أوكرانيا – من خلفيات الحرب / الطاهر المعز

300

الطاهر المعز ( تونس ) – الإثنين 3/6/2024 م …

بدأ استغلال عُمال وموارد أوكرانيا قبل الحرب، بفعل ارتفاع عدد طلبة وخِرِّيجِي تكنولوجيا المعلومات وانخفاض الرواتب، مقارنة بأوروبا وأمريكا الشمالية ( معدّل 400 دولارا شهريا) وبفعل التكاليف المنخفضة للوقود والكهرباء وإيجار المحلات، فقد ارتفع عدد العاملين المَهَرَة الأوكرانيين في قطاع تكنولوجيا المعلومات من حوالي 150 ألف سنة 2017 إلى حوالي 300 ألف سنة 2021، معظمهم يعمل لدى شركات أجنبية، واستغلت أوروبا موارد أوكرانيا، من خلال إقامة شراكة استراتيجية، سنة 2021، في مجال المواد الخام، لتقليل الاعتماد الأوروبي على الصين، وصنفت المفوضية الأوروبية أوكرانيا كمورد لأكثر من عشرين مادة خام مهمة، يتم استغلالها من قِبَل الشركات الأوروبية، بواسطة شراكة مَحلِّيّة، واستثمرت الشركات الألمانية في الصناعة الحربية والبناء والغاز الطبيعي والطاقة الحيوية في أوكرانيا، وتُخطّط أوروبا لنقل الهيدروجين من أوكرانيا، بعد تعديلات طفيفة على شبكة خطوط أنابيب الغاز التي تربط أوكرانيا بمولدوفا والاتحاد الأوروبي الذي يُخطط لاستغلال الإحتياطيات الكبيرة غير المستغلة التي تمتلكها أوكرانيا  لحوالي 117 من أصل 120 من المعادن الصناعية الأكثر استخدامًا، بما في ذلك التيتانيوم والنيكل والليثيوم والأتربة النادرة، واستغلال البنية التحتية الصناعية التي لا يتطلب إصلاحها استثمارات كبيرة، وخصوصًا صناعة الآلات والمعدات الكهربائية ومعدات النقل التي استأنفت الإنتاج لتلبية احتياجات الجيش، فضلا عن إنتاج المُعدّات الإلكترونية وقطع غيار السيارات وأعمال الصيانة، من خلال التّعاقد مع الشركات الأوروبية (وخصوصًا الألمانية) التي تُخَطّط لإنشاء مصانع أسلحة وذخائر في أوكرانيا التي ورثت من الإتحاد السوفييتي الإستثمار في الزراعة، وكذلك مصانع إنتاج التوربينات والمحركات لصناعة الطيران، بمواقع إنتاج طائرة أنتونوف AN-225، أكبر طائرة شحن في العالم، زمن الإتحاد السّوفييتي.

أوكرانيا، محمية أمريكية؟

تُعَدُّ الولايات المتحدة أكبر مُستثمر في أوكرانيا، بنحو 113 مليار دولارا، منذ بداية حرب شباط/فبراير 2022، تم تخصيص ثُلُثَيْ هذا المبلغ تقريبا ( 86 مليار دولارا) للدّعم العسكري، وأدْرَجت الدّعاية الأمريكية مبلغ 27 مليار دولارا ضِمْنَ “المُساعدات الإقتصادية”، وتتمثل هذه “المُساعدات” في “إصلاح الأنظمة الإجتماعية وإصلاح شبكات الكهرباء وشراء المواد الغذائية…” وتَهْيِئة الظروف المواتية لشركات القطاع الخاص الأمريكية للإستثمار المُرْبِح في هذه المجالات ومن بينها الزراعة والصناعات الغذائية، لأن حكومة الولايات المتحدة دعت الشركات الخاصة إلى “اعتبار أوكرانيا موقعاً للاستثمار في المستقبل”، وفق تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمر تعافي أوكرانيا في لندن يومي الأربعاء 22 والخميس 23 أيار/مايو 2024، ويجمع المنتدى بين “الحكومات والمؤسسات المالية الدولية والشركات لحشد الأموال لصالح أوكرانيا ( ويهدف) حماية الاستثمارات الخاصة من المخاطر بضمانات الدولة والبنك العالمي وصندوق النقد الدّولي…” وفق تصريحات رئيس الحكومة البريطانية…  

تُشير تقديرات شركة إدارة الأُصُول الأمريكية “بلاك روك” إلى إمكانية تحويل أوكرانيا إلى أكبر مركز للأسلحة في أوروبا، بدعم من قطاع تكنولوجيا المعلومات والإحتياطيات الكبيرة للمواد الخام الأوكرانية، على أن تتم عملية إعادة الإعمار بالتوازي مع التعافي الإقتصادي، بواسطة الشركات الخاصة التي يمكنها القيام بصفقات تجارية وبعمليات مُرْبِحَة للغاية، وتعمل شركة “بلاك روك” على إنشاء “صندوق استثماري لإصلاح الاقتصاد الأوكراني” في لندن بالتعاون مع المصرف الأمريكي العملاق جيه بي مورغان تشيس لجعل أوكرانيا “جاذبة للإستثمارات ومنارة لقوة الرأسمالية لبقية العالم، وتعمل الولايات المتحدة ( عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية –   USAID– ) على دعم الشركات الأمريكية، وخصوصًا شركات تكنولوجيا المعلومات – لتستثمر في أوكرانيا في مجالات “الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والبلوكتشين”، وتُعلّل ذلك بوفرة المواد الخام والقوى العاملة المؤهلة، في أوكرانيا التي “يمكن أن تكون شريكا مهما لشركات التكنولوجيا الأمريكية في مواجهة الصّين”، وأنشأت إحدى الشركات الأمريكية شركةً محلّيّة أوكرانية لتجهيز ضباط الشرطة الأمريكية بالدراجات الإلكترونية…

قدّر البنك العالمي – بداية شهر نيسان/ابريل 2024 – تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا ( حتى نهاية سنة 2023) بما لا يقل عن 411 مليار دولارا أمريكيا، أي ما يزيد على ضعفين ونصف ضعف الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا، وحَثَّ القطاع الخاص على المساهمة في جهود إعادة الإعمار في أوكرانيا.

لماذا تُخَصّص الدّول الإمبريالية ( أعضاء حلف شمال الأطلسي) مبالغ كبيرة لكي تستمر الحرب في أوكرانيا؟

إن الدّول والشركات الرأسمالية لا تُنفق فلسًا واحدًا دون انتظار أرباح وفي حالة أوكرانيا، يُجنّد الإعلام ( الدّعاية) الجمهور من أجل الدّعم السياسي لنظام أوكرانيا ( واليمين المتطرف جزء من هذا النظام) فيما تبيع الشركات الكبيرة الأسلحة وتستورد المعادن وتُخَطّط لإعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب… 

التعليقات مغلقة.