى داخل روسيا وإلى أوروبا، وغيرهم، وحوَّل الملاجئ إلى بيوت دائمة، وطفح الكيل ولم تعد موسكو – بوتين تحتمل المشهد، وبعد ضم إقليم (القرم) الذي أساءت غرب أوكرانيا استخدامه، تحول التوجه الروسي لضم الأقاليم الأربعة الأخرى (لوغانسك، والدونباس، وزاباروجا، وخيرسون) عبر استفتاءات مراقبة دوليًا ونزيهة وليس بقوة السلاح كما تشيع ماكنة اعلام الغرب وغرب أوكرانيا، وجمع الرئيس بوتين قيادة قصر الكرملين الرئاسي، واستمع لرأيهم، ولم يرغب بإتخاذ قرار يحسب على أنه ديكتاتوري كما يصفه الغرب أو اتوقراطي، بل توجه لدمقرطة قرار العملية العسكرية الإستباقية التحريرية غير الإحتلالية وغير العدوانية بطبيعة الحال، وزلة لسان رئيس الإستخبارات العسكرية الروسية (سيرجي ناريشكين) والتي نادت إلى ضرورة ضم الأقاليم الأوكرانية إلى السيادة الروسية وعبر استفتاءات شعبية هو ما جرى لاحقًا وتحقق رغم اعتراض الرئيس بوتين بداية على ذلك، فاشتاط زيلينسكي من هول الخسارة، والغرب الأمريكي بقيادة (البنتاغون والكونغرس والايباك) كذلك، وواصل الغرب تزويد (كييف) الحزينة بالأسلحة والمال الأسود وبمبالغ استنزافية للغرب نفسه وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار ليس من أجل إعادة البناء ولكن لمزيد من الدمار، وليبقى الغرب من دون مادة الغاز، وحتى لو ذهبت أمواله حطبًا للحرب، والنتيجة سرابية واضحة ومزيدًا من الخسارات المتتالية، وتوجه لغرب أوكرانيا من جديد لتفجير المحطة النووية في مدينة (زاباروجا)، ورفعت روسيا في المقابل شعارها الوطني العسكري (Z)، أي أنها لا تقبل بأقل من النصر، وبأنها لا تهاب الغرب مجتمعًا. والواضح بأن الفرقتين الروسيتين المشاركتين في القتال على الجبهة الأوكرانية هما( Z و V ) إلى جانب O لحماية الداخل الروسي.
والقنبلة الأوكرانية النووية منخفضة القوة التي اكتشفها الجانب الروسي العسكري حديثًا قبل أيام ووصفتها موسكو بالقذرة، وأجرى بصددها اتصالات هاتفية متكررة مع الجانب الأمريكي على مستوى وزراء الدفاع (سيرجي شايغو ولويد أوستن)، ومع وزراء دفاع (فرنسا وتركيا وبريطانيا) وعبر الخط الساخن العسكري المفتوح وغير القابل للإنغلاق تحت أي ظرف، بدأت على شكل دعاية سوداء موجهة لروسيا الاتحادية ومتهمة إياها برغبتها وتخطيطها لشن حرب نووية منخفضة القوة على غرب أوكرانيا بهدف إثارة الغرب الأمريكي وتشجيعه على الاصطدام مع روسيا مباشرة على مستوى العسكرة التقليدية وحتى النووية الأخطر، والغرب وفي مقدمته أمريكا ينتظرون هكذا خطوة على أحر من الجمر، يغلب فيها التذاكي على الذكاء، ويغلب عليها الغباء حتى، وروسيا ليست أمريكا التي هاجمت يوغسلافيا عام 1999، واليابان بالسلاح النووي عام 1945، ومطار بغداد بالقنابل النووية المخفضة عام 2003، ولم يشهد تاريخها العسكري أنها لجأت للسلاح النووي المخفض بعد اختراعها والسوفييت القنبلة النووية الرادعة عام 1949، ولقد خاضت حروبًا في القفقاس، وفي جورجيا، والآن في أوكرانيا، وهي قادرة على النصر بسلاحها التقليدي الدقيق المتطور، ولا حاجة حقيقية لها للنووي المنخفض.
وماذا لو جازفت (كييف) بضرب الحدود الروسية بقنبلتها النووية المنخفضة ( القذرة) المزعومة؟ هل تضمن بعد ذلك لتصحو وتجد العاصمة (كييف) في مكانها؟ وفي المقابل هل الشعور بالخسارة يعني الذهاب إلى الانتحار؟ وماذا حقق غرب أوكرانيا من التحالف الخاسر مع (الناتو)؟ وماذا كان من الممكن أن تكسب لو أبقت على تحالفها مع روسيا والمنظومة السوفيتية العملاقة؟ اعتقد بموضوعية بأن المدرسة السوفيتية أكثر فائدة لغرب أوكرانيا، وأكثر عقلانية من تهور الغرب مجتمعًا، والتاريخ المعاصر شاهد عيان، و(كييف) بالنسبة للغرب ميدانًا لحربهم على روسيا بالوكالة وليست أكثر.
التعليقات مغلقة.