متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والثمانون / الطاهر المعز

272

الطاهر المعز ( تونس ) – لسبت 27/7/2024 م …

يتضمن العدد الثاني والثمانون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن المستفيدين من العدوان الصهيوني وفقرة أخرى متعلقة بالعدوان كذلك وبرصد وضع الحريات في أوروبا، في ظل العدوان الصهيوني،  وفقرة عن اقتصاد الحرب في روسيا، والعودة إلى تشغيل مصانع الحقبة السوفييتية، وفقرة عن التوقعات السلبية للإقتصاد العالمي، منذ بداية سنة 2024 وفقرة عن دَوْر نظام كينيا كوكيل للإمبريالية الأمريكية وفقرة عن التأثير السلبي للحروب على صحة الأطفال والوقاية من الأمراض الخطيرة   

 

المستفيدون من العدوان

نشرت 19 منظمة وجمعية ونقابة، من بينها الإتحاد الدّولي لحقوق الإنسان، تقريرًا – منتصف حزيران 2024 – عن استثمار المؤسسات المالية الأوروبية مليارات اليورو لدى شركات إنتاج وتسويق الأسلحة إلى الكيان الصهيوني في ذروة عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وقدّمت المؤسسات المالية الأوروبية 36,1 مليار يورو على شكل قروض واكتتابات، فضلا عن 26 مليار يورو على شكل أسهم وسندات في شركات تبيع الأسلحة للعدو الصهيوني، ما يُعَدُّ ” تسهيلًا للإنتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، بل مُشاركة  في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، أو الإبادة الجماعية في غزة”، وفق تقرير الشبكة الذي أكّد: ” لم تتوقف توريدات 6 من أكبر منتجي الأسلحة في العالم (بوينغ وجنرال دايناميكس وليوناردو ولوكهيد مارتن وآر تي إكس ورولز رويس) من الأسلحة خلال الفترة التي درسها التقرير، من 2019 إلى نهاية 2023. أما بخصوص كبار المُستثمرين فإن المصرف الفرنسي “بي إن بي باريبا” ( BNP-Parisbas ) الذي يمتلك فروعًا بالمغرب العربي والعديد من البلدان العربية (تحت مُسمّيات أخرى) أكبر مستثمر في هذه الشركات بقيمة تُعادل ست مليارات دولارا، في شكل قروض واكتتابات بين سنتَيْ 2021 و 2023، إلى جانب مصرف فرنسي آخر “كريدي أغريكول” ومصارف أوروبية أخرى من بينها دويتشه بنك وباركليز وبنك إنغلترا، بالإضافة إلى صندوق التقاعد الحكومي النرويجي وشركة التأمين أليانز، و ” تتحمل المؤسسات المالية مسؤولية واضحة لضمان عدم الاستثمار في الشركات التي تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان”، وفقا للمعايير الدّولية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التي أكّدها هذا التقرير، كما أشارت منظمات حقوق الإنسان الدولية ومسؤولو الأمم المتحدة إلى الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي يرتكبها العدو الصهيوني، وسبق أن أصْدَرت محكمة الاستئناف الهولندية حُكْما (شباط/فبراير 2024) يعتبر إن على هولندا التّوقّف عن تصدير أجزاء الطائرات المقاتلة من طراز “إف-35” إلى الكيان الصهيوني ( وهي طائرة أمريكية يستخدمها حلف شمال الأطلسي) لأن ذلك يُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان…

في الولايات المتحدة، نشر موقع صحيفة “ذا نيشن”  تقريرًا ( 11/07/2024) عن الشركات الأمريكية التي استفادت من العدوان الصهيوني لزيادة أرباحها، بفعل المُساعدات العسكرية الأمريكية الإضافية أو الطارئة التي بلغت قيمتها 12,5 مليار دولارا بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 ونهاية أيار/مايو 2024، واستفادت شركة “كولت” من خلال بيع البنادق التي يستخدمها المستوطنون في هجوماتهم – التي يحميها الجيش – ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، أما شركة فورد للسيارات فهي غير معروفة بصناعة الأسلحة، لكن الجيش الصهيوني يستخدم شاحنة فورد “إف-350” بنوافذ مجهّزة بشبك معدني، وبأجهزة استشعار وكاميرات متطورة لتعمل كمركبة برية مسيرة في الدوريات، وكانت شركة فورد قد أنشأت – بعد فترة وجيزة من عدوان 1967 – أول مصنع تجميع لها في فلسطين المحتلة...

تورّطت شركة معدّات البناء “كاتربيلر” في تهديم منازل ومباني الفلسطينيين وفي قتل راشيل كوري (1979 – 2003) وهي كذلك شركة لم تكن معروفة بصناعة الأسلحة، لكنها تصنع الجرّافات التي تحفر الطرقات المُخصّصة للمستوطنين والطرقات التي تُسَهّل تنقلات الجيش الصهيوني وتبيع جرافات مدرّعة للجيش الصهيوني، يمكنها مقاومة الصواريخ وقذائف “آر بي جي”، ويستخدمها الجيش لهدم منازل ومدارس ومستشفيات الفلسطينيين، وفق هيومن رايتس ووتش ( تمويل وكالة التنمية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية ) التي دعت، منذ أكثر من عشرين سنة،  شركة كاتربيلر إلى التوقف عن بيع جرافة “دي 9” إلى جيش الإحتلال الذي يستخدمها في “هدم منازل الفلسطينيين، وتدمير الزراعة والطرقات، في انتهاك لقوانين الحرب“.

تُطور العديد من الشركات الأمريكية أساليب التّجسس والمراقبة الإلكترونية وتخزين المعلومات والإتصالات وما يُسمّى “الذّكاء الإصطناعي” ومن بينها شركة “بالانتير” التي افتخر مديرها التنفيذي في بداية العام 2024 باستخدام الحكومة الصهيونية للتقنيا الأمنية والعسكرية التي طورتها الشركة غير المعروفة لدى الجمهور العربي، خلافًا ل”غوغل” ( وألفابت، الشركة الأم) التي لها علاقات وثيقة علنية ومعروفة بآلة الحرب الصهيونية، ونشرت وسائل الإعلام سنة 2021، نبأَ عقد وقّعته شركتا غوغل وآمازون لتطوير نظام الرقابة الإلكترونية ونظام الحوسبة السحابية التابع للحكومة الصهيونية والمعروف باسم مشروع “نيمبوس، بقيمة 1,2 مليار دولارا، ويتمتع نظام “نيمبوس، “بقدرة الكشف عن الوجه، وتصنيف الصور الآلي وتتبع الأشياء وحتى تحليل المشاعر بادعاء تقييم المحتوى العاطفي للصور والكلام والكتابة…”، وندّد بعض العاملين في غوغل “بتعاملها بشكل منهجي على إسكات الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة، وتواطؤ غوغل في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني”، وفقا تقرير نشرته منظمة “أكسيس ناو” للحقوق الرقمية ( أيار/مايو 2024).

 

أوروبا – حريات

نشرت منظمة العفو الدّولية يوم 09 تموز/يوليو 2024 ( بعد تسعة أشهر من العدوان الصهيوني المُستمر) تقريرا مُقتضبًا بعنوان “حالة حق الإحتجاج في 21 دولة أوروبية” وأفضت دراسة وضع الحريات في النمسا وبلجيكا وجمهورية التشيك وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليونان والمجر وآيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وبولندا والبرتغال وصربيا وسلوفينيا وإسبانيا والسويد وبريطانيا وسويسرا وتركيا إلى وُجود نمط من القوانين القَمْعِيّة ما دعا منظمة العفو الدولية إلى التّحذير من “تزايد القيود على حرية التجمع  باستخدام القوة غير الضرورية أو المفرطة والاعتقالات والمحاكمات التعسفية، فضلاً عن استخدام شرطة ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان بعض الأسلحة – وُصِفَتْ بغير القاتلة – التي تسببت في إصابات وإعاقات دائمة، بالإضافة إلى القيود غير المبررة أو التمييزية في العديد من الدول الأوروبية”، وسَجَّلَ التقرير “إن الحق في الاحتجاج بات مقيدا في الدول الأوروبية، وأن المحتجين السّلْمِيِّين يوصفون بالمتطرّفين أو الإرهابيين أو الجواسيس، بهدف تشويه سمعة المحتجين وتجريدهم عَمَلِيًّا من حق الإحتجاج”، وأشار قرير منظمة العفو الدّولية – المُتَأَخِّر جدًّا – إلى استخدام الشرطة القوة غير المتناسبة ضد الأطفال في بلجيكا وفرنسا وفنلندا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وصربيا وسلوفينيا وسويسرا، وإلى استخدام تقنيات مراقبة متقدمة تتعَقَّبُ المُحْتَجِّين وجميع الأشخاص المتواجدين في محيط الإعتصامات والمظاهرات، ثم تخزين وتحليل البيانات، وتمارس إحدى عشر دولة على الأقل تقنية التعرّف على الوجه، وهو ما يرقى إلى المراقبة الجماعية التعسفية، وأشارت المنظمة إلى عُنف أجهزة الأمن وحَظْر الإحتجاجات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وحظْر بعض الشعارات والرموز ( مثل الكوفية أو العلم الفلسطيني أو شعارات المُقاطعة…) بشكل غير قانوني، وتُشكّل هذه القُيُود خطرًا على حرية التعبير والتّجمُّع والتّظاهر في معظم الدّول الأوروبية، مع تزايد “حالات إفلات الشرطة من العقاب، أو انعدام المساءلة” في 13 دولة على الأقل من أصل 21 دولة شملها الاستطلاع، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا وبريطانيا وتركيا، حيث تدّعي الحكومات ووسائل الإعلام إن التّظاهر السّلمي يُعدّ عُنصُرية ومعاداة للسامية وتهديدًا للسّلامة والنظام ، ويُساهم القضاء، إلى جانب الشرطة في استهدفت المُحتجّين باستخدام أحكام وقوانين متعلقة بالإرهاب وبمكافحة الجريمة المنظمة وحماية الأمن القومي.

 

روسيا – اقتصاد الحرب

عندما انطلقت الحرب في أوكرانيا أقرّت الولايات المتحدة مجموعة من “العقوبات” ضدّ روسيا وأهمها محاصرة صادرات روسيا من المحروقات والحبوب، وفرضت على أوروبا تطبيق “العقوبات” رغم الأضرار التي يخلّفها حَظْر استيراد الغاز الرّوسي، وتوقّعت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي إن الحرب التي تَشُنُّها بالوكالة (بواسطة أوكرانيا) سوف تُؤَدِّي إلى انهيار روسيا بسرعة، لكن يبدو إن روسيا كانت تتوقّع تمديد فترة الحرب، أو تأقْلَمَتْ مع هذا الواقع بسرعة، فحَوّلت اقتصادها إلى اقتصاد الحرب، ساعدها في ذلك إنتاجها للمواد الأولية والوقود، وضخّت الدّولة مبالغ هامة لتسليح الجيش ولتزويده بالذخيرة وقطع الغيار وبالوقود وإنتاج الملابس العسكرية والغذاء وقوده، ما حَدّ من الأضرار التي لحقت الإقتصاد الروسي الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 3% سنة 2024، ونشرت صحيفة فايننشال تايمز تحقيقًا عن منطقة تشوفاشيا  التي كانت صناعية زَمَنَ الإتحاد السّوفييتي ثم أصبحت منطقة فقيرة ومهملة بعد الإنهيار، وتمت إعادة تشغيل المصانع السوفييتية لتزويد الجيش الروسي بالإمدادات، واستفادت الشرائح ذات الدخل المنخفض من السكان من إعادة تشغيل هذه المصانع بالعديد من مناطق البلاد، لتتمكّن روسيا من زيادة قُدْرَتها على مواصلة حرب الاستنزاف، فيما كانت الولايات المتحدة تُعَوِّل على استنزاف الإقتصاد الرّوسي وعلى تمرّد المواطنين ضدّ السلطة، لكن تأثير الحرب كان إيجابيا على دخل الأُسَر في المناطق والفئات المحرومة، بفعل المراهنة على طول أمد الحرب و”الصُّمود” بواسطة تحويل أوْلَوِيّة الإنتاج إلى تلبية احتياجات الجبهة العسكرية، وعلى سبيل المثال كانت سَبْعُ مصانع في منطقة تشوفاشيا تُنتج احتياجات القوات المُسلّحة وارتفع عددها إلى 35 مصنعا خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2022، وأصبحت الصناعات العسكرية أكبر مُساهم في توظيف عاملين جدد وفي انخفاض معدل البطالة، حيث ارتفع عدد العاملين في قطاع التصنيع الحربي إلى 2,5 مليون عامل، بالإضافة إلى ملايين العاملين في قطاعات أخرى لإمداد الجيش بالملابس والغذاء وصناعات أخرى، ورفعت الحكومة رواتب نحو مليون جندي وضابط تم إرسالهم إلى الجبهة، وتعويضات القتلى والجرحى، ولهذه العوامل تأثير على وجهات النظر السياسية لقطاعات كبيرة من السكان الروس، فيما كانت الولايات المتحدة تهدف من وراء العقوبات، تأليب الرأي العام ضد السلطة وضد الحرب... عن فايننشال تايمز 14 تموز/يوليو 2024

 

آفاق الإقتصاد العالمي

انخفض معدل البطالة العالمي من 5,3% سنة 2022  إلى 5,1% سنة 2023، غير إن هذا الإنخفاض الطّفيف يُخفي هشاشة وضع العاملين والعاملات، وقد يؤدي تدهور الأوضاع الإقتصادية إلى تفاقم توقعات سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة العالمية وفق تقرير منظمة العمل الدولية لسنة 2024 حول العمالة والوضع الاجتماعي في العالم، الذي يتوقَّعُ ركود الإنتاجية وزيادة البطالة بما يزيد عن مليونَيْ مُعطّل جديد، لترتفع النسبة العالمية إلى 5,2% وهشاشة وضع العاملين وتزايد التفاوتات الاجتماعية، وانخفاض الدخل المتاح للإنفاق في معظم دول مجموعة العشرين، فيما تزيد الفوارق بين البلدان مرتفعة الدخل والبلدان منخفضة الدخل التي يُتوقّع أن يتضرر اقتصادها من إغلاق حدود البلدان الغنية ومن ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع حجم الدُّيُون، كما ينوقع تقرير منظمة العمل الدولية استقرار حجم الإقتصاد الموازي ومعدلات العمل غير الرسمي التي تُشكّل نحو 58% من القوى العاملة العالمية سنة 2024.

بعد مرور حوالي نصف سنة على نشر تقرير منظمة العمل الدّولية، نشرت وكالة بلومبرغ تقريرًا عن “التطورات الرئيسية للإقتصاد العالمي” وتتميز بتقلب أسعار النفط وبانكماش قطاع الصناعة في أوروبا – في ألمانيا بشكل خاص – مقابل زيادة حصة قطاع الخدمات من الناتج المحلي الإجمالي، وبتحدّيات أخرى في آسيا وأمريكا الشمالية، منها خَفْض الإنفاق الحكومي والأسباب الجيوسياسية أحيانًا، ويَتَجَاهل تقرير وكالة بلومبرغ وضع العاملين الذين تراجعت القيمة الحقيقية لرواتبهم ومعاشاتهم، مما أدّى إلى إضرابات في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا…

 

كينيا خادم مُطيع للإمبريالية

قرر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024،  زيادة ثالثة لحجم القروض المقدمة لكينيا، ليصل إلى 4,4 مليارات دولار للفترة 2021-2025، وخلال إعداد موازنة العام المالي 2024/2025، حصلت حكومة كينيا على قرض إضافي من  صندوق النقد الدولي بقيمة 976 مليون دولار، بشروط من بينها زيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة وخصخصة مؤسسات الدولة وخفض الإنفاق العام.

تم انتخاب رئيس كينيا ويليام روتو ( آب/أغسطس 2022 ) لأنه وَعَدَ بالدفاع عن الضُّعفاء، ولكن حرص، فَوْرَ انتخابه، على تطبيق سياسات التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي من خلال زيادة ضريبة الدخل وحصص مساهمات الأُجراء في الحماية الإجتماعية والصحية والضمان الاجتماعي منذ سنة 2023، كما تضاعفت ضريبة القيمة المُضافة على البنزين، وبذلك يتحمل شعب كينيا ثمنًا باهظا لتنفيذ حكومته تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، الأمر الذي أدى إلى تدهور الظروف المعيشية لغالبية السكان، وقمعت الحكومة بوحشيةٍ المظاهرات الشعبية احتجاجًا على ما تَضَمَّنَهُ مشروع ميزانية 2024-2025 الذي قدّمته الحكومة يوم 13 حزيران/يونيو 2024 والذي ينص على زيادة العديد من الضرائب وإنشاء ضرائب جديدة وفقًا لتوصيات صندوق النقد الدولي، وكانت الضرائب غير المباشرة ـ 16% على الخبز على سبيل المثال ـ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لأنها تسببت في ارتفاع كبير لأسعار الضروريات الأساسية، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والذخيرة الحية لقمع المتظاهرين، وأدّى قمع مظاهرة يوم 25 حزيران/ يونيو 2024 واقتحام مَقَرّ البرلمان إلى قَتْل أكثر من 30 وإصابة العشرات، ولم تهدأ المظاهرات بل تضاعف زخم الإحتجاجات، فاضطرت الحكومة والرئيس ويليام روتو، الذي وصفه صندوق النقد الدولي بأنه “تلميذ نَجيب”، إلى التراجُع وسحب مشروع ميزانيتها، إلا أن هذه الخطوة تُعْتَبَرُ تراجُعًا تكتيكيًّا، إذْ لم تَتِم المطالبة – من قِبَل الحكومة – بمراجعة شُرُوط الاتفاقيات المبرمة مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.

على المستوى الدولي، تعد كينيا حليفًا موثوقًا للولايات المتحدة، وأعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن خلال زيارة الرئيس الكيني ويليام روتو للولايات المتحدة (أيار/ مايو 2024)، إن كينيا أصبحت ” بمرتبة حليف رئيسي، غير عضو في حلف شمال الأطلسي – ناتو”، ومن المفترض أن يمنح هذا الوضع مزايا عسكرية واقتصادية، لكنه في الواقع يُعْتَبَرُ المكافأة الممنوحة لويليام روتو لموافقته على إرسال الجيش الكيني إلى هايتي، بعد ضغوط أمريكية تهدف مُساعدتها على وضع هايتي تحت الإنتداب بإشراف أمريكي وبغطاء أُمَمِي ( الأمم المتحدة) شَكْلِي أو صُوري.

أرسلت كينيا فرقة من ألف جندي إلى هايتي لتنفيذ الخطة الأمريكية – التي تغطيها الأمم المتحدة – “لاستعادة النظام” و”وضع حد لعدم الاستقرار السياسي الهيكلي” الذي خلقته الولايات المتحدة، وهكذا، فإن الديون تُحَوِّلُ كينيا إلى منفذ للاستراتيجيات الإمبرياية في أفريقيا التي تهدف إلى الحفاظ على التبعية الاستعمارية الجديدة من خلال الديون وإنشاء دول وكيلة تساعدها على  “الحفاظ على النظام” حيث تتطلب مصالح الإمبريالية وحلف شمال الأطلسي ذلك.

 

صحة

أدّت الحروب والنزاعات المُسلّحة إلى حرمان ملايين الأطفال من التّطعيم ضد أمراض خطيرة مثل الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي وقَدّرت منظمة يونيسيف ااطفولة ومنظمة الصحة العالمية ارتفاع عدد الأطفال المحرومين من اللقاحات من 13,9 مليون طفل سنة 2022 إلى 14,5 مليون طفل سنة 2023،  ولم يحصل حوالي 6,5 مليون طفل إضافي سوى على جرعة واحدة، مما يعني حرمانهم من الحماية الكاملة التي تتطلب الحصول على ثلاث جرعات من لقاح DTP، وهي حقنة أساسية تحمي من الخناق والتيتانوس والسعال الديكي.

كان انخفاض عمليات التطعيم كبيرا في السودان وفلسطين واليمن وأفغانستان، بالإضافة إلى 17 دولة أخرى تضم أكبر عدد من الأطفال غير الملقحين أو الذين لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاحات سنة 2023

 

كوريا الجنوبية – إضراب بمجموعة سامسونغ

تأسست شركة سامسونغ للإلكترونيات بنهاية عقد الستينيات من القرن العشرين، وُتُعَدُّ حاليا، بعد 55 سنة من العمل، أكبر شركة مصنعة لشرائح الذاكرة في العالم، وتتفوّق على شركة آبل الأمريكية في إنتاج الهواتف “الذكية”، وتتم إدارتها بشكل شبه عسكري (كما معظم الشركات الكبرى في كوريا الجنوبية واليابان وتايوان) ولم يسبق لعمال سامسونغ أن أضربوا طيلة تاريخها، رغم وجود حركة عمالية قوية في كوريا الجنوبية، قبل إضراب بيوم واحد خلال شهر حزيران/يونيو 2024، حيث طالب العمال بمفاوضات بشأن الرواتب وساعات العمل المجانية الإجبارية وأيام العُطلة، وأمْهل الإتحادُ الوطنيُّ لعمال الإلكترونيات – الذي يُمثل حوالي 25% من قوة العمل في سامسونغ البالغة 125 ألف موظف – الشركةَ حتى العاشر من تموز/يوليو 2024، لكن يعمل نحو 90% من أعضاء نقابة عمال الإلكترونيات في مجال حلول الأجهزة، وهو الجزء المتكامل من إنتاج الرقائق، ولذلك فإن الإضراب الذي بدأ يوم العاشر من تموز/يوليو 2024، يشل إنتاج الرقائق تدريجياً، حيث اضطر خلال الأيام الثلاث الأولى للإضراب  نحو 6500 عامل التوقف عن العمل.، ورفضت إدارة سامسونغ ( التي تدعمها الحكومة) التفاوض بذريعة إن النقابة لا تُمَثّل أغلبية العاملين، وتجدر الإشارة إلى العداء التاريخي للنقابات ومنع تشكيل أي نقابة في شركة سامسونغ، حتى سنة 2020، لما كان رئيسها “لي جاي يونغ” من الجيل الثالث للعائلة المُؤسّسة والمالكة للشركة مُهدّدًا بالسجن في قضية فساد سياسي ( راجع فقرة أخرى أسفله)، ولا تزال “ثقافة” الشركة ترتكز على المُراقبة ( العصا) والحوافز ( الجزرة)، مع العداء المُتأَصِّل للعمل النقابي، ولذلك أقرّ النّقابيون أيام إضراب مع التّصعيد، وتتمثل الخطوة التّالية، في التركيز على شل إنتاج شرائح DRAM وNAND، التي تتمتع فيها سامسونغ بمكانة عالمية مهيمنة، وعلى شرائح الذاكرة عالية النطاق الترددي  (HBM)، وهي ضرورية “للذكاء” الاصطناعي (AI)  الذي استثمرت فيه سامسونغ بكثافة لكي لا تفقد مكانتها أمام منافستها التايوانية TSMC، لأن سامسونغ تأخرت عن منافسيها بسبب الإعتماد المفرط على شرائح الذاكرة التقليدية.

طبقت شركة سامسونغ، خلال تسعينيات القرن العشرين، نظام حوافز التّعويض للمديرين والباحثين والموظفين الإداريين والفَنِّيِّين، ويتمثل في حصولهم على جزء من الأرباح، ما دفع العُمّال إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية والعمل لفترة أطول، ولو كان ذلك على حساب الترفيه والحياة الشخصية، وارتفعت أرباح الشركة التي كانت إدارتها “فخورة بثقافة العمل” الخاصة بها، ونشرت سنة 1991 إعلانا في جميع المطبوعات الرئيسية بالبلاد بعنوان “استراحة القهوة على الساعة الثالثة صباحًا”، عن باحثين يعملون حتى الفجر لتطوير شريحة ذاكرة جديدة، وكانت الحكومة تتحمل دوماً المخاطر المالية من خلال الإعفاءات الضريبية والقروض المباشرة الرخيصة، ما مَكّن سامسونغ من تشغيل أفضل المواهب في البلاد في جميع المجالات من البحث والتطوير إلى الإنتاج في مصانعها، وكانوا من أعلى العمال أجراً في البلاد، فضلا عن الحوافز والمكافآت، ويكسب موظف سامسونغ للإلكترونيات في المتوسط أكثر من 120 مليون وون (87 ألف دولار) سنوياً، مقارنة بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد والذي يبلغ 32 ألف دولار، لكن يتمثل الجانب الخفي لهذه الرواتب المرتفعة في واقع مُرْهِق ونَسَق عمل جنوني، وكشفت وسائل الإعلام الأمريكية هذا الجانب، سنة 2012، تعبيرًا عن انحيازها لشركة آبل التي رفعت دعوى تتهم من خلالها شركة سامسونغ بالسطو على المِلْكِيّة الفِكْرِيّة (براءة اختراع ) لتصنيع هاتف “غالاكسي”، وكشف الإعلام الأمريكي إن المهندسين ومُصَمِّمِي البرامج ينامون حوالي ثلاث ساعات فقط لتَتَمَكّنَ الشركة من منافسة آبل و “تي إس إ مسي” في مجال الهواتف “الذّكية”، غير إن النقابيين يُطالبون بحصّة العاملين من نتائج ثلاثة عقود من الجهود الحثيثة التي حولت سامسونغ إلى القوة التكنولوجية الوحيدة التي تهيمن في نفس الوقت على أسواق شرائح الذاكرة و”الهواتف الذكية” العالمية، وتطالب نقابة العمال بزيادة الأجور بنسبة 3,5%، وهو ما يقل قليلاً عن مطالبها السابقة، وتحسين أجور العطلات الرسمية، وتَكْمن نقطة الخلاف الرئيسية في مقياس “الأجر الحافز”، المعروف باسم “القيمة الاقتصادية المضافة”*، والذي يمثل ما بين 30% و50% من إجمالي التعويضات، وجاء الإضراب في وقت حرج بالنسبة لشركة سامسونغ، وسط مؤشرات على حدوث تحول إيجابي بعد عدة سنوات من تراجع المبيعات والإيرادات، وتُطالب النقابة بمراجعة صيغة “القيمة الإقتصادية المُضافة” التي بقيت مقاييسُها سِرِّيّة وتفتقد إلى الشّفافية، ففي سنة 2023، انخفضت تعويضات العديد من الموظفين، بينما ارتفعت رواتب المُدِيرين التنفيذيين، وعللت إدارة الشركة انخفاض الرواتب بانخفاض الأرباح التشغيلية لخط إنتاج شرائح الذاكرة، وحصل الرئيس التنفيذي هان جونغ هي على 6,9 مليار وون (5,2 مليون دولار) كتعويض إجمالي سنة 2023، بزيادة بنحو 49% عن العام السابق، 2022، دون تقديم أي تفسير منطقي للزيادة، ولذا تطالب نقابة عُمّال  سامسونغ باستبدال القيمة الإقتصادية المضافة ( EVA ) بأرباح التشغيل كمقياس أكثر شفافية للأجور الحافزة، ويُبعدها عن الضغط وعن توسيع الفجوة بين تعويضات التنفيذيين وغير التنفيذيين في وقت تنفق فيه سامسونغ بكثافة للتغلب على الشركة التايوانية تي إس إم سي وغيرها في مجال  الرقائق الخاصة “بالذكاء الاصطناعي”، أو لحلول الأجهزة، أو أشباه الموصلات…

حظيت الشركات الكبرى، ومنها مجموعة سامسونغ بدعم من كافة الحكومات المتعاقبة، وتَوَلّى “لي جاي يونغ” إدارتها من خلال رشوة الرئيسة “بارك كون هيه ” آنذاك وحاشيتها التي مارست ضغوطًا على هيئة المعاشات التقاعدية الوطنية لاستخدام أصوات المساهمين لدعم صعود لي جاي يونغ الذي كانت له سوابق “سوء تصرف” أدّت إلى عزل الرئيس بارك سنة 2017، بعد مجابهة احتجاجات جماهيرية واسعة النطاق، وأصدر القضاء حُكْمًا بسجن “لي جاي يونغ” خمس سنوات، لم يتم تنفيذها، إذ  أصدرت الحكومة، سنة 2022، عفواً عنه بذريعة “تنشيط الاقتصاد من خلال السماح له بقدر أكبر من الحرية لإدارة شركة سامسونغ”، رغم آلاف الوثائق التي تم الكشف عنها، سنة 2018، وتتعلق بالرقابة غير القانونية وبالحملات المُنَظّمة، منذ سنوزات، ضدّ أي شكل من العمل النقابي، إلى جانب ظروف العمل القاسية التي تسبّبت في وفاة ما لا يقل عن ثلاثة عُمّال خلال سنة واحدة…

لمّا بدأت شركة سامسونغ، أواخر القرن العشرين، تنتج شرائح الذاكرة، خلال الطفرة العالمية في مجال أجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنت، كانت مصانع ومختبرات المَجْمُوعة تفتقر إلى التمثيل العمالي الجماعي، مما خَلَّفَ  دماراً هائلاً بين العمال، رغم الرواتب المرتفعة (في ظل غياب التمثيل النقابي)، وتم اكتشاف أمراض جديدة مثل سرطان الدّم بين العاملين والعاملات بمصنع شرائح الذّاكرة والتي تم الكشف عنها سنة 2007، بعد سنوات عديدة من ظهورها، وأحصت إحدى المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان ما لا يقل عن وفاة حوالي مائة عامل في سامسونغ بين سنتَيْ 2012 و 2020،  وقَدَّرَت مجموعة “شاريس” التي شكّلتها أُسَر الضّحايا مع مناضلي “الصّحة العامة في أماكن العمل” عدد حالات الوفاة  النّاجمة عن أسباب مهنية في مصانع سامسونغ، بين 2012 و 2023 بنحو مائتَيْن، فضلاً عن حالات العجز الدائم بين عمال الرقائق السابقين والحاليين في شركة سامسونغ التي أنكرت وجود أي مخالفات أو إهمال، واستعانت وكالة التعويضات التي كان من المفترض أن تحمي مصالح العُمّال بمحاميي سامسونغ لرفض التماسات الضحايا وتعويض أُسَرِهِم (هنّ)، وأفادت شهادة ذوي الضحايا إن شركة سامسونغ كانت تملا الحافلات المُحَمّلة بأفضل المواهب من المدارس الثانوية للبنات في المدن الصغيرة إلى مصانعها التي تنتج شرائح الذاكرة أو شاشات الكريستال السائل، مع القليل من التّدريب على السلامة وغياب معدات الحماية، فضلا عن الحَظْر الكامل لأي عمل جماعي ولأي شكل من أشكال التنظيم النّقابي، ولما انخفض عدد العاملات الراغبات في الإلتحاق بمصانع سامسونغ، رغم الإغراءات، نقلت سامسونغ بعض مصانعها لإنتاج هواتف “غالاكسي” إلى فيتنام، حيث تقوم بتجنيد العاملات والعُمّال من التلاميذ النابغين في الثانويات…

اضطرت سامسونغ، بفعل صمود ذوي الضحايا  إلى تعويضهم، وتمكنت الوثائق المنشورة ونضالات العمال وأُسَر الضحايا من كشف عِداء مجموعة سامسونغ وملاحقتها النّقابيين وعدم مكافأة تضحيات العُمّال والفَنِّيِّين… 

*القيمة الاقتصادية المضافة هي صافي الربح التشغيلي بعد الضريبة مطروحاً منه تكاليف رأس المال، مع صيغ حسابية تختلف وفقاً للشركات وللقطاع الصناعي، أي تنخفض مجموعة الحوافز المعدلة وفقاً للقيمة الاقتصادية المضافة عندما تستثمر الشركة أو تقترض بكثافة، ما يؤدي إلى تقليص قيمة الحوافز، بغض النظر عن أداء الموظفين، وبذلك تثجْبِرُ الشركةُ العمالَ على تحمل جزء من تكاليف الاستثمار مثل القروض وأرباح الأسهم، ولهذا السبب نادراً ما يتم تطبيق القيمة الاقتصادية المضافة على المكافآت غير التنفيذية ــ حتى في الولايات المتحدة، التي تعد موطناً لكل أنواع الحيل الهندسية المالية، ولكن سامسونغ ذلك في كوريا.

الرجاء مراجعة مقال بعنوان: كوريا الجنوبية – من خفايا “المعجزة” الإقتصادية ( الطاهر المعز )

التعليقات مغلقة.