مستشار الأمن القومي الجديد ماكماستر أمام اختبار استعادة الثقة بادارة مرتبكة !

226

 

الأردن العربي ( الثلاثاء ) 28/2/2017 م …

مستشار الأمن القومي الجديد ماكماستر أمام اختبار استعادة الثقة بادارة مرتبكة ! …                 

المصدر: د. منذر سليمان

مركز الدراسات الأميركية والعربية

————————————–

   لقي تعيين ماكماستر لمنصب مستشار شؤوون الأمن القومي ترحيبا واسعا في اوساط المؤسسة الاميركية، سياسيا وعسكريا واستخباراتيا، لما يعوّل عليه من المضي في تنفيذ السياسات الراهنة و”تقويض” توجهات الرئيس ترامب في الانسحاب المنظم من التمدد الدولي والتركيز على هموم الداخل الاميركي.

اسبوعية تايم روجت له مسبقا بادراجه ضمن قائمة “100 شخص الأكثر تأثيرا في العالم،” عام 2014 قائلة ان ماكماستر “قد يكون افضل من يتمتعون بفكر المحارب في القرن الواحد والعشرين.” جاءت اشادة الاسبوعية بعد انقضاء وقت طويل على نشر ماكماستر لمؤلفه عام 1997 “التقصير في اداء الواجب: ليندون جونسون، روبرت ماكنمارا، هيئة الاركان المشتركة والاكاذيب التي أدّت الى (نشوب حرب) فييتام،” اوضح فيه ان هيئة الاركان المشتركة كانت “مسيسة” الى حد بعيد ورضخت لطموحات كبار مسؤولي ادارة الرئيس جونسون وادخال البلاد لمستنقع بالغ الكلفة دون مردود مبرر.

       اولى آيات الثناء صدرت عن الرئيس ترامب نفسه مشيدا بمزايا مرشحه “كرجل ذو موهبة خارقة وخبرة هائلة،” والمكلف بتنسيق السياسة الخارجية والدفاعية للرئيس، وما لبث مرشحه ان اصدر “توجهاته” لفريق الأمن القومي، قيد التكوين، محذرا من سياسات الاقصاء السابقة التي صبت في خدمة الخطاب الدعائي للجهاديين واعلانه ان “وصف الارهاب الاسلامي الراديكالي،” لم يكن موفقا، بل ان “الارهابيين هم عناصر غير اسلامية.”

       عزم ماكماستر “الاقلاع عن سياسة مرؤوسيه” ومستشاري الرئيس ترامب الذين يعتبرون بلادهم “تخوض حربا وجودية عالمية ضد الاسلام،” لقي اشد الترحيب لدى اركان المؤسسة، واعتبرت يومية نيويورك تايمز، 24 شباط، انه مؤشر على “توجه ماكماستر لاعادة تصويب بوصلة مجلس (الأمن القومي) بعيدا عن الخطاب المفعم بالايديولوجيا لسلفه مايك فلين.” واستدركت الصحيفة بالقول ان “القرار النهائي” لوجهة السياسة الاميركية يبقى بيد البيت الابيض وقلة من مساعديه الموثوقين الذين يتشاطرون الرؤيا للعقيدة الاسلامية ضمن سياق “عداء عميق” متجذر ضدها.

       على الطرف المقابل من المحور السياسي، اعتبرت شبكة فوكس نيوز، 25 شباط، التصريح المنسوب لماكماستر بأنه دلالة على “تعزيز التوجه الأمني السائد داخل المؤسسة الذي يتلقاه ترامب من وزير الدفاع (جيمس) ماتيس .. والتجذيف بقارب الادارة نحو علاقة اوثق مع حلف الناتو وحلفاء اميركا في آسيا.”

كما اعربت في الوقت نفسه عن ثقة ماكماستر بدعم واسع له داخل الادارة: رئيس هيئة الاركان جوزيف دانفورد، ووزير الدفاع ماتيس، وربما وزير الخارجية ريكس تيلرسون؛ في مواجهة “زلات الرئيس ترامب.”

اميركا في قبضة العسكر

       في الجانب المناويء للسياسة الرسمية، اجمعت القوى الليبرالية واليسارية على ان اختيار ماكماستر ليس الا “محاولة من ترامب لتهدئة واسترضاء اعدائه في المؤسسة الاستخباراتية واركان السياسة الخارجية .. (اي) اشارة من ترامب لخصومه على نيته التعاون معهم لتنفيذ الاجندة الاستراتيجية شريطة عدم التعرض له والسماح له بالبقاء الى نهاية ولايته الرئاسية الاولى.”

       من المعروف عن ماكماستر، استنادا الى تجربته الميدانية الواسعة في ساحتي افغانستان والعراق، هو حساسيته من فرط الاعتماد على استخدام القوة العسكرية والتي “قد تؤتي نتائج عكسية.” بل هذا التحذير لم يمنعه من تسخير فائض القوة العسكرية في العراق بعد معركة خاضها في تلعفر العراقية، عام 2005، ادت الى سقوط 21 عنصر من رجالاته قتلى، وبلغت نسبة الخسائر البشرية في احدى الوحدات نحو 40%، وفق الاحصائيات الرسمية الاميركية.

       للتعرف عن كثب على طبيعة توجه “المفكر المحارب” ماكماستر، يستشهد مؤيدوه بمشاركته عام 2008 في وضع دراسة تناولت اسس العقيدة العسكرية الاميركية ونشرها عام 2015 في شهرية ميليتاري ريفيو، عدد آذار/نيسان، يجادل فيها “العقيدة القتالية للجيش والرؤيا الجلية لحروب المستقبل،” مبينا ما اعتبره “الافتراضات الخاطئة للحروب المستقبلية،” قائلا ان “الوعد بتحقيق نصر سريع من مسافة بعيدة بناء على جهود استطلاع واستخبارات ومعلومات افضل وقدرات اكبر في دقة ضرب الاهداف .. مغالطة تربك استراتيجية استهداف مؤسسات العدو.”

       ابرز نظريات ماكماستر العسكرية “اقراره” بتفوق المعدات الحربية الروسية على نظيراتها في الترسانة الاميركية، في مجال المركبات المدرعة والمدفعية. وحذر سابقا من مواجهة مفترضة بين القوات البرية الاميركية والروسية اذ سيجد الجانب الاميركي انه امام “استخدام متطور من روسيا للطائرات المسيرة (الدرونز)، وتكتيك مبتكر، وسيكون (الاميركي) امام مواجهة شرسة وصعبة جدا.”

       ومضى محذرا من التفوق الروسي، امام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 2016، ان روسيا “استثمرت عاليا في نظم الحماية المتطورة، وتحسين قدرتها الفتاكة .. وينبغي علينا العودة السريعة لتطوير عربات قتالية نظيرة”.

       الحرب والقرصنة الالكترونية وتداعياتها على القدرات العسكرية الاميركية لها حضور مميز في اولويات ماكماستر. ونبه الحضور الى ان البلاد “انتجت نظما (قتالية) رائعة التطور بيد انها عرضة لفشل كارثي .. اذ ان بعضها يصعب بقائه في الخدمة الفعلية – حتى دون تدخل من اي طرف معادي.”

       استشرفت يومية نيويورك تايمز ما ينتظر ماكماستر من مرحلة صراع داخلي يقوده، بمعاونة من وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان، ضد الاجندة الايديولوجية لترامب وعنوانها مستشاره ستيف بانون، نظرا لتعارض الرؤى خاصة لقناعة ماكماستر بأنه يتعين على القادة “بذل كل الجهود لتجنب الوقوع في او تكرار اخطاء الماضي التاريخية،” مقابل “استعداد ترامب الانصياع لنصائح استخدام القوة العسكرية دون الاعداد الكافي للتداعيات الاستراتيجية المترتبة على ذلك.”

ماذا يُنتظر من ماكماستر

كلف الرئيس ترامب مستشاره للأمن القومي واعوانه باجراء مراجعة للسياسة الاميركية في سوريا، واعداد تقرير بهذا الخصوص مطلع الاسبوع المقبل، على خلفية اصرار مستشار ترامب الخاص، ستيف بانون، بان بلاده وحلفاءه الاوروبيين منخرطون في “حرب وجودية عالمية” ضد الاسلام. ماكماستر عرف عنه ايضا ميله لاعتماد الدقة وفصل “المتطرفين عن غالبية السكان المحليين،” كما وثقه في تجربته في العراق.

       بيد ان هذا التكليف الرئاسي لا يعني بالضرورة ان ترامب عاد ليمسك بزمام السياسة الخارجية ووعوده الانتخابية بتقليص التدخل العسكري الاميركي. بل على العكس من ذلك، اضحت السياسة الخارجية في قبضة الثنائي، ماكماستر ووزير الدفاع ماتيس، والى حد ابعد بدعم من رئيس هيئة الاركان ووزير الخارجية.

الثنائي المتصدر لرسم معالم السياسة الاميركية لم يخفِ طموحه بارسال قوات اميركية لسوريا والعراق بغية “اقامة وجود عسكري اميركي ثابت” هناك، تحت ذريعة “اقامة مناطق آمنة.” ويرجح بعض الخبراء في مجال الطاقة ان “المنطقة الجديدة” ستعود الى واجهة التحديات الاقتصادية لربط انابيب الغاز القطرية بدول الاتحاد الاوروبي، مجددا، وتصعيد المواجهات المرتقبة “للحد من التهديد الروسي،” كما اوضح ماكماستر مؤخرا.

سورياً، عزم ماكماستر واقرانه في القيادة العسكرية الاميركية “الحاق الهزيمة بداعش في الشطر الشرقي من سوريا” يرمي ايضا الى حرمان روسيا من توفير الدعم للدولة السورية استعادة سيادتها على كامل اراضيها. ماكماستر كرر رؤيته في ساحات الصراع الراهنة، امام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 4 أيار 2016، بأن محورها الاساسي هو “التنازع على بسط السيطرة على الارض والسكان والموارد الطبيعية.” ويجد المرء تجسيدا لتلك المقولة في تصريحات الرئيس ترامب الاخيرة حول ميله لانشاء “مناطق آمنة.”

       في العراق، يرجح الخبراء العسكريون انخراط اوسع للقوات الاميركية تحت توجيهات ماكماستر في معركة تحرير الموصل على خلفية الانجازات الميدانية التي حققها الجيش العراقي شبه منفردا؛ كما ان مقر عمليات ماكماستر السابقة، مدينة تلعفر عادت لتحتل اهمية استراتيجية مرة اخرى، وهو الادرى بتضاريسها الجغرافية والديموغرافية.

       خبير الشؤون العسكرية في يومية واشنطن بوست، توماس ريكس، اشاد بفلسفة ماكماستر في التعاطي الميداني مع العراقيين قائلا ان الاخير ابان عوده لمدينة تلعفر عام 2005 خاطب جنوده محذرا بالقول “في كل مرة تعاملون (الفرد) العراقي بازدراء وعدم احترام، فانكم تخدمون العدو بذلك.”

       وكباقي اقرانه في المؤسة العسكرية، يعتبر ماكماستر ايران “مصدرا للتطرف والارهاب،” وينبغي التعامل معها بحزم. واوضح في لقائه المذكور مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية باعتقاده ان “ايران تطبق نموذج حزب الله على عموم المنطقة .. تسيرها حكومات ضعيفة وتعتمد على الدعم الايراني، بينما تقوم هي بانشاء ميليشيات ومجموعات اخرى مؤيدة خارج سيطرة الحكومة المحلية والتي بوسعها التحرك ضد الدولة ان قررت حكومتها اتخاذ اجراءات ضد المصالح الايرانية.”

       اوروبيا، من المرجح ان يحافظ ماكماستر على حضور قوي لحلف الناتو، بخلاف تصورات الرئيس ترامب الاولية، خاصة وهو العارف بأدق امور الحلف نظرا لخدمته المهنية في اوروبا، واطلاعه على مواطن ضعفه “وفشله جماعيا بتحديث عقيدته امام عودة نشطة لروسيا.”

       وهنا يلمس المرء تقاطعا بين رؤية ترامب وماكماستر فيما يخص الحلف، واللذين على قناعة مشتركة بضرورة قيام الحلف استثمار قدر اكبر من الانفاقات العسكرية وتحديث ترسانته “لمواجهة التحديات الراهنة.” ومن شأن تعيين ماكماستر في موقعه الحساس استعادة ثقة اعضاء الناتو بدور الولايات المتحدة خاصة بعدما اصابها من فتور عقب التصريحات المتتالية للرئيس ترامب.

       يشار الى ان المرحلة الحالية شهدت تحركات عسكرية وتعزيزات قامت بها الولايات المتحدة ودول حلف الناتو بتحريك وحدات مدرعة باتجاه روسيا، على الرغم من تواضع حجم وفعالية القوات لدى دول في اوروبا الشرقية مثل بولندا ودول بحر البلطيق. بوسع ماكماستر الاستفادة القصوى من تلك التحركات الرمزية وتعديل عقيدتها لتصبح في مرحلة متقدمة من الكفاءة “في التصدي للتحركات الروسية.”

       كما ان ماكماستر يشاطر الرئيس ترامب رؤيته في تحديث وزيادة الانفاق على القوات العسكرية الاميركية لتحقيق “قوات عسكرية حديثة باستطاعتها الانتشار السريع والقيام بمهام قتالية عند الحاجة .. مما يتطلب تضافر اسلحة وقدرات عسكرية مجتمعة.”

       استعادت يومية نيويورك تايمز، 2013، تحذيرات اطلقها ماكماستر آنئذ حول صعوبة تحقيق المهام العسكرية الاميركية بالقوى الراهنة، قائلا “سجل استفادتنا من تجاربنا السابقة ضعيف؛ واحدى اسبابه هو تطبيقنا المبسط لدروس التاريخ، او اهمالها بالكامل، نتيجة عقيدة التمنيات التي تضع المستقبل في صورة زاهية وسهلة المنال وتختلف جوهريا عن الماضي.”

       ومضى محذرا، وفق الصحيفة، من التوجهات المَرَضية قبل احداث 11 من ايلول 2001 اذ ساد “شعور بالغرور” داخل المؤسسة العسكرية ان بامكانها “تحقيق انتصارات خاطفة عبر استخدامها لعدد محدود من القوات الاميركية المسلحة باحدث تقنيات الاسلحة وقدرتها على شن غارات جوية دقيقة ضد اهداف معادية انطلاقا من مسافات بعيدة وآمنة.”

       وخلص ماكماستر بالقول ان تلك العقيدة ارخت ظلالها على فهمنا لطبيعة الصراعات وأـجلت قدراتنا لتطوير استراتيجيات فعالة.”

   Mounzer A. Sleiman Ph.D.

Center for American and Arab studies

التعليقات مغلقة.