“بيروبيجان”وطن آخر لليهود.. باق إلى الآن / موسى عباس

714

موسى عبّاس ( لبنان ) – الإثنين 31/5/2021 م …
في خضم الصراع بين محور المقاومة والكيان الصهيوني وحلفائه وبعد هرولة أعراب التطبيع  إلى التوقيع على  إعلان “صفعة القرن”التي كانت تهدف إلى إجهاض القضيّة الفلسطينية برزت العديد من الخطط والطروحات تحت شعار حلّ عادل ينهي زمن الحروب في المنطقة ، ومن بين تلك الطروحات والخطط التي لا يعلمها الكثيرون ، ما قدّمته الناشطة السياسية الإنجليزية “ميشيل رينوف“والتي تتلخص في :
“عودة اليهود من فلسطين إلى جمهوريتهم الأولى في “بيروبيجان” في أقصى الجنوب الشرقي لروسيا الإتحاديّة”.

وتؤكد رينوف أن الجمهورية قد أقيمت بدعمٍ وتشجيع من يهود أمريكا أنفسهم، من خلال هيئة كانت تضم في عضويتها عالم الفيزياء “اليهودي آينشتاين والكاتب الأمريكي اليهودي المعروف غولدبيرغ”
 
-قصّة جمهوريّة اليهود الأولى”بيروبيجان”
 كان حلم اليهود هو إنشاء وطنٍ قوميٍ لهم في شبه جزيرة القرم (المتنازع عليها حاليًا بين أوكرانيا وروسيا)، ووفقًا لما جاء بالقاموس الموسوعي للصهيونية وإسرائيل، “فقد كانت أنظار اليهود وكثير من قياداتهم معلقة على منطقة “القرم”، وهو ما دعا إليه رئيس الجمعية اليهوديةحينها المدعو :
“يوري لارين”،الذي أعرب عن أمله في استيعاب 400 ألف يهودي في مجال الزراعة هناك في القرم”.
ووفقًا لما ورد في القاموس الموسوعي أيضاً فإن أحلام اليهود ذهبت سُدىً بعدما أعلن ستالين رفضه شبه جزيرة القرم لتكون مخصصة لليهود، وقال :
“إن اليهود سيكون لديهم أرض ولكنها ليست القرم، وقد أنحى باللائمة على الأوكرانيين والبلاروسيين والقوميين ومناهضي السامية هناك في شبه جزيرة القرم، والذين كانوا لا يريدون أي جزء من الحكم الذاتي اليهودي داخل أراضيه”.
كانت الحكومة السوفيتية بقيادة ستالين تهدف في ذلك الوقت  إلى أمرين:
– الأوّل حشد الدعم من المؤسسات الخيرية اليهودية في الخارج وجلب العملة الأجنبية للاتحاد السوفياتي.
-الثاني هو أنّ ستالين كان يعلم  مدى تأثير اليهود على حكومات  معظم الدول التي يقيمون فيها بما يمتلكون من قوّة تأثير مالية اقتصادية، ولذا سعى لإبعادهم عن مراكز القرار العالمي  وتقليص نفوذهم فيها.
-المقاطعة اليهوديّة:
على بعد خمسة آلاف كيلومتر من مدينة موسكو عاصمة روسيا الإتّحادية في أقصى الشرق الروسي تقع مقاطعة ” إيفريسكايا افتونومايا أوبلاست“أو المقاطعة اليهوديّة باللغة الروسيّة جمهورية“بيروبيجان”،وهي أوّل أرض تجمّع فيها يهود من جميع أنحاء العالم،حيث كان “ستالين” في العام 1928 قد أنشأها لتكون موطناً لليهود من جميع انحاء العالم وأرسل لتلك الغاية مبعوثين عنه إلى الدول الأوربية والى الولايات المتحدة الامريكية وإلى فلسطين حيث كان يعيش غالبيّة يهود العالم ليبلّغهم أنّه أي “ستالين” قرّر أن يمنح اليهود جمهورية مستقلة لها حكم ذاتي تكون موطناً دائماً لهم أسوةً بباقي الإثنيّات التي كانت تعيش في الإتحاد السوڤياتي وأنّه يعترف بالوضع الخاص بهم وأنّ بإمكانهم بناء مدارسهم الخاصة يتعلّمون فيها بلغتهم الأصلية لغة “البديتش”وهي اللغة العبريّة، وتشجيعاً لليهود على القدوم إلى تلك الجمهورية أعلن “ستالين” عن منح كلّ يهودي مبلغ 600 روبل عند وصوله ليساعده على تأمين إستقراره ،وهو مبلغ كبير قياساً على قيمة العملة في تلك الأيّام، كان ذلك قبل 20 سنة من إعلان الصهاينة عن تأسيس كيانهم  العنصري في فلسطين بعد احتلالها وتسليمها لهم من قبل الإستعمار البريطاني.
شجّعت الحركة الصهيونية التي كانت تعمل بالتعاون مع الحكومات الأوروبية على تهجير اليهود من أنحاء العالم وإرسالهم للإستيطان في فلسطين دعوة “ستالين” وحرّضت يهود أوروبا  وأمريكا على السفر إلى “بيروبيجان” علّها تكون تجربة استيطانية ومحطّة تمهّد للإستيطان في فلسطين التي كانت المنظمة الصهيونية العالمية تعمل على اغتصاب أرضها بالتعاون مع الإحتلال البريطاني، وبناءً على ذلك أعلن رئيس المنظمّة الصهيونية حينها “حاييم وايزمان “تعليقاً على إعلان “ستالين”:
“إنّنا نبارك ونحيّي هذا المشروع، ولكنّه ليس بديلاً عن التفكير في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، بل نعتبره تجربة أولى لفكرة الوطن القومي اليهودي الذي نعمل على إنشائه”.
“الجدير بالذكر أنّه في 18 أيّار 1948 أي بعد أربعة أيّام فقط من إعلان إنشاء دولة الكيان الصهيوني  أعلن الإتّحاد السوڤياتي منحها اعترافاً قانونياً كاملاً” .
وهكذا هاجر  إلى “بيروبيجان”عدد كبير من يهود أمريكا الجنوبية ومن يهود الولايات  المتحدة الاميركية ومن العديد من دول العالمية بحثاً عن فرصة أفضل للعيش، وقد ذكر المؤرّخ اليهودي “دايڤيد وزيرمان”
 في كتابه (كيف كانت)،أنّ :
 “ما يزيد على 41 ألف عائلة يهودية وصلت إلى بيروبيجان بين أعوام 1928 ــ 1938، واستقرت فيها.
-الهجرة المُعاكسة:
لكن سُرعان ما بدأ اليهود الهجرة من “بيروبيجان” إلى فلسطين بعد أن قامت إحدى أغنى المؤسسات التابعة للحركة الصهيونية في مدينة “بيروبيجان”وكانت تُدعى “سوكنوت” والتي كانت تًعتبر أحد أهم أفرُعْ الوكالة اليهودية في الإتحاد السوڤياتي قامت بنشر دعاية واسعة عن”أرض الميعاد” إضافةًًًّ إلى تقديم مساعدات مالية كبيرة لليهود وتكاليف السفر بالطائرة من”بيروبيجان”إلى فلسطين ،وهكذا غادر غالبية اليهود للإستيطان من جديد  إلى فلسطين.
– التعتيم الإعلامي :
 يتهّم الإعلام الصهيوني “رينوف“التي أعلنت عن موقفها في خطاب أمام البرلمان البريطاني والتي أنشأت منظّمة لتحقيق هدفها الذي هو حلّ للقضيّة الفلسطينية بأنّها معادية للساميّة وتتنكر”للهولوكوست”،
وتواجَه بتعتيم  إعلامي كبير حيث يعمل الصهاينة من خلال تأثيرهم على وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة الاميركية وفي أوروبا  على منع نشر أو مناقشة أيّ مسألة تتعلّق بهذا الطرح، والسبب هو أنّ الصهاينة يخشون من حساسيّة وتأثير  تلك المسألة  على مستوى  زيادة الوعي لدى الرأي العام العالمي وبالتالي زيادة نسبة التأييد لحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه المغتصبة،
ومع الأسف فإنّ الإعلام العربي غائب أو مُغيَّب عن هذه الحقائق.
-تحقيق الوعد الإلهي:
يقول جلّ وعلا في القرآن الكريم في “سورة الأعراف”الآية 169 متحدّثاً عن حال اليهود بعد طردهم من فلسطين على يد ملك بابل “نبوخذ نصّر “:
*وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ*.
ويعدهم عزّ وجلّ في سورة الإسراء الآية 7:
* إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرةِ لِيَسُوؤواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً*
بعد ما جرى في معركة “سيف القُدسْ”
منذ بضعة أيّام أعتقد وكما يعتقد ويرجو الكثيرون أنّ تحقيق الوعد الإلهي الختامي لم يعد بعيداً بإذنه تعالى فظروف إنجازه قد بانت تباشيرها.

التعليقات مغلقة.