قدح المقامات العليا في الأردن / د.انيس الخصاونة

271

د.انيس الخصاونة ( الأردن ) – الخميس 18/2/2021 م …

معظم قوانينا ومنظومتنا التشريعية الناظمة للحريات الفردية والعامة ومنها حرية التعبير والنقد السياسي والإداري للشخصيات العامة والقيادات المختلفة في أجهزتنا ومؤسساتنا السياسية والبيروقراطية تتضمن نصوصا تمنع من قدح المقامات العليا لا بل تجرم هذا السلوك في بعض الأحيان كما هو الحال إذا طال النقد أو القدح مقام جلالة الملك أو عائلته أو فئات أو مناصب معينة في الدولة الأردنية. والسؤال الذي يبرز هنا من هي المقامات العليا المقصودة بهذا النص غير مقام جلالة الملك وعائلته؟ هل مدير الشرطة ومدير دائرة ضريبة الدخل أو مديرالأحوال المدنية في إحدى المحافظات يعتبر من المقامات العليا التي يعتبر التعرض لتصرفاته وانتقاد عائلته وأولاده قدحا في المقامات العليا؟ هل الكتابة بخصوص بعض السلوكيات أو التصرفات الشخصية الملفتة للنظر للنواب والوزراء ورئيس الحكومة والقضاة وأبنائهم وعائلاتهم يعتبر قدحا فيهم؟ ثم ما هو الخط الفاصل بين النقد وبين القدح ومتى يصبح النقد قدحا ؟وهل لنا أن ننتقد المسئولين إذا رأينا امتيازات تتحقق لأبنائهم أو عائلاتهم مثل التدخل في عمل أهلهم وآبائهم وأزواجهم أو زوجاتهم أو الإفادة من علاقات وهيبة وسمعة صاحب المقام الرفيع قاضيا كان أو وزيرا مسئولا عن عطاءات أو مدير مخابرات أو رئيس جامعة أو غيرهم؟ أليس أصحاب المقامات العليا بشر من خلق الله حملتهم أمهاتهم تسعا وأرضعتهم حولا أو حولين يأكلون ويشربون، يعملون ويخطئون، يحسنون ويسيئون، فيهم بذور الخير وفيهم أيضا بذور الشر، ولكل منهم ملاكة وشيطانه الذي يوسوس له؟ ثم كيف أن بعض النقد لبعض الناس لا يرقى للقدح في المقامات العليا في حين أن نفس النقد إذا وجه لشخص آخر له سلطة أو جاه يعتبر جريمة يحال فيها إلى محكمة أمن الدولة؟ أعتقد أن التشريعات المتصلة بالمقامات العليا والقدح فيها هي تشريعات لا تنسجم مع قيم الحرية والمساواة والعدالة التي ننادي فيها نحن في الأردن حيث أن دستورنا يساوي بين كل الأردنيين .

أما إذا كان المقصود بالمقامات العليا التي لا يجوز القدح فيها هو جلالة الملك وعائلته فأنا لا أعتقد أنه جلالته بحاجة لأية قوانين للمحافظة على مقامه عند الأردنيين بكل أطيافهم ومشاربهم ،فهو لا يحتاج لمثل هذه القوانين والتشريعات التي لم تعد تعكس روح العصر وقيم الحرية التي ننشدها .

إنني لا أعتقد أن الملك يسره بأن تكون عقوبة من يسئ أو يتعرض لمقامه أكثر غلظة وقسوة من عقوبة من يسئ أو يشتم الذات الإلهية في العشرة الأواخر من رمضان والعياذ بالله. كل البشر معرضون للنقد والتجني والإساءة والتجريح خصوصا من كان قدره أن يكون في مواقع المسؤولية . الملك جاب الدنيا كلها ودرس في الجامعات الغربية الراقية في الولايات المتحدة وبريطانيا معاقل الحرية وبيوت الديمقراطية التي يمكن للفرد أن يتعرض لأي شخص في أي موقع من رئيس الدولة إلى موظف البلدية . من المؤسف أن يتم استخدام هذه التشريعات من قبل السلطة التنفيذية بشكل انتقائي وكيدي وتعسفي للإيقاع بشاب أو شابة أو صحفي متحمس أو ناقد أو ناشط سياسي قلبه على الوطن.

بالطبع وتأسيسا على ما سبق فإن حقوق الناس ومن ضمنهم الأفراد الذين يشغلون مواقع سياسية أو إدارية أو قضائية أو علمية أكاديمية محفوظة، وأن التجريح فيهم وبسمعتهم وسمعة وكرامة عائلاتهم هي مخالفة وينبغي أن يحميهم القانون ولكن عبر المحاكم المدنية والترافع والمقاضاة وليس في محاكم أمن الدولة.

نعتقد بأن متطلبات الإصلاح السياسي في المملكة تقتضي وضع حدا للممارسات الانتقائية للسلطة التنفيذية في إرسال العباد من المواطنين الأردنيين الأحرار المحبين لبلدهم وقيادتهم وشعبهم إلى محاكم أمن الدولة المخصصة لمحاكمة الجواسيس والإرهابيين والخونة. القيادة الأردنية مدعوة إلى إعادة النظر في كافة التشريعات المتصلة بما اصطلح على تسميته مقامات عليا وجعل تعديلها أو إلغائها في مقدمة الإصلاحات السياسية المنشودة والمنتظرة. إن من يتحدث من داخل المملكة وينتقد وربما يشتط في قلمه خيرا من أن ينتقل هذا القلم لخارج الأردن خوفا من أن يحاسب ويعتقل ويرسل للمحاكمة في محكمة أمن الدولة التي أصبحت تخيف عددا مهولا من الأردنيين بما فيهم كاتب هذا المقال .