عابرون / زكريا محمد

190

مدارات عربية – الإثنين 29/4/2024 م …

هذا النصّ هو للكاتب والشاعر الفلسطيني زكريا محمد ،كتبه قبل رحيله عنا، و قبل أن يستطيع معايشة لحظات ٧ أكتوبر العظيمة.

عابرون …

بالتدريج تحولت قصيدة (عابرون في كلام عابر) لمحمود درويش إلى أيقونة، مزيحة قصائده الأخرى إلى الخلف. الآن مثلا لم يعد أحد تقريبا يستشهد بقصيدة (بطاقة هوية) أو (سجل أنا عربي) كما تسمى شعبيا. لا تجدها تقريبا في وسائل التواصل الاجتماعي نهائيا. لكن أينما ذهبت في هذه الوسائل فستجد (عابري) القصيدة الذين أشار إليهم درويش هناك. تجدهم يحملون أغراضهم على ظهورهم، ويرحلون. وهذا يعني أن الإحساس بأن إسرائيل عابرة وزائلة قد تعمق بشدة في الوجدان الفلسطيني، رغم أنه بدا وكأن إسرائيل ترسخ وجودها في السنوات العشر الأخيرة.
كانت كما لو أنها ترسخ وجودها سياسيا، لكنها من ناحية أخرى كما لو أنها تقلع من جذورها من وجدان الناس. نعم، هكذا.
وحين كتب درويش القصيدة شن عليه الإسرائيليون جميعا هجوما ضاريا شارك فيه شامير، رئيس الوزراء، وغير من قادة إسرائيل، وحرضوا عليه العالم. لكن القصيدة وقتها لم تصبح أيقونة. اليوم صارت أيقونة فلسطينية كبرى. تخمرت في وجدان الفلسطينيين. كأنهم اكتشفوا عمقها ببطء وبالتدريج. كأن الإيمان بما قالته أخذ وقتا حتى نضج.
إذن، يمكن القول أنها طبخت في الوعي الجمعي على مهل، طبخت على نار هادئة ولفترة طويلة جدا. لم تنفجر مثل (سجل أنا عربي)، لكن انفجارها حين حصل كان أعمق بكثير.
باختصار، هذه قصيدة الوعي الفلسطيني الذي يتعمق ويتجذر بعد فترة طويلة جدا من الضياع. إنها إذن ليست قصيدة لدرويش، بل قصيدة للفلسطينيين ولوعيهم.

عابرون في كلام عابر
محمود درويش

أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف – ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص، وانصرفوا
وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء
وعلينا ، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر.. أو خجل
فخذوا الماضي، إذا شئتم، إلى سوق التحف
وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، إن شئتم،
على صحن خزف
لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل
ولنا في أرضنا ما نعمل
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا
وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس
أو إلى توقيت موسيقى مسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف شعبا
وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة
أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا .. والآخرة ْ
فاخرجوا من أرضنا
من برنا .. من بحرنا
من قمحنا .. من ملحنا .. من جرحنا
من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة ْ
أيها المارون بين الكلمات العابرة