إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي حصيلة كذبة كبرى / المحامي محمد احمد الروسان

705

 

 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 15/10/2022 م …

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

== الكيان وزواله ونظام الإبادة الذاتيّة – الملك والثغرة الاستراتيجية.

== بيبي: يستخدم وسائل ستالين السوفييتي وغوبلز النازي.

كوادر الكيان الصهيوني المصطنع والطارئ، وفي جلسات عصف ذهني تناقش زواله وانتهائه وشطبه، ورموز المنظومة الأمنية المتآكلة، في مفاصل الدولة العميقة في “إسرائيل”، تؤكد أنّ العدو الحقيقي لها، هو نظام الإبادة الذاتيّة، وليس إيران وفلسطين وحزب الله، حيث “إسرائيل” تحتضن المفجّر والصاعق، الذي سيفجّرها تفجيراً من الداخل، انّه مجتمعها والعنصر الديني.

الإيرانيون والفلسطينيون، وحزب الله، هم ليسوا الأعداء الحقيقيين “لإسرائيل”، هذا القول لتامير باردو رئيس الموساد الأسبق، مؤكِّدا أنّ الإسرائيليين، هم أعداء أنفسهم، فالعدو الحقيقي وحسب ما يؤمن به، ليس ايران أو حزب الله أو فلسطين، بل الإبادة الذاتية، أوْ كما أسمى الظاهرة بمنظومة الإبادة الذاتيّة.

وأضاف: وتمتنِع اسرائيل عن علاج العدوّ الحقيقيّ، الذي يعيش داخلها ويأكل من خيراتها، وبعد ذلك، فجأةً ودون سابق إنذار، يحمل أمتعته مع عائلته ويُهاجِر من الكيان إلى إحدى الدول الأوروبيّة، أوْ إلى كندا والولايات المُتحدّة؟.

 عميق الدولة العميقة في الكيان الصهيوني، ما من شكّ، تُحاوِل إخفاء ظاهرة ما يُسّمى إسرائيليًا: بالهجرة المعكوسة أو المعاكسة، وبسبب صواريخ المقاومة الفلسطينية، التي باتت تشكّل تهديدًا كبيرًا لحياة الإسرائيليين، فانّ ثلث اليهود في إسرائيل، يؤيدون فكرة الهجرة، وعلى وجه خاصٍّ بعد المواجهة العسكرية مع المقاومة الفلسطينية في أيار عام 2021م.

ووفقاً لأرقام وزارة الاستيعاب الإسرائيلية، غادر “إسرائيل” 720 ألف مستوطن إسرائيلي، واستقروا في الخارج بصورة رسمية منذ مطلع عام 2021 م، وهذا العدد مُرشّح للارتفاع في هذا العام، بعد أنْ ضربت المقاومة الفلسطينية مفهوم الأمن القوميّ الإسرائيليّ في مقتل، وأصبحت، باعترافٍ إسرائيليٍّ رسميٍّ، كلّ بقعة مستباحة، وتحت مرمى صواريخ المقاومة من غزّة وحزب الله اللبنانيّ.

بالنتيجة: “إسرائيل” بدأت تتفكّك وتنهار داخليًا، بصورة متسارعة، حيث أنّ تدهور الجيش الإسرائيلي، بدأ من الرأس حتى القاع، أيْ من القيادة حتى الجنود، بسبب تفشي ظاهرة إدمان المخدِّرات والتجارة فيها، كذلك ادمان الجنس بين الجنود، ان لجهة اللواط بين الذكور، أو ممارسة السحاق بين المجندات، أو الزنا بين الجنود والمجندات، وبيع الجنود أسلحتهم لفصائل المقاومة الفلسطينية، للحصول على المال، وتصاعد منسوب هجرة الإسرائيليين إلى أوروبا وأمريكا، فهذا الصراع ضد الفلسطينيين خاسر، وسينتهي بنهاية دولة إسرائيل في نهاية المطاف.

كوادر الكيان الصهيوني يؤكدون: خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون، ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض الفلسطينية، إمّا مطارَدين وإمّا مقتولين، وصاحب الحظ السعيد، من يستطيع الهرب إلى أوروبا أو أمريكا، وفي نهاية المسار الاحتلالي آجلاً أم عاجلاً، فإنّ الإسرائيليّ، قد يجد نفسه يومًا ما يحزم أمتعته ويغادر “إسرائيل”، و وجهته يجب أنْ تكون أوروبا، وعليهم أنْ تستقبلهم كلاجئين، ويقول أحد الصهاينة الأمنيين: أعتقد أنّ هذا أفضل من أن نؤكَل أحياءً من العرب، وإنّ نسبة بقاء اليهود في “إسرائيل”، لن تتعدى 50%، وهذه النسبة، تُعَدّ جيدة، لأنّ الحقيقة أصعب من ذلك.

فهناك تراجع ملحوظ في الهجرة إلى إسرائيل، يوجد الآن إسرائيليون كثر يغادرون إسرائيل، فلقد سئموا من السياسة والفشل في ضمان الحماية لأنفسهم، عاجلاً أو آجلاً، هذا الوضع داخل هذه الدولة سينهار، ولا أرى مستقبلاً لإسرائيل في المدى الطويل: يقول أحد الصهاينة المهاجرين.

 إبراهيم بورغ رئيس الكنيست الأسبق يقول: إنّ إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيونيّ، وتتجه نحو الخراب، وعلى الإسرائيليين، امتلاك جواز سفر آخر، كما أوضح أنّه هو نفسه أمتلك جوازاً سفراً فرنسيًا.

انّ 55% من الإسرائيليين، يفكرون في الهجرة المعاكسة، أيْ مغادرة فلسطين والعودة من حيث أتوا، وطرحوا لذلك تفسيرات عديدة، كالتدهور الحاصل في إسرائيل لأسباب كثيرة ومتنوعة، منها: الوضع الاقتصاديّ، عدم المساواة، وخيبة الأمل بسبب تعثر التسوية مع الفلسطينيين.

اننا أمام ظاهرة متزايدة في المجتمع الإسرائيلي، تتمثل في نشوء طبقة متنامية من اليسار الإسرائيلي، تبتعد عن الصهيونية وإسرائيل، ويتراجع اهتمامها أقل فأقل بالدولة اليهودية، بل إنّها نفسها تدير خطابًا نشطًا يقظًا ضد المشروع الصهيونيّ بأكمله، يدعون لإعادة قراءة أحداث النكبة، والدولة الفلسطينية، وحقيقة حدود 48 و67، على حدّ تعبير كوادر الكيان الصهيوني.

انّ الكيان الذي اعتمد عددًا من الاستراتيجيات قد فشلت في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة، وهي تواصل السير في الطريق نحو فقدان هذا الحلم،  فإسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهذا ما يقلق ويقض مضاجع صنّاع القرار بالكيان الصهيوني، وأضاف أحد الإعلاميين الأمنيين، وهو مقرب من المنظومة الأمنية داخل أروقة الكيان الاستعماري الصهيوني: أنّه يُمكن أنْ يكون كلّ شيء ضائعًا، ويمكن أننّا اجتزنا نقطة لا عودة بالمطلق، ويمكن أنّه لم يعُد من الممكن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويمكن أنّه لم يعُد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم البلاد.

 وتابع هذا الكادر الصهيوني: إذا كان الوضع كذلك فإنّه لا طعم للعيش في البلاد، يجب مغادرة البلاد، لافتًا إلى أنّه إذا كانت الإسرائيليّة واليهوديّة، ليستا عاملين حيويين في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبيّ، ليس فقط بالمعنى التقنيّ، بل بالمعنى النفسي أيضًا، فقد انتهى الأمر، يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أوْ برلين.

وقال: انّ الإسرائيليين منذ أنْ جاءوا إلى فلسطين، يدركون أنّهم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونيّة، استخدمت خلالها كلّ المكر في الشخصية اليهوديّة عبر التاريخ، ومن خلال استغلال “المحرقة” وتضخيمها، استطاعت الحركة أنْ تقنع العالم بأنّ فلسطين هي أرض الميعاد، وأنّ الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحوّل الذئب إلى حمَلٍ يرضع، من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتى بات وحشًا نوويًا، مُشيرًا إلى أنّ الإسرائيليين: يُدركون أنّ لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضًا بلا شعب، كما كذبوا.

 أفيغدور ليبرمان وزير المال في حكومة الاحتلال، يصف رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، بقوله: انّه يستخدم وسائل ستالين السوفييتي، وغوبلز النازي، انضم له رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، رام بن براك، الذي أكد أن نتنياهو يمس بأمن إسرائيل، فيما حذّر رئيس الشاباك، من خطورة التصدعات الداخلية على إسرائيل.

وعلى خلفية تصاعد التوتر بين المعسكرين الصهيونيين المتصارعين على السلطة، يرتفع التراشق بينهما في محاولة لتغيير حالة التعادل، وهذا التراشق دفع رئيس المخابرات العامة(الشاباك) رونين بار، للقول خلال مؤتمر دراسي أكاديمي في جامعة رايخمان: إنّ التصدع داخل المجتمع الإسرائيلي، يلقي بظلاله على أمن إسرائيل، وينطوي على تشجيع لأعدائها، ويحذّر رئيس الشاباك، من أن تصاعد المقاومة ضد الاحتلال في الضفة الغربية، منوها إلى منع وقوع اكثر من 130 عملية فلسطينية فدائية، منذ بداية العام الجاري داخل الضفة الغربية.

وقال رام بن براك: إنه يصادق على كل كلمة قالها رونين بار، وأضاف: عندما يرى الأعداء من الخارج التفكّك الداخلي والمساس بالمناعة الاجتماعية ولحمة الإسرائيليين، فإنهم يقولون: لا حاجة لفعل الكثير، والمطلوب فقط تغذية هذه الحالة قليلا، وهم يقومون بالعمل نيابة عنا، حتى ينهاروا من الداخل.

 الكيان يفتقر الى قادة تاريخيين من زاوية الصهيوني، وكوادره تحذّر علانية، من حالة التشظي، وتؤكد أن مشكلة إسرائيل ليست إيران ولا حزب الله ولا حماس، فنحن نعرف كيف نواجه كل التهديدات المحيطة بنا بشكل جيد نسبيا، لكننا نقف مجددا أمام عجزنا عن ترتيب منظومتنا الداخلية وضمان استقرارها.

كثير من قادة وكوادر الكيان الصهيوني، يذهبون الى فكرة استراتيجية تتموضع في التالي: المتدّينون والعرب، سيقضون على “إسرائيل”، والدولة العبريّة لن تبقى للجيل القادم والحريديم هؤلاء: باتوا عبئًا على الكيان في جميع مناحي الحياة وتفاصيلها وتعبيراتها.

تلك النخب السياسية والعسكرية والمخابراتية في الكيان الطارئ على الجغرافيا ولسانها التاريخ، وبعيداً ان كانت في جلّها نخب فاسدة مفسدة، الاّ أنّها تتفق أنّ الدولة العبريّة لن تبقى للجيل القادم، وفقاً لكثير من الأسباب حسب تقديرها، ومبديةً تخوفها وقلقها من الزوال والتلاشي، لأسباب ومؤثرات داخلية، حيث أنّ معظم العبء الاقتصادي والعسكري في “إسرائيل” سيتحمله تقريباً 28% فقط من الإسرائيليين، وبهذه الطريقة لن ينجو المجتمع الإسرائيليّ ممّا ينتظره من مشاكل متعددة تقوم الى انقسام أفقي ورأسي وهو الأخطر.

 قادة وكوادر الكيان ونخبه يقولون: انّ هناك سؤالاً وجوديًا استراتيجيًا، حيث الكيان في أزمات، ومأزوم بعمق، وأوضحت أزماته، بتفاصيلها وتمفصلاتها مدى خطورته للسؤال: هل تتمتع “إسرائيل” بالتماسك الاجتماعي، والمرونة الاقتصادية، والقوة العسكرية والأمنية، والمرونة الاستراتيجية كذلك، التي سيضمن وجودها لتلك الهندسة الجيل القادم في الدولة العبرية، لغايات الاستمرار والبقاء؟!.

 هم يتحدثون عن الاتجاهات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تغير بالفعل شكل وجوهر كيانهم المصطنع، ويقدرون لها أن تعرّض وجودها للخطر خلال جيل واحد فقط، حيث يزداد الانقسام بين الإسرائيليين عمقًا بالمعنى الأفقي والرأسي وهو الأخطر(علينا كعرب بشكل عام، وعلى الفلسطينيين بشكل خاص، في الداخل الفلسطيني المحتل، تعميق هذا الانقسام ولو بالتحالف مع الشيطان أيّاً يكن)، وصار الانقسام بين اليمين واليسار مهيمنًا أكثر بكثير من الخلاف بين اليهود والعرب(هم يقولون ذلك)، ويضيفون: كما أنّ انعدام الثقة في أنظمة الحكم آخذ في الازدياد، والفساد ينتشر في الحكومة، والتضامن الاجتماعي ضعيف للغاية.

 وتشير كوادر الدولة العبرية ككيان صهيوني مصطنع، إلى أنّ القوة الإقليمية المسماة “إسرائيل”، غير قادرة على السيطرة على العديد من المناطق، موضحةً أنه وفقاً لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء، فإننا سنكتشف قريبا أنه بعد 40 عاماً تقريباً، سيكون نصف سكان “إسرائيل” من المتدينين والعرب، ومن المهم أن نفهم القاسم المشترك بينهما اليوم، ولماذا سيشكل مستقبلهما صورة “إسرائيل”، ويؤثر على قدرتها على الوجود خلال 30 إلى 40 عاماً مثلاً.

وتسهب النخب الصهيونية بقولها: انّ “الحريديم” باتوا عبئاً على الدولة العبرية، وأن منهم من باتوا منتشرين في الاتجاهات المعادية للصهيونية، وبالنسبة لهم، فإنّ إسرائيل في طريقها للخسارة، وأضافت تلك الطغمة الحاكمة في الكيان أنّه: إذا لم تتخذ “الحكومات الإسرائيلية” التالية على الفور، إجراءات مهمة ومحددة، من شأنها تغيير السلوك تجاه هؤلاء الحريديم، فإن عواقبها ستكون وخيمة وغاشمة ومدمرة.

وتتحدث النخب الفاسدة المفسدة في الكيان إلى أنه: بجانب الحريديم، هناك قبائل متعددة الهوية: علمانية تقليدية، قومية دينية، متشددة، مزراحيم(شرقيون)وأشكنازيم(غربيون)، والطبقة الوسطى والأثرياء والمحرومون والمهمشون، ممن يجدون صعوبة بتحمل العبء الزائد نتيجة عدم مشاركة الأرثوذكس اليهود في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، والخدمة العسكرية، والاقتصاد.

وهنا لا يحتاج المرء أن يكون خبيراً، ليفهم أنّ إسرائيل لن تقدر على البقاء اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا في هذا الوضع، بل أنّ الأسوأ من ذلك، أنّ الكثير من اليهود يفضلون العيش في مكان آخر من العالم، بديلاً عن “إسرائيل”، بدلاً من بلد يحصل في تقاسم الأعباء بشكل غير متكافئ بالفعل اليوم، والنتيجة أنّ “إسرائيل” لن تصمد أمام التهديدات المختلفة في المنطقة الصعبة التي تعيش فيها.

 الكيان الصهيوني يعيش حالة صراع عميق، واحتدام النقاش داخله، بين العلمانيين والمتدينين، مؤشر هام من عشرات المؤشرات الأخرى، والتي تحتاج الى دراسات لكي نوظفها ونولفها، لصالحنا كشعوب عربية حيّة، تسعى لشطب هذا الكيان وشلعه من جذوره، بعكس ما تسمى بالنخب العربية والتي في جلّها نخب فاسدة ومفسدة لا تقل فسادا وافساداً، عن نخب الكيان الصهيوني، إذْ أنّ المتدينين أعلنوا ما يمكن تسميته بالحكم الذاتيّ لهم داخل الكيان نفسه، إذْ أنّه لا يعملون ولا يُساهمون بتاتًا في الاقتصاد الإسرائيليّ، والأخطر من كلّ ذلك: أنّ الدولة تدفع لكلّ طالبٍ في المعاهد الدينيّة الخاصّة بهم 650 دولار شهريًا، الأمر الذي يُكلّف خزينة دولة الكيان مبالغ طائلة جدًا.

وأكبر خطأ وخطر نعيشه، هو أنّ القلائل منا درسوا المجتمع الاسرائيلي ونتعامل معه حسبما يريد هو ككتله واحده، مع أنّه ليس كذلك أبداً، ومصلحتنا أن نتعامل مع كل مكون في اسرائيل على حدا بمعايير مختلفة، أليس في تراثنا قول( فرق تسُد) ونحن لا نستعمله الاّ على أنفسنا.

بالمناسبة، الاسرائيليون يرفضون التعامل معنا كعرب ككتلة واحدة، بل يخاطبون الاردني والمصري والسوري واللبناني… الخ، كلّ منّا، بمعايير مختلفة تماماً، فلماذا لا يحق لنا أن نفعل مثلهم مثلاً، الحسين رحمه الله كان مدركاً لهذه الثغرة الاستراتيجية ويعمل عليها، وأعتقد أنّ الملك عبد الله الثاني يدرك ما أدركه الحسين، ويحاول تطوير أدواته في اللعب على هذه الثغرة الاستراتيجية، عندما تحين اللحظة الاقليمية.

وعندما قال السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، انّ اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، لم تكن رساله للعرب، بقدر ما كانت هي رسالة مدروسة، للمواطن الاسرائيلي، مفادها التالي: درسنا مجتمعكم ومواطن قوتكم ونقاط ضعفكم، وأنصحكم بمغادره هذا الكيان المصطنع قبل فوات الأوان، هذا المفهوم الاستراتيجي استوعبه أيضا مقاتلوا غزّه المحاصرون، وأجروا التغييرات النوعية التي تتطلبه.

من الناحية العسكرية الصرفة، فانّ قائداً عربياً أردنياً آخر، أدرك بذكاء وحنكه فهو ابن ملك حقيقي، مكمن ضعف اسرائيل، رغم حجم ترسانتها العسكرية الضخمة، وهو الامير عبد الله بن الحسين، الذي أصبح ملكاً للأردن، وسعى منذ كان قائداً للقوّات الخاصة في الجيش العربي الاردني، لتزويدها بقدرات نوعيه تجعلها قوّه ضاربه في العمق الاسرائيلي، اذا وقع صدام عسكري ما لاحقاً، بما يعيد انتاج وخلق وتخليق أهداف تلك الحدود الطويلة، بين الاردن والكيان الاسرائيلي، من نقطه ضعف ضدنا، لنقاط اختراق، تشل حركه جيش اسرائيل النظامي.

وكأنّ الملك عبدالله الثاني عندما كان أميراً وقائداً للقوّات الخاصة في الجيش العربي الأردني، استلهم فكرته حول التفعيل ومفاعيل وتفاعلات واعادة بناء هذه القوّات العسكرية الخاصة كتنظيم عسكري محترف، من فكرة الشهيد وصفي التل، والتي تمثلت في أنّه لا يمكن شطب هذا الكيان من جذوره هنا عبر جيش نظامي مقابل جيش نظامي، الاّ عبر حرب عصابات دخول وخروج وهكذا، ولدينا حدود هي الأطول، وتحويلها الى عنصر قوّة بالمفهوم الاستراتيجي الايجابي لمملكتنا الاردنية الهاشمية.

وتقول المعلومات هنا بالذات، انّ الأمير عبد الله حينها، كان منزعجاً على الدوام وبشكل مطلق، لأنّ جهات تقليديه بلا رؤى عسكرية وسياسية وأمنية هنا في الداخل الاردني، كانت لا تشاركه رويته، وتحبط مساعيه لتطوير القوّات الخاصة في جيشنا العربي، وما أن تولى مسؤوليته كملك والقائد الأعلى للجيش العربي الاردني، حتّى حقق حلمه، وطوّر بشكل كبير وعميق، اعداد وقدرات القوّات والعمليات الخاصة، بل أصبح الاردن مركزاً دولياً للتدريب في هذا المجال .

وأحسب وفي المعلومات، أنّ مجتمع المخابرات الاردني له باع وباع طويل، في  أهمية دراسة المجتمع الاسرائيلي، والتعامل مع كل مكون منه على حدا، لكي ندرك نقاط قوّة وضعف كل مكون، من أجل فهم وتفكيك هذا الكيان الذي صنعه الغرب، خدمةً لمصالحه، ومسخرًا هذا الغرب العرب واليهود في صراع مستدام لذلك .

“اسرائيل” تحمل بذور فناؤها في ومن داخلها، “اسرائيل” وجدت لتزول، وما حديث ونقاشات كوادرها وقادتها، ما هو ألا تأييداً وموافقةً، مع تلك المقولتين، التي لم يعد يتكلم بهما أحد.

 ولسان التاريخ القديم يقول: بأن “اسرائيل”، سادت كدولة قوية في المنطقة حوالي سبعين الى ثمانين عاماً، زمن الملك داوود وابنه سليمان الذي انقسمت من بعده الدولة على نفسها الى دولتين متحاربتين، تم القضاء عليهما من قبل الأشوريين ونفي معظم سكانها الى بابل، ولم تقم منذ ذلك الحين أية قائمة لدولة اسرائيلية أو يهودية قوية لغايه عام 1989 م.

 لو نظرنا الى دولة “اسرائيل” القوية حالياً، والتي استطاعت السيطرة على سياسات العالم بمعظمها وتوظيفها لصالح بقائها واستمراريتها، لوجدنا فيها من التناقضات والانقسامات والتجاذبات في داخلها، أكثر بكثير مما كان في الدولة القديمة التي دامت ثمانين عاماً فقط، زمن داوود وسليمان، والتي كان غالبية سكانها متجانسين ذوي أصول واحده، منتمين الى الأرض الموجودين عليها، رغم أن تلك الأرض كانت بالأصل مسيطر عليها، من أصحابها الأصليين من الشعوب الكنعانية وغيرها.

انّ كيانات التجزئة العربية نتاجات سايكس بيكو كلّها في مخدع الكيان، والعلاقات بينهم، وضعيات الكاماسوترا الجنسية المعروفة بحبل سريّ، حيث كان التوليد معاً والنهاية ستكون معاً.

وفي هذه اللحظة العربية الحرجة، وهي أنضج لحظة لإخصاب شبق وعينا العروبي الثوري بحقيقة أنّ سايكس بيكو وبلفور ربطا انشاء ومصير أنظمة وساحات التجزئة والكيان معاً.

الكيان اللقيط، عدو لأنّه يغتصب أرضنا ووطننا، وأمريكا عدو لأنّها تقف وتدعم مع من يغتصب أرضنا ووطننا، تسقط معاهدة كامب ديفيد، تسقط معاهدة وادي عربة، يسقط الاتفاق القطري مع الكيان، يسقط الاتفاق الاماراتي مع الكيان، ويسقط اي اتفاق من الجانب العربي والاسلامي لاحقاً مع الكيان ومرةً واحدة والى الأبد.

السادس والعشرين من أوكتوبر من كل عام – 26 – 10 – 2022 م، يوم حزين بالنسبة لي على المستوى الشخصي على الأقل، الذكرى المشؤومة لتوقيع معاهدة وادي عربة بين النظام الرسمي الأردني بكارتلاته وتمفصلاته مع الكيان الصهيوني، وفي ظل قرار الدولة الأردنية الشهير، والذي صدر باسم الملك، بإنهاء ملحقي الباقورة والغمّر واستعادتهما، مما يقود إلى بدء معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية واستخباراتية مع هذا الكيان، وفي ظل كثرة “الكلام” هذه الأيام وعلى لسان الجميع في العالم، وفي وسائل الميديا الأممية وعلى مختلف مشاربها، حول الحرب المزعومة على عروق الإرهاب المصنّع والمدخل والمبرمج في المنطقة وتداعيات ذلك وعقابيله، مع إحداثيات العمليات السريّة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية العدوانية، والتي ما زالت على سورية والعراق ولبنان والمنطقة، وفي ظل احداثيات ومسارات ومسارب، العدوان التركي على الشمال والشمال الشرقي السوري، وعبر الاستثمار في الإرهاب من خلال مجتمعات الدواعش، ان في سورية، وان في العراق، وان في لبنان، حيث الامريكي بكل وقاحة يسعى الى اقامة قاعدة عسكرية له بالقلمون اللبناني السوري المشترك لأهميته الفوق استراتيجية، حيث الوجود العسكري الامريكي عبر القواعد العسكرية، موجود في جلّ مناطق الشرق باستثناء ايران ولبنان.

ومن خلال استثمارات الورقة الكورديّة، وما يجري في كواليس محور التآمر على المنطقة، نجد بأنّ كبار المسؤولين الإسرائيليين الصهاينة يؤكدون، بأن القوات الإسرائيلية الحربية الصهيونية، قد أكملت استعداداتها اللازمة لجهة القيام بأي ضربة عسكرية مستقبلية خاطفة، ضد المنشآت النووية الإيرانية.

 اذاً بعد مرور أكثر من ثمانية وعشرين عاماً، على التوقيع على معاهدة وادي عربة، لا يمكن القول إن الشعور العام المقاوم في الأردن، بخصوص الصراع مع الكيان قد تلاشى، ولكن ما يمكن الجزم به أن هذا الشعور ما زال يتعرض لهزات واحتواءات يديرها كارتل النظام الرسمي الأردني، هزّات من ابتكاره أحياناً، أو نسخ من تلك التي ينتجها النظام العالمي أساساً.

 ومع كل أسف انّ اعلامنا الرسمي في الأردن في جلّه، وبعض الأعلام الخاص، هو اعلام التسلية الرائج والذي يصوغ أذهان البشر ضمن منطق واحد، وهذا المنطق تحت التكرار المستمر، والتعرض المستمر لقصف إعلام التسلية، يتلقى لاحقاً الأحداث المفجعة على وتيرة الاستجابة نفسها دون إحساس عميق بعمليات التفكيك التي لحقت بأصحابه من الداخل.

إعلام التسلية ودعاية الأمن والأمان، وأكذوبة السلطة الذكية المتحاذقة لحماية البلد الآمن في وسط ملتهب، جميعها جعلت الشعور العام المقاوم شعوراً فقط لا يحال إلى فعل، وهذا الشعور الذي لا يحال إلى فعل هو شعور حدثي طارئ، لحظي أو موسمي، والأهم أنه مفكك وغير منهجي أو شامل.

فحتى يصبح هذا الشعور منهجياً ومستمراً، لا بد أن يربط بعداء يومي للكيان، ولا بد أن يربط بالتضامن اليومي مع الأسرى، وبالتفكير اليومي لتحرير الأرض المغتصبة، وكل هذا يتطلب ممارسة يومية، وبيئة حاضنة من الصدامات العملية المتكررة مع الكيان، هذا ما تمنعه السلطة في بلادي الأردن، وتحاول دائماً تجنبه والبقاء بعيداً جداً عن تخومه، بعيداً عن نمط الحياة اليومي القائم على بغض الاحتلال ومحاولة تحرير الأرض.

 الصورة الكلية، التي صنعتها السلطة في بلادنا للأردنيين، أنهم الأبعد عن الاشتباك، مع أنهم الأقرب إليه جغرافياً، ونجحت في منع إحالة الشعور العام المقاوم إلى فعل مقاوم، عبر إعلام التسلية ودعاية الأمن والأمان، والسياسة الذكية، وصناعة الأحداث الاستثنائية، وبناءً على ذلك، يمكن القول إن وادي عربة كانت نتيجة ولم تكن حدثاً تاريخياً، وسبقها الكثير من التمهيدات على هذا النحو، ومنها الاتصالات العسكرية والمخابراتية وغيرها وان كنت على معرفة بعض تفاصيلها.

ما يلزمنا كأردنيين للخروج من وادي عربة وتطوير قرار الدولة الذي صدر باسم الملك منذ سنوات، هو المزيد من أجواء الاشتباك الإيجابي والتوعوي والفكري والنقدي، وكل اشتباك ايجابي هو نقدي بالضرورة،   اذاً الوعي الحقيقي هو وعي مشتبك، ولكنه شقيّ أبداً، لأنّ حامل الوعي المشتبك نقدي بالضرورة كما أسلفنا، لا يكتفي بأن يكون له وجوده، بل يصر على أن يكون له حضوره، والحضور اشتباك لا محاله، ونزعم أنّ وعينا وعيّ مشتبك، وهذا كلّه من شأنه أن يحوّل الشعور العام الكامن إلى فعل، وهذا ما ستحاول السلطة تجنبه دائماً، ولكن ما تحاول تجاهله السلطة في الأردن هو أنّ التاريخ والجغرافيا ستنتقم من أكاذيب الإعلام وخاصةً اعلام التسليّة، حيث إعلام التسلية في عالم السياسة هو نوع من أنواع إحالة الكارثة إلى سخرية لاذعة من الذات، وتحويلها إلى ما هو مضحك، وحادثة التسلية تلك إلا تعبيراً آخر عن إحالة الفاجعة إلى حدث سينمائي ومسلي.

*عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

هاتف منزل – عمّان : 5674111      خلوي : 0795615721

سما الروسان في 16– 10 – 2022 م.

 

 

التعليقات مغلقة.