النساء تحركن من أجل غزة حين عزّ الرجال / مجدى حسين

208

 

* الصورة لماهينور …

لا يمكن لهذه الأمة أن تموت .. مصر لن تموت .. ولن تظل صامتة على مذبحة غزة المتواصلة على حدود مصر . تحركت مجموعة من نساء مصر أول أمس وتظاهرت أمام مقر الأمم المتحدة فى المعادى وكانت الهتافات ضد الأمم المتحدة وتقصيرها تجاه الشعب الفلسطينى وليست ضد الحكومة المصرية ، ولذلك من العجب أن تستفز الحكومة المصرية إلى هذا الحد لأن الأمر ليس موجها لها وهى تقول أنها مهتمة بالقضية الفلسطينية . وهذا يدل على خشية الحكومة من تحرك أكبر فى الشارع يعبر عن الغضب الشعبى المخزون ضد الكيان الدموى وضد أمريكا . والمثير للعجب أنه لم يحدث حتى الآن إلا فى الأيام الأولى لمدة يوم واحد . كذلك اعتقلت السلطات مجموعة من متظاهرى سلم نقابة الصحفيين ثم أفرجت عنهم سريعا ، ولأول مرة نجد تدخلا أمنيا من أمن الجامعة الأمريكية بالقاهرة ضد نشاط طلاب الجامعة نصرة لغزة .

الحكومة تستفز مشاعر المصريين حين تواصل إغلاق معبر رفح لمدة 200 يوم أى تفتحه تحت الرقابة الاسرائيلية كما ونوعا ، وحين تواصل المباحثات الودية والأخوية مع الكيان الدموى حول كيفية اجتياح رفح ، فى محاولة لتقليل الخسائر المدنية وعدم الاقتراب من محور صلاح الدين . وهذه أول مرة نرى تفاوض مع المعتدى حول تحسين شروط اعتدائه .

السماح أو التسامح مع المظاهرات الشعبية ضد العدوان الاجرامى المستمر منذ 200 يوما يساعد الحكومة المصرية فى تحسين شروط هذا التفاوض الذى قد يصل إلى حد إلغاء اجتياح رفح . ولكن من ناحية أخرى فهذا من أبسط حقوق الشعب أن يعبر عن موقفه فى قضية مصيرية كهذه .

أدعو كل المصريين للتظاهر السلمى ضد العدوان الصهيونى الامريكى فى كل مكان قدر الامكان وأن يعبروا عن موقفهم بكل الوسائل السلمية الأخرى . إن المقاطعة الناجحة التى قادها شباب مصر ضد البضائع الأمريكية والغربية رغم أهميتها ورغم ضرورة استمرارها فإنها لم تعد تكفى لصد العدوان . التعرض للسجن أقل ما يمكن أن نقدمه نصرة للأشقاء الذين استبيحت دماؤهم وأعراضهم ، فلا معنى للحياة بدون كرامة ، وكرامتنا نحن كمصريين تهان كل دقيقة وكل ثانية ونحن نتفرج على مجازر غزة ، حتى يمكن القول بدون مبالغة أن غزة حية وحرة ونحن أموات ومستعبدين . لاقيمة لحياة نأكل فيها ونشرب كما تأكل الأنعام . بل نحن نقتل ونستعبد مرتين ، مرة بالصمت على مجازر اسرائيل وأمريكا ومرة بقبول المزيد من السقوط فى الاستدانة على يد نفس العدو الصهيونى الأمريكى فى شخص صندوق النقد ووزارة الخزانة الأمريكية والنظام المصرفى الصهيونى . لقد وصل بنا الحال إلى وقوعنا تحت الرقابة اليومية والدائمة لصندوق النقد وله بعثة دائمة فى مصر والتى تتدخل فى كل قراراتنا الاقتصادية والمالية أكثر من أيام صندوق الدين فى عهد اسماعيل . بل وصل الأمر إلى تنفيذ سياسة بيع مصر بالتقسيط وأيضا تحت اشراف الصندوق والامارات الصهيونية .

ولكننى أدعو فى نفس الوقت أن تتركز شعارات التظاهر على إدانة العدوان الصهيونى الأمريكى والمطالبة بوقفه والانسحاب من غزة وفتح معبر رفح كمعبر مصرى فلسطينى . فقد حدث خطأ جوهرى من وجهة نظرى فى الموجة الأولى من المظاهرات التى سمحت بها السلطات لمدة يوم واحد . فقد تصور البعض من مختلف التيارات أن يستغل الفرصة لترديد شعارات ضد النظام . وقد ردت السلطة باعتقال بعض المتظاهرين ربما لم يخرج بعضهم حتى الآن . والتشدد على منع أى نوع من التظاهر الجديد وإلى حد تحريم العلم الفلسطينى والكوفية الفلسطينية .

وهذا الاقتراح مشتق من رؤية أطرحها فى السنوات الأخيرة أى تركيز الدعوة والانتباه إلى خطر الهيمنة الصهيونية الأمريكية على بلادنا وبالتالى الدعوة لتوحيد الجبهة الداخلية كلها ضد هذا الخطر والتوقف عن الدخول فى معارك جانبية لا يستفيد منها إلا الأعداء . والاعتراض على ذلك يقول : إن السلطة هى التى ترفض ذلك فماذا نفعل ؟ وردى على ذلك : إن طرح الموقف الصحيح والأولوية الوطنية يضع الطرف الآخر وهو هنا السلطة فى موقف حرج ، ويجعل الموقف المعارض أكثر شعبية أى يكسب تعاطف وتأييد شعبى متعاظم . ويظل احتمال تقارب السلطة مع الرأى الشعبى أكثر احتمالا . يجب أن يكون الموقف الرشيد لكافة القوى خارج السلطة : إننا لا نريد أن ننازعكم السلطان ولكننا شركاء فى الوطن ومن حقنا عليكم أن تستمعوا لنا ، وأن ندخل فى حوار حقيقى فى محاولة جادة للوصول إلى أرضية أو مساحة مشتركة.

أميل حاليا لفكرة أهل الحل والعقد أى نخبة المجتمع من مختلف التيارات والتخصصات أكثر من فكرة السلطة والمعارضة . على أن يكون . الحوار مفتوحا على مستوى النخبة وعلى مستوى المجتمع رغم أن شعار الحوار المجتمعى طرح كثيرا بدون أى جدية حقيقية . ففكرة الحوار المفتوح تعنى ألا تكون هناك معارضة دائمة على طول الخط فى كل الموضوعات أو موافقة دائمة فى كل الموضوعات وهذا يحتاج إلى تفصيل فى موضع آخر .

العدوان الصهيونى الأمريكى الغربى الحالى هو امتداد للحملات السابقة : الصليبية والتتارية والاستعمارية الغربية والاستيطان اليهودى فى فلسطين الذى بدأ فى أعقاب الحرب العاليمة الأولى . المسألة ليست مجزرة غزة رغم بشاعتها ، فبشاعة المجزرة يجب أن توضع فى سياقها العام كحملة على كل أمتنا العربية والاسلامية . وهى مسألة مصيرية لا تحتمل المساومات فإما أن تكون مع الأعداء كالأردن والامارات أو تكون مع الشعب الفلسطينى ومجمل محور المقاومة .

ولكن المطلوب الآن بشكل ملح السماح بحرية التعبير والكلام والتظاهر . أو انتزاع هذا الحق الدستورى . أو الموت دونه .