مؤتمر غلاسكو … “انقاذ البشرية” بين الخطابات والوقائع / غازي أبو نحل
غازي أبو نحل* – الإثنين 15/11/2021 م …
* رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: NestInvestments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية …
قد تكون الملكة اليزابيت الثانية محقّة حين استبقت قمةالمناخ السادسة والعشرين التي عُقدت في غلاسكو،وعبّرت عن استيائها من قادة العالم الذين «يتحدثون ولايفعلون شيئاً». فهؤلاء لم يتنازلوا ويستقلوا طائراتتجارية، تعبيراً عن تضامنهم مع الشعوب المنكوبةبالحرائق والفيضانات والعواصف الهوجاء، بل استخدمواما يزيد على ١٨٢ طائرة خاصة، وحملوا معهم السياراتوالمروحيات والمعدات الثقيلة. الرئيس الأميركي جو بايدنوحده، سار في موكبه 85 سيارة مرافقة، مما يعني أنحفلة انبعاث الغازات السامة، كانت على أشدّها فيأجواء غلاسكو. قد يبدو الأمر هامشياً، لكن رمزيته كبيرة. هذا يشبه تبرّع جيف بيزوس بملياري دولار، عطفاً علىالبيئة، بعدما رأى حنان الأرض في رحلته من الفضاء الخارجي، فيما «أمازون»، متهمة بأنها على رأسالشركات التي تبث السموم في الفضاء.
موقف الملكة اليزابيت كان ترافق مع مناشدة مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيغا قادة العالمالقيام بخطوات اكثر للحفاظ على هدف وقف زيادة درجةحرارة الارض عند 1.5 درجة مئوية، وخفض الانبعاثاتالكربونية “من باب العدالة والمسؤولية التاريخية ” وتقديم100 مليار دولار سنوياً للدول منخفضة الدخل لتعويضتكلفة التخلي عن الوقود الاحفوري… والاهم “معالجةالفجوة بين الطموحات والسياسات“.
على وقع الانتقادات في اساليب المعالجة والوقائع الطبيعيةوالمناخية القاسية، قطف مؤتمر المناخ في غلاسكو اولىثمار قمة القادة التي استمرت يومين، مع الاعلان عنتعهدات بحماية الغابات وخفض الانبعاثات ودعم التمويلالاخضر، بعدما اكدت 114 دولة التزامها وقف ازالةالغابات وانحلال التربة بحلول العام 2030، فيما تعهدت١٠٠ حكومة على الاقل خفض انبعاثات الميثان بنسبة ٣٠ في المائة بحلول الموعد نفسه، مع تعهّد بسعي دائم لتعزيزالشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص لتوسيع نطاقتطوير التقنيات النظيفة ونشرها وتسريع اعتمادها خلالالاعوام المقبلة، بما دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريسجونسون، الذي نظمت بلاده الدورة الـ26 لمؤتمر الاطرافللمناخ في غلاسكو، للقول انه “متفائل بحذر” حول تقدممفاوضات المناخ، مشيراً الى ان الطريق لتحقيق اهداف“كوب 26″ لا تزال طويلة. وفيما لا تزال التعهدات التيأُعلن عنها في المؤتمر بعيدة عن تطلعات اتفاق باريسالتي تسعى غلاسکو إلى تحقيقها، فإنها تعّد مقياساًلنجاح «قمة القادة» الذي اجتمعوا حضورياً في «المنطقةالزرقاء» في تحقيق تقدّم باتجاه حماية البيئة، وحصراحترار الأرض بـ1.5 درجات مئوية، كما أعطت دفعة قويةللمفاوضين الذين سينخرطون في محادثات معقدة خلالالأيام المقبلة، في محاولة للتوصل إلى إجماع دولي حولتخفيض الانبعاثات الكربونية، والتزام حاسم بتمويل جهودمكافحة المناخ في الدول النامية بمائة مليار سنوياً. وقالجونسون مخاطباً المفاوضين: «قد يكون قادة العالمغادروا غلاسكو، لكن أعين العالم تتجه إليكم.
في الواقع، ان خطة خفض انبعاثات الميثان قد اعطتجرعة تفاؤل، اذ التزمت اكثر من مائة دولة، بينها بعضأكبر المسؤولين عن الانبعاثات كالبرازيل ونيجيريا وكندا،بخفض انبعاثات الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئةالرئيسية المسببة للاحترار العالمي، بنسبة 30 في المائةبحلول عام ٢٠٣٠. وعدّت الرئاسة البريطانية لـ«كوب ٢٦» هذا الالتزام، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيوالمملكة المتحدة، «حدثاً تاريخياً» يشمل ما يصل إلى 40 في المائة من انبعاثات غاز الميثان العالمية. ومن منبرشاركته مع الرئيس الأميركي جو بايدن قالت رئيسةالمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن «الميثان هوأحد الغازات التي يمكننا خفضها بشكل أسرع» منغيره، لافتة إلى أنه مسؤول عن «نحو 30 في المائة» منارتفاع درجات حرارة الأرض منذ الثورة الصناعية، فيماعدّه بايدن «أحد أقوى الغازات الدفيئة». وأضاف سيدالبيت الأبيض أن الدول التي وقعت هذا الالتزام تمثّل70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أنه من شأنالوفاء بالتعهد العالمي لخفض الميثان أن يتراجع الاحتراربما لا يقل عن 0.2 درجة مئوية بحلول عام 2050 «ممايوفر أساساً لجهود التخفيف من آثار تغير المناخالعالمي». وتابع البيان أنه وفقاً لتقييم تحالف المناخوالهواء النظيف (CCAC) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة(UNEP) ، فإن تحقيق هدف ۲۰۳۰ من شأنه أن «يمنعأكثر من مائتي ألف حالة وفاة مبكرة، ومئات الآلاف منحالات الربو التي تستلزم عناية طارئة، وأكثر من ٢٠ مليون طن من خسائر المحاصيل سنوياً، بحلول عام2030».
فيما قادة العالم منشغلون في البحث عن كيفية درءالاضرار الناجمة عن التغيرات المناخية وكيفية توفيرالحلول الملائمة لها، نتوقف عند ثلاثة معطيات من شأنالاخذ بمضامينها احداث التحول العالمي المطلوب فيهذا المجال.
اولاً: المعطى السياسي، حيث لا يشكّ أحد بأن مواجهةالتغير المناخي لا يمكن ان يتم من دون تعاون أمميعالمي جاد، لأن الخطر محدق بالإنسان حيث وُجد علىسطح الأرض، وهذا التعاون يتطلب سياسات مُبتكرة وتعاوناً جاداً، الأمر الذي سيفتح السياسة العالمية علىنهجٍ جديد يقوم على التكامل والتكاتف بين جميع الدول،والذي سينتج عنه عقد ٌسياسي قائم على العمل من أجلالتنمية المستدامة للجميع، والتي ستتطلب إقالة عثراتكثيرة من الدول، التي لا قوة لها على مثل هذه الخططوالبرامج، لتبن العلاقات السياسية بين المجتمع الدوليككل على تفاهمات مستحدثة تتناسب مع العصر الجديدومتطلبات المرحلة، من هنا اهمية تنفيذ ما اتفق عليه في القمة والمتعلق بتوفير المساعدات المالية للدول الفقيرة.
ثانياً: المعطى العلمي، حيث الواقع الجديد يتطلب بحوثاًودراسات علمية غزيرة منتظمة للبحث عن موارد الطاقة النظيفة ورفد المتاح منها بما يعزز استدامتها وسهولة الوصول إليها، بالإضافة إلى كثير من الأبحاث والتجارب العلمية بغية الوصول إلى تكنولوجيا أكثر تطوراً، من شأنها المساعدة في تعزيز الواقع البيئي والطبيعي واحتواء التغير المناخي الناتج عن ارتفاع حرارة الكوكب لأكثر من درجة مئوية، والذي يتطلب ابتكارات وتطبيق البرامج الأنجع في تحقيق الرفاه للإنسان، مع الحفاظ على موارد الأرض والعمل على رفدها بأسباب بنائها واستدامتها.
ثالثاً: المعطى الاقتصادي، المتمثل في توفير موارداقتصادية ضخمة لتمويل الابحاث والدراسات العلميةالتي تسعى للابتعاد عن الطاقة الاحفورية الاكثر سهولة،والوصول الى ابتكارات واكتشافات جديدة تترافق معتكنولوجيا اكثر تطوراً، الأمر الذي سيفتح أبواباً جديدةللاستثمار، من شأنها تغيير وجه الاقتصاد العالمي، الذي سيكون أمام متطلبات مستحدثة واستثمارات من نوع جديد، لا سيما فيما يخص الطاقة المتجددة، وسبل توظيفها التوظيف الأنسب للتخلص نهائياً من الطاقة التقليدية القاتلة، بالإضافة إلى علوم الفضاء، التي ستزدهر في رحلة البحث عن البيانات والموارد خارج الكوكب، ما سيفتح المجال لاقتصاد خلّاق لا يقف عند حدود الأرض.
في غلاسكو، دعا الامين العام للامم المتحدة انطونيوغوتيريش القادة المجتمعين الى “انقاذ مستقبلنا وانقاذالبشرية، فيما رأى الرئيس الامريكي جو بايدن وسط“الكارثة المتنامية” “فرصة رائعة، ليس فقط للولايات المتحدةوانما لنا جميعًا“.
العالم اليوم يقف عند نقطة تحول تخوله السير في طريقالانقاذ ولديه القدرة على الاستثمار في الطبيعة من اجلبناء مستقبل عادل. وفي الطريق الى ذلك يمكن للقطاعالخاص عموماً وشركات التأمين خصوصًا ان تلعب دورًاايجابياً، وهو ما سيكون عليه موضوع مقالنا المقبل.
التعليقات مغلقة.